الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةترجمات

هل إسرائيل تنتحر؟

شرّع الكنيسيت الإسرائيلي قانون “إسرائيل، الدولة القومية للشعب اليهود”، ظنًّا من مشرعي هذا القانون أنه سيكون المسمار الأخير في نعش الدولة الفلسطينية، وهم لا يعلمون أنهم يضربون مطرقة أخيرة على رأس دولتهم الصهيونية العنصريّة.

وأصدرت إسرائيل قرارًا بمنع أي شخص ينتقد ما يسمى “جيش الدفاع الإسرائيلي” من الدراسة أو التدريس في الجامعات والمدارس التابعة للكيان، يُضاف إلى ذلك كلّه التشريعات التي تجري دراستها حاليًا والتي من شأنها أن تسمح للمجتمعات اليهودية بحظر عيش العرب فيما بينهم.

القانون السابق ذكره باطل تحت أي مسمًى وأي شكلٍ من الأشكال، والسبب أنّه لا يوجد شيء اسمه “شعبٌ” يهودي، فما بالك عن وجود “أمةٍ” يهودية، ما هو موجود فعلًا هو مجتمعاتٌ يهوديةٌ في كلّ أنحاء العالم، لا يربط هذه المجتمعات أيّ عاملٍ من عرقٍ أو لغةٍ أو تاريخٍ أو ثقافة، ما يربطها ببعضها الدّين فقط، وعليه فاليهود المنتشرون في أصقاع الدنيا لن يصوتوا بالتأكيد أن يكونوا جزءًا من هذه الدولة.

لا يمكن أن يكون اليهود شعبًا أو أمة، فالدول العصرية هي دول لكل مواطنيها، بغض النظر عن الدين والعرق، جاء هذا القانون اليوم فقط ليعزز أدلة عنصرية إسرائيل، دستوريًا وكون الحديث يدور عن قوانين، هذه ليست دولة حديثة، بل دولة تنتمي لحالة بدائية إجرامية.

بنيامين نتنياهو هو من سعى إلى إصدار تشريعاتٍ عنصريةٍ كثيرةٍ من بينها قانون “إسرائيل، دولةٌ قوميةٌ لليهود”، نتنياهو سليل مستوطنين بولنديين، والده بنسون معين نتنياهو، الذي كان سكرتيرًا خاصًّا لفلاديمير جابوتنسكي (مؤسّس اليمين الإسرائيلي المتطرّف)، الإبن الآن يتبنى عقيدة والده بجد في تطبيق مبدأ “الجدار الفولاذي” لجابوتنسكي ضد السكان الأصليين لفلسطين.

كانت إسرائيل المزعومة ولا تزال غرسة عنصريّة، تشبه ايديولوجيا ألمانيا النازيّة، وقانون يهودية الدولة يتطابق مع قانون الفصل العنصري الذي حَكمت فيه الأقليةُ البيضاء الأكثريةَ السّوداء في جنوب أفريقيا (نظام الأبارتايد)، ويشبه تشريعات الفصل العنصري التي كان يصدرها الأمريكيون ضد سكان البلاد الأصليين.

كان اليهود حول العالم، ولا يزالون في بعض الدول، يعيشون في أحياءٍ خاصةٍ بهم، يسمّى كل حي من هذه الأحياء بالحي اليهودي (غيتو)، إسرائيل في الشرق الأوسط هي (غيتو) اليهود، هي محميةٌ عسكريةٌ محاطةٌ بكل أنواع الأسوار لعزلها عمّن حولها، خاصّة عن الفلسطينيين في غزّة والضفة الغربية، تجدر الإشارة إلى تسليح هذا ال(غيتو) بكل شيءٍ حتى بالأسنان والأظافر، فهم موجهون أن يدمّروا كل شيء.

محميّة إسرائيل العسكرية هي من قصفت غزّة للتو من أجل منع الطائرات الورقّية الحارقة من عبور السياج، وعلى ذكر هذا السلاح البدائي، هذه الطائرات الورقية لها هدفٌ رمزي، فهو رسالةٌ للإسرائيليين أنهم مهما فعلوا لن يحطّوا من عزيمة الفلسطينيين.

رد الفعل الإسرائيلي تجاه سلاح الطائرات الورقية؛ والتي تُطلق من الجانب الآخر من السياج في غزّة، مبالغ فيه إلى أقصى حد، حيث تُظهر في إعلامها ملاجئًا لمدنيين خائفين من غاراتٍ جويةٍ قادمةٍ من غزّة، وآخرون جرحى بجراحٍ متفاوتة الخطورة، وتُصور كلّ خدشٍ في رصيفٍ أو حفرةٍ في شارع، على أنها أدلةٌ على هجمات الفلسطينيين المزعومة عليهم، وبعدها فورًا تبدأ هجومًا عسكريًا هائلًا بحجة “الدفاع عن النفس” و”ردّ العدوان”.

كلّ التهديدات اللفظيّة الحاليّة بشأن شنّ حربٍ جديدة وضخمة ضد الفلسطينيين، تأتي بشكلٍ رئيسيٍ من وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، وهو مهاجر مولديفي، يقيم حاليًّا في مستوطنة نوكديم مع زوجته المولدوفية أيضًا، انضمّ إلى زملاءه لاستكمال احتلال فلسطين عام 1978، كان يعيش سابقًا تحديدًا في كيشينيف، المكان الذي حصلت فيه مجزرة عام 1903 على يد روسيا القيصرية بتحريض من وزير الداخليّة ضد المعارضين وقتذاك.

ليبرمان يقول بعدم وجود مدنيين أبرياء في غزّة أبدًا، الأمر الذي يسمح للجيش الإسرائيلي بقتلهم جميعًا، إذًا نفس الأشخاص الذين عانوا من تأثير مذابح، هم ذاتهم يحرّضون، بل ويشاركون في قتل الفلسطينيين، ويشرعون قوانين عنصريّة ضد سكان البلاد الأصليين.

الفلسطينيون شعبٌ حقيقيٌ يرتبط ببعضه ليس فقط بالدين، بل بالثقافة واللغة والجغرافيا والتاريخ، الإسرائيليون اختاروا أن يتوغلوا وأن يستوطنوا بين الفلسطينيين ثم يقومون بعد ذلك بإصدار قوانين ظالمة تبعد الفلسطينيين خارج ما يسميه اليهود “دولة”، لن تكون أبدًا دولة ولو تم إقرار ألف تشريعٍ، حتى أنّه حاليًّا هناك مجتمعاتٌ من اليهود حول العالم، يزداد تفككهم عن هذا الكيان وإيديولوجيته.

هناك دليلان من بين أدلّةٍ كثيرةٍ تساعد في إبراز حالة التحلل الأخلاقي والقانوني لإسرائيل، الأول هو الإفراج، وليس السجن، عن القاتل إيلور عازاريا، الذي اقترب من فلسطينيٍ مصابٍ بجروحٍ على رصيفٍ في مدينة الخليل، وأطلق النار مباشرة على رأسه، عازار كان يخدم في الضفة الغربية كطبيب، يعني يُفترض به أن يكون مسؤولًا عن إنقاذ الأرواح وليس القتل.

تمّ اتّهام عازاريا فقط بالقتل غير العمد، وانتهى الأمر بقرار محكمةٍ إسرائيليّةٍ بإطلاق سراحه بعد تسعة أشهرٍ فقط من الاحتجاز في قاعدةٍ عسكريّة، ليس هذا فحسب، بل تم استقباله من قبل المستوطنين العنصريين كبطلٍ قادمٍ من نصر.

المثال الثاني هو تفاصيل محاكمة الجناة الإسرائيليين في قضيّة قتل عائلة الدوابشة، الحادثة التي قُتل فيها حرقًا أفراد عائلةٍ فلسطينيةٍ كاملة، نجا من الحادثة طفلٌ رضيعٌ ذو أربعة أشهرٍ خرج بإعاقةٍ حركية، وقتها قامت مجموعةٌ من المستوطنين المتطرفين من عصابات ما يسمى “دفع الثمن” باقتحام قرية دوما الفلسطينية، قرابة الثالثة فجرًا يوم 31 يوليو/تموز 2015، وأحرقوا بيتين لعائلة دوابشة بعبوات مولوتوف مشتعلة ألقوها داخلهما.

 اعتقل الشاباك الإسرائيلي ثلاثة متهمين بقتل العائلة، إلا أن إسرائيل تماطل في إدانتهم فعليًا حتى الآن بسبب ما تتذرع به المحكمة “ضعف الأدلة” وادعائهم أن الاعترافات أُخذت منهم بالإكراه، ويرى مراقبون بأن المحكمة ستفرج عنهم عاجلاً أم آجلاً، وبالتالي إغلاق ملف القضية وتقييده ضد مجهول كما جرت العادة، حتى أنّه وبالفعل تمّ الإفراج عن أحد الجناة بحجة أنه كان وقتها قاصرًا ولم يُشارك في الجريمة، وتمّ وضع آخر تحت الإقامة الجبرية في داره ريثما يتم استكمال “إجراءات المحكمة”.

إن جريمة عازاريا أو مذبحة عائلة دوابشة، دليلان ليسا وحيدان على عنصرية وإجرام هذا الكيان، وبعد كل هذا يجب أن يتساءل البشر عمّا يمكن لإسرائيل فعله لتكون أكثر كرهًا من العالم، هل إسرائيل على علمٍ بذلك؟ هل هي تنتحر؟ هل تدقّ بيدها آخر المسامير في نعشها؟.

ل:جيرمي سالت، بتاريخ 08. آب/أغسطس . 2018 موقع آريه سير انفو

لقراءة المقال الأصلي:

http://arretsurinfo.ch/israel-est-il-suicidaire

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى