الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةترجمات

نيكسون ترمب: هل التاريخ يُعيد نفسه

تلوح في الأفق إمكانية محاكمة ترمب، فهل سيشهد نفس مصير ريتشارد نيكسون في فضيحة ووترغيت؟ حيث وكما حصل في عام 1974 أراد الديمقراطيون أن يعيدوا تلك الأرضية القانونية للثأر لهزيمة سياسيةٍ مريرة كما يقول المحامي والمؤرخ المتخصص في شؤون الولايات المتحدة ومؤلف كتاب إسقاط نيسكون _الذي سيتم نشره قريبًا عن دار النشر Perrin _ جورج عياش.

يتذكّر الجميع الأقوال المأثورة لكارل ماركس وجورج سانتيانا عن تكرار التاريخ لنفسه: إن كان هذا التكرار هزليًّا أو تراجيديًّا.

ففي عام 1974 بعد أن هُدّد بإقالةٍ شبه مؤكّدة اضطر نيكسون إلى الاستقالة، قبل هذا بعامين تمّت إعادة انتخابه وعودته إلى البيت الأبيض بانتصارٍ كبير، والآن دونالد ترمب بدوره، عليه مواجهة محاولات إقالته بعد أن فاجأ الجميع بفوزه في الانتخابات الرئاسية على المرشحة التي كانت المفضّلة لدى كثير من الأمريكيين هيلاري كلينتون.

يبدو أن “القضية الأوكرانية” قد سقطت من السماء للحزب الديمقراطي المنقسم والذي يفتقر إلى المرشح المتفق عليه:

هل هي فرصةٌ أم صدفة؟ إن كان هذا أو ذاك كلّ شيءٍ يسير كما كان يريد الديمقراطيون المطالبون بالثأر بطريقةٍ قانونيةٍ لهزيمةٍ سياسيّةٍ لاذعة، فصحيحٌ أن الحقائق كانت لوحدها مرهقةً لنيكسون، إلا أنّ الديمقراطيين_الذين سخروا قبل فترة وجيزةٍ وقتها من جورج ماكغيفن المرشح الديمقراطي عام 1972_  استغلّوا ووترغيت كما لو أنّها نعمة لهم.

أمّا بالنسبة لحالة ترمب فالمستقبل لوحده من سيقول ما إذا كانت التهم في “القضية الأوكرانية” ذات مصداقيةٍ وأهميةٍ أم لا، ذلك أنّه وبعد خيبة أملهم في “التحقيق الروسي”، والتي كانت فيما سبق مسألة إقالة، يبدو أنّ هذه القضيّة قد سقطت من السماء لحزبٍ ديمقراطي منقسم لم يقدّم مرشّحًا متفقًا عليه.

الآن تمّ اختزال القضيّة برمّتها في الدفاع عن حقوق الأقليّات والمثليين كمطيّةٍ لأهدافهم، حيث أنّه في حالة ترمب كما في حالة نيكسون يُلاحق الديمقراطيّون الرئيس بكراهيّةٍ منسّقةٍ وممنهجة، لذلك بالكاد نتذكّر اليوم أن “تريكي ديك”(ريتشارد الغشّاش) كان الرجل الأكثر تعرّضًا للكراهيّة من قبل النُخب الليبراليّة حتى قبل ووترغيت.

ومع ذلك فإنّنا نعلم أنّ سعي الديمقراطيين بلا هوادة لنزع الشرعية عن ترمب كانت فكرة تمّ اللعب عليها منذ البداية، إذ كما نيكسون تمامًا فإنّ ترمب هو مغتصِبٌ في أعين الناخبين من الساحل الشرقي، فهو مثله يجب أن يكون رهن الاحتجاز من قبل أوساطٍ معينة ل”حالةٍ نفسية”.

في حين كان نيكسون مناضلًا فإنّ ترمب يبدو أكثر انحرافًا في سياق ما وراء الحقيقة التي يُتقن فيها الرئيس بشكلٍ جيدٍ التغريد والأخبار الوهمية.

هنا تتوقف أوجه التشابه بين الرئيسين، على الرغم من أن عمل “المسرِّبُون” اليوم يذكرنا ب “الحنجرة العميقة” التي أدّت حينها إلى الخسارة التي حلّت بنيكسون._  الحنجرة العميقة هو مارك فيلت الذي كان الرجل الثاني في أف بي آي، وهو أشهر مصدر مجهول في التاريخ الأميركي، قدم معلومات لصحيفة واشنطن بوست عن تورط نيكسون في فضيحة”ووترغيت”_

لقد تغير الوضع من الناحية الهيكلية وليس مؤكّدًا أنه تمّ تقييم جميع النتائج، خلال نصف قرن ساءت تمزّقات المجتمع الأمريكي وأصبحت الغالبية القديمة الصامتة منذ زمن نيكسون أكثر تطرّفًا وانزعاجًا مما تؤول إليه الأمور.

علاوةً على ذلك ففي الوقت الذي كان فيه نيكسون المناضل الذي “لم يمنع الحريات” فإنّ ترمب يبدو أكثر انحرافًا وانخراطًا في سياقٍ بعيدٍ عن الحقيقة يُتقن فيه بشكلٍ كبير التغريد وتداول الأخبار الوهمية.

مرّةً أخرى، فقط الحقائق الأولية من ستقرر ما إذا كان هناك عزلٌ لترمب أم لا  في “القضية الأوكرانية”، وممّا لا شكّ فيه أنّ ترمب لعب دورًا كبيرًا فيما يحصل، ولكنّ الديمقراطيين أيضًا وبنفس القدر حريصون على المطالبة بعزل ترمب إلى آخر حد، حتى أنّهم لم ينتظروا أبدًا الصحافة والعدالة للقيام بعملهم، ذلك على عكس ما حدث تمامًا في قضيّة ووترغيت.

بالتالي ليس من مصلحتهم أن يظهروا كمخطئين فيما بعد، وطالما أن ذلك سيحدث قريبًا فسيقعون في حرجٍ لا يُحسدون عليه، وسيجبرهم تأثير المفاجأة على تغيير مواقفهم.

جورج عيّاش، لوفيغارو 25 أيلول/سبتمبر 2019

الرابط الأصلي من هنا

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى