الاصدارات

قرن وستة أعوام على معارك جاناق قلعة

د. صبحي ناظم توفيق
عميد ركن متقاعد… دكتوراه في التاريخ
مستشار بمركز برق للسياسات والاستشارات

مقدمـة:

مقالتي هذه اقتَبَستُها من أوراق محاضرات عن جاناق قلعة ألقيتُها في محافل عديدة ببغداد العزيزة، كانت باكورَتُها عام 1996 على العشرات من الضباط التلاميذ بدورة الأركان المشتركة رقم 62 في كلية الأركان العراقية، بدعوة من عميدها صديقي العزيز اللواء الركن رعد حمزة مصطفى. وقد عثرتُ على قصاصات من مُسَوَّدتِها من دون العثور على المَراجع التي أفدت منها، لذلك ليعذرني القراء الأعزاء لعدم إشارتي للمصادر والمَراجع.

وقد عرضتُ هذه الصفحات بحضور قائدي وموجِّهي المؤرخ  اللواء الركن علاء الدين حسين مكّي خمّاس – الرئيس الأسبق لجامعة البكر للدراسات العسكرية العليا – ببغداد، وكم تشرَّفتُ بمداخلته التي أعتزُّ بعرضها في نهاية هذه المقالة، وذلك اعتزازًا به.

التاريخ يُسَطِّرُه المنتصرون:

والمعروف في عموم التاريخ أن هناك أُمَمًا وأقوامًا وجيوشًا ظُلِمَت حضاراتُها، وانعدَمَ ذِكر مُنجَزاتها، فضاعت انتصاراتهم وصراعاتهم برغم التخطيط المُتقَن والتنفيذ الرائع وبراعة القيادة وصحة القرار، وبالأخص تلك الدول التي انهارت نُظُمُها السياسية وتلاشى ذكرها؛ لأن التاريخ يُسَطِّره المنتصِرون الذين يغلقون أفواه المهزومين. وهذا ما ينطبق على معارك جاناق قلعة وسواها من معارك كبرى خلال أعوام الحرب العالمية الأولى التي خسرتها دول المِحوَر.

ويأتي هذا المقال متزامنًا مع الاحتفالات التركية في 18 آذار/مارس بذكرى اندلاع هذه المعركة، التي هي حرب كبرى بكل ما في الكلمة من مَعانٍ؛ لاحتوائها معارك متلاحِقة طالت 9 أشهُر في غضون حرب عالمية عُظمى استغرقت 4 سنوات، وتُمَجِّد هذه الاحتفالات الأجداد الخائِضين لسلسلة من أعمال القتال الدفاعية العنيفة، والمواجهات الدمَوية الشديدة، والهجمات المضادة المُشَرِّفة طيلة أشهُرٍ من دون انقطاع يُذكَر، حتى انتهوا إلى تحقيق نصرٍ ناجِزٍ على الحُلَفاء الغُزاة، وطردوهم بائِسين يائِسين من بلادهم.

وتـُعرَف هذه المعركة في تركيا باسم “حرب جاناق قلعة- چاناق قلعة ساواشي” (بالتركية: Çanak kale Savaşı)، وتسمى في الأدبيات البريطانية والأجنبية “حملة غالليبولي Gallipoli campaign“.

فارتأينا أن نلقي نظرة فاحصة ومختصرة للغاية على هذه المعركة التي اعتُبِرَت إحدى أشرس المعارك خلال الحرب، برغم أن مئات المقالات عنها قد نُشِرَت، وعشرات البحوث والدراسات والمؤلَّفات قد طُبِعَت وبِيعَت ونوقِشَت.

          فلماذا استهدف الحلفاء جاناق قلعة تحديدًا؟ وما الأحداث التي دارت في تلكم الأشهر التسعة؟ وما الذي تمَخَّضت عنه المعارك؟

كيف انضمّ العثمانيون للحرب؟

     انطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى في الساحة الأوروبية يوم 28 من تموز/يوليو-1914 بإعلان إمبراطورية النَمسا والمجَر الحرب على صِربِيا التي اغتال أحدُ رعاياها وليَّ العهد النمسوي الأرشيدق فيرديناند، فتَطايَر الشَّرر في غضون يومَين اثنَين فحسب في أنحاء القارة الأوربية؛ فاصطفت ألمانيا القَيصَرية إلى جانب النمسا معلنةً الحرب على روسيا القيصرية وفرنسا لإعلانهما النفير العام لترهيب النمسا، فَغَزا الألمان بلجيكا برغم حِيادِها، ما جعل بريطانيا العظمى تُعلِن الحرب على ألمانيا، فأضحى معظم القارة مشتعلًا بالنار والحديد، بعضها يسحق بعضًا في صِراعٍ لم يشهد التاريخ مثلَه من قبلُ.

وكان من صالح العثمانيين حينئذ النأي عن هذه الحرب البعيدة عنها والدائرة في عمق القارة الأوروبية، ولكنهم انزلقوا في أتونها كونهم عقدوا تحالفًا ثلاثيًا بينهم وبين ألمانيا القيصرية وإمبراطورية النمسا والـمَجَر قبل أن تُغِيرَ سفينتان حربيتان لهما على عدد من الموانئ الروسية المطلّة على البحر الأسود يوم 29  تشرين الأول/أكتوبر-1914، ونتيجة لذلك أعلنت روسيا الحرب عليهم بعد ثلاثة أيام من هذا فقط، قبل أن تقصف السفن البريطانية والفرنسية عددًا من تحصيناتهم يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر، وتنضَمَّا يوم الخامس من ذات الشهر إلى حلفائهما في الحرب؛ لذلك لم يتأخر العثمانيون في إعلانهم الحرب على الحلفاء يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر-1914.

وقُبَيلَ ذلك بخمسة أيام، وتحديدًا في صبيحة 6  تشرين الثاني/نوفمبر-1914 أنزلت بريطانيا على شبه جزيرة الفاو – التابع لولاية البصرة العثمانية في أقاصي جنوبيّ العراق – قوات برمائية محمولة على عشرات السفن التي استجلبتها من الهند بقيادة الجنرال ديلامين، فانشغل العثمانيون بالدفاع عن العراق بجيشِهم السادس.. والقصة في هذه الجبهة تطول كثيرًا.

وعقب هذه التطورات المتتالية تَكالَبَ الحُلَفاء على الدولة العثمانية، واتفقوا على فتح جبهات حرب برية وبحرية عديدة معها في أوقات متزامِنة؛ شملت ليبيا ومصر والعراق وروسيا القيصرية والبحر الأسود واليونان وبلغاريا، وكانت الأخطر في الجبهة الروسية الجبلية والباردة من مِحوَرَي ولايَتَي قارس وأرداهان.

نظرة الحلفاء إلى جاناق قلعة:

قبل الخوض في هذا الخِضَمّ فلنفرش خريطة المنطقة أمامنا لإلقاء نظرة فاحصة على مدينة جاناق قلعة الصغيرة، وإن كانت البلدة الأكبر في منطقتها، وما باقي البقع القريبة منها سوى قرىً صغيرة تَتَناثَر هنا وهناك.

خريطة توضح موقع جاناق قلعة الرابط بين بَحرَي إيجه ومرمرة وصولًا إلى إسطنبول

          وهنا ندرك أن أي باخرة آتية من بحر إيجه لا فرصة أمامها للإبحار نحو بحر مَرمَرة إلاّ بعبور مضيق الدَردَنيل لتبلغ مدينة إسطنبول، التي كانت – وما زالت – حلم العالم المسيحيّ للعودة إلى كنيستهم السابقة آيا صوفيا وسط “القُسطَنطِينيّة” عاصمة الدولة الرومانية- البيزنطية، قبل أن يفتحها العثمانيون عام 1453م، ويجعلوها حاضِرة دولتِهم.

لذلك رأى قادة الحلفاء السياسيون والعسكريون، أن احتلال هذه المدينة العظيمة لن يحقق مجرد السيطرة على بقعة عامرة كبرى وموانئ ضخمة، بل ربما يؤدّي سقوطها إِلى انهيار دولة بأكملها.

الضغوط الروسية:

ومن جهة الروس، وبعد تعرض جيوشهم لهزائم مُنكَرة وخسائر جسيمة أمام الهجمات الألمانية، وبعد أن عجزوا عن اختراق الدفاعات العثمانية في العديد من جبهات الحرب، فقد أضحى موقفهم في بدايات الحرب حرِجًا للغاية؛ لذا مارس القيصر نيكولا الثاني ضغوطًا على قادة بريطانيا وفرنسا، بضرورة الإسراع في فتح جبهة حرب جديدة على دول الِمحور، وإلاّ فإنه سيوقف الحرب، ويلغي التحالف مع الغرب.

ولمّا كانت روسيا القيصرية لا تمتلك أساطيل بحرية قادرة على الاقتراب من البحر الأسود والوصول إلى مشارف مضيق البوسفور وإسطنبول، فما كان أمام بريطانيا وفرنسا سوى الحضور ببوارجها البحرية الُمحَمَّلة بآلاف العساكر، لتكون مهمّتها الرئيسة اقتحام مضيق جاناق قلعة نحو بحر مرمرة وصولًا إلى إسطنبول.

قرار الحلفاء:

          كانت النظرة الاستراتيجية البريطانية في إدارة هذه الحرب العظمى ضدّ العثمانيين وغيرهم، تركز على أن تضرب عدة عصافير بحجر واحد؛ وذلك بمُحاربة العدو الأخطر الممثل بألمانيا القيصرية، وتشتيت قواتها بفتح أكثر من جبهة عليها.

وفي هذا المنحى رأت البحرية البريطانية بوزيرها ونستون تشرشل – العقيد السابق في الجيش البريطاني حينئذ – ضرورة ترك الشطر الآسيوي لبحر مرمرة – والمُمَثَّل بشبه جزيرة الأناضول – إلى أجل غير مُسَمّىً، باستهداف إسطنبول من أقصر الطرق وأضمَنِها، حيث تصبح السيطرة على مضيق البوسفور وإطلالَتِه على البحر الأسود مجرد تحصيل حاصل، وسيكون بالإمكان في قادم الأيام فتح جبهة حرب مُضافة على إمبراطورية النمسا من حدودها الجنوبية-الشرقية ومن ثمّ على ألمـانيا، وسيتحقّق تواصُل بحريّ وبَريّ مع روسيا القيصرية عبر البحر الأسود ودول البَلقان المائلة نحو الروس سياسيًا ومَذهَبِيًا.

          وحالما راق ذلك لقادة فرنسا وأستراليا ونيوزيلاندا معًا، قرروا المشاركة الميدانية في هذه الحملة بحرًا وبَرًّا تحت إمرة بريطانيا.

أهمية جاناق قلعة للعثمانيين:

أما العثمانيون، وفور اندلاع الحرب، فقد أغلقوا مضيق جاناق قلعة (الدردنيل) في وجه المِلاحة، وحرسوا جانِبَيه بقوات بريّة مُقتَدِرة، ناصِبِينَ على أطرافه عددًا من المدافع الساحلية الضخمة بعيدة المدى، وزرعوا كَمًّا هائلًا من الألغام البحرية الغاطِسة قرب مدخله من اتجاه بحر إيجه.

أحد المدافع الساحلية العثمانية الضخمة بعيدة المدى

وقد وضعوا نصب أعينهم أنه يجب عليهم منع الأعداء من اجتياز المضيق مهما كلّف ذلك من تضحيات في الأرواح والأسلحة والمُعِدّات؛ لأن دخول أساطيل الأعداء إلى بحر مَرمَرة يجعل إسطنبول – بما فيها قيادة الدولة – تحت رحمة مدافعهم.

ولكنهم قدّروا أن استهداف الحلفاء لإسطنبول سوف لا يأتي عبر مياه هذا المضيق فحسب، بل إن الفرصة أمامهم كبيرة في اتباع مسالك أرضية، وأن أفضل البقاع أمامهم للوصول إلى العاصمة هي الجزء الشمالي للمضيق؛ لكونه متاخِمًا لعدوّين لَدودَين هما اليونان وبلغاريا؛ لذلك ينبغي التركيز على حمايته بأفضل تشكيلات الجيش.

مخطّط يوضح تمركز القوات العثمانية في شبه جزيرة غاليبولي أكثر من بقاع جاناق قلعة… (رسم اللواء الركن علاء الدين حسين مكي)

كبار القـــادة:

كان الفريق محمد أسعد باشا القائد الأعلى للقوات العثمانية المنفتحة للدفاع عن بقاع جناق قلعة، ويليه اللواء إسماعيل جواد باشا، ثم العميد وَهِيب باشا، فالمقدم الركن مصطفى كمال بك، فيما كان الجنرال الألماني أوتو ليمان فون ساندرز مستشارًا لدى القيادة العليا للجيوش العثمانية، وقد عُيّن للتعايش برفقة القائد الأعلى محمد أسعد باشا.

أما الحملة البرمائية للحلفاء، فقد أُنيطت قيادتها العُليا بالجنرال البريطاني إِييان هامِلتون، فيما تلاه في الأقدمية العسكرية الجنرال هنري غورو قائد القوات الفرنسية المشاركة بالحملة.

محمد أسعد باشا القائد الأعلى للقوات العثمانية المدافِعة في جاناق قلعة

الجنرال الألماني أوتو فون ساندرز مستشار القيادة العثمانية العليا

المقدم الركن مصطفى كمال بك أحد قادة الألوية العثمانية في قاطع غاليبولي

الجنرال البريطاني إيان هاملتون القائد الأعلى للحملة البرمائية للحلفاء

الجنرال هنري غورو قائد القوات الفرنسية في الحملة

قوات الطرفين:

كان عدد التشكيلات العثمانية المدافعة 6 فِرَق بَرّية، ولكنها ستزيد – مع تصاعد المواقف الميدانية والإنزالات الحليفة – حتى تبلغ 16 فرقة في أَوْج الحملة.

أما جنود الحلفاء البريون المحملون في السُفُن في أول الإنزالات، فإن مجموعهم لم يَزِد على 5 فرق، ولكن بانقضاء الأيام وتكرار الفشل وعدم كسب نجاحات ذات قيمة على الأرض، والإصرار على تحقيق الغايات التي جاؤوا من أجلها، فقد أتتهم تعزيزات كبيرة، حتى بلغ عدد النازلين على السواحل والاحتياط المُنتظِر على متون السفن 14 فِرقة.

تاريخ الحَملة:

          توجهت أساطيل الدول الأربع من أنحاء متفرقة تباعًا إلى بحر إيجه، وَتواجدت باكورة سفنهم قبالة شَطرَي مضيق الدردنيل يوم 19  شباط/فبراير-1915، وهو التاريخ الذي يعدّه بعض المؤرخين موعدًا لبدء الحملة، فيما يرى آخرون أنها لم تبدأ إلاّ يوم 18 آذار/مارس-1915 مع أول قصف عنيف ومُتزامِن من مدافع البوارج والمُدمِّرات الثقيلة.

أهمّ الأحداث:

كان في مُخيّلة قادة الحملة أن مجرّد قصف مدفعي ثقيل بآلاف القنابل سيؤول إلى تدمير التحصينات العثمانية على بكرة أبيها، وسينهَزِم ما يتبقى من الجنود دون قتال، فتنفتح الممرات أمام السفن للتوغّل عبر الدَردَنيل إلى مياه بحر مرمرة، فتنتهي الصفحة الأعظم والأخطر من الحملة، من دون حاجة لإنزال جنود وسفك دماء على الأرض، عدا أولئك الذين سيمسكون جناحَي المضيق بشريط رقيق.

ولأجله قررت بريطانيا فتح الطريق المائي – الذي أغلقه العثمانيون – وبلوغ بحر مرمرة ثم الأسود بحملة كبرى تخترق مياه الدردنيل، وتنتشر في بحر مرمرة بغية التوجه نحو مضيق البوسفور الخارج إلى البحر الأسود، فتنفتح طرق الملاحة نحو الشواطئ الروسية لإمدادها بالذخائر والأسلحة المطلوبة، بعد أن تكون قد استنفدت احتياطِيِّها وانعدمت قدراتها على تلبية أكثر من ثُلث حاجاتها، وذلك على النقيض من باقي الحلفاء.

وفوق ذلك وعدت بريطانيا القيصر الروسي – في حال نجاحها غير المشكوك فيه! – أنها ستهدي إسطنبول إلى شخصه، حيث لا أعظم من عودة “القُسطنطينية” كرسي الأرثوذكسية والمسيحية الأقدم، وقد ظلّوا قرونًا عديدة يحلمون بسلبها من العثمانيين الذين جعلوها عاصمة لهم منذ عام 1453، وقلبوا اسمها إلى إسلامبول/الأستانة/إسطنبول على التوالي، لتـعود من جديد مستقرًا لِبابا الكنيسة الشرقية/الأرثوذوكسية بكُرسِيِّه المقدس في قلب كنيسة آيا صوفيا سابقًا!

ويضاف إلى هذه الاعتبارات أن نجاح حملة الدردنيل سيضع محاصيل القمح الوافرة التي تنتجها أقاليم روسيا الجنوبية في متناول بريطانيا المحتاجة إليها، وأن أساطيل الحلفاء لو رَست في إسطنبول فإنها ستشطر بلاد الأناضول إلى شطرَين، وتفتح المسالك نحو روسيا ودول البلقان وحوض نهر الدانوب وأقطار أوروبا الشرقية والوسطى.

الهجمات البحرية:

افتتح البريطانيون المعركة الأولى باعتبارهم أصحاب الأسطول الأضخم والأقدَر على الاقتراب من الدردنيل، في حين كان قائدُه يُمَنـّي نفسه بانتصار حاسم وسهل للغاية وفي المتناول، فتوغَّل عدد من بوارجه في مياه المضيق، في حين ألقت مُدَمِّراتُه أثقل قنابلها على الاستحكامات الدفاعية العثمانية، حيث لم يتحرك جنودها -وفقًا للخطة الموضوعة – للرد، بل بقوا مُختبئين في مواضعهم، الأمر الذي بَثّ المزيد من الثقة والزهو والتفاؤل في نفوس رجال البحرية البريطانية، وترسخت لديهم فكرة “هزال” القوات العثمانية وعجزها عن التصدّي لهم، فتهيأوا لاستكمال حملتهم.

وكم كانت المفاجأة مُرَوِّعة لهم، حين اصطدمت سفنهم بحقول مَخفيِّة من الألغام البحرية في الأعماق، ليُصاب العديد منها بأضرار بالغة، وتتوقف في عرض المضيق، فتغدو أهدافًا سهلة لمدافع العثمانيين الساحلية التي جرّبت حظوظها للمرة الأولى، فكان لهذا الإخفاق دوي هائل وصدى واسع بين أطراف الحرب الكبرى، وسرعان ما نُقِلَت أخباره لتعمّ أنحاء العالم.

وبعد انقضاء شهرين أو يزيد على عمليات القصف اليومي المتواصل، عزمت بوارج الأسطول البريطاني ومدمّراته – بعد التزود بأسلحة وقنابل جديدة – على اختراق مضيق الدردنيل الضَيِّق في وضح النهار بوابل من عظيم قذائفها، وهي لا تشك لحظة في إنجاز مهمتها، مستأنفة قصف الاستحكامات الساحلية الأمامية مرات ومرات، قبل أن تقتحم المضيق بسرعة وبكل جسارة ومن دون التخطيط بإنزال جنود المشاة على الأرض، فلم يكن مصيرها أفضل من سابقتها.

وانقضت أشهر عدة من دون أن يُحسَم الصراع كذلك بعد تحوُّلِه إلى ما يشبه حرب الخنادق البرية التي تميَّزَت بها ساحات المعارك الأوروبية، قبل أن تعيد السفن الحليفة محاولاتها الدؤوب للتوغّل في مياه الدردنيل عَنوةً، ولكن خطوط الألغام الظاهرة والغاطسة الأحدث أعاقَتها، برغم قصفها بمئات القنابل ذات الانفجار الفَوري وقنابل الأعماق الحديثة، فقد كان العثمانيون يستدفهون السفن بالمدفعية، ويقنصون بحّارتها نهارًا ببنادق المُتمَترِسين بين الأشجار والصخور على كتفي المضيق، ويعوِّضون ألغامهم البحرية المنفجرة بأخرى أثناء الليل، بل يُنشِئون خطوط ألغام مُضافة ومتتابعة خلف السابِقات المنفجرات، بحيث لم يَعُد أمام سفن الحلفاء مَناص من مواجهتها التي باتت في عداد المستحيلات.

عندئذٍ تراجع صيت حملة غالليبولي في الإعلام، وباتت إخفاقات الحلفاء حديث الصحافة ووسائل النشر العالمية، التي ظلت تصرّ – منذ أواسط القرن التاسع عشر – على إطلاق  اسم “الرجل المريض” بحقّ الدولة العثمانية التي بدت بوافر صحتها وأداء جيوشها في عموم جبهات الحرب في هذه المعركة الكبيرة، سواء مع روسيا القيصرية في بقاع ولايَتَي قارس وآرداهان، أم في العراق ومصر وفلسطين وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية حيال بريطانيا العظمى وفرنسا، مع الدعم العثماني للثوار الليبيين في مواجهة الاحتلال الإيطالي.

باكورة الهجمات البرية:

وبرغم اليأس الذي سيطر على الجنرال هاملتون من نجاح الاقتحام البحري، فإنه ضرب وعدًا بإنجاح الحملة الحليفة عن طريق البَر وبدعم أقصى تؤمِّنه مدفعية الأساطيل، فاستُجيب له بتعزيز عساكره المحمولين على السفن، حتى بلغوا 14 فرقة مشاة مجهزة بزوارق الإنزال على السواحل، ومعظم جنودها من الجَيشَين الأسترالي والنيوزيلاندي الذين نُقِلوا بحرًا من أقاصي جنوب شرق الكرة الأرضية.

أما العثمانيون الذين أبدوا ضعفًا ووهنًا في مكالماتهم وبرقيّاتهم السلكية واللاسلكية المسروقة؛ وذلك ضمن خطة مخادعة لاستدراج قطع الأساطيل إلى مياه المضيق ليصطادوها واحدة تلو الأخرى، مستثمرين تعويق الألغام البحرية المُجَدّدة لتحركاتها، فقد ألجأوا القائد البريطاني إلى تعزيز عملياته البحرية المتباطِئة بهجوم بري كاسح، مقرّرًا أن تكون القوات النازلة هي الأساس، مع قصر مهمة سفن البحرية وزوارقها على دعم النازلين لوجستيًا بالأعتدة والأرزاق ومواد التحكيم وإخلاء الخسائر، ناهيك عن إسنادهم بمدافع الأسطول الضخمة عند الاقتراب من السواحل وأثناء الإنزال وحال مسك الأرض للدفاع عن المواقع التي سيستحوذون عليها بالدعم المدفعي القريب تجاه الهجمات العثمانية المتوقعة.

كانت القوات البرية مؤلفة في معظمها من تشكيلات ووحدات أسترالية ونيوزلندية – كما سبق –، وهي معروفة بالانضباط والمِهنية والبأس الشديد، وقد باتوا يحاربون للمرة الأولى تحت راية بلدَيهم بعد منح بريطانيا الاستقلال لهما، ولكن تحت إمرة الجنرال إيان هاملتون، وأما القوات الفرنسية المعزِّزة، فكانت تحت قيادة الجنرال هنري غورو.

احتشدت القوات المخصصة للإنزال في عدد من الجزر المتناثرة القريبة من السواحل المتقابلة في جاناق قلعة وغاليبولي خلال شهر جمادى الآخرة-1333هـ= نيسان/أبريل-1915م، وحالما اكتملت بالتحاق كَتِيبَتَين من المتطوِّعين المتطرفين لمحاربة العثمانيين – إحداهما يهودية والأخرى يونانية – فقد اندفع الحلفاء بكل جرأة وزخم إلى جانبَي المضيق بكثافة عالية وإسناد هائل من السفن، واستطاع العديد من وحداتهم الحصول على مواطئ قدم واسعة في العديد من البقاع الساحلية، لكن التوفيق خانَ عساكرها في عدم اختيار مقتربات يتسلّقونها نحو الأعالي ليسيطروا على بقاع صالحة لدرء هجمات العثمانيين الذين كانوا مسيطرين على أراضٍ تنحدر تدريجيًا وبشدة نحو السواحل.

أما الرصد العثماني ليل نهار لاستعدادات القوات الحليفة منذ بضعة أسابيع لمواجهة هذا الإنزال الواسع، فقد كشف لهم حركة العدو وتقدمه، فاستبسلوا وأبدوا في مواجهته شجاعة كبيرة، أعادت إلى الأذهان انتصاراتهم التاريخية، وباشروا اصطياد عساكِر الحلفاء النازِلين بوابل من إطلاقات القَنص الدقيق أول الأمر، ثم شنوا هجمات كاسحة على بقية الجنود المُنبطِحين في العراء.

وبمرور الأيام حفر العثمانيون مواضع وخنادق للحيلولة دون توسيع الحلفاء لمواطئ الأقدام التي حصلوا عليها عند شواطئهم، فتحوّل الصراع إلى حرب خنادق دموية من دون حراك يُذكَر، عدا الهجمات الموضعية وعمليات القنص وقذف القنابل اليدوية لإيقاع أقصى الخسائر بالخصم.

خريطة لإنزالات الحلفاء الأولى والهجمات العثمانية المُقابِلة في بقاع جاناق قلعة وخطوط الألغام البحرية المزروعة في مدخل المضيق… (من آرشيف اللواء الركن علاء الدين حسين مكي)

ساحل الإنزال الحليف في أنْزاك (ANZAK) التي تحوَّلت إلى مقابر جماعية

التعرّض البري الثاني:

وجاء التعرّض البري الثاني للقوات الغازية لتدور رحى قتال ضروس بين الطرفين مع دعم مدفعي بحري ثقيل وغير مسبوق في كل التاريخ، فأحرز المهاجمون نصرًا غير متوقع على العثمانيين، وتوّجَوه يوم 25  رمضان-1333هـ= 6  آب/أغسطس-1915م حين سلكوا محورًا لم يتحسَّب له المدافِعون.

ولكن قائد القوات المهاجمة أخفق في استثمار هذا النصر الخاطف في التوغّل سريعًا في بقاع شبه جزيرة غالليبولي، والتوسع في ربوعها وحصار تحصينات العثمانيين ومواضعهم وخنادقهم الدفاعية، بل ظلَّ مترددًا خشية أن يكون خديعة عثمانية، ولم يتخذ قرارًا صائبًا لتطوير هجومه، الأمر الذي منح فرصة ثمينة للقوات العثمانية لاقتحام صفوف قواته بهجمات مقابلة شرسة مسترجعين ما حصل عليه الحلفاء من أرض ثمينة ومُكَبِّدينَهُم خسائر باهظة في الأرواح والمعدات.

ولكن الحلفاء صمدوا في بعض أرض كتفَي الدردنيل، برغم الهجمات العثمانية عليهم بين حين وحين، وبالأخص باستثمارهم قنّاصين قُرَويين قلما يخطئون في استهداف ما بين الحاجِبَين، حيث أُرغِم جنود الحلفاء على حفر خنادق ومواضع تحميهم من النيران، وفي ظلّ حياة بائسة وأوقات عصيبة، حتى كان العديد منهم يتمنّون الموت، ويفضلونه على ما هم فيه من الضَنك.

عساكر الحلفاء في خندق يحتمون فيه من العثمانيين

قرار انسحاب قوات الحلفاء:

          واقع حال العثمانيين أنهم برغم دفاعهم المستميت عن أرضهم ومياههم، فإنهم لم يسحقوا أعداءَهم، ويرغموهم على الانسحاب من ميادين المواجهة. وفي المقابل فإن الحلفاء لم يحققوا ولو نصرًا بسيطًا ذا قيمة في البحر أو على اليابسة، بل كانوا بعيدين للغاية من هدفهم الرئيس إسطنبول، ولكنهم لم يُهزَموا في ساحة القتال، بل ظلّوا في الميدان صامدين.

          أما الذي اضطرّ قادتهم العسكريين إلى اقتراح الانسحاب الذي وافق عليه السياسيون، فقد كان راجعًا إلى تردّي المعنويات وتراجع صحة الجنود وقواهم الجسدية والغذائية جراء تراكم الأوساخ والفضلات والروائح التي تزكم الأنوف لانعدام الاستحمام أشهرًا متواصلة وسط خنادق تحيطها الآلاف من قبور الضباط والجنود، ومواضع ربما تحمي بعض الشيء من شظايا القنابل والإطلاقات، ولكن الحيوانات تنأى عنها ولا تقترب منها، ومن دون أدنى أمل في أيّ تحسّن.

لذلك تفاوض قادة الحلفاء السياسيون مع نظرائهم العثمانيين أن يتركوا قواتهم تنسحب وتعود من حيث أتت، شريطة عدم الاقتراب مرة أخرى من بلاد الأناضول التي غادروها مع أساطيلهم يوم 10  صفر-1334هـ= 18  كانون الأول/ديسمبر-1915م خائبين، بعد أن خسروا 55.000 قتيل، و97.000 جريح، و145.000 مريض، في حين ضحّى العثمانيون بأرواح 87.000 شهيد من جنودهم وضباطهم بمختلف مراتبهم، و160.000 جريح، وعشرات الآلاف من المرضى.

جنود عثمانيون يرفعون رايتهم وعلم تشكيلهم العسكري بعد هزيمة الحلفاء

آخر المطاف:

لكل ذلك فقد عُدَّتْ هذه المعركة نصرًا ناجزًا للعسكرية العثمانية يُخَلَّد حتى يومنا هذا، مقابل خيبة أمل وهزيمة كبرى في سجلات الجيوش البريطانية والفرنسية وحلفائهما ونقطة سوداء في تاريخهم العسكري.

وما يجدر ذكره في هذا الشأن أن المقدم ركن مصطفى كمال كان من بين قادة تشكيلات عثمانية مدافِعة عن مواقعها، وقد تميز في هذه المعركة بِقرار عدم انسحاب من أي موضع دفاعي، واسترجاع كل موقع مستحكم في قاطع غالليبولي، ما رفع من سمعته وجعَله – برغم رتبته المتوسطة – مِن القيادات الهامّة في الجيوش العثمانية، وجعل قيادات أقدم منه تنضم تحت قيادته لثلاثة أعوام متلاحقة لطرد جيوش ومتطوعين ومرتزقة كثير من بلدان القارة الأوروبية وسِواها، ليغزوا بلاد الأناضول محتلين حوالي نصفها إثر تفكك أوصال الدولة العثمانية؛ تلكم المعارك الضروس التي سُمِّيَت بعدئذ بـ”حرب الاستقلال” (1919-1922)، حافظ قادة الجيش العثماني خلالها على وطنهم الأُم، وطردوا أولئك الغزاة  قبل تأسيسهم الجمهورية التركية 1923.

المقدم الركن مصطفى كمال – الثاني من يسار الصورة – يتوسّط ضُباطَ فِرقَته خلال معارك جاناق قلعة

مداخلة اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس:

يوافق يوم 18 من هذا الشهر (آذار/مارس) ذكرى نشوب هذه المعركة الكبيرة خلال الحرب العالمية الأولى؛ وذلك عام 1915، فكانت بحق واحدة من أعظم معارك تلك الحرب التي برز فيها مجموعة من القادة من بينهم اسم القائد التركي المشهور مصطفى كمال، وانتصرت فيها قوات الدولة العثمانية على قوات الحلفاء الغربيين انتصارًا واضحًا، وسبّبت لهم المذلة والانكسار، والانسحاب المخزي من ميدان المعركة بعد قتال دام ما يقارب تسعة أشهر.

تم شن هذا التعرض البرمائي الكبير من قبل الحلفاء وبناء على إصرار تشرشل، الذي كان في حينها بمنصب وزير البحرية البريطاني؛ لغرض احتلال إسطنبول (القسطنطينية) وإنهاء الحرب بسرعة كبيرة، وكما قرأتم في الصفحات االسابقة.

اطلعت صباح هذا اليوم (يوم إلقاء المحاضرة)، وأنا أتصفح بريدي الإلكتروني على المقالة القيمة التي كتبها أخي الباحث والخبير الاستراتيجي العميد الركن الدكتور صبحي ناظم توفيق حول الموضوع، وقد أعجبتني كثيرًا، فهي وصف مختصر لكنه واضح وشيق لملحمة كبيرة وطويلة جرت في وقت سابق.

والكثيرون منا في العراق، ولا سيما في القوات المسلحة العراقية القديمة يتذكرون، أو بالأحرى يذكرون هذه المعركة وإن لم يكونوا يعرفونها حق المعرفة، وذلك من خلال الإشارة إليها على أنها معيار للعمل الضخم الكبير، كأن يقال لمن يدّعي أنه أنجز شيئا وهو بالحقيقة لم يكن شيئا كبيرًا: (يعني قابل أنتَ فتحت جنا قلعة؟!).

وكنا ونحن صغار الضباط عندما التحقنا في أوائل أيامنا بصفوف الجيش، نسمع بهذا الكلام الذي يجري أحيانا بين الضباط ممن هم أقدم منا أثناء المزاح أو الكلام الجدي، دون أن نعلم ما هو المقصود، وما هي جنا قلعة؟

لكنني وبمرور الوقت وتزايد الخبرة والمصادر التي اطلعت عليها، درست معركة جنا قلعة، بل إني رسمت لها خرائط ضمن بحث كنت قد قمت به ومحصته، واطلعت على تصاوير كثيرة متعلقة به.

من هذا المنطلق طرأت بفكري وأنا أطالع الموضوع الذي خطّه يراع الأخ المبدع العميد الركن صبحي ناظم توفيق، أن أضيف إليه مقدمة صغيرة هي التي أكتبها الآن؛ لذا هاتفت الأخ العميد الركن صبحي، واقترحت عليه فكرتي، فوافق مشكورًا، وها أنا أقوم بالمطلوب، راجيًا أن يروق الموضوع للقارئ الكريم.

جنا قلعة مدينة تقع على ساحل الدردنيل مقابل شبه جزيرة غاليبولي Gallipoli، وهي شبه جزيرة مطلة على مضيق الدردنيل، وقدَّر الحلفاء أن احتلال شبه الجزيرة هذه سوف يسهل عليهم التعرض على مدينة إسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية. وضمن الخطة العامة للحرب في تلك المنطقة، وبناء على طلب روسيا من الحلفاء بالتعرض على إسطنبول كوسيلة لتخفيف الضغط عليها من حليفة تركيا: ألمانيا، التي أوقعت خسائر كبيرة بالقوات الروسية، فقد وافق الحلفاء على الإنزال في شبه جزيرة غاليبولي كتمهيد للزحف واحتلال إسطنبول، ثم الدخول إلى الجزء الشمالي الشرقي من تركيا لمساعدة القوات الروسية التي أصيبت بخسائر كبيرة في قتالها ضد القوات الألمانية كما سبق وبينا.

كانت قوات الطرفين تتمثل بالقوات العثمانية المؤلفة من الجيش العثماني الخامس بقيادة الجنرال الألماني أوتو ليمان فون ساندرس، ويضم فيلقين، الفيلق الثالث ويتألف من 3 فرق من بينها الفرقة التاسعة عشرة بقيادة المقدم الركن مصطفى كمال (أتاتورك فيما بعد، مؤسس تركيا الحديثة)، وواجبه الدفاع في شبه الجزيرة ومنع أي إنزال معادٍ فيها. أما الفيلق الخامس عشر فكان مكلفًا بالدفاع على الأرض التركية الأصلية؛ أي على الضفة التي تقع فيها مدينة جنا قلعة، ويتألف هذا الفيلق من 3 فرق أيضا.

وقد دارت المعارك الشديدة بين القوات التركية المدافعة والقوات الغازية، حيث كان واقع القوات الغازية المؤلفة من 5 فرق في البداية، مكونة من القوات الأسترالية والنيوزيلندية والمسماة ANZAC وقوات بريطانية وفرنسية.

بدأت المعارك بالإنزال البريطاني يوم 25 من نيسان/ أبريل-1915م، وانتهت يوم 9 من كانون الثاني/يناير-1916م بانسحاب آخر جندي بريطاني من الجزيرة بعد أن فشلت القوات الغازية بالخروج من رؤوس الجسور وتوسيعها بعد الإنزال البحري، والذي تأكد استحالة إتمام المهمة بعد هجوم يوم 6 من آب/أغسطس-1915م الفاشل الذي تم بموجبه إنزال فرقتين جديدتين على ساحل Suvla واحدة منهما بريطانية والأخرى فرنسية.

لقد دافعت القوات التركية عن شبه الجزيرة دفاعا مستميتًا، وتحملت فيها خسائر كبيرة جدًا بالأرواح، حيث كانت بحدود 80000 شهيد، بينما أعطت القوات الغازية خسائر تقدر بـ 50000 قتيل. واشتهر في هذه الحملة القائد مصطفى كمال، حيث كان يقود الفرقة التاسعة عشرة هناك. وتميزت الكتيبة (اللواء) 57 في المعركة، فعندما نفد منها العتاد أصدر لهم القائد مصطفى كمال أمرًا ما زال مشهورًا إلى الآن بتركيا الحديثة، حيث قال: “إنِّي لا آمركم بالهجوم على العدو، ولكن آمركم بالموت في أماكنكم، وسيأتي بعدنا رجال وضباط يحلوا محلنا ويكملوا واجب الدفاع”.

هكذا كانت جنا قلعة كَمعركة مهمة في الحرب العالمية الأولى، حقق بها العثمانيون نصرًا دفاعيًّا كبيرًا، وقد استشهد في هذه المعركة عربٌ كثيرون  من المنخرطين طواعيةً أو الزاميًا بالجيوش العثمانيّة. انسحب البريطانيون وحلفاؤهم بشكل نهائي من شبه جزيرة غاليبولي (جبهة جنا قلعة) يوم 9 من كانون الثاني/يناير- 1916م، بعد تكبدهم وحلفائهم خسائر فادحة بالأشخاص والمعدات. وقد اضطروا إلى ترك معظم أسلحتهم الثقيلة على أرض شبه الجزيرة، وكذلك معظم معداتهم وأثقالهم، فكانت هزيمة منكرة لهم، وكانت لها آثار سياسية وعسكرية على البريطانيين والفرنسيين أيضًا.

“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى