الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةترجمات

بِـعشرة طرقٍ تسعى روسيا للفوز بالحرب الدعائية

الكاتب: أمير طاهري: كاتب إيراني في جريدة الشرق الأوسط منذ1987. شغل رئيس تحرير صحيفة كيهان اليومية الإيرانيّة من 1972 إلى 1979. نشر أحد عشر كتابًا، في شؤن الشرق الأوسط والسياسات الدوليّة.

بعد الهجمة الغربية الجوية على النظام في سورية، يغيب عن الأذهان حقيقة أن كلا القوتين (الغربية وروسيا) تتصارعان في ساحة حرب دعائية. يتبنى بها الخصمان تكتيكات مختلفة لتحقيق أهدافهما. وتمثل خطة الحرب الروسية النموذج الكلاسيكي للتضليل (وتدعى بالروسي (disiniformazi) والتي تم تطويرها أثناء الحرب الباردة، من قبل متخصصين بالحرب الدعائية تابعين لجهاز المخابرات الروسية “KGB” تستهدفُ الخطّة التقليل من مصداقية الرواية الأمريكية بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري.

تنتشر الرواية الروسية على مجموعة ضخمة من الشبكات الإعلامية يسيطر عليها الكرملين، وتتمتع بنسبة متابعة عالية داخل روسيا الاتحادية وفي جميع أنحاء العالم. خُصِّص لهذه المهمة ما يقدَّر بنحو 60000 من جنود وسائل التواصل الاجتماعي- “المتصيِّدين”، بالمفهوم السلبي – مهمتهم تضخيم هذا المضمون في الفضاء الإلكتروني بأكثر من اثنتي عشرة لغة.

وتروِّج موسكو لعشر روايات أساسية:

الأولى: ببساطة، إنَّ الهجوم الكيميائي على (دوما بالقرب من دمشق) لم يحدث، وأن الصور والفيديو عبارة عن لقطات نشرت على الإنترنت، وأُنتجت من معارضي الأسد، وباستخدام ممثلين بما في ذلك الأطفال لمحاكاة وقوع كارثة. ولصعوبة تصديق هذا الادعاء تروِّج موسكو للرواية الثانية، والتي مفادها أننا: لسنا متأكدين من دقة حدوث هجوم وإن حصل، فالسؤال من وراء هذا الهجوم؟  

وعندما يتم التشكيك في هذا الادعاء أيضا، يتم طرح الرواية الثالثة: لماذا لا يتم إجراء تحقيق مستقل على الأرض في دوما؟ فبمجرد التذكير بأن روسيا قد قامت بالفعل باستخدام حق النقض الفيتو ضد التحقيق.

فإن خطة الكرملين تتحول إلى الطرح الرابع: أن الهجوم على قوات الأسد يمكن أن يؤدي إلى حرب أوسع وربما حتى حرب عالمية ثالثة. وبعبارة أخرى فإن الخيار الذي توجهه هو بين عدم القيام بأي شيء أو المخاطرة بالسِّلم والأمن العالمي. وفي الحقيقة إن العديد من الخيارات العسكرية والسياسية والاقتصادية، لا تزال قائمة بين الطرفين ويتم تسويتها تحت الطاولة.

الطرح الخامس: يتعلق بالموضوع السابق حيث أنَّ تدخل الديمقراطيات الغربية، لن يؤدي إلَّا إلى كارثة كما حدث في أفغانستان والعراق. وهذا تجاهلٌ لِـحقيقة أنّ عدم تدخل الغرب في سورية لم يحُلْ دون قتل أكثر من نصف مليون شخص، أي أكثر من ضعف عدد الذين ماتوا في التدخلات الغربية في أفغانستان والعراق.

 ومن ثم تحولت خطة الدعاية الروسية في طرحها السادس: إلى محاولات تجميل نظام الأسد، فيُقال أن بشار هو زعيم علماني يشكل عائق أمام المتعصبين دينيًاً، بالرغم من أن الدستور السوري الذي كتبه والده حافظ يعترف بالإسلام دين الدولة وأنّ النظام استخدم الطائفية كسلاح ضد معارضيه خلال السنوات السبع الماضية على الأقل.

الطرح السابع: هو أن الاختيار في سورية كان بين الأسد وداعش، وأن الأسد يستحق الدعم لأنه يقاتل الخلافة المزيفة. على عكس حقيقة أن قوات الأسد لم تقُمْ بأكثر من أربعة اشتباكات كبيرة مع تنظيم داعش، كان أكبرها في تدمُر والمناطق المحيطة بها. فقد عاش الأسد وداعش لسنوات جنباً إلى جنب، وكان جل اهتمام قوات الأسد محاربة معارضيه، وليس عناصر تنظيم الدولة. ولم تلعب روسيا والعناصر الإيرانية الرديفة أي دور في القضاء على داعش، الذي دمرته القوات الكردية السورية والعراقية والغربية منهيتًا سيطرة تنظيم الدولة على 90% من الأراضي التي سيطر عليها التنظيم في كلٍّ من سورية العراق.

 الطرح الثامن: هو أن الهجوم الغربي على الأهداف الموالية للأسد يمكن أن يضر بالقوات والمصالح الروسية في سورية، مما يجبر موسكو على الانتقام. لهذا السبب لدى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا آلية تسمى “قناة الاتصالات في حالات الطوارئ” (ECC)، والتي يمكن من خلالها التنسيق لأي إجراء يمكن أن يؤثر على أيٍّ منهما في سورية، واستخدمت هذه الآلية منذ عام تقريبًا عندما هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة الأسد الجوية بعد أن أعطت روسيا تحذيرًا لإخراج جنودها منها.

 والجدير بالذكر، أن روسيا لم ترد عندما أسقطت طائرتها المقاتلة من قبل تركيا، وكما لم تهرع موسكو إلى الحرب عندما أودى هجوم أمريكي بحياة العشرات من المرتزقة العسكريين الروس في سورية، بالرغم من شغف الرئيس الروسي بتَبَجُّحه، إلّا أنه لاعب يكره المخاطر ويتوقف عند مواجهة المصاعب.

الطرح التاسع: تم بناؤه، على أن لدى بوتين خطة لتحقيق الاستقرار في سورية، وهي في طور التنفيذ، مفادها: إن موسكو ستدفع الأسد بهدوء نحو التخلي عن الحكم مع مرور الوقت. وبالتالي يتم طرح التساؤل التالي: لماذا يتم التسخين لمهاجمة مصالح الأسد؟ وهذا يعني السماح للأمل بأن يطمس حقيقة سبع سنوات من الفظائع بما في ذلك 14 حالة من الهجمات الكيميائية على المدنيين من قوات الأسد.

  يتعلق الموضوع العاشر بالتاسع: حيث يدعي أن روسيا سوف تكبح الأسد وتجنبه من استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى. ولكن هذا هو بالضبط نفس الوعد الذي قدمته موسكو في عام 2013، بعد التأكيد على أن “جميع مخزونات الأسلحة الكيميائية ومرافق الإنتاج في سورية” قد دُمِرَت. في الوقت الذي كان فيه الرئيس باراك أوباما يصدق هذا الادعاء أو يتظاهر بذلك، كانت روسيا تُـشجِّع الأسد على تجاوز جميع “الخطوط الحمر” مراراً وتكراراً.

يعتقد جوزيف غوبلز وزير الدعاية زمن هتلر أن استراتيجية التضليل الجيدة، تهدف إلى تدمير الحقائق من خلال تقديم نسخ متعددة الوجوه من أي حدث. ويقول أنّ أي حقيقة ستتحول إلى قرص الفوار”hendi” يطفوا ذاتياً على السطح بعد إلقائه في الماء”. حيث يهدف الكرملين حالياً إلى تحويل “التضليل” أي نسخة الهجوم الكيميائي الأخير على دوما إلى “hendi“.

وقد حققت محولات “التضليل” بعض النجاح كما يتضح من معارضة جيريمي كوربين (رئيس حزب العمال في بريطانيا) في اتخاذ أي إجراء ضد الأسد، فيقول: “نحن ببساطة لا نملك كل الحقائق” ويريد “تحقيقًا مستقلاً” وقراراً من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يفوض أي إجراء. ويحذر نظير كوربون الفرنسي جان لوك ميلانشون من مخاطر “حرب أوسع” ربما حتى حرب عالمية ثالثة أي أن كلاهما يعني أنه من الأفضل عدم القيام بأي شيء، والمشكلة هي أن مثل هذا الموقف يمنح الأسد الضوء الأخضر للقيام بما كان يفعله منذ سبع سنوات.

رابط المقال الأصلي من هنا

لتحميل المقال المُترجم من هنا

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى