الاصداراتمشاهد

السياحة الدينية للإيرانيين.. ما وراءها؟

مقدمة: 

جدلٌ واسعٌ حلَّ بالساحة الأردنية بعد زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لمنطقتي “مؤته” و”المزار” في جنوب البلاد يوم 26 من حزيران/ يونيو الماضي، وفيهما مقاماتٌ وأضرحةٌ لبعض آل البيت والصحابة، إذ صارت هذه الزيارة محلَّ تساؤلاتٍ لدى الأردنيين حول احتمالية كونها مقدمةً تُمهدُ لفتح باب السياحة الدينية لـ”حجيج” شيعة، وهي الخطوة التي لم يُقدِم عليها الأردن طوال السنوات الماضية؛ بسبب موقفه من إيران، وعدم رغبته في منحها أيَّ موطئ قدمٍ ولو تحت ستار الزيارات والسياحة الدينية؛ منعًا لتغلغل طهران العدواني – كما يقع في دولٍ عربيةٍ أخرى – عن طريق المزارات وغيرها.  

يوجد في الأردن العديد من الأماكن الدينية، من ضمنها مقامات وأضرحة الأنبياء موسى وهارون ونوح وشعيب ويوشع وبعض إخوة يوسف، وكذلك الصحابة الثلاثة قادة غزوة مؤتة: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وكذلك الصحابي الحارث بن عمير الأزدي، إضافةً لمقام أبي ذر الغفاري، وكهف أهل الكهف. كما أنّ هناك أماكن مقدسةً لغير المسلمين، مثل مغطس “السيد المسيح”.

بداية الشائعات:

أثارت زيارة العاهل الأردني للأضرحة في جنوب البلاد ضجةً وجدلًا واسعًا في وسائل التواصل الاجتماعي؛ خصوصًا بعد نشر عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، زيد عمر النابلسي، مقالةً تحت عنوان: “سياحة دينية.. أين المشكلة؟”، دعا خلالها سلطات بلاده إلى فتح الباب أمام “السياحة الدينية الإيرانية للمقامات والأضرحة” في الأردن؛ بذريعة “إنعاش الاقتصاد الأردني، وتحريك عجلة التنمية في المناطق الجنوبية التي تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة”[1]، حيث اتفق معه نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، ممدوح العبادي، الذي رأى أن “الأردن بحاجة إلى مخرج اقتصادي، والسياحة هي الحل”[2].

ومما زاد من وتيرة الشائعات في الشارع الأردني، توقيت زيارة الملك عبد الله الثاني للأضرحة؛ إذ جاءت قبل يومين من انعقاد القمّة الثلاثيّة العِراقيّة المِصريّة الأردنيّة في بغداد، والتي اعتبرها بعض المراقبين مُقَدِّمةً لفتح أبواب السياحة الدينيّة أمام الشيعة.

زيادة التكهنات والشائعات حول هذا الموضوع دفعت بوزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن، محمد الخلايلة، إلى نفي ما أُشيع حول وجود سياحةٍ شيعيةٍ في الأردن، أو أي علاقةٍ بين زيارة الملك مؤخرًا لمقامات وأضرحة الصحابة والحديث عن نية الحكومة تشجيع السياحة الدينية للشيعة، مؤكدًا عدم وجود أيِّ توجهٍ رسميٍ حول ذلك[3]، وأوضح الخلايلة أن زيارات الملك للمقامات والمساجد تحدث باستمرارٍ، مُبديًا استغرابه مما تناقله الإعلام عن الزيارة وتحميلها ما لا تحتمل.

مخاوف أردنية سابقة من التمدد الإيراني:

السلطات الأردنية تنظر إلى حقيقة ملف السياحة الدينية الإيرانية أمنيًّا وسياسيًّا، حيث سبق أنْ حذّر العاهل الأردني عام 2004 من خطر تشكُّل “الهلال الشيعي”، وأبدى مخاوفَ من أن تصل إلى السلطة العراقية حكومةٌ تَدينُ بالولاء لإيران، وتتعاونُ مع رئيس النظام في سورية بشار أسد لإنشاء هلالٍ يكونُ تحت نفوذِ الشيعة؛ وصولًا إلى لبنان[4].

الأردن رفض عبر تاريخه فتح بابٍ لإيران بالتمدد ونشر مشروعها التخريبي تحت ذريعة زيارة الأماكن الدينية والذرائع الثقافية، حيث تعهّد رئيس الوزراء الأسبق عبد الله النسور عام 2013 “بوقف جميع الأنشطة المتعلقة بالسياحة الدينية الشيعية في الأردن”[5]، في حين كشف السفير الأردني السابق في إيران الدكتور بسام العموش عن رغبة ساسة طهران في إقامة نسخة من “حي السيدة زينب” الدمشقي في قلب مدينة الكَرَك جنوب الأردن، عبر تقديم مشاريع وإغراءاتٍ للسلطات الأردنية بهدف السماح لـ”حجيج” بدخول الأراضي الأردنية، منها إقامة مطارٍ في المنطقة[6].

كذلك كشف وزير الخارجية الأردني الأسبق، عبد الإله الخطيب، عن مفاوضاتٍ جرت بينه وبين مسؤولين إيرانيين بشأن تفعيل “السياحة الدينية”، وطالب خلال المفاوضات بضمانات لعدم الزج بـ “خلايا مخابراتٍ” ضمن أفواج السياح الشيعة، حيث رفضت طهران تقديم هذه الضمانات[7].

وفي العام 2015 كانت هناك مساعٍ إيرانيةٌ للتوسع في العلاقات مع الأردن بذرائع مختلفة، إذ صرّح وزير الأوقاف والمقدسات والشؤون الاسلامية الأردني، هايل داود، أن بلاده رفضت ثلاثة طلباتٍ من عدة جهاتٍ إيرانيةٍ قُدِّمت عبر مسؤولين بفتح باب السياحة الدينية للإيرانيين بشكلٍ منظَّمٍ في البلاد، لكنه مع ذلك أشار إلى أن “هذا الرفض مرحليّ بسبب الظروف السياسية في المنطقة وبعض المواقف الإيرانية والشيعية التي أسهمت في انتشار الفكر المتطرف”، إلا أنه شدّد في الوقت نفسه على أنّ فتح المزارات والأماكن السياحية الدينية أمام الإيرانيين والشيعة، لن يصل بأي حالٍ من الأحوال إلى “السماح بممارسة طقوسٍ وشعائرَ شيعيةٍ على غرار الحوزة”[8]

ولا تقتصر مخاوف الأردن من تمدد إيران داخل البلاد عبر الزيارات فحسب، بل كان لدى عمّان مواقف سلبية تجاه الوجود الإيراني قرب حدودها الشمالية، وهذا ما يعيد إلى الأذهان اتفاقية “التسوية” التي جرت في الجنوب السوري برعايةٍ روسيةٍ ورضا أردني عام 2018، وتم بموجبها عقدُ اتفاقٍ غير معلنٍ بين إسرائيل وروسيا ينصُّ على ضرورة إبعاد المليشيات الإيرانية عن الحدود بمسافةٍ تُقدَّرُ بنحو 80 كم [9]، ما يعني أن الأردن يسعى لإبعاد الخطر الإيراني عن حدوده وليس فقط داخل البلاد، وهذا ما قد يزيد من صلابة موقفه الرافض لفتح باب السياحة الدينية.

العلاقات الأردنية الإيرانية تتسم بالفتور وعدم الثقة المتبادلة منذ انقلاب خُميني عام 1979، ولم تخلُ من رسائل تهديدٍ استعراضيةٍ من قبل طهران، إذ سبق وصرّح قائد القوات الجوية في “الحرس الثوري” الإيراني علي حاجي زادة في عام 2017 أن مليشياته في سورية “ستنتصر” على ما وصفه بـ “التحالف التركي – الأردني – الغربي”[10]، بعد مقتل قاسم سليماني[11]، فيما كشف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تعرُّض بلاده لهجومٍ بمسيّراتٍ إيرانيةٍ في عام 2020 [12].

خاتمة: 

على ضوء ذلك، فإن ما يمكنُ ملاحظتُه بشكلٍ واضحٍ هو أنَّ هناك حذرًا شديدًا لدى المملكة الأردنية في المضي قُدُمًا نحو فتح باب لمشاريع إيران العدوانية تحت أي ذريعة كانت، برغم الضائقة الاقتصادية الشديدة التي تمر بها البلاد؛ خاصةً بعد جائحة كورونا واعتماد الأردن على المساعدات والقروض من دولٍ خليجية. ويبدو أنَّ المخاوف الأردنية في هذا السياق تعود للخشية من تحوُّل الجنوب الأردني بشكلٍ تدريجيٍ إلى منطقةٍ مشابهةٍ لمناطق أخرى في سوريا ولبنان والعراق، استغلّت إيران فيها باب الزيارات الدينية لتُمهّد للتغلغل الثقافي ونشر التشيُّع، وبالتالي تشكيل خلايا تُنفّذ أجنداتها التخريبية في البلاد، ما يجعل المملكة تتخلى عن المحفّزات الاقتصادية المتوقعة التي ستدُّرها تلك الزيارات مقابل منع إيران من العبث بأمنها المجتمعي والسياسي، وهذا مع ملفاتٍ أخرى، يضع الملك الأردني في وضعٍ سياسيٍ معقدٍ ومربِكٍ وغير مستقر.


[1] https://cutt.ly/3Q8UV3R

العرب، جدل جديد في الأردن اسمه المزارات السياحية الشيعية: خطر أم ابتزاز؟

[2] https://cutt.ly/jQ8U8wt

عربي 21، جدل في الأردن حول “فتح السياحة الدينية للإيرانيين”

[3] https://cutt.ly/9Q8Iyhx

حسنى، السياحة الدينية في الأردن طمأنة حكومية وتخوفات شعبية

[4] https://cutt.ly/MQ8IEn0

إندبندنت عربية، تسلل إيراني ناعم… “الهلال الشيعي” الذي أقلق الأردن قبل 14 عامًا

[5] https://cutt.ly/rQ8IIii

وطنا اليوم، جدل جديد في الأردن اسمه المزارات السياحية الشيعية: خطر أم ابتزاز؟

[6] https://cutt.ly/vQ8ID9X

عربي 21، وزير أردني سابق: إيران رغبت بنموذج “حي السيدة زينب” بالكرك

[7] نفس مرجع 6

[8] https://cutt.ly/IQ8I101

سي إن إن بالعربية: وزير الأوقاف الأردني لـ CNN بالعربية: رفضنا 3 طلبات إيرانية لفتح باب السياحة الدينية.. ولن نسمح بـ”حوزة” في المزار

[9] https://cutt.ly/kQ8OV7r

رويترز، إسرائيل لروسيا: الأسد في مأمن منا لكن على إيران الخروج من سوريا

[10] https://cutt.ly/nQ8PyPd

إندبندنت عربية، إيران تهدد الأردن: أخرجوا القوات الأميركية طوعا

[11] نفس مرجع 10

[12] https://cutt.ly/mQ8PEKK

الأناضول، عاهل الأردن: تعرضنا لهجوم بمسيرات إيرانية الصنع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى