الاصداراتتقارير جديدمتفرقات 1

الوضع العام للأردن في ظل أزمة اللجوء السوري

4841
 
مقدمة: تأثير أزمة اللاجئين السوريين على الوضع العام في الأردن
لا شك أن الموقع الجغرافي الذي تختص به المملكة الأردنية الهاشمية قد لعب – وما زال – دورا مهما بارزا في تشكيل معطيات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. فالدولة الأردنية، بحكم موقعها المجاور لثلاث دول عربية منكوبة (فلسطين، سوريا، العراق) وقربها من غيرها من دول المنطقة غير المستقرة، كثيرا ما تتأثر بشكل ملحوظ جراء تداعيات الأوضاع في هذه الدول. خصوصا أن الدولة الأردنية هي دولة صغيرة الحجم نسبيا ومحدودة الموارد، وارتباطها وثيق بدول الجوار، لا سيما من الناحية الاقتصادية والتبادل التجاري وحتى الروابط الاجتماعية والنسب والمصاهرة بين الأردنيين وسكان الدول المجاورة، فمثلا تظهر هذه الروابط الأسرية جلية بين الأردنيين من سكان المناطق الشمالية كإربد والرمثا وبين السوريين، وكذلك في التقارب الثقافي والقبائلي بين الأردنيين من سكان المناطق الجنوبية وبين السعوديين من سكان المناطق الشمالية للمملكة العربية السعودية. أما عن الارتباط الأردني الفلسطيني فهو معروف على الجبهة السياسية والاجتماعية إذ أن البلدين شكلتا دولة واحدة جمعت الأردن والضفة الغربية لفترة من الزمن، كما أنه من المعروف أن نسبة عظمى من المواطنين الأردنيين هم ذوو أصول فلسطينية.
كل هذه العوامل ساهمت بشكل مباشر في جعل المملكة الأردنية مرتبطة بالمنطقة ارتباطا وثيقا لا ينفك، ومتصلة بكل ما يجري عليها من أحداث اتصالا يجعل هذه الأحداث تظهر نتائجها مباشرة في الداخل الأردني على جميع المستويات. فإحساس الأردنيين بالأزمة العراقية في السابق والأزمة السورية حاليا تجاوز مرحلة الوعي السياسي بوجود المشكلة إلى مرحلة الإحساس العام بتداعياتها في الحياة اليومية للمواطنين وتأثير ذلك على مجرياتها بشكل جلي ومباشر. والحديث عن مسألة الصراع في سوريا، بكل جوانبه السياسية والاجتماعية، مستمر بصبغة الحديث عن دولة هي أكثر من أن تعتبر كأي دولة حتى على المستوى العربي، بل كدولة جارة كبيرة يبلغ حجم التبادل التجاري معها – حسب التقرير الخمسي الصادر عن غرفة تجارة عمان لسنة 2013 – ما يجاور الـ 450 مليون دينار أردني أي ما يعادل 630 مليون دولار أمريكي، تبلغ منها كمية الواردات من سوريا الى الأردن كمية أكبر من الصادرات الأردنية الى سوريا، وبعد أول عام على اندلاع الثورة في سوريا انخفض مستوى التبادل التجاري الى نحو 280 مليون دينار أردني أي ما يمثل انخفاضا بنسبة 37 بالمائة في ظرف عام واحد. كما أن الصادرات الأردنية إلى تركيا وأوروبا، والتي كان 60 بالمائة منها يمر برا عن طريق الأراضي السورية، توقف ما كان منها عن طريق الدولة السورية بشكل كامل بعد اندلاع الأحداث وإغلاق معبر جابر الحدودي الذي يعتبر الطريق الحيوي الواصل بين الدولتين، الأمر الذي أدى – بلا شك – إلى نتائج سلبية على الاقتصاد الأردني، لا سيما قطاع المواد الغذائية والإنتاج الزراعي والملبوسات.
أما من الجانب السياسي، فكما ذكرنا فإن الدولة الأردنية لا يمكن النظر إليها بأي شكل بمعزل عن جيرانها من الدول العربية. فالمملكة الأردنية – كما يلاحظ المحللون والمتابعون لما يجري في المنطقة من تطورات وأحداث – تسعى حكومتها وقياداتها في غالب الأحيان لأن تحافظ على الحياد قدر المستطاع، ولأن تستثمر في علاقاتها الدبلوماسية مع جميع الدول دون خلق عداءات أو ما يعثر سير العملية الدبلوماسية، إذ أن مما يتداول شعبيا في الشارع الأردني أن قوة الأردن الفعلية تتمثل في العلاقات الدبلوماسية المتراوحة بين أن توصف بالوطيدة وأن توصف بالجيدة على أقل تقدير مع معظم دول العالم التي يكثر من ضمنها دول مختلفة أو متحاربة فيما بينها، لا سيما أنه لا يمكن الاعتماد على الموارد الاقتصادية أو الثروات المتواضعة التي تتواجد تحت سيطرة المملكة الأردنية الهاشمية ولا على تجهيزاتها العسكرية كمصدر أساسي لقوة الدولة وذلك كما ذكرنا سابقا لصغر حجم الدولة ومحدودية سبل الإنتاج والتصنيع فيها.
وبالرغم من سعي القيادة الأردنية إلى محاولة عدم التدخل في الشأن السوري قدر المستطاع من أجل الالتزام بالسياسة الخارجية التي تنتهجها المملكة في المحافظة على علاقات ودية مع الجميع، إلا أن الروابط الشعبية بين سكان البلدين وعمق الترابط الاقتصادي والاجتماعي أدى إلا توجيه الشارع العام الأردني إلى دعم الشعب السوري في ثورته ضد النظام، ومن ثم لاحقا دعم فصائل المعارضة في المفاوضات المستمرة إلى هذا اليوم. مما أدى إلى عدد من التصريحات الموجهة ضد نظام الحكم السوري من قبل أعلى المستويات القيادية في الدولة الأردنية وعلى رأسها الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، والذي صرح في أكثر من مناسبة وعلى أكثر من ساحة إعلامية أن النظام لا بد له من الرحيل، وهي خطوة أثارت استحسانا لدى معظم فئات الشعب في المملكة، إلا أنها شكلت موقفا عدائيا رافضا لنظام حكم في دولة مجاورة، وهي واقعة قل تكرارها في تاريخ الأردن الحديث بعد تبني الدولة لسياسة الحياد الدبلوماسي إن أمكن.
أما المستوى الشعبي، فقد بات واضحا عقب اندلاع الثورة في سوريا انخراط المجتمع الأردني في جدل حول هذه الثورة وتطلعاته إلى نتائجها، وكان قد تبدى في بداية الأزمة أن معظم الأصوات من الشارع الأردني متحيزة مع المعارضة الشعبية ضد النظام الحاكم، خصوصا منها أصوات الأحزاب الإسلامية وأصوات كثير من الناشطين من غير المنتسبين إلى أحزاب سياسية أو حركات معينة. أما الأحزاب التي تتبنى فكرا يساريا، كالحزب الشيوعي الأردني، والأحزاب التي تتبنى فكرا قوميا بعثيا أو ناصريا أو غير ذلك فلقد وقف، بطبيعة الحال، معظم منتسبيها وداعميها في معسكر الدفاع عن النظام الحاكم السوري، على أن تأثير هذه الأحزاب ضئيل على الساحة السياسية في المملكة الأردنية، وبالتالي فإنه، وعلى الرغم من تصاعد الجدال والاتهامات أحيانا بين هذين الطرفين، إلا أن الغالبية من الاصوات كانت في الفريق الأول.
إلا أنه من الواضح أن أبرز ما يؤثر على المملكة الأردنية فيما يتعلق بالأزمة السورية ليست هي مسألة المواقف السياسية، إنما هي مسألة اللجوء. فمهما بلغ تأثر الأردن بالظروف السياسية والأمنية والأزمات التي تعصف بالمنطقة – والذي هو حتمي الوقوع – تبقى مسألة اللجوء هي المسألة الكبرى التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، وبالتالي فإنها أصبحت تطفو دائما على سطح أي حوار سياسي أو أمني يخص الأزمة السورية. بل حتى أن مسألة اللجوء أصبحت هي المسألة الممثلة للأزمة السورية ككل عند شريحة واسعة من الشارع الأردني العام، وأصبح موضوع اللجوء هو المعرف للأزمة السورية بشكل عام عند الأردنيين، لما له من مشاهد في الواقع اليومي السياسي والاقتصادي بشكل خاص. وظهرت اراء لدى الشعب الأردني يعزى بعض ما تمر به المنطقة من أزمات للجوء بحد ذاته وتقصير الدول الأخرى – لا سيما الدول الغربية الداعمة ودول الخليج العربي – في الوقوف الى جانب الدول المضيفة للاجئين ودعمها، فكأن دائرة السببية التي بدأت بتسبب الأزمة بتكون أزمة اللاجئين انتقلت إلى جعل أزمة التعامل مع موضوع اللاجئين سببا في أزمات المنطقة على مختلف المستويات.
وكبعد تحليلي للمسألة، فقد ساهمت أزمة اللجوء السوري في الأردن الى تحول عام في وجهة النظر الشعبية للأزمة السورية بشكل عام، وذلك إن الناظر في رؤية الشارع العام في المملكة الأردنية للأزمة السورية يرى أنه يكاد ينحصر الان في دوائر إنسانية بعيدة عن الحسابات السياسية للأطراف المتنازعة في سوريا، فبعد أن كان حديث الأردنيين يتمحور حول الاحقيات السياسية للأطراف المتحاربة في سوريا، أصبح الحديث متمحورا حول الوضع الإنساني وسبل الوصول الى حلول تضمن الخلاص من الأزمة التي أضحت تهدد المنطقة بأسرها بل والعالم وليست مقتصرة على حدود الدولة السورية. فقد تحولت مسألة الاستقطاب السياسي فيما يتعلق بالآراء المتعلقة بالأحداث في سوريا مع تزايد عدد الوافدين من الشعب السوري تدريجيا الى مسألة تتعلق باللجوء ذاته، أي أن قضية سوريا أصبحت ينظر إليها من قبل الأردنيين كمسألة تتعلق بالداخل الأردني، لا السوري. ويمكن القول إن السبب الرئيس في هذا التحول هو مسألة اللجوء السوري المتزايد في الأراضي الأردنية الذي كأنه فتح أعين الشارع الأردني على بعد جديد من أبعاد الأزمة، ألا وهو البعد الإنساني. وكان هذا البعد أشد وضوحا من المواقف السياسية والاقتصادية التي كانت محل التداول في السابق، لأنه خرج من دائرة الأخبار والتقارير، وتعدى دائرة المواقف الحزبية، وأصبح مختلطا بالشارع نفسه في حياته واحتياجاته وظروفه. لذلك امتزجت مسألة اللاجئين السوريين بحديث الشارع في المملكة الأردنية بشكل يومي وحيوي.
 
اللاجئون السوريون في الأردن: أرقام وتقارير
 
منذ اندلاع الأحداث السورية توافدت أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الى الأراضي الأردنية بحثا عن الأمن الذي أصبح منعدما في بعض المناطق أثر العمليات العسكرية للنظام السوري وغيره من الأطراف المتنازعة. ومع استمرار التوافد إلى هذا اليوم إلى أن كثافته تتراوح من فترة لأخرى، وبطبيعة الحال، فإن أعداد الوافدين إلى الأراضي الأردنية اليوم أقل مما كانت عليه في بداية الأمر، حيث كان النزوح كثيفا في بداية الأزمة وكانت معدلات التوسع في مخيمات اللجوء أكبر مما هي عليه اليوم.
تشير التقارير مؤخرا الى أن عدد اللاجئين السوريين الذين يسكنون الأراضي الأردنية بلغ حوالي 1.4 مليون شخصا حسب تقارير الحكومة الأردنية الصادرة عن مكتب الناطق الرسمي وتجاوز المليون والنصف بحسب ما أعلنته مؤسسة تومبسون رويترز الاخبارية، مما يشكل ما يقرب من عشرين بالمائة من نسبة السكان في الأردن، وهو ما أشار إلى خطورته وحجمه الكبير خطاب ملك المملكة الأردنية الموجه للدول المانحة الأوروبية في معرض الحوارات الجارية بشأن أزمة اللاجئين السوريين في أوروبا. أقل من نصف هذا العدد يعيش في مخيمات اللجوء المعدة لاستقبال اللاجئين في شمال الأردن[1] والتي يتم دعمها ماديا من قبل المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات دولية أخرى، والباقون يعيشون في المدن الأردنية خصوصا الكبرى منها، مثل العاصمة عمان ومدينة اربد التي تعد أقرب المدن الأردنية الكبرى للحدود السورية في شمال الأردن والتي تحتضن نسبة بارزة من اللاجئين السوريين. إلا أن الواقع يشير أن ما يشكل مشكلة ليس ما يتعلق بالانخراط في المجتمع مثلما هو الحال في بعض الدول الأوروبية مثلا، فالأطفال السوريون لا يواجهون مشكلات في التعليم مثلا إذا ما قورن الوضع بدول أخرى، إذ أن نظام التعليم في المدارس الأردنية مألوف لهم من ناحية اللغة والمناهج الدراسية وغيرها. وكما أشار التقرير في المقدمة فإن العلاقات الأسرية والعشائرية التي تجمع بين سكان المناطق الشمالية من الأردن والمواطنين السوريين تزيد من فرص اللاجئين القادمين من سوريا للانخراط والاندماج بسهولة في المجتمع الأردني من الناحية الاجتماعية. إلا أن المشكلة تكمن في الجانب الاقتصادي، فمن الطبيعي أن ورود عدد من اللاجئين يوازي خمس عدد سكان الدولة خلال فترة قصيرة لا تتعدى الخمس سنوات سيؤدي بلا شك إلى ضغط هائل على موارد الدولة وهزة لاقتصادها وميزانيتها الوطنية، خصوصا حينما يتعلق الأمر بدولة محدودة الموارد كما هو الحال في المملكة الأردنية.
وحسب ما تعلن مصادر رسمية في الحكومة الأردنية، فإن تكلفة اللجوء السوري على المملكة منذ بدء الأزمة فاقت ال 6.6 مليار دولار أمريكي[2]. وهي بحسب وصف وزير التخطيط والتعاون الدولي عماد فاخوري تمثل التكاليف ” المباشرة وغير المباشرة ” لهذه الأزمة. فمن التكاليف المباشرة ما يندرج تحت المساعدات الإنسانية والاغاثية المقدمة في مخيمات اللجوء بالإضافة إلى المستشفيات الميدانية والمستلزمات الطبية والعلاجية وغيرها من المساعدات الغذائية وغيرها. ومن التكاليف غير المباشرة ما يكون من خطط تنموية تسعى الدولة الى تنفيذها إما بشكل مباشر في مناطق تواجد اللاجئين أو بشكل عام لتطوير المرافق الخدماتية حتى تصبح مؤهلة لأن تتحمل الضغط الحاصل عليها من أثر الأزمة، ومن ذلك مشاريع المياه والطاقة الكهربائية وشبكات الصرف الصحي وغيرها من المرافق والخدمات.
 
خطة الصمود الوطني 2014 – 2016
 
في شهر كانون الثاني من عام 2014 أصدرت وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية تقريرا حمل هذا الاسم ضمنت فيه تصورا لكيفية مواجهة التحديات التي فرضها اللجوء السوري على الوضع العام في الأردن. والمطالع للتقرير يجد أن للتحديات الاقتصادية النصيب الأوفر من التركيز الحكومي وهو ما أشار اليه التقرير في المدخل السابق. حيث أشارت خطة الصمود الوطني الى أن ازدياد أعداد اللاجئين أدى إلى أعباء اقتصادية على البلاد لخصتها بالنقاط التالية:
– التضخم في أسعار المواد الغذائية والوقود والإيجارات.
– انخفاض في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقدر بـ 2٪ وانخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر.
– زيادة في العجز التجاري والعجز في الميزانية والدين العام، وعدد الأشخاص تحت خط الفقر.
– إجهاد البنية التحتية للخدمات، وخاصة المدارس والمستشفيات والصرف الصحي ونظام المياه.
 
إن نظرة في هذه النقاط تبدي للقارئ أن الخطة تشير إلى أن المشكلة الاقتصادية عمت جوانب تمس حياة المواطن بشكل مباشر. فالتضخم في الأسعار يمكن تبريرها بزيادة الطلب والضغط على المواد المقدمة والسلع نتيجة الازدياد المفاجئ لأعداد الافراد المقيمين والعائلات القادمة إلى البلاد، كما أن ارتفاع الإيجارات للمنازل والشقق مسألة عرفها الشارع الأردني سابقا أيام الاجتياح الأمريكي للعراق، حيث توافد العراقيون على استئجار المساكن وشرائها بشكل كبير أدى إلى ارتفاع كبير في أسعارها مما أثر بشكل مباشر على المواطنين الأردنيين، وعرفت الأزمة آنذاك باسم “هبّة العقار” حيث أن أصحاب المباني والعقارات كانوا هم المستفيد الأوحد من هذه الأزمة.
ولعل الخطة تنبأت أو نوت أن تحذر من خلال هذه النقطة إلى احتمال حصول هبّة جديدة، إلا أنه لم تؤثر على أسعار العقار بنفس الشكل الذي تأثرت به سابقا، ولعل السبب في هذا أن الوافدين السوريين لم يتجهوا الى شراء العقار والمساكن بالشكل الذي حصل عند تعرض العراق للاجتياح الامريكي. وأما انخفاض النمو المحلي والاستثمار الأجنبي فيمكن القول إن السبب في ذلك يكمن في وجود التخوف عن المواطنين والمستثمرين الأجانب من ناحية استتباب الأمن في المملكة، إذ انه صدر من الجهات الأمنية الأردنية عدد كبير من التصريحات بتشديد الاحتياطات الأمنية خلال مرحلة توافد اللاجئين مما أشاع بالنتيجة جوا من عدم التيقن باستمرار السيطرة الأمنية بشكل كامل الأمر الذي أثر على الإنتاج والاستثمار.
وقد تناقلت وسائل الأعلام والصحافة الأردنية بشكل موسع ما أصدرته صحيفة الواشنطن بوست على أن متوسط تكلفة اللجوء على الاقتصاد الأردني تبلغ بالمتوسط ثلاثة الاف دولار للاجئ الواحد. ويمكن أن يعزى الانتشار الواسع لهذا التقرير إلى نية الدولة الأردنية لتوجيه ملف اللجوء السوري نحو الضغط على الدول المانحة والمنظمات الدولية لزيادة تقديم الدعم للدولة الأردنية. فالدولة بصفتها دولة نامية تواجه صعوبات كثيرة جراء هذا التوافد، وبطبيعة الحال، فإننا نجد أنه في طليعة هذه الصعوبات – كون الأردن دولة نامية وليست قوة اقتصادية عظمى -، توجد الصعوبات الاقتصادية. وهذا ما يؤكده موقف المملكة المطالب بزيادة المخصصات لدعم الدول المستضيفة للاجئين. حيث أنه، قبيل مؤتمر المانحين المنعقد في لندن أوائل شهر شباط الفائت من هذا العام والذي شاركت فيه المملكة الأردنية، تناقلت وسائل الاعلام ما أكد عليه رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور من ضرورة الضغط على الدول المانحة لتقديم المساعدات الجدية للمملكة في مسألة استضافتها للاجئين السوريين وما ينتج عن ذلك من أعباء اقتصادية تفوق طاقة الدولة. وأشارت كلمة ملك المملكة عبد الله الثاني في المؤتمر إلى أن عدد اللاجئين المقيمين في الأراضي الأردنية أكبر بكثير من عددهم في أوروبا بكاملها، وأنه لا بد للدول المانحة من تكثيف الدعم للمملكة لتدعيم الأمن وتوفيره لهؤلاء اللاجئين. مما يؤكد توجيه الحكومة الأردنية ملف اللاجئين نحو تأمين الدعم لمشاريع ينتظر أن تكون ذات طابع تنموي أكثر من كونه اغاثيا، إذ ان الأردن وضع مسألة اللاجئين تحت بند الإقامة وليس اللجوء في المخيمات المعدة بالقرب من الحدود مع سوريا.
 
خطة الاستجابة للأزمة السورية للأعوام 2016 – 2018
أصدرت وزارة التخطيط والتعاون الدولي للمملكة الأردنية الهاشمية خطة مفصلة تهدف بحسب ما قاله فيها وزير التخطيط والتعاون الدولي عماد فاخوري إلى وضع سياسة اقتصادية واجتماعية شاملة لمواجهة التحديات التي يفرضها اللجوء السوري في الأردن. وتهدف الخطة إلى ضمان الانتقال من مرحلة الطوارئ في التعامل مع لاجئي الحرب القادمين، إلى مرحلة التعافي من اثار اللجوء الكبيرة على الساحة الأردنية، ومن ثم الانتقال بعد ذلك إلى مرحلة ضمان التنمية المستدامة على المدى البعيد وتحقيق المرونة في التعامل مع المعطيات. وكل ذلك تحت مظلة الدعم والتعاون الدولي.
إن هذه الخطة تعكس مستوى عاليا من الوعي والواقعية في التعامل مع الأزمات. إذ ان المسألة تعدو مسألة التعامل مع اللجوء في دائرة المساعدات الإنسانية وتقديم الإغاثة للاجئين بشكل يخفف من حدة المشكلة ولا يعمل على إصلاحها. وكما أشرنا سابقا، فان الشارع الأردني أصبح ينظر الى الأزمة السورية من زاوية نظره الى مسألة اللجوء بشكل رئيسي. والملاحظ عند كثير من الناس أن النظر إلى مسألة الحل السياسي في سوريا، وما يلي ذلك من مفاوضات جارية في هذه الأيام بين طرفي الصراع الأساسيين، أصبح مفصولا نوعا ما عن النظر إلى مسألة اللجوء السوري في الأردن. فمسألة اللجوء مسالة داخلية تمس الوضع المحلي بشكل مباشر، ومع أن إرجاع المسائل الى أصولها يظهر أن السبب الأساسي ابتداء هي الاحداث السورية، إلا أن المسالة الأخيرة أخذت طابعا دوليا سياسيا تفاوضيا أدى الى فصلها عن مسألة اللاجئين فصلا جزئيا. مما أدى بدوره إلى جعل مسألة اللاجئين بحد ذاتها سببا رئيسيا ينظر إلى ان حلها بمعزل عن الأزمة السورية الاصلية وتحقيق التنمية المستدامة فيها سيكون كافيا لتحقيق النجاح المنشود في مسألة اللجوء السوري.
وبالتالي فان قيام هذه الخطة بدراسة استراتيجية لما سيعمل على تحقيقه من تنمية مستمرة للاقتصاد دون أي ذكر لكيفية العمل على حل الأزمة السورية ذاتها ما هو إلا انعكاس لواقع الشارع الأردني ورؤيته لأزمة اللجوء بمعزل عن مسألة الأحداث. وهو ما يجعل هذه الخطة أقرب للواقع المحلي الملموس وما يمثله من تداعيات على أرض الواقع. كما أن التقرير لم يشر إلى إمكانية عودة اللاجئين الى وطنهم ويمكن أن يكون هذا باعتبار أن المسألة مسألة خارجة عن دائرة العمل في الداخل الأردني وداخلة في دائرة الصراع الدائر في سوريا والجهود السياسية العربية والدولية في ذلك. لذلك فإن الخطة عملت على تقديم نموذج يضمن سلاسة الاندماج للاجئين في المجتمع المحلي مع الاستقرار وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل مستمر وبشكل يتأتى جنبا الى جنب مع خطط التنمية والتطوير المحلي للمملكة.
كما أن التقرير يشير إلى أن تحقيق الانتقال بين هذه المراحل الثلاث، والتي هي الطوارئ والإغاثة ثم التعافي ثم التنمية المستدامة، يجب أن يكون غير معيق لأي من عمليات وخطط التنمية المحلية في البلاد على أي صعيد كان. فليس الهدف توقيف عمليات التطوير والتنمية الجارية في البلاد من أجل تنفيذ خطة طوارئ لمواجهة الظروف المؤقتة، بل ان الخطط المحلية يجب أن تستمر وأن تسير خطط التنمية في سبيل يهدف الى تحقيق التنمية في الجانبين، الجانب المحلي وجانب الدعم للاجئين. وهذا يعكس ويؤكد فرضية أن الحكومة الأردنية توجه اهتمامها نحو تأمين الاقتصاد الوطني بشكل غير منعزل عن قضية اللاجئين، وأنها أيضا تنظر إلى مسألة اللاجئين على أنها مسألة ذات دور كبير في تشكيل الوضع الداخلي في الأردن، وأنها يجب التعامل معها على أنها مسألة مستمرة الوجود وليست عارضة – على الأقل من ناحية الضغط على الخدمات والاقتصاد الوطني. فبالنظر الى الخطط التي تهدف الى التعامل مع أزمة اللاجئين نرى أن الخطط بمجملها تفترض استمرار الأزمة الى فترة يتأتى من خلالها الاندماج الكامل للاجئين السوريين في النسيج المجتمعي الأردني. وهو بتقديري مختلف بعض الشيء عن الموقف التركي في التعامل مع أزمة اللجوء السوري، والتي تتعرض لها الجمهورية التركية كذلك بأعداد كبيرة جدا.
فالحكومة التركية أفصحت خلال الشهر الجاري عن استعدادها لأن تبقى محتضنة للاجئين السوريين، الذين لو لم تفعل لكانت أوروبا مقصدهم الطبيعي عن طريق سبل الهجرة الخطرة على حياة اللاجئين والتي تمثل أسلوبا غير شرعي للهجرة بالنسبة للدول الأوروبية، وتمثل انتهاكا لحقوق الانسان واتجارا بالبشر من وجهة نظر المنظمات الدولية والمؤسسات المعنية بحقوق الانسان، أفصحت عن استعدادها لضمان اقامتهم في الأراضي التركية مقابل تقديم تسهيلات من قبل الاتحاد الأوروبي للمواطنين الأتراك فيما يتعلق بحرية التنقل والعمل في الدول الأوروبية. وهذا موقف يكشف عن أسلوب وصفه بعض الصحفيين في الأردن بالانتهازي، إذ انه من الواضح أن الحكومة التركية تستخدم ملف اللاجئين السوريين للضغط على الدول الأوروبية، لا لتقديم المساعدات من أجل مشاريع تنموية تضمن توفير الأمن والخدمات للسوريين في المدن التركية أو لتقديم الإغاثة على أقل تقدير (فالحكومة التركية قادرة على ذلك بكفاءة فيما يبدو)، بل من أجل تحقيق مصلحة أخرى بملف أخر لا يمت للملف السوري بصلة ولا يحقق أي منفعة للاجئين السوريين.
وقد أعلنت وزارة التخطيط الأردنية حاجتها الى الدعم الدولي من أجل ضمان تنفيذ خطة الاستجابة واستمراريتها الى السنوات الخمس القادمة. حيث تضمنت أرقاما وجداول توضح وتبين المصاريف المتوقعة وكيفية صرفها، كما شملت جميع مناحي الجانب الاقتصادي والخدماتي من صحة وتعليم وغير ذلك من الاحتياجات والخدمات الضرورية للتعامل مع أزمة اللجوء.
 
لقد أصبحت الأزمة السورية التي تعصف بالأراضي السورية ويمتد أثرها في الكثير من دول العالم في الشرق والغرب تتلخص بالنسبة للأردن في مسألة اللجوء. ولعل البعض ينظر إلى هذا التحول عن القضية الأساسية بعين المعارضة، حيث أن الحديث في الأوساط المحلية الأردنية تحول عن كيفية التوصل إلى حل للأزمة إلى الحديث عن حلول لأزمة اللجوء في الأردن. إلا أن هذا الحديث يمس الواقع الأردني بشكل حيوي ولا شك أن التركيز عليه أدعى للخروج بنتائج ملموسة على المستوى المحلي، سواء ما كان لمصلحة اللاجئين أنفسهم أو لمصلحة المواطنين في المملكة. لذلك فإنه من الضروري الاستمرار في مطالبة الدول المانحة بتقديم الدعم للحكومة الأردنية لمواجهة هذا الضغط على الموارد الاقتصادية والمحلية، إلا أنه يلزم على الدولة توجيه هذا الدعم نحو مشاريع تنمية مستدامة بشكل أكبر من التركيز على الإغاثة المباشرة. ولا بد من إيجاد قوانين وأنظمة تدعّم انخراط اللاجئين في المجتمع واستثمار قدراتهم وادخالهم سوق العمل والإنتاج بحماية قانونية، والا سيبقى اللجوء عبئا على الاقتصاد الوطني ومحتاجا للمساعدات الاغاثية.
 
 
[1] http://uk.reuters.com/article/uk-mideast-crisis-jordan-refugees-idUKKCN0V01K7
[2] “دراسة أثر اللجوء السوري على المملكة 2015” اصدار المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني
 

طارق إسماعيل الشعراوي

للتحميل من هنا

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى