الاصدارات

الذكاء الاصطناعي والأمن القومي

الملخص والتوصيات لاستراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي

كما أسلفنا في الجزء الأول لهذه المذكرة، يعتبر الذكاء الاصطناعي تقنية ذات إمكانات ثورية في جميع مجالات الحياة؛ فإن القدرة على نقل المهام التي كان يقوم بها الإنسان سابقًا وتحويلها لمهام تكون مسؤولة عنها الآلة، حتى في مجالات الحياة التي كان من الصعب تخيل كونها آلية، صارت لها تأثيرات بعيدة المدى. وعلى الرغم من أنه ما يزال من الصعب إجراء تقييم كامل لنطاق هذه الثورة وخصائصها، فإنه لا يمكن تجاهل الحاجة إلى الاستعداد لها وفهم الآثار بعيدة المدى التي تنطوي عليها؛ سواء بالنسبة لأولئك الذين نجحوا في تبنيها وإنزالها إلى الميدان، أو أولئك الذين تأخروا في ذلك.

تتمتع دولة إسرائيل في عام 2020 بميزة نسبية في مجال الذكاء الاصطناعي؛ تكمن هذه الميزة في كونها “دولة start-up” (أو دولة حيوية في مجال المبادرات والمشاريع)، بالإضافة للاستثمارات السابقة والحالية في العلوم والتكنولوجيا والبنية التحتية والتعليم، مما مكّن من نمو نظام بيئي يجمع بين الصناعة والأوساط الأكاديمية والعوامل الأمنية التي تدفع إلى الأمام من خلال التعاون والمعرفة والموارد البشرية.

في ضوء ذلك، قد يكون الذكاء الاصطناعي في السنوات القادمة عاملًا رئيسًا في الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي وتعزيزه، ويجب استغلال الإمكانات الحالية من خلال سياسات مناسبة وهادفة للإدارة المنظمة والاستثمار الكافي في هذا المجال. وغياب هذه الأمور يمكن أن يؤدي بإسرائيل إلى الإخفاق في إدارة علاقاتها بالدول الصديقة وحتى المعادية.

وعلاوة على ذلك، فإن المجال لا يخلو من التحديات التي تحتاج إلى الاستعداد للتعامل معها من أجل تقليل المخاطر والحفاظ على الفوائد وتنميتها، ولا ينبغي هنا التقليل من أهمية القضايا غير التنفيذية بالدرجة الأولى وذات الطبيعة “الأكثر مرونة”؛ مثل: الأسئلة الأخلاقية أو القانونية التي تتطلب التفكير، بحيث يكون لاستخدام التكنولوجيا تأثير إيجابي قدر الإمكان.

يشير ملخص هذا المقال إلى عدد من المجالات الرئيسة التي يجب على إسرائيل أن تعمل فيها؛ وأهمها: التنظيم؛ والميزانية لتمويل البحوث والبنية التحتية الوطنية؛ والأمان، والأخلاق والقانون، والتنظيم، ومشاركة المعرفة، والجوانب الدولية والدبلوماسية والاستخباراتية والتعاون، والموارد البشرية والتعليم والتدريب، بالإضافة للقضايا الساخنة؛ كقضايا البنية التحتية الوطنية والموارد البشرية.

وتستند التوصيات التي قدمتها إلى دراسة خلفية أجريت حول موضوع سياسة الذكاء الاصطناعي التي شكلت الأساس لعمل لجنة الخبراء التي قدمت المشورة بشأن هذه الدراسة، وعلى عمل اللجنة ومناقشاتها واستنتاجاتها.

التوصيات مقسمة إلى عدة مجالات، ويتعلق بعضها بأكثر من مجال، ولكنها ذُكِرت مرة واحدة فقط في مجال ذي صلة بها. وبالنسبة لبعض القضايا، هناك حاجة إلى ميزانيات عالية، وبعضها الآخر يتطلب بشكل أساسي اهتمامًا تنظيميًا وتعديلات للوضع الحالي، وبعضها يمكن تنفيذه حتى بميزانيات منخفضة في حين أن تأثيرها مرتفع. وتتناول السياسة الموصى بها بشكل أساسي الجوانب الضيقة و”الصعبة” نسبيًا للأمن القومي، على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي له تأثيرات قائمة ومحتملة في المجالات الأوسع أيضًا.

يجب التأكيد على أن التأخير في صياغة السياسات وإدارتها في هذا المجال سيضر بالأمن القومي لدولة إسرائيل، لا سيما بسبب سباق التسلح العدواني الذي يحدث في معظم الدول المتقدمة في العالم التي تعالج الذكاء الاصطناعي باعتباره عاملًا مضاعفًا للقوة. في ظل هذه الأوضاع، كلما شرعت إسرائيل في العمل في الميدان بطريقة منظمة وفقًا لخطوط سياسية واضحة تستند إلى البحث والمعرفة، زادت فرص أن تحافظ إسرائيل على فجوة إيجابية وربما حتى توسعها لصالحها.

المستوى التنظيمي:

  • يجب صياغة استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وإنشاء هيئة لإدارتها على المستوى الوطني.
  • هناك حاجة إلى برنامج ذكاء اصطناعي متعدد السنوات، مثل البرنامج الموجود في الإنترنت لتحليل المجال أفقيًا وعموديًّا، للعمل على صياغة سياسة وطنية لتخصيص الموارد واتخاذ القرارات المتعلقة بالبحث والتطوير والموارد البشرية وغيرها من القضايا.
  • من الضروري إنشاء نماذج هيكلية في نظام الدفاع بشكل عام وفي جيش الدفاع الإسرائيلي بشكل خاص، تجعل من الممكن مواكبة وتيرة التغيير المتزايدة في المجال التكنولوجي، وتسمح، من بين أمور أخرى، باستجابة ومرونة مع الأوضاع المتغيرة أكبر مما هو موجود حاليا.
  • يجب بناء مجمعات عمل مشتركة لمجتمع الدفاع وجيش الدفاع الإسرائيلي والصناعة والأوساط الأكاديمية – مع استغلال المزايا النسبية لكل منها وإتاحة المعلومات – داخل البنية التحتية للمجتمعات.
  • يجب العمل على إزالة العقبات التي تعترض الابتكار وريادة الأعمال في الحكومة؛ من أجل تسهيل الاندماج السريع واستيعاب التقنيات المتطورة في أنشطة الحكومة في المجالات الأمنية.

البحث والتطوير:

  • يجب التوصل لتركيبة من الذكاء الاصطناعي في المجالات التكنولوجية الأمنية التي تتمتع فيها إسرائيل بالفعل بميزة نسبية (مثل مجال الطائرات بدون طيار) من أجل إنتاج مضاعف للقوة.
  • من الضروري الاستثمار في البحث المتعمق في نظام الأمن القومي، وعدم الاعتماد على البحث الأكاديمي وحده؛ الذي غالبًا ما يظل في مستوى نظري بحت، ولا يوفر أو لا يتم إجراؤه في المجالات الضرورية للنظام. ومن الضروري توحيد نطاق البحث والتطوير المطلوب في كل مجال كما هو الحال في المجالات التكنولوجية الأخرى.
  • يجب إعطاء الأولوية لتمويل البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي في المجالات التي يمكن أن توفر ميزة دائمة، وتخفف المخاطر الرئيسية على “التطبيقات المتخصصة”.
  • يجب تعزيز التطورات الأمنية على أساس تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الحالية (باستخدام قدرة الاستخدام المزدوج) من أجل الاستفادة من التقدم في القطاع المدني، بل وتشجيعه.
  • يجب تطوير استراتيجية بيانات وطنية تعمل على تحسين الوصول إلى البيانات والبناء لاستخدام الهيئات الأمنية المختلفة، فضلًا عن ضمان حمايتها.
  • يجب تطوير مجال معالجة اللغات بالعبرية، بما في ذلك تطبيقات مثل ­تحويل النصوص إلى كلام وبالعكس، بالإضافة إلى البرمجة اللغوية؛ هذا لأن جهاز الدفاع، مثله مثل جميع مواطني الدولة، يعمل باللغة العبرية، واستخدام العبرية سيساعد في تقوية الصناعة المحلية في سياق الذكاء الاصطناعي.
  • يجب زيادة الاستثمارات في البحث والتطوير بين الإنسان والآلة لنظام الدفاع، حيث إنه على الرغم من الاستقلالية العالية للأنظمة، فإن عناصر التحكم البشري ستظل موجودة في المستقبل. وعند القيام بذلك، يوصى بإعطاء الأولوية للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي في المجالات التي تساعد الشخص بدلًا من المجالات التي تحل محل الأشخاص، حتى تثبت موثوقية وسلامة التكنولوجيا، وكذلك معالجة الجوانب الإدارية والقانونية.
  • يجب أن تستثمر مجتمعات الدفاع والاستخبارات في تطوير القدرات المضادة للذكاء الاصطناعي – الدفاع والهجوم.
  • يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحسين استخراج مواد معلوماتية معاصرة وتاريخية.
  • يركز مجال الذكاء الاصطناعي في نظام الدفاع الاسرائيلي اليوم تلى أجهزة المراقبة (القائمة على أنظمة الاستشعار) على عكس الأنظمة القائمة على قواعد البيانات التي لم يتم جمعها بواسطة أجهزة الاستشعار، ولكن بطرق أخرى. ومن الضروري ضبط التعامل مع المشكلات التي لا تكون قاعدة بياناتها حسية؛ خاصة فيما يتعلق باحتياجات الجوانب المعلوماتية.

الميزانية والتمويل والبنية التحتية الوطنية:

  • يجب تحقيق حل وطني لقضايا البنية التحتية (الأجهزة والاتصال بالإنترنت) وتخصيص ميزانية مستمرة له؛ لأن المجتمع الأمني​​، على عكس الصناعة المدنية، لديه احتياجات لا تسمح في كثير من الأحيان باستخدام البنية التحتية التجارية؛ بسبب تصنيف القضايا والقيود الأمنية الأخرى.
  • هناك حاجة إلى نموذج الميزانية الموجهة نحو الهدف الذي سيتم صياغته بمساعدة المجتمع الأمني​، وسيكون قادرًا على الاستفادة من المخرجات. ويجب اتخاذ قرارات بشأن المجالات التي ستستثمر فيها إسرائيل على المستوى الوطني والمناطق التي ليست في نطاقها من حيث الحجم والقدرات، حيث ينبغي استكشاف إمكانيات التعاون مع العوامل المدنية والإسرائيلية والدولية.
  • يجب تحديد مجالات البحث التي تتطلب تمويلًا في ميزانية الدفاع الحكومية في ضوء كونها فريدة من نوعها للأمن القومي، ونتيجة لذلك لن يتم تناولها بأي طريقة أخرى.
  • يجب مراعاة الجمع بين الآليات لتشجيع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي الذي يكون له تأثير إيجابي على الأمن القومي، كما يجب زيادة الإنفاق الحكومي على الذكاء الاصطناعي في المناطق المدنية التي ستحرك الاقتصاد في هذا المجال.

الموارد البشرية- التعليم والتدريب:

  • داخل المنظمات الأمنية المختلفة من الضروري فحص إدارة الموارد البشرية على مستوى المنظومة، بما في ذلك تحديد الأدوار والمعايير وتدريب المشتركين، ونقل العمال بين المنظمات، والحوافز والميزانيات للتوظيف والحفاظ على المواهب، حتى لا نخسرها لصالح الصناعة المدنية.
  • يجب أن يسعى نظام الدفاع (والصناعات) إلى الاندماج في التدريب الحالي في الميدان؛ خاصة في الأوساط الأكاديمية؛ من أجل تدريب الأفراد غير المهرة في المجال النظري فقط، وكذلك إنشاء أطر تدريبية خاصة أو مسابقات بالنيابة عنهم، وغيرها من الأطر التي تربط المواهب بنظام الدفاع.
  • يحتاج قطاع الدفاع إلى تدريب الأفراد غير التقنيين، بما في ذلك المستويات العليا؛ لمعرفة المجال، حدوده وقدراته، ولكي يكون أكثر مشاركة ونشاطًا في صنع القرار في هذا المجال.
  • الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا والرياضيات والهندسة، فضلًا عن مهارات حل المشكلات في البيئة الإلكترونية، والتركيز على التعليم في إعداد الطلاب لمستقبل يكون فيه الذكاء الاصطناعي عاملًا مؤثرًا على الصعيدين العسكري والمدني.

الأخلاق والتشريعات وإجراءات السلامة:

  • يجب إنشاء مؤسسات متخصصة لوضع المعايير والإشراف على السلامة في استخدام الذكاء الاصطناعي.
  • يجب أن نعمل على تطوير معايير ومبادئ السلامة والمسؤولية في استخدام الذكاء الاصطناعي في نظام الدفاع؛ بهدف التأثير على أنشطة العناصر المدنية أيضًا.
  • أن يتم تعريف مدونة الأخلاق لاستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل عام للأنظمة الأمنية؛ وخاصة في سياقات العلاقة بين الإنسان والآلة.
  • لأسباب تتعلق بالعدالة والأخلاق والسلامة والتكرار، يجب تحديد الأنظمة التي سيتم فيها أيضًا الحفاظ على الآليات البشرية للإشراف والرقابة.
  • من الضروري تحديد وتوحيد أنظمة الذكاء الاصطناعي للأغراض المتكاملة والسلامة والمناقشة المشتركة، من أجل تمكين عمليات أبسط وأكثر تنظيمًا من تلك الموجودة اليوم فيما يتعلق بالصناعات وعمليات التطوير والتنفيذ بشكل عام.
  • يجب فحص المعايير والعمليات التي تتم في مجال تصدير أنظمة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تصاريح التصدير الأمنية. ويجب اتخاذ قرارات، من ناحية تحافظ على مرونة الصناعة وقدرتها على العمل، ومن ناحية أخرى تسمح بفرض قيود على الصادرات التي قد تضر بأمن إسرائيل.
  • يجب في سياق البحث تحديد المعايير في مجال العلاقة بين الإنسان والآلة: طرق التواصل والمعاملات لأي مؤسسة أمنية ومكتب حكومي.

مشاركة المعرفة:

  • تعد مشاركة المعرفة في نظام الدفاع الإسرائيلي أمرًا ضروريًا؛ لذلك يجب إنشاء آليات بين مختلف المنظمات الأمنية، بحيث يتم تجنب ازدواجية العمل، وسد الفجوات بين المنظمات؛ فضلًا عن إيجاد حلول منسقة.
  • من الضروري تحديد معيار موحد لأدوار معينة؛ مثل مجال علم البيانات، في كل من المنظمات والوزارات ذات الصلة، ومنتدى دائم يسمح بمشاركة المعرفة بين المنظمات على مستويات العمل المختلفة.
  • يجب إنشاء آليات لمشاركة المعرفة على المستويات الدنيا من المهنيين في مختلف المنظمات، وعلى أساس النماذج المدنية (بقدر الإمكان فيما يتعلق بأمن المعلومات)، والتي تستخدم بالفعل اليوم كمصادر قوة في الصناعة المدنية.

الجوانب الدولية والدبلوماسية والاستخباراتية والتعاون:

  • من الضروري أن نتابع بانتظام، على المستوى الوطني، ما يحدث في المنظومة الدولية في مجالات الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات؛ من أجل الحفاظ على ميزة إسرائيل وتفوقها فيها، بما في ذلك كل ما يتعلق بالفن والمعايير.
  • يجب وضع خطة شاملة لقياس وتقييم ومتابعة تقدم قدرات مختلف اللاعبين (على المستويين المدني والوطني) في مجال الذكاء الاصطناعي؛ لمنع أي مفاجآت استراتيجية.
  • يجب بذل جهود لتعزيز البحث المشترك والتعاون المتبادل بين إسرائيل والدول الأخرى.
  • يجب على إسرائيل أن تشارك، بل وتقود تحالف دول في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل مجالات الاستخبارات أو الدفاع الجوي وفي مجالات أخرى.
  • يجب على إسرائيل الاندماج في المبادرات الدولية، بل وتقودها للحد من العوامل الجامحة التي تمنعها من تحقيق إنجازات في الميدان، سواء في المبادرات الأمنية أو في المبادرات المدنية.
  • يجب فحص تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إن وجدت؛ خصوصا التي يجب على الدولة أن تسعى للحد منها (تسعى جاهدة لتقييدها أو منعها)من خلال الفنون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

رابط المقال الأصلي من هنا

“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى