الاصداراتترجمات

هل سيتراجع النفوذ الروسي في البلقان؟

مع تأثر الاحتكار الروسي لسوق الغاز في البلقان وميل بلغراد لتطبيع العلاقات الاقتصادية مع بريشتينا، توقع الكرملين العديد من خيبات الأمل على مستوى السياسة الخارجية الروسية-البلقانية مع نهاية عام 2020.

لا يمكن لموسكو أن تخفي قلقها من التراجع المستمر لاعتماد دول شبه جزيرة البلقان على النفط والغاز الروسي خلال العام الماضي، علمًا بأن المحطة الكرواتية في جزيرة كرك (البالغ سعتها 2.6 مليار متر مكعب وتكلفتها 233.6 مليون يورو) قد بدأت بالفعل في استقبال الغاز الطبيعي المسال أوائل الشهر المنصرم؛ كانون الثاني/يناير- 2021. وقد جاء تطوير المحطة ليوائم أهداف سوق الطاقة الأوروبي، ويعزز أمن إمدادات الغاز إلى الاتحاد بحسب وسائل الإعلام الكرواتية.

وفي الوقت نفسه تم افتتاح خط “بلقان ستريم” في صربيا باعتباره الفرع المتمم لـ “تورك ستريم” في 9 كانون الثاني/ يناير 2020 بمدينة إسطنبول، ليربط الأول (البلقان ستريم) خط الأنابيب التركي بالصربي بهدف تصدير الغاز الروسي إلى بلغاريا وصربيا ثم هنغاريا، حيث كشفت وسائل إعلام روسية إمكانية أن يصبح ” البلقان ستريم” خياراً بَدِيلاً للمشروع الملغَى “ساوث ستريم” أو “التيار الجنوبي” بسبب موقف بلغاريا والاتحاد الأوروبي.

تخفيض الاعتماد على النفط والغاز الروسي:

وقد تجلى تراجع السيطرة الروسية على سوق الغاز في البلقان بِشَكْل خاص بعد توريد الغاز الأمريكي المسال إلى جزيرة كرك الكرواتية لتلبية احتياجات المجر وكرواتيا أيضًا، مما يقلل اعتماد المجر على شركة غاز بروم الروسية. في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة البلغارية بويكو بوريسوف Boyko Borisov – في حفل افتتاح خط أنابيب نقل الغاز الآذري عبر البحر الأدرياتيكي إلى أوربا (TAP) – عن تنويع مصادر سوق الغاز. 

وفي هذا السياق، بدأ إنشاء خط لأنابيب الغاز بين اليونان وبلغاريا في أيار/مايو- 2019، بعد دعوات من الاتحاد الأوروبي لصوفيا للاهتمام بإيجاد بدائل عن الغاز الروسي، ورفض المجلس الأطلسي في بلغاريا مشاركتها في تشييد “البلقان ستريم” امتدادًا لخط “تورك ستريم”. علمًا  بأن المجلس قلق من خط “ترك ستريم” بصفة خاصة؛ كونه يرتكز على العقد بين بلغاريا وشركة بورم غاز، ولا يصب إلا في مصلحة روسيا، ولا يمكن جني تكاليف المشروع من دافعي الضرائب البلغارين حتى عام 2040.

يضاف إلى ما سبق؛ مما يزيد نسبة تراجع الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي: الانخفاض الشديد لمشتريات أكبر مصافي النفط التركية STAR  من النفط الروسي، مقابل زيادة الواردات من العراق والنرويج العام الفائت، وتفضيل تركيا الإمدادات الآذرية على الروسية من الغاز، بالتزامن مع اكتشاف احتياطات جديدة من الغاز الطبيعي في البحر الأسود تقلل حاجة تركيا لاستيراد الوقود الروسي، مع توقع الخبراء خروج “ترك ستريم” عن الاستخدام حتى قبل افتتاح المحطة الكرواتية.

معضلة أخرى تقابلها موسكو، وهي أن “مبادرة البحار الثلاثة” التي توحد 12 دولة من الاتحاد الأوروبي؛ تقع في وسط وشرق القارة، وتمكنها من الوصول للبحر الأدرياتيكي والبلطيق والأسود، تقلل اعتماد دول المنطقة على روسيا في مجال الطاقة والتبادل الاقتصادي – كما أشارت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا Kristalina Georgieva -. ومع انتقال المبادرة من مقرها في إستونيا إلى بلغاريا مع بداية هذا العام، بيّن الرئيس البلغاري أولويات عمله بالمشاركة في صندوق الاستثمار الإقليمي الذي أعلنت الولايات المتحدة أنها ستستثمر فيه بمبلغ 300 مليون دولار خلال عام 2021، علمًا بأن الصندوق أُنشئ في شباط/فبراير- 2020 لتمويل مشاريع النقل والطاقة والاتصالات.

ومن الجانب الأمني، يرى الخبير البلغاري ومدير معهد السياسات العامة بلامين إيفانوف Plamen Ivanov أن بلغاريا متأخرة في إعادة التسليح والامتثال لمعايير الناتو؛ بالرغم من ميلها للتعاون معه. وبحسب الخبير المذكور فقد تؤدي انتخابات جديدة متوقعة في شهر آذار/مارس إلى نهاية ولاية رئيس الوزراء بويكو بوريسوف Boyko Borisov  وحزبه، حيث قال: “قد يؤدي هذا إلى تشكيل أغلبية برلمانية أكثر تأييدًا لأوروبا، وحكومة تولي اهتمامًا أكبر للقضايا الأمنية وإجراء إصلاحات لمكافحة الفساد في النظام الحكومي والقضائي”.

وعبر الخبير عن أمله في قيام الحكومة الجديدة بتنويع مصادر الطاقة البلغارية والاحتياجات الأخرى؛ لتتناسب مع أولويات التنويع التي يراعيها الاتحاد الأوربي، ودعا الحكومة الحالية إلى أن تعيد النظر في توفير طرق للشحنات العسكرية الروسية إلى صربيا، بالرغم من أن خطر وصول الحزب الاشتراكي البلغاري المؤيد للرئيس الروسي إلى السلطة ما زال قائمًا، مما يؤدي لاستفحال المشاكل الحالية.

مساحة أقل للمناورة:

وبالإضافة إلى تراجع السيطرة الروسية على الطاقة في دول البلقان، فقد قابل الكرملين أزمات خطيرة في السياسة الخارجية نهاية العام الماضي، وتحديدًا بعد توقيع اتفاق تطبيع العلاقات الاقتصادية بين بلغراد وبريشتينا شهر أيلول/سبتمبر- 2020 في واشنطن، الذي وضع قدرة موسكو على المناورة في قضية كوسوفو عبر علاقتها مع بلغراد على المحك.

كما التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالعضو الصربي في مجلس الرئاسة الثلاثي ميلوراد دوديك  Milorad Dodik أثناء زيارته للبوسنة والهرسك في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وتجاهل خلال المؤتمر الصحفي الممثلَ السامي للبوسنة والهرسك، ودعا إلى الالتزام باتفاقية دايتون التي يعتبرها ممثلو الطرف الكرواتي والمسلم  في البلاد عقبة في طريق التقارب مع الاتحاد الأوروبي، وتنطوي على عدم احترام مؤسسات البوسنة والهرسك لبقية أعضاء مجلس الرئاسة؛ شفيق جعفروفيتش Shefik Jaferovic وزيليكو كومزيتش Zeljko Komšić  اللذين رفضا مقابلة لافروف.

وقد عبر نشطاء اجتماعيون صرب يؤيدون روسيا عن استيائهم من بعض بنود التطبيع مع كوسوفو، بالرغم من تصريح الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش Aleksandr Vuchic على تلفيزيون Prva بعدم الاعتراف باستقلال كوسفو؛ على الأقل حتى نيسان/أبريل- 2022، حيث دعا النشطاء في رسالة إلى الرئيس الروسي بوتين إلى حرمان فوتشيتش من وسام ألكسندر نيفسكي؛ بزعم أنه “لا يبذل جهودًا لحماية الأراضي الصربية”، و” يسمح للولايات المتحدة بالتدخل في بعض شؤون صربيا الداخلية”. وفي هذا السياق يمكن لدعم الروس للمتطرفين الصرب وهجماتهم على فوتشيتش المساهمة في تعقيد العلاقة بين البلدين.

قوة ناعمة فعالة:

وبالرغم من كل ما سبق، يشير الخبراء لفعالية القوة الناعمة الروسية في البلقان، بحكم استمرار الأنشطة الموالية لروسيا بقيادة حليف موسكو عضو المجلس الثلاثي في البوسنة والهرسك ميلوراد دوديك Milorad Dodik. وبحسب الزميل الأول في مركز السياسة العالمية بواشنطن، الدكتور حكمت كاريتش فقد “رفض القوميون الصرب المتحيزون للرئيس بوتين مرارًا أي تقدم نحو الاندماج مع الاتحاد الأوربي، محاولين باستمرار خلق فوضى سياسية في البلاد”.

ثمة كذلك مؤيدون للروس من بين السياسيين الكرواتيين؛ خاصة زعيم حزب الكومنولث الديمقراطي الكرواتي (CDU) دراغان تشوفيتش  Dragan Čović؛ فقد تكلم صراحةً وعدة مرات عن الحاجة إلى التعاون مع روسيا. إلا أن هذه الجهود كلها تبقى غير قادرة على كبح جماح التقارب بين البلقان والغرب.

الرابط الأصلي للمادة من هنا

“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2021


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى