مشاهد

الانطلاق نحو الهجوم الشامل على إدلب

يشهد ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، عمليات عسكرية يقوم بها نظام الحكم في سوريا بدعم من روسيا وإيران، للتقدم باتجاه مدينة إدلب وإحداث اختراق في عمق الجيب العسكري الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة.

ويكتسب هذا الجيب أهميته كمنطقة حدودية للأراضي التركية، ويمثل أولوية استراتيجية لروسيا؛ باعتبار المنطقة حاجز جيوسياسي لقاعدتها العسكرية في حميميم وميناء طرطوس، بالإضافة إلى أهمية جنوب إدلب لإيران بسبب وجود قرى ومدن شيعية فيها. بالتالي فإن ما يحدث في محيط إدلب بشكل عام وهجوم قوات النظام السوري نحو بوابة الدخول إليها من الجهة الجنوبية بشكل خاص، سيكون أحد أهم المنعطفات في مستقبل القضية السورية.

أهداف الهجوم

قام كل من الطيران الحربي الروسي والسوري بشن عمليات قصف مكثفة بالبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية على المواقع الخاضعة لسيطرة المعارضة في جنوب إدلب وريف حماة الشمالي والشمالي الغربي كتمهيد لبدء هجوم بري. كما أن الميليشيات الطائفية شاركت كذلك بعمليات القصف بمدافع الهاون والدبابات وراجمات الصواريخ من طراز كاتيوشا وغراد، ما أدى إلى موجة نزوح هائلة وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا. بدأت قوات النظام ومن يساندها هجومها من ثلاث محاور:

– الأول: انطلاقاً من مواقع قوات النظام في شمال شرق مدينة السقيلبية بريف حماة الشمالي باتجاه كفرنبودة.

– الثاني: من شمال غرب السقيلبية باتجاه قلعة المضيق.

– الثالث: محور هجوم وهمي من جهة صوران وطيبة الإمام شمال شرق حماه باتجاه اللطامنة.

وبالنسبة لمجريات المعركة فقد تمكنت قوات النظام ومن يساندها من السيطرة بعد يومين من بدء الهجوم، على قرية الجنابرة وتل عثمان ما مكنها من السيطرة النارية على قرية كفرنبودة ومن ثم السيطرة عليها بشكل كامل، ثم التوجه غرباً نحو قلعة المضيق التي استولى عليها أيضاً، بالإضافة إلى قرية الشريعا الواقعة غرب قلعة المضيق.

واستمرت قوات النظام بتغطية جوية مكثفة من الطيران الروسي بالتقدم على محاور جبل شحشبو وسهل الغاب، وفرضت سيطرتها على قرية الحويز والكركات والتوينة وباب الطاقة، والشيخ إدريس والمهاجرين والحمرا. ويقوم الطيران الحربي بقصف تمهيدي شرق كفرنبودة لتمهيد الطريق أمام القوات البرية للوصول إلى مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي.

ويهدف النظام إلى تحقيق الأفضلية العسكرية في منطقة الاتصال الجغرافي بين ريف حماة الشمالي الغربي وبين ريف إدلب الجنوبي وبين ريف اللاذقية الشرقي، لتمكنه من شن أي هجمات استباقية ضد المعارضة، وليبقي الأخيرة أيضاً ضمن استراتيجيات الدفاع وصد الهجمات وبذلك تكون قوات النظام بدعم حلفائها – إذا ما حققت أهدافها – قد عززت الحزام الأمني والعسكري في محيط الشريط الساحلي الغربي لسوريا، وبوابة الوصول إلى وسط سوريا وهو مدينة حماة.

لكن لا يمكن الجزم بنتائج سير المعارك، ففصائل المعارضة تبدي قوة جيدة بالدفاع وصد هجمات النظام المتكررة، وكذلك تمتلك الأفضلية على قوات النظام في كون أن تلك المناطق بيد فصائل المعارضة منذ فترة طويلة وأن أهل وأبناء المنطقة هم من يقومون بحماياتها. ومن أهم فصائل المعارضة المقاتلة هناك “جيش العزة” “وجيش النصر”. بالإضافة إلى “الجبهة الوطنية للتحرير”.

دلالات المعركة للفاعلين الدوليين في المنطقة (تركيا – روسيا – إيران)

تمتلك روسيا أربع نقاط مراقبة رئيسية أنشأتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، الأولى تقع قرب شمال غرب السقيلبية والثانية شرقها، أي أنهما تقعان في منطقة محاور الهجوم الرئيسية التي تحركت منها قوات النظام السوري. والثالثة تقع في محردة بريف حماة الشمالي، والرابعة في صوران بالقرب من مدينة اللطامنة وهو محور الهجوم الوهمي الذي استخدمته قوات النظام.

طبيعة التوزع العسكري بالنسبة لموسكو تشير إلى وجود رغبة روسية بتأمين الطوق المحيط بريف اللاذقية الشرقي وهو العمق الاستراتيجي لقاعدة حميميم الروسية وميناء طرطوس الذي قامت روسيا باستئجاره مؤخراً من النظام السوري لمدة 49 سنة، ما يعني أن روسيا تريد تأمين مصالحها بعيدة المدى في تلك المنطقة، لذلك تم شن الهجوم من المحاور القريبة لمناطق النفوذ الروسي في الساحل السوري.

أما تركيا فهي تمتلك نقطة مراقبة وحيدة في منطقة الهجوم وتقع جنوب شرق مدينة مورك قرب محور الهجوم الوهمي، وهذا يشير إلى أن النظام السوري اعتمد على عدم تهديد نقطة المراقبة التركية العسكرية بشكل مباشر، مقابل الانطلاق باتجاه محاور لا توجد فيها نقاط مراقبة تركية. وبالنسبة لخيارات أنقرة فإنها تعتبر محدودة في إمكانية الحد من شراسة الهجوم، وأبرز تلك الخيارات التحرك الدبلوماسي باتجاه تفعيل وقف إطلاق النار مجدداً، ومناقشته في جولة مباحثات أستانا المقبلة المقرر عقدها في يوليو/تموز من العام الجاري.

وبالنسبة لإيران فهي تمتلك نقطة مراقبة بطيبة الإمام بريف حماة الشمالي، وهي تعمل عبر هذه النقطة على دعم الميليشيات التي تساند النظام في هجومه البري، كما أن إيران تنظر للمشاركة في هذا الهجوم على أنه حفظ لدورها في المنطقة في ظل تصاعد الحديث عن تقليص نفوذها في سوريا من قبل الروس، لذلك فإن من مصلحة طهران الدفع بالميليشيات التي تتبع لها للمشاركة بفاعلية في هذه المعركة.

خلاصة المشهد

قد يكون الجيب العسكري لفصائل المعارضة في جنوب إدلب وريف حماة الشمالي المنطقة الأكثر سخونة في الأيام المقبلة، حيث ستستمر المعارك بها لكن ليس بشكل تصعيدي، وستسعى قوات النظام وحلفاؤها لا سيما روسيا، لاتباع استراتيجية القضم البطيء للسيطرة على مناطق المعارضة في تلك المنطقة؛ لأن المنطقة مشمولة باتفاق وقف إطلاق النار، لكن هذا لا يعني أن الاتفاق سيصمد بشكله السابق وقد يعلن عن انهياره في أية لحظة. وقد ألمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بذلك عندما لم يستبعد القيام بهجوم شامل على منطقة إدلب، لكن ضمن التوقيت الملائم لذلك.

ويبقى مصير الهجوم الحالي مرتبطاً أيضاً بالتحركات الدبلوماسية للدول الداعمة للمعارضة وخصوصاً تركيا، بالإضافة إلى الجهود الأممية التي ستدعو إلى إيقاف الهجوم لأنه يشكل كارثة إنسانية على حياة المدنيين الذين لا يجدون أماكن لإيوائهم من عمليات القصف سوى غابات وأشجار الزيتون المنتشرة في المنطقة. لذلك فإن التساؤلات الأهم حول مصير المنطقة ستكون. ما هي فرص نجاح إعادة إحياء اتفاق وقف إطلاق النار في ظل واقع القصف المتعمد للبيئات الاجتماعية المدنية؟ وما هو مصير عشرات الآلاف من النازحين والمدنيين إذا ما انهار اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى