الاصداراتترجمات

في اليونان طلاقٌ صعبٌ بين الكنيسة والدولة

على الرغم من الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بين رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية إرنيموس، لا يزال من الصعب قبول الفصل بين الدولة ودينها الرئيسي من الكثير من اليونانيين وممثليهم الدينيين.

“حربٌ مقدّسة” هكذا عنونت يومية (أفجي) المملوكة لسيريزا – حزب اليسار في الحكومة اليونانية – توضح الصحيفة في عدد يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أنّ المعركة التي تعصف باليونان في الوقت الحالي موضوعها الرئيسي هو الانفصال بين الحكومة والكنيسة.

“الاتفاق التاريخي” كما يسمّيه الكثيرون تمّ إبرامه بين رئيس الحكومة اليونانية ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية في البلاد في 6 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ومن المفارقات المفاجئة أن يتميّز هذا الاتفاق بين الزعيمين بمصافحةٍ حارّةٍ وطويلةٍ تمّ تصويرها من جميع الزوايا.

لكن الأحداث تسير بشكل غير صحيح في البلاد، إذ تنصّ المادة الثالثة من دستور عام 1975 – الذي صدر باسم الثالوث المقدّس- على أن: “الدين السائد في اليونان هو دين الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية المسيحية”، من هذا الجانب يمكن أن يُعتبر الاتفاق ثورةً بكلّ معنى الكلمة.

الدولة محايدة:

في خمس عشرة نقطة، تميل الخطّة إلى إعطاء المزيد من الاستقلالية للكنيسة، وبالتالي فإنّ رجال الدين لن يكونوا بعد الآن موظفين تابعين للحكومة، وكذلك لن يتمّ دفع الرواتب لأعضائها بشكلٍ مباشرٍ من الحكومة، إنما عن طريق صندوقٍ تديره الكنيسة بشكلٍ مستقلٍ، حيث تمّ منح الكنيسة الأرثوذكسية في البلاد صندوقًا سنويًّا بقيمة 200 مليون يورو، وهو المبلغ المقابل تمامًا للأجور التي كانت تدفعها الدولة.

سيتمّ كذلك ضمّ ممتلكات الكنيسة كلّها في اعتمادٍ مالي تديره الكنيسة والدولة بشكلٍ متساوٍ، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يتمّ رفع الضرائب على الكنيسة وأن تدفع ضريبة التملك عن الممتلكات غير الدينية.

اقترح أليكسيس تسيبراس وهو أول زعيمٍ يوناني يؤدي اليمين الدستورية على قَسَمِ شرفٍ وليس على الإنجيل، وكذلك هو أول زعيمٍ لم يمرَّ أمام الكاهن، اقترح إدخال مادةٍ على الدستور تنص على “محايدة” الدولة دينيًّا.

يقول سوتيرس ميتاليكسيس وهو محاضرٌ في الفلسفة ومتخصصٌ في القضايا الدينيّة “إنّها خطّةٌ رابحةٌ لكلا الجانبين” ويضيف “هذا الاتفاق إن تمّ تطبيقه فعلًا قد يساعد حتمًا في حل العديد من القضايا العالقة” مثل تلك التي تتنازع عليها الكنيسة والدولة على مدى عقودٍ من الزمن.

“المؤمنون” من جانبهم انتفضوا، تقول ماريا، وهي امرأةٌ مدينة تبلغ من العمر 38 عامًا، تقول”إنّه كابوس حقيقي”، تختزل رأيها بهذه الكلمات الوجيزة، بمنظرها المضطرب تقوم بحركاتٍ وراثيةٍ فترسم الصليب ثلاث مراتٍ ثمّ تنطلق داخل كاتدرائية أثينا من أجل أن تعانق الرموز الدينية الخاصّة بالأرثوذكس.

تقف ماريا أمام المكان المقدس الذي تعتبره الأكثر راحةً بالنسبة لها “الأرثوذكسية جزءٌ لا يتجزأ من الهوية اليونانية، إنّها في قلب المجتمع” وتتابع “لن يتركنا الله وحدنا ولن يحدث فصلٌ بين الدولة والكنيسة، هذا هو أسمى ما أتمنى”.

يبدو ذلك واردًا جدَّا وخاصّةً بعد الذي حصل في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 عندما انتهى اجتماع أزمةٍ للمجمع المقدّس بسدّ الطريق المفتوح أمام فصل الكنيسة الأرثوذكسية عن الدولة اليونانية.

في هذه الهيئة رفض 73 من الأساقفة من أصل 82 الاتفاق. السبب الرئيسي يتعلق بتغيير وضع الكهنة الذين هم – في اليونان- متزوجون ولديهم عائلات، هؤلاء يشعرون ببالغ القلق من نتائج الاتفاق على حالتهم الاجتماعية والوضع التقاعدي المستقبلي لهم.

لم يتوقف الكهنة عن التنديد بـ “أسوأ انتهاكٍ لحقوق العمل في التاريخ الحديث في اليونان. إنّه “خطٌ أحمرٌ” كما قال المطران مريس كريسوستوموس على قناة سكاي الرائجة كثيرًا في اليونان، كذلك اعتبر المطران موقف الحكومة “غير مقبول ومزعج”.

احتجاج:

السياسة كذلك هي عملية خلط للأوراق، إذ في حين أن حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ قد رحب بداية الأمر بالاتفاق، أعلن الزعيم في الحزب كرياكوس ميتسوتاكيس إدانته “استغلال رئيس الكنيسة الأرثوذكسية لأغراضٍ انتخابيةٍ من قبل أليكسيس تسيبراس”.

الآن تحوّل الاتفاق إلى “بطاطا ساخنة” في أيدي الحكومة حسب يومية (إثينوس)، وفي هذا المجال أوضح رئيس المكتبة الوطنية ستافروس زوبولاكسيس أنّ: “رئيس الوزراء أطلق بالون اختبارٍ عندما أوضح أن ما حصل ليس اتفاقًا إنّما وعدٌ بالاتفاق”.

 ويتابع بالقول “سيتمّ التوصل في نهاية المطاف إلى أن يبقى الكهنة تحت الوضع السابق لهم، بينما يخضع الجدد منهم لسلطة الكنيسة مباشرةً”، يمكن لمثل هذه النتيجة إذا ما حصلت أن تضع نهايةً للأزمة التي تمر بها اليونان.

في الواقع هذا الاضطراب الذي تمرّ به اليونان يحصل في كل مرةٍ تقترب فيها الحكومة من الكنيسة.

في عام 1982 تعرض باسوك – الذي تخلى عنه أندرياس بابندرياس- لإطلاق النار من قبل الكهنة بسبب إدخال قانونٍ ينص على الزواج المدني، وفي عام 2000 حشدت الكنيسة الأرثوذكسية حشدًا هائلًا ضدّ إزالة ذكر الدين في الهوية الشخصية، وكذلك في عام 2009 تحدّت الكنيسة حزب الديمقراطية الجديدة عندما ألغى إلزامية الخضوع لدورات الدين الأرثوذكسي.

لكن رغم الضغوطات الظاهرية فقد تمّ تطبيق التغييرات هذه المرّة، يمكن الآن أن يجادل أليكسيس تسيبراس بأنه إنما يحترم التزامه بوعود حملته الانتخابية.

وفقًا لاستطلاعات الرأي فإنّ ما لا يقل عن 55 % من السكان يؤيدون اتخاذ هذه الخطوة، وسيتم اتخاذ القرار بشكلٍ نهائي خلال التصويت في الجمعية في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر.

فابيان بيربيير ل (ليبراسيون) في 21تشرين الثاني/نوفمبر 2018

رابط المقال الأصلي من هنا

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات 

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى