الاصداراتمشاهد

معركة البيضاء…الأهمية والأهداف

تشهد محافظة البيضاء اليمنية قتالًا محتدمًا منذ 7 سنوات بين الجيش الوطني الشرعي ومليشيا “الحوثي” المدعومة إيرانيًا، وقد سيطرت الأخيرة على المحافظة منذ عام 2015، وازدادت حدة المواجهات خلال الربع الثاني من عام 2020 عقب عمليةٍ عسكريةٍ لقوات الشرعية استعادت فيها مناطق مهمة من أيدي “الحوثيين”، كما تمكنت في نهاية شهر آب/أغسطس من العام الفائت بإسناد من رجال القبائل من تحرير جبل صوران الاستراتيجي في جبهة ناطع على المحور الشمالي للمحافظة.

انطلاق العملية العسكرية:

في الثاني من تموز/يوليو 2021 أطلق الجيش الوطني اليمني بالتعاون مع المقاومة الشعبية وبإسنادٍ من تحالف دعم الشرعية، عمليةً عسكريةً واسعةً ضد مليشيا “الحوثيين” في محافظة البيضاء تحت اسم “النجم الثاقب”، تمكن خلالها من تحقيق مكاسب ميدانية واسعة، وتحرير مرتفعات استراتيجية ومناطق شاسعة من الجهتين الشرقية والغربية للمحافظة، وسط انهيارات دراماتيكية للمليشيا.

القوات المُهاجمة نفذت هجماتٍ بريةً من أربع جبهاتٍ بإسنادٍ من ألوية العمالقة العاملة ضمن القوات المشتركة في الساحل الغربي لليمن، وبمشاركة قوات محور بيحان في محافظة شبوة بقيادة اللواء الركن مفرح بحيبح، وحررت مواقع حاكمةً واستراتيجيةً في جبهات “ناطع شمالًا، والزاهر وذي ناعم غربًا، والصومعة من الجهة الشرقية”، لتبدأ بعدها بتطويق مواقع “الحوثيين” في مدينة البيضاء مركز المحافظة، تحضيرًا لاقتحامها.

أبرز المواقع التي حُرّرت منذ بداية تموز/يوليو الجاري على المحورين الشرقي والغربي: مديرية الصومعة المحاذية لمديرية البيضاء، ومواقع وفاء والسوس، وشبكة ذي مضاحي، والشاردة، وجبال شوكان، ومواقع الشجرة وشباعة، وقرية المضاحي وآل دومان، وموقع برم، والسد، ومدرسة المسحر، ومديرية الزاهر، ومناطق الخلوة والروضة ومسكين وغرارة وإنتل قربة، كما استكملت قوات الشرعية تحرير وتأمين “مثلث وجبلي الجماجم وحملوس الاستراتيجيين، و”جبلي العلي والسَلَم” في مديرية الزاهر[1]، وسط هجمات شنتها ميليشيا “الحوثي” بمساندة وحداتٍ من “كتائب الحسين” وسط محاولات للسيطرة من جديد على مركز مديرية الزاهر، استَخدمت خلالها أسلحةً ثقيلةً وطائرات مُسيرة إيرانية المنشأ، لكن جميعها باءت بالفشل، وقُتل خلالها عشرات العناصر[2].

خرائط حروب الشرق الأوسط[3]

“الحوثيون” تكبدوا أثناء القتال المحتدم خسائر بشريةً بينها قياديون عُرف منهم نجل شقيق حسين العزي الذي كان يشغل منصب نائب وزير الخارجية في الحكومة المعيّنة من قبل مليشيا “الحوثي”، إلى جانب خسائر مادية كبيرة بسبب الكثافة النارية البرية والجوية، إلى جانب فتح قوات الشرعية مسنودةً برجال القبائل عدة محاور في آنٍ واحد، ما أدى إلى تشتت خطوط الدفاع الأمامية للمليشيا، الأمر الذي دفع زعيمها “عبد الملك حوثي” إلى تكليف بعض قادته الذين ينتمون إلى محافظة صعدة بمتابعة جبهات البيضاء، والدفع بمزيدٍ من العناصر إلى مركز المدينة للحيلولة دون تحريرها من قبل قوات الشرعية، كون المحافظة تمثل أهميةً استراتيجيةً وقاسمًا مشتركًا يحدد مسار المعركة في اليمن.

أما الجيش الوطني الشرعي وألوية العمالقة إضافة إلى المقاومة الشعبية، فقد أرسلوا من جانبهم تعزيزاتٍ عسكريةً إلى محافظة البيضاء، في سياق التحضير لحسم المعارك، وتحرير مركز المحافظة من يد “الحوثيين”، ويشرف على معركة تحرير مديرية البيضاء العميد صالح الغنيمي قائد اللواء حرب1، الذي يُعد من أبرز القيادات العسكرية في المحافظة، ومؤسس وقائد مقاومة ذي الناعم[4].

تقهقر دفاعات “الحوثيين” أثبت ضعف المليشيا؛ خاصة عند فتح أكثر من محور مع مشاركةٍ فعليةٍ من رجال القبائل في المعارك، فيما تكمن أهمية معارك البيضاء من كون المنطقة معروفة بمعارضتها التاريخية لمشروع التمدد “الحوثي”، وبالتالي فإن التقدم الميداني فيها سيُعجّل من وتيرة تقدم قوات الشرعية في مناطق أخرى، كما سيؤدي إلى انهيار معنويات المليشيا التي لا تستطيع الصمود في أكثر من جبهة، وهذا ما أكّده وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية الشرعية، عبد الباسط القاعدي الذي قال: “إن مليشيا الحوثي تحاول الاستفراد بكل جبهةٍ على حدة، لكنها غير قادرةٍ على خوض معركةٍ في كل الجبهات”[5].

أهمية “البيضاء”:

تحظى محافظة البيضاء بأهميةٍ كبيرةٍ تجعلها تلعب دورًا حاسمًا في العمليات العسكرية القائمة بين ميليشيا “الحوثيين” والجيش الوطني اليمني، بحكم موقعها الجغرافي، إذ تتوسط ثماني محافظات؛ أربع في الشمال (مأرب وذمار وإب وصنعاء)، وأربع جنوبًا (أبين والضالع ولحج وشبوة)، وثلاث منها بيد “الحوثيين”، وهي: ذمار وإب وصنعاء، وتمر منها معظم الطرق الرئيسة الرابطة بين أبين وشبوة والضالع ولحج (جنوبي وجنوب شرق) وذمار وصنعاء (شمالًا) ومحافظتي مأرب والجوف(شرقًا)[6]، يُضاف إلى ذلك قربها من محافظة مأرب النفطية التي تحاول المليشيا السيطرة عليها جاهدة.

هناك عدة أسبابٍ إذن تجعل قوات الشرعية تسعى إلى تحرير محافظة البيضاء، وأبرزها: تأمين الحماية لمحافظتي شبوة ومأرب، وكذلك أبين ولحج من جهة يافع، وإفقاد “الحوثيين” أسهل الطرق إليها، كما ستكون هناك إمكانية لفتح جبهة إب وحماية ظهرها وربطها بمقاومة مأرب. فما يميز هذه المحافظة أولا هو أنَّ بوسع من يسيطر عليها التحكم في خارطة المواجهات؛ بسبب موقعها الذي يتوسط البلاد، ما يجعل لها دورًا مهمًا في الميدان العسكري ربما يكون له تأثير في الضغط على “الحوثيين” في العملية السياسية.

وإلى جانب الأهمية العسكرية والرمزية لمحافظة البيضاء؛ فإن تحريرها من قبل قوات الشرعية يزيد الضغط على “الحوثيين” من هذا المحور بهدف التقدم في المحاور الشمالية الغربية من البيضاء للاقتراب من محافظة ذمار، حيث تفصل بينهما قرابة 200 كم، ما يُمهّد لاحقاً لفتح جبهة صنعاء من خلال هذا المحور.

ومن الواضح أن قوات الشرعية ستواصل المعارك في البيضاء مستغلةً حالة الانهيار والتشتت التي تعاني منها المليشيا جراء الخسائر الفادحة، وصولاً إلى تحريرها بشكل كامل، فيما من المتوقع أن يحاول “الحوثيون” التمسك بالمحافظة الاستراتيجية، كون تحرير الجيش الوطني الشرعي لها يعني قضم مناطق جديدة وصولًا إلى تهديد العاصمة صنعاء نفسها. 


[1] https://2u.pw/TwqKT

تغريدات في تويتر – المركز الإعلامي للقوات المسلحة اليمن

[2] https://2u.pw/UFUl8

العرب، المقاومة والعمالقة تطوقان قوات النخبة الحوثية في البيضاء

[3] https://2u.pw/BnZId

تغريدات في تويتر لـ حروب الشرق الأوسط

[4] https://2u.pw/w7RyG

اليمن الآن، مصدر عسكري: وصول العميد محمد صالح إلى البيضاء لقيادة المعركة

[5] https://2u.pw/scs7T

الشرق الأوسط، الجيش اليمني لحسم «معركة البيضاء» والميليشيات تستنفر للمواجهة

[6] https://2u.pw/P7i3a

مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، البيضاء، محافظة استراتيجية أهم من أن تُنسى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى