الاصداراتترجمات

هل تخطط روسيا لحرب جديدة بالبلقان؟

*ترجمة من الإنجليزية لمدير برق التنفيذي أ. صالح يوسف

تحسُّس الكرملين لضعف إدارة بايدن قد تدفعه لإشعال صراع جديد غرب البلقان، لاسيما أن التوتر الحدودي الأخير بين كوسوفو وصربيا إثر الأزمة الناجمة عن ترخيص لوحات السيارات، يفرض اختبارًا حقيقيًا لمواجهات جدية بين البلدين. فالمسؤولون الروس يحثون حكومة الرئيس ألكسندر فوتشيتش على جعل صربيا القوة المهيمنة في غرب البلقان وزيادة نفوذ روسيا مقابل واشنطن وبروكسل (الاتحاد الأوربي).

حيث رافق وزير الدفاع الصربي نبویشا ستفانوفيتش السفير الروسي ألكسندر بوتسان خارتشينكو في جولة تفقدية للقوات الصربية على الحدود، بعد أن نشرت صربيا قواتها على طول الحدود مع كوسوفو، ووضعتها على أهبة الاستعداد، وهددت بالتدخل العسكري. صاحبها نشر مركبات عسكرية على طول الحدود، وتحليق طائرات مقاتلة من طراز MiG-29 فوق المنطقة، في الوقت الذي أرسلت فيه كوسوفو دورية شرطة لمتابعة تنفيذ القرار.

وكعادتهما تتهم روسيا وبلغراد كوسوفو بتهديد الأقلية الصربية في كوسوفو، على غرار الادعاءات المستمرة للكرملين عن السكان الروس عبر مشاريعها التوسعية في أوكرانيا وجورجيا ودول البلطيق، فهي توجه “شقيقتها الصغرى” صربيا الآن في منهجية السيطرة واقتطاع الأراضي. فإحداث مواجهات بين الأعراق في كوسوفو، والتذرع بالعنف للتدخل العسكري بعدها، هو من السيناريوهات التي يمكن أن تعمل عليها المخابرات الصربية، مما يضع قوات الناتو في كوسوفو في موقف صعب ضد الجيش الصربي.

ومن خلال دعم التدخل الصربي، والتهديد بتقديم مساعدات عسكرية مباشرة، سيختبر بوتين إمكانية مشاركة الناتو، ورغبة بايدن في المخاطرة بحرب بين الناتو وروسيا، فقد تفضل واشطن التفاوض للتخلي عن البلديات الشمالية لكوسوفو وفق حسابات بوتين، خصوصًا أن كوسوفو ليست عضواً في الناتو، ولا يمكنها التعويل على التزامات الدفاع المشترك للمنظمة.

وبتوجيه من روسيا ستكون كوسوفو جزءًا من هجوم أوسع، غير مضمون النتائج، تشنه بلغراد لتوسيع نفوذها الإقليمي، “فللصرب الأحقية في الاتحاد في دولة واحدة” بحسب وزير الداخلية الصربي.

ومثل الروس تمامًا يصوَّر الصرب على أنهم ضحايا طالت معاناتهم، وتعاونت القوى المعادية للقضاء عليهم، ومن هذا المنطلق تطالب بلغراد بحق حماية الصرب في البوسنة والهرسك والجبل الأسود وكوسوفو ومقدونيا الشمالية وكرواتيا. فهي تركز حاليًا – إلى جانب زعزعة استقرار كوسوفو – على تعميق الانقسامات في البوسنة والهرسك، وتحقيق انفصال الكيان الصربي (جمهورية صربسكا) داخل حدود البوسنة السيادية، ناهيك عن دعم القوميين الصرب في الحكومة الائتلافية في الجبل الأسود بما يخالف السياسات الغربية هناك، ويمنعه من الاستقلال.

يستغل بوتين سعي فوتشيتش للمجد بأن يكون موحد “الأراضي الصربية”، لتحقيق أهداف روسيا الجيوسياسية. وكون الأول (فوتشيتش) مدينًا لروسيا بشكل دائم؛ لاعتراضها على دخول كوسوفو إلى الأمم المتحدة، يزداد اعتماد صربيا الاقتصادي على روسيا، لا سيما في قطاع الطاقة، بعد انضمامها إلى خط الغاز الجديد عبر بلغاريا وتركيا. بينما يعتمد بوتين على صربيا باعتبارها موقعًا روسيًا متقدمًا سُلِّحَ بطائرات حربية ودبابات وأنظمة مضادة للطائرات ونظام دفاع جوي أرض-جو قصير المدى Pantsir-S1s.

من جانب آخر يعمل “المركز الإنساني” الصربي-الروسي المجاور لحدود كوسوفو على جمع المعلومات الاستخباراتية لصالح روسيا، وتسهيل عملياتها الخاصة، في حين تقوم صربيا بتعميق علاقتها مع المنظمة المنافسة لحلف الناتو “الأمن المشترك” التي تترأسها روسيا.

وبهذه السرعة تكون صربيا رهينة لروسيا في البلقان، لدرجة عدم التسامح مع أي تحرك منها تجاه الانضمام للاتحاد الأوربي، والاستغناء عن فوتشيتش إن تم ذلك؛ فروسيا تسعى إلى إبقاء السيطرة عليه – فوتشيتش – من خلال دعم الكرملين للجماعات القومية المتنوعة، والتأثير الواسع في الفضاء المعلوماتي الصربي، والعلاقة العميقة مع الكنيسة الأرثوذكسية، واختراق والتجسس على أهم المؤسسات في صربيا.

وبالتالي يزداد النفوذ الروسي بما توفره صربيا من فرص قيمة لإشعال الصراعات المسلحة في منطقة البلقان المضطربة، والتعتيم على الحملات ضد المعارضة الروسية الداخلية، وبؤر صراع متورطة فيها. ففي وقت لاحق يمكن جذب فوتشيتش لمواجهة عسكرية مع أحد جيران صربيا والاستعانة بموسكو في ذلك، مع غياب الأهداف الواضحة للاتحاد الأوربي، وانشغال الولايات المتحدة بأزمات دولية أخرى تجعل الكرملين يفكر في التدخل العسكري مع قلة المخاطر التي يمكن الخوض فيها وفق حساباته.

رابط المقال الأصلي من هنا

“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى