الاصداراتمتفرقات 1مقال رأي

تفجيرات مطار أتاتورك في اسطنبول ..ردّ على مُتغيّرات السّياسة الخارجية التّركية؟!

 

atat

في تطور خطير غير مسبوق على مستوى تركيا منذ عقود، هزّت ثلاثة انفجارات انتحارية عنيفة مطار أتاتورك في إسطنبول، والذي يُعدّ من أكثر المطارات ازدحاماً على مستوى أوربة بعد مطار هيثرو بلندن، ومطار شارل ديغول في باريس، في مدينة تعدّ الأهمّ سياحياً واقتصادياً بالنسبة لتركيا، والّتي يقصدها السّياح من كافّة أرجاء العالم، متزامنة مع نشاط الموسم السياحي الصيفي، ومتواقتة أيضاً مع تغيرات في ملف العلاقات الخارجية التركية، حيث شهدت علاقة تركيا مع كلّ من روسيا و”إسرائيل” انتعاشاً واضحاً.

نُفّذت العمليات باحترافية لإيقاع أكبر عدد من القتلى داخل مطار أتاتورك، حيث نفّذ الهجوم حوالي سبعة اشخاص، حيث قام أحد الانتحاريين بتفجير نفسه في مرآب السيارات القريب، وقام آخر بتفجير نفسه في مدخل صالة المسافرين، بينما اشتبك الباقون مع رجال الأمن باستخدام البنادق، ليقوم الثّالث باستغلال الفوضى الناتجة عن التفجير والتي اشغلت رجال الأمن، ثمّ التّسلُّل إلى داخل المطار، فانتبه له بعض رجال الأمن واستطاعوا إطلاق النار عليه وأوقعوه أرضاً لكنه بقي في وعيه وعلى قيد الحياة، ليقوم بعد ذلك وهو مستلق على الأرض بتفجير حزامه النّاسف أيضاً، ولربّما كان عدد الضحايا مضاعفاً لو لم يطلق رجال الأمن النار على الانتحاري الثّالث، حيث تنبّه لذلك المسافرون، وابتعدوا مسرعين عنه قبل أن يُفجّر نفسه، كما أظهرت تسجيلات الكاميرات من داخل المطار، فيما تمّ اعتقال الانتحاري الرابع.

المُتّهمون بالتنفيذ:

شهدت تركيا عمليات انتحارية عديدة أقلّ شأناً، ففي كانون الثاني من العام الجاري، فجّر انتحاري نفسه في منطقة السلطان أحمد في إسطنبول (وهي منطقة سياحية أيضاً)، تبين فيما بعد أنّ الانتحاري سوريُّ الجنسية، وقد عبر إلى تركيا من مناطق تنظيم الدولة شرقي حلب، ممّا جعل تنظيم الدولة المُتّهم الرئيسي في الحادثة، تفجيرات أخرى مماثلة تمّ اتّهام التنظيم بها في مدينة سروج (ضدّ فعاليات كردية)، ومدينة ديار بكر، ومترو الأنفاق في إسطنبول وانقرة[1]، ومقرّ الشرطة الرئيسي في مدينة غازي عنتاب فضلاً عن الصواريخ التي استهدفت مدينة كيليس الحدودية من داخل سوريا، وعلى الرُّغم من عدم تبني تنظيم الدّولة لها، إلا أنّ بصمات التّنظيم كانت واضحة فيها، وحتّى الآن، لم يدّع تنظيم الدولة الإسلامية أيّ عمل في تركيا، باستثناء اغتيال الصحفيين السوريين في مدينتي غازي عنتاب وأورفا.

كلّ ذلك، إضافة إلى أسلوب الهجوم العنيف، واستهداف التنظيم لمطار بروكسيل من قبل، يجعل تنظيم الدولة هو المتّهم الأول بتنفيذ العملية رغم عدم تبنيه لها (يبدو أنّها سياسة التنظيم بالنسبة لأعماله في تركيا)، الأمر الذي صرّح به رئيس الوزراء التركي.

لكنّ ذلك لا ينفي وجود آخرين، فتنظيم “صقور حرية كردستان” “TAK” – يعتقد بأنّ له ارتباطات بحزب العمال الكردستاني “PKK”- كان قد تبنّى ثلاث عمليات انتحارية مؤخراً، في أنقرة[2] وإسطنبول [3] وبورصة[4]، كما أنّ للتنظيم ميلاً للهجوم على المطارات والمعالم السياحية، حيث استهدف مطار “صبيحة كوكجن” في إسطنبول قبل أشهر بقذائف الهاون، الأمر الذي أدّى إلى مقتل شخص واحد، علاوة على ذلك، أصدر التنظيم تحذيراً واضحاً للسياح الأجانب، كما تعهّد بتدمير السياحة في تركيا[5].

وبشكل لافت، لا يستبعد بعض المحللين تورّط عناصر المليشيات الشيعية كحزب الله أو غيره في مثل هذه العملية، سواء بشكل مباشر، أو من خلال الانسلال والتغلغل داخل تنظيم الدّولة، حيث تحدّثت بعض تقارير الاستخباراتية عن تغلغل عناصر شيعية من العراق بشكل خاص داخل تنظيم الدّولة.

كما يكاد يجمع المحلّلون على أنّ التنظيم المُنفّذ للعملية وبغضّ النظر عن هويته، ما هو إلا أداة تنفيذية بيد دول أو قوى أخرى، تريد الضغط على تركيا في الملف الأهمّ الذي حققت فيه نجاحاً باهراً، فمن المعروف أنّ أحد أهمّ أسباب نجاح حكومة حزب العدالة والتنمية الحالي، هو السير بتركيا صعوداً في الملف الاقتصادي، الأمر الذي يمكن استهدافه بقوة من خلال ضرب السياحة في إسطنبول، العاصمة السياحية والاقتصادية التركية.

متغيرات السياسة الخارجية التركية:

عانت تركيا مؤخراً من عزلة دولية، فهي على خلاف حادّ مع إيران والنظام السوري، وتدعم فصائل المعارضة السياسية والعسكرية، أدّى هذا أيضاً إلى توتّر كبير في علاقاتها مع روسيا، وخاصّة بعد إسقاط الطائرة الروسية قرب الحدود، كما توتّرت علاقتها بالولايات المُتحدة بسبب دعم الأخيرة لما تعتبره أنقرة دعماً لمشروع الانفصاليين الأكراد في الشمال السوري، ولنفس الأسباب بدرجة أقل، إضافة إلى أسباب أخرى متعلقة بالهجرة واللاجئين، توتّرت علاقتها مع الاتحاد الأوربي وعدد من دوله، كما كانت العلاقات سيئة مع “إسرائيل” بسبب سفينة مرمرة وحصار غزة، ومع مصر بعد انقلاب السيسي.

مُؤخّراً، وفي خُطوات متسارعة بعد تولي رئيس الوزراء الجديد “بن علي يلدرم”، تحسنت العلاقات مع كل من روسيا و” إسرائيل”، بعد مفاوضات وأخذ ورد، الأمر الذي كان مُتوقعاً أن يُسهم في تحسين اقتصاد البلاد، خاصّة مع التقارير الواردة عن إمكانية تخفيف توتّر العلاقات مع مصر أيضاً.

تزامنُ التفجيرات التي استهدفت رمزية اقتصادية وسياحية هامّة، مع تحسّن العلاقات الأخير مع روسيا و”إسرائيل”، يجعل كثيراً من المحللين يتساءلون عن الجهات التي تقف خلف من نفّذ التفجيرات، فمن هي أهمّ الجهات الدّولية المرشحة لتكون “المُحرّك من خلف الكواليس”؟!.

الولايات المتحدة:

على اعتبار أنّ تقارب أنقرة مع روسيا و”إسرائيل” يُقلّل اعتماد أنقرة على الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، ويمكن أن يكون ملاذاً للطرفين، حيث تحتاج روسيا لتركيا لتعويض الخسائر الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الأوربية، فيما تعتمد تركيا على روسيا كمصدر أساسي للغاز، وللسياح الأجانب.

علاوة على ذلك، فقد بدى مؤخراً أنّ روسيا وتركيا يعارضان سوياً المشروع الأمريكي في دعم وحدات الحماية الكردية في الشمال السوري، كلّ ذلك، يجعل البعض يعتبر أنّ رسالة التفجيرات قد تكون أمريكية ذات معنى يؤكّد على ضرورة بقاء تركيا ضمن حدود معينة لاستقلال قرارها عن الولايات المتحدة.

مع ذلك، قد لا يبدو أنّ بعض التوتر الذي شاب العلاقات التركية الأمريكية المتعلق بالشأن الانفصالي الكردي والمسألة السورية، سيؤدّي إلى مثل هذا المستوى من الضربات الأمريكية تحت الحزام.

روسيا:

على اعتبار أنّ الرئيس التركي لم يعتذر للروس بشكل رسمي، ولم يقبل بإعطاء التعويضات للروس، على الرّغم من تعبيره عن أسفه، ممّا يجعل بوتين المعروف بعقليته الانتقامية يتابع ضرباته تحت الحزام، رغم البدء بتحسّن العلاقات على المستوى الرسمي.

ويعتقد بعض المحللين أنّ نشاط تنظيم ” صقور حرية كردستان” وتنفيذه العمليات الانتحارية في تركيا بعد سقوط الطائرة الروسية، والتي استهدف بعضها قوافل عسكرية بشكل دقيق، ما هو إلا ضربات عسكرية روسية انتقامية في الدّاخل التركي، ترافق أيضاً مع تقارير تؤكّد تزويد الروس لحزب العمال الكردستاني بمضادات الطائرات المحمولة على الكتف، حيث أظهر أحد المقاطع المصورة إسقاط مقاتلي الحزب لطائرة تركية عمودية في شمال شرق تركيا.

يُدعم هذا الافتراض بالتقارير الأولية، التي تفيد أنّ جنسية الانتحاريين هي من روسيا (الشيشان)، ومن “طاجكستان”، والتي تعتبر الأوكار الطبيعية لنشاط المخابرات الروسية في تجنيد واختراق عناصر تنظيم الدولة، لينفّذوا فيما بعد العمليات لصالحها.

في ذات السّياق، قد تكون العمليات الردّ الروسي على دعم أنقرة للفصائل السورية في هجومها الأخير في منطقة الساحل السوري، الذي يُعدّ معقل القوات الروسية البحرية والجوية، والحلم التاريخي الروسي في الوصول إلى المياه الدّافئة.

إيران والنّظام السوري:

حيث تخوض إيران حرباً إقليمية ضدّ تركيا من خلال دعمها للنّظام السّوري، ومؤخراً، قصفت قوات الحرس الثوري الإيراني قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني داخل إقليم كردستان العراق، والذي أعلن عن استئنافه العمل المسلح داخل إيران ضدّ النظام الإيراني، بعد توقف دام 23 عاماً[6]، ويعتبر الحزب موالياً لحكومة كردستان العراق بقيادة برزاني ذو العلاقات الجيدة مع أنقرة.

علاوة على ذلك، يعتقد خبراء أنّ إيران استطاعت اختراق عدد من الجماعات ومنها تنظيم الدولة، وأنّ المليشيات الشيعية الموالية لإيران يمكن أن تنفّذ العمليات الانتحارية وان كان تحت اسم آخر، سواء تنظيم الدولة أو غيرها، في تكرار لما يُعتقد أنّ حزب الله نفّذه في لبنان في العام 1983، عندما قام انتحاري إيراني اسمه ” سليمان عسكري”[7] بقتل أكبر عدد من المواطنين الأمريكيين دفعة واحدة قبل 11 سبتمبر، حيث قام بتفجير ما يقدر ب 6 أطنان في مقر المارينز الأمريكي ليقتل أكثر من 240 جندياُ أمريكياً، حينها، أعلنت منظمة سمت نفسها “الجهاد الإسلامي” عن تبنيها للعملية، إلا أنّه يُعتقد أنّ المنظمة ما هي إلا ستار لحزب الله كذراع لإيران.

ويرى البعض أنّ الأذرع الطائفية الإيرانية يمكن أن تستلهم تجربة “الحشاشين الفدائيين الانتحاريين” تاريخياً، والذين عانت الأمة الإسلامية من اغتيالاتهم لثلاثة قرون، حاولوا ضمنها اغتيال القائد التّاريخي صلاح الدين الأيوبي.

مصر:

حيث كشفت الاستخبارات التركية عن لقاءات مصرية مؤخراً مع حزب العمال الكردستاني بهدف دعمه، إلا أنّ انّه من المستبعد أن تكون مصر وراء مثل العمل الأخير نظراً لتأثيرها المحدود اقليمياً مقارنة باللاعبين الكبار.

تنظيم الدّولة بدوافع ذاتية:

ربّما يبدو أقل احتمالاً ولكن، لا يمكن اغفال الدّوافع الذاتية للتنظيم، والتي تتّفق مع ايديولوجيته (قتال المرتدين أولى من قتال الكفار)، واستراتيجيته المتعلقة بضرب منافسيه في تمثيل الأكثرية السنية في المنطقة (السعودية – تركيا)، في الحقيقة، كان من الواضح الهجوم الإعلامي الكبير للتنظيم على السعودية وتركيا بعد دخول تركيا في التحالف الدولي ضد التنظيم، وبعد ارتفاع شعبية السعودية نتيجة لتدخلها عسكرياً ضدّ مليشيات الحوثي الطّائفية، إضافة إلى استهداف القوات التركية في شمال العراق (في بعشيقة) من قبل التنظيم بالتّزامن مع مطالبة حكومة العراق الطّائفية الموالية لإيران بخروجها.

علاوة على ذلك، تزداد دوافع الانتحاريين في رمضان، وخاصّة في العشر الأخير منه لاعتقادهم بعظمة الشهادة فيه (كان ذلك ملحوظاً منذ عمليات الجزائر في تسعينيات القرن الماضي).

في ذات السّياق، يصادف العملية الذكرى الثانية لإعلان الخلافة من قبل العدناني، الناطق الرسمي باسم التنظيم في 29 حزيران 2014، والتي تزامنت أيضاً مع اختطاف الدبلوماسيين الأتراك من الموصل من قبل تنظيم الدولة.

الخلاصة:

أيّاُ كانت الجهة المنفّذة للعملية ومن ورائها، فإنّ من الواضح أنّ التجربة التركية المبنية بشكل أساسي على النّجاح الاقتصادي، باتت مستهدفة أكثر من أيّ وقت مضى من مختلف الأعداء، الأمر الذي يستدعي مواجهة شاملة عسكرياُ وأمنياً وسياسياً، من خلال المزج بين الحسم والشدة، والحكمة وتحييد بعض الخصوم.

[1]  في تشرين الأول من العام 2015، تسببت تفجيرات المحطة الرئيسية لمترو الأنفاق في أنقرة بأكثر من مئة قتيل، واتّهمت السلطات تنظيم الدولة.

[2]  تنظيم “صقور حرية كردستان” يتنبى تفجير انقره.

[3]  صقور حرية كردستان يتبنى التفجير الانتحاري في استنبول.

[4]  أنظر الخبر في وكالة رويترز هنا.

[5] The TAK also vowed to destroy Turkey’s tourism as it warned foreigners and Turkish citizens away from “touristic areas”.

“We warn the foreign and native tourists not go to the touristic areas in Turkey. We are not responsible for who will die in the attacks targeting those areas,” it said.

المنظمة تعهدت بتدمير السياحة في تركيا، كما حذّرت الأجانب والمواطنين الأتراك من الاقتراب من الأماكن السياحية ” نحن لسنا مسؤولين عمّن سيموت في استهداف تلك المناطق، أنظر هنا.

 [6]  الكردستاني الإيراني يستأنف العمل المسلح ضد إيران.

[7]  يوم سقط في بيروت أكبر عدد من “المارينز” دفعة واحدة

تمر الأربعاء 30 سنة على شاحنة فجّرها “إيراني” وقتل لأميركا 241 جندياً بدقائق.

للتحميل من هنا

“الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات “

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى