الاصداراتمتفرقات 1

جِيْلٌ على المِحَكْ

جيل على المحك (1)
مما لا يخفى عن الأعين تدهور وضع الأطفال والشباب السوريين في ظل الأوضاع الراهنة. بعد أن عصفت الأحداث بسورية من حرب، اضطهاد، قتل، تدمير وتهجير. اضطرهم ذلك إلى الخروج مكرهين من بيوتهم وأرضهم، وبسبب ذلك يعاني الشباب والأطفال السوريُّون معاناة كبيرة، لربما تفوق معاناة أهلهم. فالأطفال غير أنهم حُرِموا من عيش طفولتهم الطبيعية، وجدوا أنفُسَهم في أوساط تُنْسِيهم حقوقهم كأطفال من لعب وتعليم والتمتع بحياة هادئة وآمنة، تُنْسِيهم حتى إن كانوا أطفالاً. فتجد معظمهم في مخيمات الداخل والخارج ومن هم في عمر المدرسة لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة -التي هي بدورها لا ترقى لاسم مدرسةـ إن كان من حيث مكانها أو بنائها أو بيئتها، وذلك لعدة أسباب منها:
– أنًّ أحدهم ربما فقد رب أسرته، ليجد نفسه المعيل الوحيد لأسرته، ويتوجَّب عليه العمل (الشَّاق في معظم الأحيان) والذي لا يتناسب مع طبيعة وحجم جسمه الصغير وتفكيره المحدود بحكم سنِّه، لكي يتمكن من سد رمق أسرته.
– وآخر رأى أهله أنَّ التعليم لأطفالهم ليس مهم في هذه المرحلة لأنه مجرًّد زيادة عبء ومصاريف على كاهل الأسرة التي لا تكاد تجد قوت يومها.
– وآخرون وجدوا أنفُسَهُمْ أيتاماً، بلا أهلٍ يحمونهم ولا عائلة تضمُّهُم وتحتويهِم وتهتم لأمرِهِم وأمر دراستهم، وغير ذلك الكثير.
ألا يعي المجتمع الذي يناضل بكل قوته من أجل المستقبل أنّ المستقبل يتدمّر أمام عينيه؟ ودون علمه؟ وربما في أغلب الأحيان يساهم في تدميره بيديه؟ نعم الأطفال هم المستقبل الذي إذا ما أهملناه الآن خسرناه لاحقاً.
أما الشباب فهو يعاني في الداخل ما يعانيه من صعوبات تختلف بدورها عن معاناة أقرانهم في الخارج ودول اللجوء، إلا أنَّها كلها لا يستهان بها ولا بتأثيرها عليهم في كافة جوانب حياتهم. هذه المعاناة التي ستطال لاحقاً من هم حاليَّاً أطفال عندما يصبحون شباباً، إن لم نجد استراتيجية صحيحة وسليمة لبناء حياة شبابنا وأطفالنا في وضع نعجز فيه عن توظيف جهودنا لحل الأزمة السورية التي أصبحت أكبر من أي مواطن سوري.
فالشباب أنفسهم متخبّطون نفسيّاً واجتماعيّاً، فأنت تكاد لا تجد شاباً بات يخطط لمستقبله، أو يفكّر بإكمال تعليمه بعد أن كان يحلم بذلك، فبعد أن يئس من توقف الصراع الدامي، انحصر تفكيره في ماذا سيفعل هو، ولأي فصيلٍ سينتسب، وأيُّ فصيلٍ هو الأقوى وجوداً ونفوذاً، دون حتى أن يفكر ضدًّ من سيقاتل إلى جانب هذا الفصيل، ولن تستطيع أنت أن توجِّهَهُ أو تقول له: لديك ما هو أهم وأصح لتقوم به، أو غير ذلك، فبالداخل أنت لا تملك أو تضمن لهذا الشاب شيئاً يشغله إيجابياً، أو أمراً يفرغ به طاقته التي إذا ما استُغِلَّت بالطريقة الصحيحة ستعود بالخير عليه وعلى أسرته ووطنه أيضاً.
وبالتوجه إلى وضع الشباب في دول اللجوء أيضاً، هناك الوضع ليس بأفضل مما سبق، فالصعوبات التي يواجهونها في الدول المضيفة تختلف أيضاً بين دول اللجوء العربية وغير العربية.
فلو تطرّقنا أولاً إلى ما يعانيه الشباب في دول اللجوء العربية، سنجد بالدرجة الأولى أنه وللأسف لازالت تلك الدول تُبقي على اللاجئين في المخيمات التي معظمها عشوائية، ولا تؤمّن فيها مقومات الحياة الأساسية والسليمة، ليجد الشاب نفسه محاطاً بمجموعة من القيود التي تحد من تطلعاته وأحلامه وطاقاته ولربما تعدمها، فمنها على سبيل المثال: أن الدول العربية المضيفة لا تسعى إلى تسوية أوضاع اللاجئين القانونية لديها، مما يحرمهم من القدرة على ممارسة أعمالهم داخلها -حتى وإن تكرمت عليهم بالالتحاق بالمدارس والجامعات، مع العلم أن ذلك واجب عليها-، وفي مثل هذا الوضع معظم الشباب السوريين في هذه الدول لن يرغبوا بالحصول على الشهادات التعليمية، حتى وإن سعى بعضهم لها، وذلك لأنهم يعلمون مسبقاً تمام العلم أنّه ما من بعد نيلها أيُّ عمل  يصون لهم كرامتهم ويقدِّر عِلمهم، فعلى مرأى من أعينهم، ها هو الحاصل على أعلى الشهادات والذي لم يحصل على عليها في الميدان سواء، لا عمل إلا ما يجهد الجسد، ولا يسد الرمق، ولا يبني مستقبلاً أو بوادر مستقبل.
 
وبالتوجه لوضع الشباب السوريين في دول اللجوء غير العربية نأتي بالتالي: فرغم أنّ هذه الدول لم تكن كمثيلاتها العربية، حيث أنها عملت على تسوية أوضاع اللاجئين قانونياً، إلا أن ذلك لم يكن له ذلك التأثير الإيجابي الكبير على الشباب، إذ أنهم يعانون في تلك الدول صعوبات جمَّة، فهم إذ خرجوا مجبرين من وطنهم، وجدوا أنفسهم في مجتمع يختلف تمام الاختلاف عن لغتهم وثقافتهم، كما وجدوا أنفسهم مرغمين على تقبل ذلك، ولكن حتى يتمكنوا من تقبل هذا الوضع -الذي مهما توفرت مقوماته وإمكانياته سيبقى صعباً عليهم-، لم يجدوا لا الإمكانات ولا البيئة المناسبة والمساعدة على ذلك، حتى أنهم لم يجدوا من يحتويهم ويقف إلى جانبهم ويدعمهم ولو دعماً معنوياً.
فالكثير منهم كان نصيب عائلته التَّشتت، فوجد نفسه وحيداً في مجابهة الحياة، بلا وطن ولا أهل، الأمر الذي يجعل الشاب يفتقد الجو العائلي، وبالتالي يفتقد الشعور بالأمان حتى بوجود الأهل، تجدهم منشغلين عن أبنائهم بسبب الدخل المحدود للعائلة، وربما غير الموجود أصلاً، وهنا إذا ما حاول الشاب البحث عن عمل أو علم سيصطدم أوَّلاً بعائق اللغة، الذي لن يستطيع تجاوزه دون الالتحاق بدورات اللغة والاندماج، التي هي بدورها تتطلب المال، ليعود ويصطدم بواقع الدخل والذي يشكل هنا العائق الثاني أمام الشاب، فلو عمل جاهداً للحصول على عمل في وضعه هذا (بلا لغة)، لن يجد عملاً، إلا أن يكون عاملاً غير مسجل بلا تأمين أو حقوق وبدخل محدود جداً. لا يكفي إيجار مسكن، وتكاليف مأكل وملبس التي هي أساسيات، فكيف سيؤهله للالتحاق بدورات اللغة والاندماج والدورات التدريبية؟
عداك عن أنَّ معظم الشباب وعائلاتهم دون أوراق ثبوتية، مما أدى إلى تزعزع وضعهم في البلد المضيف وبالتالي فقدان الشعور بالاستقرار.
وعن أوضاع الشباب عموماً في الداخل والخارج. في وسط هذه الجاليات، يبدأ الشاب منطلقاً من روح الشباب لديه، بالبحث عن أمور تشغله وتأخذه بعيداً عن واقعه ومعاناته ولو قليلاً، وهـنــا يــدٌّق نـاقــوس الـخــطــر!
فهناك منظمات عدة (ذات تفكير منحل أو متطرف) معنية بجذب وتجنيد عقول الشباب وسحبهم لطرفها مستغلة بذلك تدني أوضاعهم المعيشية والاجتماعية، وهي تعمل على بثِّ سُمُومِها وطرحِ طُعمِها في كل الأرجاء لتتصيد ضحاياها، وفي أحسن الأحوال لو أدرك الشاب ذلك، ولم ينجر خلف تلك الدعوات والإغراءات، سيجلس منزوياً عن العالم متقوقعاً على نفسه، ليصبح منعزلاً اجتماعياً فيتدهور وضعه النفسي، حتى يفقد ثقته بنفسه ويبدأ بالتخبط، وهنا يكمن الخطر، فنحن بهذا نكون قد فقدنا الشاب، وبالتالي خسرنا الجيل وضمنا انهيار المستقبل ذو البنيان المتزعزع أساساً، فيكون قد وقع الخطر لا قُدِّر ذلك.
كانت هذه لمحة مجملة وموجزة عن واقعٍ يُنذِرُ بأخطارٍ شتّى، ونحن نأمل ألا تقع أبداً، وأن يؤدّي كل ذي دورٍ دوره بأمانة والتزام حتى نحصل على النتائج الإيجابية المرجوة ونضمن مستقبلاً واعداً ومبشِّراً بسورية أفضل.
لتحميل المقال من هنا
 
 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2017

“الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى