الاصدارات

بانوراما كانون الثاني ٢٠٢٢

كازخستان: ٢ كانون الثاني /يناير ٢٠٢٢

اندلعتْ يوم ٢ كانون الثاني /يناير 2022 احتجاجاتٌ في كازخستان، الفناءِ الخلفيّ لِروسيا، ثمّ سرعانَ ما تحوّلت المظاهراتُ إلى أعمالِ عنفٍ أسفرتْ عن مقتلِ العشرات، وَإصابةِ أكثر من ألف شخص، وعطّلتْ كذلك مفاصل الدولة، ما أتاحَ لروسيا نشرَ قوّاتٍ لها في إطارِ قوات حفظِ سلامٍ تَتبعُ دولَ منظمّةِ معاهدةَ الأمنِ الجماعيّ، ذلك بتنسيقٍ مع الرئاسة الكازاخيّة، والذريعةُ وجود مسلحين مدربين – بين المحتجين– جاؤوا من مناطقَ في الشرقين الأدنى والأقصى.

نداءاتُ الاستغاثة التي أطلقها رئيس كازخستان قاسم جومارت توكاييف لِاستدعاء التدخل الروسيّ، وَسيطرة قوّاتها الخاصّة على المطارات وَتأمينها وتشغيلها، وردّ الفعل الحكوميّ المبالغ فيه تجاه متظاهرين يطالبون بحقوقٍ بسيطة، كلّها تحملُ إشارات عن توجيهاتٍ روسيّةٍ مباشرة إلى القيادة الكازاخيّة، وقرار تدخلٍ منها لإعادة ترتيب إجراءاتها بِمناطق مختلفة من العالم، خاصّة في دول الاتحاد السوفييتي السابق التي تتعامل موسكو مع أحداثِها بمنتهى الحساسية. 

  • بِتنسيقٍ خفيّ مع الولايات المتحدة، تحشدُ روسيا على مقربةٍ من الحدود الصينيّة، الشريك المهمّ لكازخستان فِي مبادرة الحزام والطّريق. 
  • ما يحصلُ هو إجراءٌ أمنيّ روسيّ طويلُ الأمد، هدفهُ تغيير قواعد العمليّات العسكريّة في آسيا الوسطى. 
  • بوجودها القويّ في كازخستان، تكادُ موسكو تمسك بكلّ مفاصل توريدِ الطّاقة إلى أوروبا، ما يهدّد أمنيًّا وَسياسيًّا –ليس فقط دول الاتحاد الاوروبي- بل وَبلدان الشرق الأوسط المُصدِّرة للطاقة. 
  • كانَت الرسالة الروسيّة لأوروبا واضحة بتكرارِ أحداث القرم، فِي مناطق شمالي كازخستان، خاصّة قبيل المفاوضاتِ بشأن الملف الأوكرانيّ، ذلك بتعيينها الفريق أول أندريه سيرديوكوف قائد غزو القرم ٢٠١٤، قائدًا لقوّات التدخل الروسيّ في كازخستان. 

الإمارات العربية المتحدة: ١٧ كانون الثاني /يناير 2022 

كثّف التحالفُ العربيّ بقيادةِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ غاراتِه على مواقع حوثيّة في اليمن، بعد إعلانِ المليشيا مسؤوليتها عن هجماتٍ بطائراتٍ مسيّرة وصواريخ بالستية، يوم الاثنين ١٧ كانون الثاني /يناير 2022، استهدفتْ مناطق في الإمارات العربية المتحدة، مِنها مطار أبو ظبيّ، وخلّفت أضرارًا في الأرواح والممتلكات. 

صَدَر قرارُ هذا العدوان الصاروخيّ عن جهاز “فيلق القدس” الإيرانيّ العاملِ في اليمن، دون ظهورِ مؤشراتٍ على تنسيقٍ مُباشر مع وزارة الدفاع التي تتبع حكومة إبراهيم رئيسيّ، ما يُثبِت وجود شروخٍ قياديّة بين مؤسسات النظام الحاكم في إيران. 

جاءتْ هذه الهجمات في وقتٍ تعرّضت فيه مليشيا حوثيّ لضغوطٍ عسكريّةٍ، أُخرجتْ خلالها مِن منطقة شبوة، وأوقِف تقدمها في مأرب الغنيّة بالنفط، والتي بدونمها (شبوة ومأرب) تَفقدُ المليشيا مقوماتِ مشروعِ إقليمٍ منفصل، كما استُهدفت مواقعُ حوثيّ بعمليّاتٍ دقيقةٍ للتحالف أودت بحياةِ خبراء وقادةٍ يتبعون “فيلق القدس”، لكن الهجوم الإيراني /الحوثيّ لم يكن أبدًا ردّ فعلٍ على هذه الخسائر. 

الضربة لا تستهدف الإمارات بشكلٍ مباشر، بقدر ما تستهدف تقويض نفوذ دولٍ تشتبك مع إيران في الإقليم، منها إسرائيل، وَروسيا التي تجمعها الآن علاقات وطيدة جدًّا مع حكومة أبو ظبيّ.

أخيرًا، لا يزال مكان تسيير طائرات بدون طيار اتجاه أهدافها في الإمارات محلّ جدل، ذلك بسبب بعد المسافة من اليمن إلى أبو ظبي، ما يحمل إشارات عن احتمالية إطلاقها من الجزر الإماراتية المحتلة، خاصة أبو موسى. 

سورية: ١٨ كانون الثاني /يناير 2022 

بعد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معَ رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في سوتشي، قصفَت إسرائيل ميناء اللاذقية مرّتين خلال شهرٍ واحد، مستهدفةً قُدراتٍ إيرانية كان بعضها متجّهًا إلى مليشيا “حزب الله” اللبنانيّ، تلاهُ إعلانٌ روسيّ  ١٨ كانون الثاني /يناير ٢٠٢٢، عن تسيير دورياتٍ عسكريةٍ في المنطقة المستهدفة، بذريعة “حماية المرفأ” من “اعتداءات قد تقوم بها معارضاتٌ سورية موجودة بين ريفي اللاذقية وإدلب”، رغم عدم إقدام موسكو على مثل هذه الخطوة عندما كانت المعارضة السورية في أوج قوتها.

ما جرى في ميناء اللاذقية هو انتشارٌ مكثّفٌ لوحداتٍ عسكريةٍ روسيّة، حيث أُبعدت حواجز مليشياتٍ طائفية تتبع نظام أسد، ويحرّكها نفوذٌ إيرانيّ قويّ لم يكن له سلطة في إدارة المرفأ، بذلك يُسيطرُ الروس على مفاصلِ إدارة وتشغيل الساحل السوريّ بتوافقٍ وتنسيقٍ إسرائيليّ مستمرّ، يتعلق بخارطةِ الشرق الأوسط والقرم وَالبلقان، هذا الانسجام الروسيّ الإسرائيليّ، ينضمّ إليه سعيٌ إيرانيّ لضبط مليشياتٍ طائفية تتبعها داخل سورية وفي المنطقة، وَلا تخضع لِقرارها المباشر.

إذًا، بإبعاد الروس إيران عن مناطق الساحل السوريّ، وحصر وجودها في مناطق نفوذها فقط، تكون موسكو قد حيّدت ميناء اللاذقية عن طهران، ويبقى تعرّض المرفأ لهجماتٍ إسرائيليّة مجدّدًا مرهونًا بمحاولاتِ إيران التسلّل، أو تحريك ناقلاتِ أسلحة أو نفط تجاهه بدون قرارٍ روسيّ، بينما احتفظتْ الميليشيّات الولائيّة بطرقٍ بديلةٍ عبر حدود العراق ولبنان، لنقل السلاح، وإنتاج مصانع المخدرات التي تنتشر بكثرة داخل البلاد. 

روسيا تسيطر وتوجّه رسائلها إلى أوروبا والعالم، خاصّة بِتزامن إعلانها في الساحل السوري، مع توقيع اتفاقِ تعاونٍ بين موانئ شبهِ جزيرةِ القرم ومرفأ اللاذقية، وإيران تختنقُ بعد حالةِ انفلاتِ ميلشياتِها وصعوبة ضبطها وإدارتها، بينما يفقدُ نظام أسد باقي سيطرتِه حتى في مناطق وجوده، ليكون السعي لإعادة تدويره عبثًا. 

سورية: ٢٠ كانون الثاني /يناير 2022 

هاجمَ أكثرُ من ١٠٠ عنصرٍ يتبعون تنظيمَ “الدولة” الإرهابيّ، الخميس ٢٠ كانون الثاني /يناير ٢٠٢٢، سجنَ غويران، في الحسكة شمال شرق سورية، الخاضع لحراسةِ وإدارةِ تشكيلات “قسد”، في حادثةٍ هي الأكبرُ منذ إعلان هزيمةِ التنظيم في سورية على يدِ ما يُعرف بالتحالف الدوليّ لمكافحة الإرهاب.

استغلّ تنظيم “الدولة” ضعفَ الإدارةِ الخارجية لِلسجن، ليقتحمَ تحصيناتهِ، ويُفجّرَ عربةً مفخّخةً على أسواره، بدأ بعدها معتقلو التنظيم داخل السجنِ استعصاءً، واستولوا على أسلحةٍ، وأسروا وقتلوا عناصر يتبعون “قسد” معظمهم من العرب. 

حسب مراقبين، سهلّتْ المليشيات الطائفيّة الموجودةُ في الشطر العراقيّ عملياتِ تنظيمِ “الدولة” الأخيرة، حيثُ تزامنتْ هذهِ العمليّات في العراق وسورية مع عملية سجن غويران، لتحقيق أهدافٍ:

  • تريدُ المليشيات الطائفيّة إشاعة الفوضى، وَخلط الأوراقِ لتثبيتِ وجودِها في أيّ منطقةٍ تستولي عليها. 
  • أمّا تنظيم “الدولة” فيهدفُ من عمليّاته تحقيقَ أهدافٍ محدودة، ثمّ يعود إلى تموضعاتٍ آمنة متنقّلة، لذلكَ لا يسعى للحفاظ على الأرض، ولا لإعادة شكلهِ القديم الذي كان عليه أيام قياداته السابقة. 

أما فيما يخصّ التحالف الدوليّ، فيقتصرُ عمله على إدارةِ وتنسيقِ عمليّاتٍ على الأرض، ويعتمد تحقيق ضرباتٍ خارجية، فهو لا يريدُ العمل بفاعلية، ويسعى إلى تأمين بديلٍ حالَ انسحابه. 

مِن خلال مجمل أحداثِ المنطقة، يتّضح أنّ المكوّنات الحقيقيّة لِلمناطق التي يستهدفُها تنظيم “الدولة” هيَ البديل الواقعيَ، وهي سبيل تحقيقِ الاستقرار فيها، وَمنها العشائر العربيّة التي عانت ضغوطًا أثناء سيطرةِ “قسد” على الجزيرة السورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى