الاصداراتمشاهد

فرص نجاح خارطة الطريق السياسية

بعد الخلافات والتباينات بين القوى المؤثرة في السودان، توصل المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير إلى اتفاق يحدد خريطة الطريق السياسية في البلاد التي تضع ملامح المرحلة الانتقالية وتضع الخطوط العريضة لمستقبل الدولة.

بالمقابل فإن فرص نجاح الاتفاق لاتزال مرهونة بالخطوات العملية لتنفيذ بنوده، وجهود الأطراف الدولية خصوصاً الإثيوبية والاتحاد الإفريقي في دفع الفرقاء للالتزام وتطبيق بنوده، لكن يسود اعتقاد أن عملية المخاض السياسي في السودان قد تشهد مزيداً من الاستقطاب بالرغم من توقيع الاتفاق؛ بسبب تباين وجهات النظر المتعلقة بإدارة البلاد بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير وبقية القوى السياسية أيضاً، لذلك قد تواجه خريطة الطريق السياسية عراقيل تؤدي إلى تثبيط العملية الانتقالية في البلاد.

من جهة أخرى قد تؤثر التجاذبات الدولية والإقليمية بشكل سلبي على مسار الاتفاق وإمكانية تطبيقه خصوصاً وأن العديد من الدول قامت بتحديد مصالح جديدة لها في البلاد بعد الإطاحة بعمر البشير؛ على اعتبار موقع السودان الحيوي في حوض النيل والذي يُكسبه أهمية جيوسياسية لأنه يطل على البحر الأحمر المتصل بالمحيط الهندي جنوباً والبحر الأبيض المتوسط شمالاً، لذلك فإن البلاد أصبحت محط تركيز أكبر واهتمام دولي وإقليمي وصراعات نفوذ دولية، كانت بداية ظهورها في عملية تقسيم السودان وإعلان استقلال الجنوب عام 2011. والاتفاق على تسليم إدارة جزيرة سواكن لتركيا عام 2017، واتفاقية تسهيل إجراءات دخول السفن الحربية الروسية إلى موانئ البلاد والسعي باتجاه إقامة قاعدة عسكرية في السودان مستقبلاً([1]). بالتالي فإن اتفاق الخارطة السياسية الانتقالية سيكون مرتبطاً بشكل وثيق بتحركات ومواقف الدول الفاعلة اتجاه القضية السودانية.

بنود اتفاق خريطة الانتقال السياسي السوداني

جرت عدة مباحثات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، ومثّل الأول نائب رئيس المجلس الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس اللجنة السياسية بالمجلس الفريق شمس الدين كباشي، وعضو المجلس الفريق ياسر العطا. بينما ضم وفد قوى التغيير، كلاً من المهندس عمر الدقير، والدكتور محمد ناجي الأصم، والمهندس صديق يوسف، والدكتور إبراهيم الأمين. وتمت المفاوضات بحضور وسيط الاتحاد الإفريقي محمد الحسن ولد لبات والوسيط الإثيوبي محمود درير، وتم التوصل إلى اتفاق جاء في بنوده([2]):

  1. تحديد الفترة الانتقالية السياسية بـ 39 شهراً. أي ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، تكون الستة أشهر الأولى لعملية السلام.
  2.  تشكيل مجلس سيادي شرفي يرأسه العسكريون لمدة 21 شهراً، – تتضمن الستة أشهر الأولى-، وآخر 18 شهراً تكون الرئاسة فيها للمدنيين ويتكون المجلس من 11 شخصاً من بينهم خمسة مدنيين. وخمسة عسكريين، بالإضافة لعضو مدني يتوافق عليه الطرفان.
  3. تشكيل مجلس وزراء من كفاءات وطنية تقوم بتشكيله قوى الحرية والتغيير.
  4. تأجيل إنشاء المجلس التشريعي إلى ما بعد تشكيل مجلس السيادة ومجلس الوزراء.
  5. تشكيل لجنة فنية مشتركة من قانونيين بمشاركة إفريقية تنهي أعمالها خلال 48 ساعة كي يتم توقيع الاتفاق السياسي النهائي.
  6. تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة لأحداث العنف ضد المعتصمين بدءاً من تاريخ 11 نيسان/أبريل 2019.
  7. بحث ومناقشة الإفراج عن 235 مقاتلاً من متمرّدي “جيش تحرير السودان”، الذي يعد أحد أبرز الفصائل المسلحة في إقليم دارفور غربي البلاد، وواحد من قوى تحالف الحرية والتغيير.

القوى السياسية المؤثرة في الحراك المدني

على الرغم من تصدّر قوى الحرية والتغيير للمشهد السوداني السياسي كممثل للمعارضة إلا أنه يوجد عدة أحزاب وتيارات أخرى فاعلة بالشارع السوداني، تتبنى مطالب المتظاهرين وتأطيرها بما يتوافق مع توجهاتها ومن أهمها:

  1. تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، يضم 17 حزباً ويعد الأكثر تأثيراً وحضوراً في الشارع السوداني.
  2. حزب المؤتمر الشعبي، هو “أكبر الأحزاب التي كانت تشارك في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، ويعتبره كثير من السودانيين امتداد للنظام السابق، ويرفضون مشاركته في المرحلة الانتقالية”.
  3. الجبهة الوطنية للتغيير وتضم 22 حزباً.
  4. ائتلاف الإصلاح والتنمية، شكله مجموعة من شباب الثورة. يعارض توجهات إعلان الحرية والتغيير ويعتبرها إقصائية.
  5. التحالف الوطني للحوار، يضم 33 حزباً وكياناً.
  6. قوى 2020، تضم 26 حزباً.

قراءة في بنود الاتفاق

كان من أهم مضامين الاتفاق تحديد مدة المرحلة الانتقالية بثلاث سنوات وثلاثة أشهر، على الرغم من أن أبرز مطالب المتظاهرين كان تقليص المدة الزمنية التي حددها وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الانتقالي الأسبق عوض بن عوف في 11 نيسان/ أبريل بسنتين([3])، ما يثير التساؤل حول أسباب قبول قوى الحرية والتغيير لمطلب العسكريين الذين فرضوا إرادتهم بالقوة لإطالة أمد المرحلة الانتقالية التي قد تشكل عقبة كبيرة في إمكانية الوصول إلى الاستقرار السياسي؛ لأن المراحل الانتقالية للسلطة بشكل عام تشهد عدة تبدلات ونقاط انعطاف لذلك إذا استغرقت المرحلة الانتقالية وقتاً أطول تقلصت فرص الوصول إلى الاستقرار السياسي وسد الثغرات والفراغ الإداري الحاصل في المؤسسات والسلطات بسبب تغير نظام الحكم أو رأس السلطة الممثل بالرئيس. لكن يبدو أن السبب الرئيسي لقبول الحرية والتغيير بهذه المدة هو الضغوطات التي واجهتها من الوسطاء، بالإضافة إلى مخاوف من إمكانية حدوث أعمال عنف ضد المتظاهرين من قبل العسكريين كما حدث سابقاً.

وبالنسبة لتشكيل حكومة الكفاءات فسوف تدخل هذه القضية ضمن تجاذبات كبيرة بين قوى سياسية مؤثرة في المشهد السوداني وبدأت عدة شخصيات العمل على تصدر المشهد للدخول في سباق رئاسة الحكومة، ووفق الاتفاق فلم يتم تحديد طريقة اختيار الحكومة ومن سيكون المسؤول المباشر عن تشكيلها وتعيين الوزراء المستقلين عن أي انتماء حزبي، لذلك لا يزال هذا البند بحاجة إلى نقاش ومباحثات بين القوى المعنية.

من جهة أخرى كان من ضمن النقاط التي اتفق عليها الطرفان “إرجاء إقامة المجلس التشريعي والبت النهائي في تفصيلات تشكيله، حالما يتم قيام المجلس السيادي والحكومة المدنية المرتقبة، مثلما اقترح الوسيط الذي طالب بترحيل هذه المسألة إلى وقت لاحق”. على الرغم من أن الجانبين اتفقا في وقت سابق على حصول تحالف قوى الحرية والتغيير على ثلثي مقاعد المجلس التشريعي البالغة 300 مقعد. لكن تراجعت الأخيرة عنه بعد ان قامت قوات الأمن بفض اعتصام المحتجين في الثالث من حزيران/ يونيو بالقوة ما أدى إلى مقتل العشرات وانهيار الاتفاق السابق. لكن في خارطة الطريق السياسية التي تم التوقيع عليها مؤخراً فإن الخلاف الأساسي المتعلق بتشكيل المجلس التشريعي هو نسبة التمثيل، حيث أصبحت قوى الحرية والتغيير تريد تمثيلاً أكبر من الثلث مقابل رفض من قبل المجلس العسكري لذلك ستبقى هذه القضية عثرة في طريق خريطة الطريق السياسية في البلاد.

ويضاف إلى العراقيل التي تواجه تنفيذ الاتفاق -الذي قد لا يلبي مطالب الشعب السوداني- حالة الاستقطاب الموجودة بعلاقة القوى السياسية بين بعضها والتي تعتبر على ثلاثة تيارات أساسية:

– الأول المعارض لاستمرار المجلس العسكري والرافض للاتفاق ومنها الحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة وحركة العدل والمساواة والجبهة الثورية التي رفضت التعامل مع المجلس العسكري([4]).

– الثاني وهو الذي لا يعارض استمرار المجلس العسكري في قيادة البلاد لكن بشرط الوصول إلى تفاهمات محددة ومنها جمع المهنيين السودانيين وقوى الإجماع الوطني وقوى نداء السودان والتجمع الاتحادي المعارض والتي باتت تعرف بتحالفها ضمن “إعلان قوى الحرية والتغيير”.

– الثالث المؤيد للنظام السابق كحزب المؤتمر الشعبي -كان ينتمي إليه البشير- الذي يحاول التماهي مع مطالب الثورة على الرغم من دوره الداعم لنظام البشير([5]).

أما بالنسبة لدور الوساطة، فتلعب إثيوبيا الدور الأهم في عملية جمع الفرقاء فهي تحتوي حالياً في عاصمتها أديس أبابا محادثات بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية لبحث تشكيل حكومة انتقالية في السودان، بالتالي فإن الوساطة الإثيوبية تخطت مرحلة تقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير إلى تقريب وجهات النظر بين قوى سياسية سودانية مؤثرة، لذلك ستتمكن أديس أبابا عبر هذا التوجه من بناء علاقات متينة مع مختلف الأطراف المؤثرة في السودان ما يمكنها من تحقيق مكاسب طويلة الأمد خصوصاً وأنها تطمح للوصول إلى شواطئ بحر العرب والبحر الأحمر لتحصيل مكاسب اقتصادية بعيدة المدى ضمن التنافس الدولي الحاصل على بناء نفوذ جديد في القارة الإفريقية، لذلك فإن دور إثيوبيا سيبقى فاعلاً إلى حين وصول البلاد إلى مرحلة الاستقرار السياسي أو إلى حين بدء الدخول بالخطوات الإجرائية في العملية السياسية على أقل تقدير.

في حين يحاول الاتحاد الإفريقي دفع المحادثات إلى الأمام وحث الأطراف على التسريع في إجراءات بناء الثقة لكن تأثير الوساطة الإفريقية يبقى ضمن إطار الجهود الدبلوماسية لمنظمة الاتحاد الإفريقي، أي أن دور الوساطة الحالي للاتحاد يدعم الوساطة الإثيوبية التي تتطلع لبناء مصالح متعددة في السودان.

وبناء على ما سبق هل سيكون الفرقاء السودانيون سواء العسكريين أو السياسيين مستعدة لتقديم تنازلات لدفع العملية السياسية إلى الأمام؟ وكيف سيتم تجاوز العقبات والعراقيل التي ستواجه خارطة الطريق الموقعة على مدى ثلاث سنوات وثلاثة أشهر؟ أيضاً هل ستدخل السودان ضمن صراع وتضارب مصالح الدول الفاعلة في الملف السوداني ما سيؤدي إلى دخول البلاد في دوامة من العنف والصراع المسلح؟

 

([1]) “هل تقيم روسيا أول قاعدة عسكرية في أفريقيا”. سبوتنيك، 4-12-2017. https://bit.ly/2FnxW3m

([2]) “تفاصيل الاتفاق بين “الحرية والتغيير” والمجلس العسكري حول الفترة الانتقالية في السودان”. سي إن إن، 5-7-2019. https://cnn.it/2Xoqblz

([3]) “وزير الدفاع السوداني يعلن “اقتلاع” النظام واحتجاز البشير”. سكاي نيوز، 11-4-2019. https://bit.ly/2Ie5KF0

([4]) “الجبهة الثورية تعتبر اجماع قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري لا تمثلهم والعدل والمساواة تطالب باطلاق سراح جميع معتقليها”. Dabanga، 15-4-2019. https://bit.ly/1CHP3n1

([5]) “حزب المؤتمر الشعبي السوداني: طالبنا بتنحي البشير قبل أن يعزله الجيش”. سبوتنيك، 15-4-2019. https://bit.ly/2S9B0a4

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى