الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةترجمات

ما هي المخاطر العالمية في عام 2019؟

 

في هذا العام سوف تهيمن ثلاثة مخاطر جيوسياسية على العالم، وهي الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، التطورات في الاتحاد الأوروبي في حال خروج بريطانيا منه بدون اتفاق بالإضافة إلى الانتخابات الأوروبية مع تزايد النزعة الشعبوية في أوروبا، وأخيرًا قدرة الصين على الحفاظ على مكانتها الاقتصادية في العالم.

بدأ عام 2019 بما يحمله عصرنا من تحولاتٍ تتمثل بتراكم المخاطر والتوترات الجيوسياسية في العالم، في هذا الإطار سوف يتمّ التطرق لثلاث حالاتٍ أساسيةٍ سيكون لها – ربما – عواقب مهمةٌ على التطور الاقتصادي والجيوسياسي العالمي في الأشهر القادمة.

التغييرات المتكررة في موقف إدارة ترمب:

بدايةً، يتوقف الاقتصاد العالمي على نتيجة الاتفاق أو عدم الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. خلال لقائهما في مجموعة العشرين في بيونس آيرس، قرّر دونالد ترمب وشي جين بينغ استئناف المفاوضات، وأعطوا لنفسيهما موعدًا حتى بداية آذار/مارس القادم لإبرام اتفاق محتمل. إذا كان الصينيون مستعدون لتقديم تنازلاتٍ ما فإنّ الموقف المتقلب في إدارة ترمب لا يستبعد استمرار الحرب التجارية بين القوتين العظميين.

ابتداءً من مشروع المرسوم الذي صاغه البيت الأبيض لاستبعاد العملاقين الإلكترونيين الصينيين (ZTE) و (HUAWEI) من الأسواق الأمريكية، وكذلك اعتقال وريثة مؤسسة HUAWEI)) في كندا بناءً على طلبٍ من السلطات القضائية الأمريكية، كلّ ذلك يجعل من الوصول إلى اتفاقٍ بين الدولتين أمرًا عشوائيًا.

المشكلة الآن هي أنّ المواجهة بين واشنطن وبكين أصبحت مفتوحة، وقد حدّد دونالد ترمب وضع الصين كخصمٍ رئيسي وأطلق حربًا تجاريّةً وتكنولوجية ضدّها.

من جانبها، إن كانت بكين ترى مصلحتها في السير ببطءٍ حسب الاستراتيجية المتبعة منذ تولي شي جين بينغ، فإنّ الرغبة الصينية في أن تصبح القوّة الرائدة في العالم تبقى رغبةً متأصلةّ بعمقٍ في سياسة البلاد.

ولهذا السبب تقوم الصين بتنفيذ استراتيجيةٍ عالميةٍ لإعادة التوازن في نموذج نموها ونهضتها التكنولوجية ومشروع طريق الحرير الجديد وتعزيز قدراتها العسكرية.

الموجة غير الليبرالية في أوروبا:

الخطر الثاني الذي يهدّد العالم هذا العام هو الوضع في أوروبا، إذ لأول مرةٍ منذ حرب يوغسلافية التي انتهت عام 1999،  تشكل أوروبا مثل هذا الخطر الجيوسياسي الكبير على العالم.

يتوجب على المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوربي في 29 آذار/مارس، وكذلك سوف تبدأ الانتخابات الأوربية بموجةٍ شعبويةٍ وغير ليبراليةٍ محتملةٍ تدور رحاها وسط أوروبا وأيضًا في إيطاليا واليونان.

كما تعاني منطقة اليورو من توتراتٍ داخليةٍ قويّةٍ بسبب اختلاف الاقتصادات الكبرى، وكذلك بسبب الصدام المتزايد بقوّةٍ بين مؤيدي نظام (الأوردو-ليبرالية) على النمط الألماني – تجاه فكر النظام الليبرالي الجديد في المنافسة الحرّة بين الشركات- من جهة ومؤيدي إعادة إحياء مدرسة (كينز) في الاقتصاد في البلدان اللاتينية من جهةٍ أخرى.

حيث ستتم معالجة قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي كتأثيرٍ على المستقبل الأوروبي ولكن على المدى القصير فقط.

منذ الاستفتاء في 23 تموز/يونيو 2016 تواصل المملكة المتحدة أداءها الاقتصادي الذي يتميّز بالضعف المستمر، حيث انخفض النمو من 3% إلى 1.4% في 2018، كما يُتوقّع أن ينخفض إلى 1.3% في 2019 و2020. كما وصل التضخم في البلاد إلى 3 % وتمّ تخفيض قيمة الجنيه بنسبة 20%. تفقد البلاد وضعها الاقتصادي في السوق بالنسبة لليورو، حيث سيزداد تحريك الخدمات المصرفية في القارة الأوروبية.

رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي تفتقر لأغلبيةٍ مستقرّةٍ في البرلمان، ربما تختار التوجه لاستفتاء ٍثانٍ حول خروجٍ دون اتفاق من الاتحاد الأوربي أو تأجيلٍ جديدٍ للتصويت على هذا الموضوع داخل البرلمان إلى حين الذهاب إلى انتخاباتٍ عامّة.

ولا يزال من الممكن أن يبقى لدى لندن ذلك السبب لإبرام اتفاقٍ انتقالي يضمن خروجًا منظّمًا للمملكة المتحدة، وذلك مع تسويةٍ للمسألة الايرلندية بشكلٍ نهائي، القضية التي تشكل عائقًا يقوّض المفاوضات بين لندن وبروكسل.

الدور المركزي للصين:

أخيرًا، الخطر الجيوسياسي الثالث هو استقرار الامبراطورية الوسطى، إذ أصبحت الصين الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث يشكل اقتصادها ثلث النمو العالمي، وتُعتبر لاعبًا رئيسيًّا في جميع القضايا من المناخ إلى الاقتصاد والابتكارات والتكنولوجيا.

وبالتالي هناك “مصلحة عامة” عالمية في أن يكون هناك تباطؤ في النمو الصيني الذي لا يمكن تجاوزه بسبب النضج الذي حققه الاقتصاد، فهو منظّمٌ على نحوٍ سلس، وكذلك لأن الاستقرار هو الذي يميز الآن النظام السياسي  في بكين.

وبينما تتراكم التقلبات في الولايات المتحدة وأوروبا، ويضغط عليها الرأي العام مع أفكار متضاربة في بعض الأحيان، فإن السياسة التي ينفذها شي جين بينغ يغلب عليها طابع الاستمرارية بشكلٍ ملحوظ.

فقد أكد المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي في كانون الأول/ديسمبر الماضي على استمرار الإجراءات لدعم الاقتصاد، وذلك بفضل التخفيضات الضريبية وسياسة الإقراض الضعيفة واستمرار دعم مشاريع البنية التحتية.

في نهاية المطاف هنا تكمن المفارقة هذا العام 2019، ففي حين أن عودة الاستبداد أدى إلى تشديدٍ كبيرٍ في القوّة الصينية، فإنّ آمال الاستقرار العالمي تبقى أكثر من أي وقت مضى على عاتق شي جين بينغ.

لدى الرئيس الصيني الآن عدة أوراق في يده: إمكانية عقد اتفاقية تجارية مع واشنطن، والسعي إلى جعل النمو الصيني كمحرك للاقتصاد العالمي من خلال تدابير الدعم المستمر للاستقرار الشامل في آسيا، كل هذا إما من خلال ملف كوريا الشمالية أو بحر الصين أو التحالف مع روسيا.

 ومع ذلك، لا يتحكم شي جين بينغ بكامل خيوط اللعبة التي تبقى حتى النهاية في البيت الأبيض، في يد دونالد ترمب؛ وهذا على وجه التحديد ما يجعل 2019 غير غير قابل للتنبؤ به جيوسياسيًا.

لورانس ديزيانو لصحيفة (لا تروبين) 2 كانون الثاني/يناير 2019

رابط المقال الأصلي من هنا

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2019

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى