الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةترجمات

هل جامعة الدول العربية أداة سعودية؟

جامعة الدول العربية منظمةٌ أُنشئت في آذار/مارس عام 1945، تتكون من 22 دولة. بدايةً نتساءل إذا ما كانت الدُوَل الأعضاء في هذا الجسم تسعى إلى تكذيب المقولة المنسوبة للمفكر الكبير ابن خلدون “اتفق العرب على ألا يتفقوا”.

مرّ على جامعة الدول العربية زمنٌ من الخلافات، نتذكر على سبيل المثال، تبادل الشتائم بين ملك السعودية والزعيم الليبي معمر القذافي في القمة العربية شباط/فبراير 2003. الآن الإجماع بين العرب موجود، صحيح أنه إجماعٌ على ضبط النفس وعلى التقاعس، لكنه موجودٌ بكل الأحوال.

بعد أن قَتل الجيش الإسرائيلي 60 فلسطينيًّا في غزة في 14 أيار/مايو الماضي، وهو نفس الوقت الذي افتتحت فيه الولايات المتحدة الأمريكيّة سفارتها في القدس، تمّ عقد جلسةٍ استثنائيّةٍ لوزراء الخارجية للدول الأعضاء في 17 أيار/مايو بمقر الجامعة العربية في مدينة القاهرة، سبق هذا الاجتماع بيومٍ واحدٍ اجتماعٌ على مستوى المندوبين الدائمين، لخّص دبلوماسي مغربي هذه الجلسة: “كثيرٌ من الكلام والقليل من القرارات الملموسة، والجميع موافقٌ على تبني موقفٍ هزيل”.

بالتأكيد وكعادتها دعت الجامعة العربية إلى “تحقيقٍ دولي” حول الأحداث المأساويّة في غزة، وكذلك أشار أمينها العام أحمد أبو الغيط إلى جرائم القوات الإسرائيلية، وبالمثل أدانت الجامعة العربية قرار الولايات المتحدة الأمريكية الذي سمته بــِ”غير المسؤول” بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.

لكن وعلى الرغم من كل هذا فلم يتم اتخاذ أي إجراءٍ حقيقي باستثناء تكليف أبي الغيط بإعداد “خطةٍ استراتيجية” لمنع الدول الأخرى من أن تحذو حذو أمريكا وتنقل سفاراتها في إسرائيل إلى المدينة المقدسة.

وجديرٌ بالذكر أيضًا أنّ رئيس اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في جامعة الدول العربية أمجد شمُّوط ذكر أنّ السياسيين والأفراد العسكريين الإسرائيليين يجب: “إحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية” لكن الجامعة العربية لم تتخذ أية إجراءاتٍ حيال ذلك وحتَّى أنها لم تُشجع السلطة الفلسطينية لمثل هذا الإجراء.

كانت الدول الأعضاء في هذه الجلسة حريصةً على عدم ذكر أي ردود فعلٍ اقتصاديةٍ أو دبلوماسيةٍ ضدّ إسرائيل أو حتى ضدّ الدول التي قد تنقل سفارتها إلى القدس، كما لم يُشِر الاجتماع الطارئ إلى أي شيءٍ عن احتمال تجميد تطبيع العلاقات مع إسرائيل بسبب العنف الذي عانى منه الفلسطينيُّون.

لا يمكن تصور أن تجري الأمور خلاف ذلك ما دامت المملكة العربية السعودية هي التي تناور في هذا التوجه الآن. وفي الواقع كان اجتماع 17 أيار/ مايو بمبادرةٍ سعودية، وهو طريقةٌ كلاسيكيةٌ عفا عليها الزمن للتحكم في مسار الأحداث من خلال أخذ زمام المبادرة، وكذلك بالإصرار على أنّ الجامعة العربية تؤكد دائمًا على دعمها لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

بهذه الدعوة السعودية لعقد جلسةٍ طارئةٍ ضربت المملكة حجرين معًا، أولًا بمنع أي احتمالٍ لمطالبة مصر والأردن بتجميد علاقاتهما مع إسرائيل أو حتى تعليقها مؤقتًا على الأقل _مصر والأردن الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان تربطهما بإسرائيل علاقاتٌ دبلوماسيةٌ علنية_، وثانيًا بعدم عرقلة التقارب الحالي بين السعودية وإسرائيل أو انتقاده، كل هذا في الوقت الذي يهتم فيه القادة السعوديون فقط بمواجهة التأثير الإيراني على المنطقة حتى وإن كان بتحالفٍ صريحٍ مع إسرائيل.

ولذلك مرَّرت المملكة العربية السعودية أولوياتها ضمن الجامعة العربية، فمثلًا قبل عامين تمّ وصف حزب الله اللبناني الحليف الإيراني بأنّه منظمةٌ إرهابية، وفي الفترة الماضية دعمت الجامعة العربية بأكملها المغرب في قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران بعد اتهام طهران أنها سهلت تسليم الأسلحة عبر حزب الله للانفصاليين الصحراويين من جبهة البوليساريو.

ومن دواعي الاستغراب أن المملكة العربية السعودية تاريخيًّا لطالما ارتابت من دور الجامعة العربية، وكانت تعتبرها أنها تعتمد أكثر من اللازم على النفوذ المصري وعلى نفوذ التكتل “التقدمي”.

وهذا ما يفسر _مع أسبابٍ أخرى_ دعم المملكة إنشاء منظمة التعاون الإسلامي _التي كانت تُسمى سابقًا منظمة المؤتمر الإسلامي_ للتعويض عن عزلتها النسبية آنذاك داخل الجامعة العربية، حيث كانت الأدوار القيادية وقتها لدول مثل مصر والعراق وسورية وليبيا والجزائر. أما اليوم فتغير الأمر كما يشرح الدبلوماسي المغربي: ” الدبلوماسيون السعوديون يُعطون. ونظراؤهم المصريون وباقي الخليجيين يوافقون أو يلتزمون الصمت”.

الآن تنعكس الأمور لمسارٍ آخر؛ حيث باتت المملكة تواجه التحدي هذه المرة من داخل منظمة التعاون الإسلامي الذي يَفترض أن إنشاءه جاء دعمًا لموقفها. الرئيس الحالي للمنظمة هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قاد الرد الدبلوماسي ضدّ إسرائيل، استدعت أنقرة سفيرها في تل أبيب وحاولت الدبلوماسية التركية حشد الرأي العام حولها، خاصةً الموقف المعارض لتقارب القادة العرب مع إسرائيل والولايات المتحدة، كما دعمت الصحافة التركية _القريبة من الحكومة_ الأصوات العربية التي دعت إلى تجميد العلاقات مع إسرائيل.

أكرم بلكايد (لوموند ديبلوماتيك ) 23-أيار/مايو-2018

الرابط الأصلي:

https://blog.mondediplo.net/la-ligue-arabe-un-machin-saoudien

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى