الاصداراتمشاهد

الصومال.. صراع أقطاب السلطة

مقدمة:

حالةُ صراعٍ داخليّ تشهدها الصومال جراء حرب قرارات بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، ورئيس وزرائه محمد حسين روبلي، لتزيد حدّةُ المواجهة بينهما مؤخرًا بسبب عدة ملفات داخلية وخارجية، وسط مخاوف من تفكك الأجهزة الأمنية والعسكرية وتحوّل الجيش إلى مليشياتٍ، ما يعني ازدياد نفوذ “حركة الشباب” المصنفة إرهابية، وسط مخاوف من تأثير ما يحدث على تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها، الأمر الذي يثير تساؤلات عن مستقبل الأزمة الحالية والمسارات التي قد يصل إليها المشهد الداخلي في الصومال.

أسباب الأزمة:

اندلعت الخلافات بين الطرفين بعد تعليق الرئيس محمد عبد الله فرماجو صلاحيات رئيس حكومته محمد حسين روبلي في عزل وتعيين المسؤولين، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية المقرّرة في تشرين الأول /أكتوبر الجاري، حيث رفض روبلي بدوره أمر الرئيس متبادلًا معه اتهاماتِ خرقِ الدستور واتّخاذ قراراتٍ تُعرقل العمليّة السياسيّة[1].

التوتر بدأ عندما رفض البرلمان قرار الرئيس فرماجو تمديدَ ولايته عامين بعد انتهائها في شهر شباط /فبراير الفائت، لِيتطوّر الخلاف إلى صراع أقطابِ سلطة، إلى جانب إقالة مدير المخابرات فهد ياسين – المقرب من الرئيس -، على خلفية نتائج تحقيقٍ يُجريه حول اختفاء “إكرام تهليل فارح” الموظفة بجهازه أواخر تموز/يونيو 2021، حيث تُحمّل الحكومة جهاز المخابرات مسؤولية اختفائها، في حين أصدر الأخير بيانًا يتهم فيه “حركة الشباب” بالوقوف وراء الحادثة، ما دفع الحركة إلى نفي هذه الاتهامات[2].

الرئيس فرماجو عارض إقالة ياسين معتبرًا هذه الخطوة “خارج صلاحيات رئيس الوزراء”، وردَّ بتعيين مدير المخابرات المُقال في منصب المستشار الأمني للرئاسة. كذلك أقال روبلي وزيرَ الأمن حسن حندوبي جمعالي، وعيّن مكانه عبد الله محمد نور المعارض للرئيس، ليرفض الرئيس مرةً ثانيةً هذا القرار، ويعتبره “باطلًا دستوريًا”[3].

كما تُشكّل العلاقة مع الجارة كينيا حلقةً من حلقات التنافس بين روبلي وفرماجو، حيث أجرى رئيس الحكومة في آب /أغسطس 2021 زيارةً لها ضمن مساعي الانفراج في العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين، وهو قرارٌ عارضه الرئيس، ما أدى لتصاعد موجة الخلاف بينهما، حيث يعتبر فرماجو أنّ كينيا تتدخل بشكلٍ متعمدٍ في الشؤون الداخلية للبلاد، وتضغط على رئيس إدارة إقليم جوبالاند جنوبي الصومال لتنفيذ أجنداتها السياسية وتقويض الاتفاق السياسي مع الصومال[4].

الانقسامات الصوماليّة وصلت المؤسسة العسكريّة، ما سيؤدي إلى ضعف موقف القوات الحكومية وتقوية “حركة الشباب” المصنّفة إرهابيّة، ويمنحها قدرة على مهاجمة العاصمة والسّيطرة على مناطق ريفية واسعة. أمّا الأخطر على مستقبل الاستقرارِ الداخليّ الصومالي، فتمثّل في إرسال الرئاسة وحدة عسكرية مرتبطة بها تحرس مباني جهاز الاستخبارات، الأمر الذي يزيد إجراءات تفكيك الجيش وأجهزتِه إلى مليشيات ٍتُهدّد أمن ووحدة دول الإقليم، ومنها إثيوبيا والسودان وجيبوتي[5].

ومما يزيد تعقيد المشهد الصومالي تضارب أجندات دولٍ داعمةٍ لطرفَي الأزمة؛ إذ لا تزال البلاد بعيدةً عن حالة الاستقرار وبناء دولة المؤسسات منذ سقوط حكم الجنرال محمد سياد بري عام 1991 وما أعقبه من الدخول في حرب أهلية، ثم التدخُّل الأمريكي لعدة سنواتٍ، وما تلاه من انسحاب وتوكيل إثيوبيا بمهمة قتال “حركة الشباب”[6]، بالإضافة إلى سعي دولٍ خارجية إلى بناء نفوذٍ لها في الصومال بحكم موقعها الاستراتيجيّ بالقرب من باب المندب[7].

 دعوات الحوار والوساطة: 

الأزمة الحالية أثارت قلقًا محليًا ودوليًا من امتداد الصراع والدخول في نزاعات مسلحة وقبلية، ما دفع قادة الولايات الفيدرالية الخمس في الصومال إلى التوسط لإنهاء الخلاف القائم بين روبلي وفرماجو، لكنهم فشلوا في ذلك حتى الآن؛ بسبب عدم تقديم الرئيس المنتهية ولايته أيّ تنازلاتٍ في نقاط الخلاف الرئيسة، إضافة إلى تمسك كل طرفٍ بموقفه[8]، ما دفع الوسطاء لإصدار بيانٍ مشتركٍ دعوا فيه الطرفين إلى حلّ النزاع السياسي عبر الحوار، وإنهاء حرب البيانات المتضادة، واحترام مبادئ الدستور الصومالي المؤقت، كما شددوا على ضرورة استكمال إجراءات تنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية في البلاد، مع إجراء تحقيقٍ عادلٍ لكشف ملابسات اختفاء الموظفة بجهاز المخابرات إكرام تهليل[9]

كذلك أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن “القلق العميق” من الخلاف المستمرّ داخل الحكومة الصومالية، والتأثير السلبي له على الجدول الزمني والعملية الانتخابية، داعين إلى ضبط النفس، والحفاظ على السلام والاستقرار، وإنهاء الخلافات، وإجراء انتخاباتٍ “شفافة”[10]، فيما قالت بعثة الأمم المتحدة في الصومال: إنّ الصراع يمكن أنْ “يقوض استقرار البلاد، ويعرقل العملية الانتخابية”[11]، في حين حذّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين من عواقب الخلاف المتزايد بين الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء روبلي؛ خاصة فيما يخص تنامي قوة “حركة الشباب”[12].

خاتمة:

أمام هذا المشهد المتداخل في الصومال، وبرغم حالة العناد السياسي بين طرفي الأزمة؛ إلا أنه من المستبعد اندلاع حربٍ داخليةٍ مفتوحةٍ بينهما؛ لأن الجميع يدركون مخاطر الانزلاق نحو المواجهة العسكرية، لكن ذلك لا يعني إمكانية التوصل لحلولٍ قريبًا في ظل الانقسام السياسي وعدم تقديم أيّ من الطرفين تنازلاتٍ لصالح الآخر، وذلك في وقتٍ لا تبدو فيه الأطراف الدولية مستعدّةً لتحمل تكلفة حربٍ بالوكالة، إلا أنّ وجود جهةٍ أو جهات خارجيةٍ تقف وراء تأزيم المشهد السياسي في الصومال أمرٌ مؤكد، وهو ما يعرقل السعي لبناء دولةٍ ونظامٍ سياسيٍّ صومالي مستقر يُجنّب البلاد العودة من جديدٍ لبؤرة صراعاتٍ غيرِ منتهيةٍ، ويشكّل مصدر قلقٍ في القارة الأفريقية برمتها.


[1] https://cutt.ly/gE08lNq

القدس العربي، الرئيس الصومالي “يسحب الصلاحيات التنفيذية” من رئيس الوزراء

[2] https://cutt.ly/iRjV975

الحرة، أزمة الحكومة الصومالية.. تقرير: اختفاء ضابطة استخبارات يقوي تنظيم “القاعدة”

[3] https://cutt.ly/MRjBhcT

العربي الجديد، الرئيس الصومالي يعين مديرًا جديدًا لجهاز المخابرات ورئيس الحكومة يتمسك بصلاحياته

[4] https://cutt.ly/wE0NLjL

الجزيرة نت، الصومال تطرد السفير الكيني لديها وتستدعي سفيرها بنيروبي

[5] https://2u.pw/aw0ob

الجزيرة، الصومال.. أزمة بأعلى الهرم السياسي تبعث مخاوف من تجدد العنف

[6] https://cutt.ly/4E0NNhn

ويكيبديا، الحرب الأهلية الصومالية

[7] https://cutt.ly/SE0N8I1

الجزيرة للدراسات، التدخل الأجنبي وتأثيره في مسار ومصير الرئاسيات الصومالية المقبلة

[8] https://cutt.ly/aE0Mefx

الصومال الجديد، انهيار الوساطة بين فرماجو وروبلي

[9] https://cutt.ly/0E0MpRz

france24، الصومال: ولايات البلاد الخمس تدعو الرئيس ورئيس وزرائه إلى بدء حوار يفضي لحل الأزمة بينهما

[10] https://cutt.ly/HE0Mlyi

الأناضول، مجلس الأمن يحث الأطراف الصومالية على الحوار وضبط النفس

[11] https://cutt.ly/PE0MRw6

الجزيرة نت، الصومال يتهم جيبوتي باحتجاز المستشار الأمني للرئيس فرماجو

[12] https://cutt.ly/JE0MSkk

الصومال الجديد، وزير الخارجية الأمريكي يحذر من عواقب الخلاف المتزايد بين فرماجو وروبلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى