الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةترجمات

هل ستكون الحرب القادمة ضد إيران؟

تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وبتشجيعٍ من المملكة العربية السعودية وإسرائيل، إلى خنق إيران التي بدأت تتأثّر بالفعل بسبب الحصار الاقتصادي، هذه الاستراتيجية تبدو جديّة جدًا على المدى المتوسط، إذ يمكن أن تتحول إلى حربٍ مفتوحة.

يمكن النظر إلى أن الانفراج الأخير بين الولايات المتّحدة وكوريا الشماليّة كمقدمة لتزايد التوترات مع الإيرانيين، كما شدّد عليه مؤخرًا انشل فيفر في صحيفة هآرتس الإسرائيليّة، يمكن أن يكون لهذا التوتر سيناريو شديد التأثير على المنطقة بأكملها.

عندما نتحدث عن حربٍ مستقبليّة تشمل إيران، سنكون أمام ثلاثة احتمالاتٍ هامة:

أولها مواجهةٌ مباشرةٌ بين واشنطن وطهران، ثانيهما سخونة الحرب الباردة بين السعوديّة وإيران، أما ثالثها فهو حربٌ بين إيران وإسرائيل وخاصةً على ساحة الحرب السوريّة.

لدى إدارة ترمب ثلاثة معارضين بارزين للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس (الذي كان يبدو معتدلًا بخصوص هذا الملف، لكن هذا الاعتدال مؤقت) ووزير الخارجيّة مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون.

من الواضح أن هذه الإدارة لا تبدو مهتمة كثيرًا بمفاوضاتٍ حقيقيةٍ مع الإيرانيين، فقد قارن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد ستيفان والت، قارن مؤخرًا بين عشرات الطلبات الأمريكية التي تحدث عنها مايك بومبيو لإنذار إيران، وبين إنذار الإمبراطوريّة النمساويّة المجريّة لصربيا قبيل الحرب العالميّة الأولى.

تتلخص المطالب الأمريكية في توجيه الأمر لإيران بالتخلي عن سياساتها الأمنيّة، وعن نفوذها الإقليمي الذي يهدد أمن المنطقة برمتها، هذه الشروط ستكون قاتلةً إن تمت ليس فقط على النظام الإيراني الحالي، بل على أي عملٍ إيراني داخلي مستقبلي.

وكما يشرح رئيس المجلس الأمريكي الإيراني تريتا بارسي “عندما نربط بين مطالب لن يطبقها النظام الإيراني مع ضغط هائل ومستمر، فإنّنا نسعى لخلق تطورٍ نحو المواجهة المباشرة”، يبدو أنّ الولايات المتحدة تسعى لزعزعة النظام الإيراني من الداخل، وهي حاليًا تكتفي بحربٍ اقتصاديّةٍ لتحقيق هذا الهدف.

في الواقع هذا الموقف هو موقف إدارة ترمب حتى قبل الانسحاب من الصفقة النووية مع إيران، في حين أنّ الأخيرة رأت أنه من مصلحتها التمسّك بالاتفاق، واشنطن سعت لتقويضه خاصة البنود 26 و29 و33 منه والمتعلقة بالسماح لإيران بإعادة دمج اقتصادها مع المجتمع الدولي، انسحاب الولايات المتحدة يؤكد من جديد رفضها أي محاولةٍ إيرانيّةٍ لانضمامها إلى العالم، وبالتالي لن تتمكن من تحقيق أي تطورٍ في اقتصادها.

إن الاستمرار في جعل إيران منبوذةً عالميًا، هو السعي إلى خنقها اقتصاديًا، وذلك للإطاحة بها دون الاضطرار إلى القصف، أو ربما دفع طهران لإحياء برنامجها النووي لتوريطها بذريعةٍ من أجل شن حربٍ وقائيّةٍ ضدّها، كذلك تسعى واشنطن لتقويض إيران بسبب زعزعتها للاستقرار الإقليمي، هذا ما عبّر عنه محامي الرئيس ترمب رودي جولياني “تغيير النظام في إيران مهمٌ للسلام في الشرق الأوسط وسيؤدي بالضرورة إلى اتفاقٍ بين إسرائيل والفلسطينيين”. ويرى البعض في الإدارة الأمريكية أنه إذا لم تُجدِ زعزعة الاقتصاد الإيراني نفعًا سيكون مغريًا جدًا استخدام القوّة ضدها.

إن الغضب الأمريكي والحنق ضد إيران يبدو مع كل ذلك محدودًا، والسبب التصور الأمريكي للتكلفة العسكرية الكبيرة التي ستنتج عن شن عملٍ عسكري، ومثل هذا الهجوم إذا ما ذهب بعيدًا جدًا مثلًا قد يقود إلى احتلال البلاد، وهنا لن يكون من الممكن السيطرة عليها بدون العودة إلى التجنيد، هذه الدواعي تفسر معارضة رجل عسكري مثل ماتيس للرؤية الإيديولوجيّة لبعض المدنيين في إدارة ترمب.

لكن الصقور الأمريكيين لهم حلفاءٌ في الشرق الأوسط، هؤلاء الحلفاء سيدعمون سياسات التوجه نحو الهجوم العسكري، يجدر التذكير أنه في قضيّة كوريا الشمالية، كثيرًا ما دفع الحليف الكوري الجنوبي الولايات المتحدة إلى الاعتدال، ولكن في الشرق الأوسط الأمر مختلفٌ تمامًا، إذ أنّ حلفاء الولايات المتحدة وخاصةً إسرائيل والمملكة العربيّة السعوديّة، يحاولون إقناعها أنّ النظام الإيراني عدوٌ يستحيل التفاوض معه، وأنّ العمل العسكري سيكون الخيار الأنسب دائمًا.

لدى الإيرانيين والإسرائيليين مواقفٌ لا يمكن التوفيق بينها حول سورية، فطهران تريد البقاء هناك، والإسرائيليون يرفضون مثل هذا السيناريو بشكلٍ قطعي. في الوقت الحالي بقيت المواجهات بينهما محدودة؛ لكن احتمالية الانزلاق العسكري ممكنةٌ جدًا، فإسرائيل(مثل الولايات المتحدّة) تعمل حاليًا على زعزعةٍ داخليةٍ للنظام الإيراني، مثل هذا التحرك ليس واضحًا بالضرورة، لكن ما هو واضحٌ هو رغبة إسرائيل في القيام بعملٍ عسكريّ مباشرٍ ضدّ إيران داخل الأراضي السوريّة.

أمّا بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن عداءها لإيران أكثر راديكاليّة، فهو عنصرٌ هامٌّ في المسألة القوميّة التي تروّج لها الرياض، بعض السعوديين يبالغ في قدرات إيران، وبكل الأحوال علينا أنّ نعتبر أن البلدين الآن في حالة حربٍ غير مباشرة، أو يمكن أن تُسمى “حربًا باردة”، وأنّ التصعيد في اليمن أمرٌ ممكنٌ جدًا، رغم ما ينطوي عليه من مخاطر.

هل تستعد إيران لحربٍ غير متكافئة؟

احتمالية حدوث انزلاقٍ حربي حتى وإن لم يكن مرغوبًا من قبل طهران ليس بعيدًا على المستوى الإقليمي والدولي، لكن ماذا عن موقف إيران نفسه؟ وما هي نواياها؟

بدايةً ومن وجهة نظرٍ عسكرية، لم تستثمر إيران بشكلٍ أساسي في جيشها التقليدي، بل على العكس، فهي لا تزال تُعد لحربٍ غير متكافئةٍ مع الولايات المتحدة، كونها العدو الأكثر احتماليةً، من المعروف أنه لدى طهران ميزانيّة عسكرية متواضعة مقارنةً بجيرانها، رغم الدعاية الإيرانية -الإعلامية فقط- عن تطورها العسكري، حتى الإمارات العربيّة المتحدة تنفق على تطوير القوّة العسكريّة ضعف ما تنفقه إيران على دفاعها.

 ليس لدى طهران إمكانيّة الوصول إلى الأسلحة الأكثر تطورًا من الغرب الذي يرفض بيعها مستلزماتٍ عسكريّة، نفسه الغرب يبيعها للمملكة العربية السعودية ولإسرائيل، كذلك لعدم وجود موارد ماليّة يمكن لإيران من خلالها الدخول في سباق التسلّح، وإذا ألقينا نظرةً سريعةً على خريطة إيران، سيظهر لنا جليًا أن إيران محاطةٌ بقواعد وقواتٍ أمريكية، وكذلك بدول حليفةٍ للولايات المتحدة وللسعوديّة.

ترسانة صاروخيّة لمواجهة غزوٍ محتمل

منذ زمنٍ بعيد، عملت النخبة الإيرانيّة على جعل أي خيارٍ عسكري أمرًا صعبًا للغاية، ذلك بدلًا من التركيز على تطوير قدراتٍ هجوميةٍ حقيقية، مع هذا السعي الإيراني، نضع بعين الاعتبار أن العدد الكبير من الصواريخ الباليستية الإيرانيّة، وفي حالة عدم وجود قوة طيران فعالة، سيكون فقط لتهديد البنية التحتية الإقليمية، وذلك ردًا على أي هجومٍ تقليدي محتمل.

في أعقاب صدمة إيران إثر الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين، اعتبر الإيرانيون الترسانة الباليستية وسيلةً فعّالةً لحماية النظام في طهران ضد الهجوم العسكري الخارجي، وعليه سيكون من الخطأ الاعتقاد أن التفوق العسكري الأمريكي يمكن أن يلغي المزايا العسكريّة الإيرانيّة، رغم كونها غير متكافئة وتقليديّة، ذلك لأنّه كما سلف ذكره، لا يمكن أن نضع جانبًا التهديد بضرب البنية التحتية في المنطقة إن تعرض النظام الإيراني لتهديدٍ عسكري حقيقي.

خلال المناورات التي قام بها البنتاغون “تحدّي الألفيّة” أُجريت محاكاةٌ لكيفية صدّ البحريّة الأمريكيّة هجومًا إيرانيًا ممكنًا، وعلى هذا الأساس لا يزال العسكريون الأمريكيون يعملون على تطوير خططهم والإعداد لتلقي أي قرارٍ بهجومٍ عسكري على أن ينتهي ب “انتصارٍ أمريكي”.

الجنرال حسين سلامي وهو الرجل الثاني في الحرس الثوري الإيراني، لخّص النهج العسكري الإيراني بأن “الدفاع هو الاستراتيجيّة الشاملة”، ولكن أوضح بالمقابل أن الهجوم والهجوم القوي سيكون واردًا إن تعرّض النظام الإيراني للخطر.

من المحتمل ألا تسعى إيران للقتال بسبب عدم تكافؤ القوة، ولكن إن وقع هجومٌ يهدد النظام في طهران، يتوقع المهاجم أنه سيخوض حربًا ليست بالسهلة، ليس فقط على الأراضي الإيرانيّة، بل ربما تتسع لتشمل الشرق الأوسط، على سبيل المثال تحريك أذرع إيران في المنطقة بشكل أوسع، كحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن، أو القيام بأعمالٍ عدائيّةٍ ضد المصالح الأمريكيّة في سورية والعراق، وهذا ما يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توضيحه للرئيس ترمب.

في الجانب المقابل، اتضح أنّ سياسة ترمب المعادية لطهران يمكن أن تغذي الراديكالية في إيران، المحافظون الذين خسروا كل الانتخابات منذ عام 2015 لا يؤمنون كثيرًا بفكرة “استرضاء الغرب” هؤلاء الآن أكثر قدرةً على تقديم رؤيتهم، خاصة بعد أن خسر حسن روحاني ومن حوله، وحتى علي خامنئي نفسه، مشروعهم في الحوار مع واشنطن والذي لم يحقق النتائج المرجوّة منه.

قد لا تغير الزيارة الحاليّة لحسن روحاني إلى النمسا وسويسرا كثيرًا، ربما كانت آخر جولةٍ للرئيس الإيراني في أوروبا قبل فرض العقوبات من قبل الأمريكيين في السادس من آب/أغسطس، وقد طغى على هذا الحدث عمليّةٌ غريبة تم إحباطها في الوقت المناسب، الحادثة استهدفت المعارضين الإيرانيين المجتمعين في باريس في 30 تموز/يوليو الماضي، وَقعت هذه الحادثة في الوقت الذي تسعى فيه إيران يائسةً للحصول على دعمٍ أوربي لإنقاذ الصفقة النووية.

الإيرانيون يعرفون تمامًا أنّ الهجوم على الأراضي الأوربيّة في الوقت الحالي خطٌ أحمر، إلا أنّه تم الكشف عن حدوث عمل كهذا قبل وصول روحاني إلى النمسا، وقبل اجتماع وزير الخارجية الإيراني مع ممثلي القوى الخمس التي لا تزال مرتبطة بشكل رسمي بالاتفاق (فرنسا وبريطانيا والصين وروسيا وألمانيا).

ومع ذلك فقد كان لتلك القضية تأثيرٌ كبيرٌ لعلاقة أوربا بطهران، الأوربيون الذين يحثهم ترمب على الانضمام إلى سياسته ضد إيران، الآن أصبح من غير الممكن أن يحصل الإصلاحيون الإيرانيون على انتصارٍ دبلوماسي مع الأوربيين، أو أن ينقذوا الاتفاق النووي.

الأمر البالغ الخطورة بالنسبة للإصلاحيين، قد يعود بالنفع على المحافظين، وهو وقوع انقلابٍ عسكري ضد الرئيس روحاني الذي يمثل رصيدًا مهمًا بالنسبة إلى المرشد الأعلى للثورة في إيران علي خامنئي، لطالما كان استرضاء الغرب ممكنًا، اليوم لم يعد الأمر كذلك، ثمّ أنّ السياسة الاقتصاديّة الإيرانيّة أزعجت كثيرًا الشارع، ناهيك عن التوتر مع الولايات المتحدة وعمليات التنظيم الأخيرة داخل بنية الجيش الإيراني، كل ذلك يُشكل بالنسبة لبعض النخب الإيرانيّة قناعةً متزايدةً أن انقلابًا عسكريًا في البلاد ليس مستبعدًا.

يتحدث البعض عن انقلابٍ عسكري يطيح بروحاني، أو يَجلبُ رئاسةً عسكريةً في نهاية ولايته، إن حدث وتحولت السيطرة في إيران إلى قوى عسكرية وقومية وراديكاليّة ستدخل المنطقة إلى توتراتٍ كبيرة.

هناك حاليًا في إيران محاولات تغيير، والهدف هو مواجهة تهديدات ترمب، فالنظام الإيراني يحاول تعزيز صفه، وبهذا فإنّ عودة المحافظين واردة جدًا، من وجهة نظر النظام الإيراني، الأمريكيون وحلفاؤهم يواجهون إيران ليس فقط كنظام، بل أيضًا كنفوذ إقليمي، وبذلك سيكون هدف أمريكا الأساسي هو تقطيع أوصال البلاد لدفعها إلى حربٍ أهلية.

وجهة النظر الإيرانية تتوافق في الجزء الذي يخص حلفاء الولايات المتحدة مع بعض الوقائع: يمكن رؤية المصلحة السعوديّة في دعم القوى القومية البلوشيّة في إيران، وكذلك دعم الحركات الماليّة التي تُفيد الانفصاليين الإيرانيين.

ردود الفعل الإيرانيّة في مواجهة مثل هذه الظروف تتلخص في وجود نوعٍ من التصالح بين النخب السياسية، ولكن بما يتوافق مع النظام، وبذلك أي فكرةٍ يطرحها الإصلاحيون من الآن فصاعدًا عن حوارٍ مع الغرب لن تكون واقعيّة، على الأقل لبعض الوقت وليس دائمًا.

بهذا كله يمكن القول أنّه أصبح من الصعب جدًا تغيير النظام الإيراني من الداخل، الأمر الذي يدفع وحتى النهاية بعض الصقور الأمريكيين للمطالبة بالعمل العسكري المباشر ضد طهران.

ديدييه شوديه الملحق العلمي في المعهد الفرنسي لدراسات آسيا الوسطى

صحيفة لا تروبين  ٠٩/٠٨/٢٠١٨

https://www.latribune.fr/opinions/tribunes/demain-la-guerre-contre-l-iran-787345.html

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى