أخبارفعاليات

الورشة الحواريّة “طالبان: حركةٌ داخليّةٌ أفغانيّة، أم كيانٌ يؤسّسُ نظامًا إقليميًّا جديدًا؟)

عقَد مَركز برق لِلسياسات والاستشارات ورشة حواريّة تتعلّق بالشأنِ الأفغاني، بعنوان “طالبان: حركةٌ داخليّةٌ أفغانيّة، أم كيانٌ يؤسّسُ نظامًا إقليميًّا جديدًا؟) الأحد ١٢ أيلول/سبتمبر 2021، الساعة 5.30 مساءً في إسطنبول /تركيّا.

حاضَر في الورشة الدكتور- مِصباح الله عبد الباقي- رئيس جامعة السّلام في كابول، ورئيس مَركز الدّراسات الاستراتيجيّة والإقليميّة في أفغانستان، والدكتور- عبد الصّبور فَخري- رئيس جمعيّة الِإصلاح الأفغاني، دكتور اللّغة العربيّة في جامعة كابول.

أَدار الحوار أَ. صالح يوسف المدير التنفيذي لبرق، الذي افتتح الجلسة الأولى بالترحيب بالمحاضرين والضّيوف، وأوعزَ البدءَ بالمحور الأوّل للورشة (ظروف الخُروج الأمريكيّ، وتمدّد طالبان الميدانيّ حتّى استلام العاصمة كابول).

أكّد المُحاضِرَ خلال كلمته أنّ ظُروف خروج الولايات المتّحدة الأمريكيّة مِن أفغانستان كانَت تَحت ضغوطٍ عسكريّةٍ واقتصاديّة عَانت منها. جَعلها توقِّع مع طالبان اتفاقيّةً في الدّوحة ٢٩ شباط /فبراير ٢٠٢٠، تقضي انسحابَ الجيش الأمريكيّ من أفغانستان في غضون ١٤ شهر، وتشكيلَ حكومةٍ جديدةٍ بعد محادثاتٍ بين الأطراف الأفغانيّة.

عرقَل أشرف غنيّ الوصول إلى هذا الهدف، معوّلًا على تغييرٍ في السياسة الأميركيّة بوصول بايدن، خابت حساباته واقترب الانسحاب، ولم تتقدّم المحادثات التي لو حصلت بوجود أمريكا لتمكّن الأفغانيّون من تشكيلِ حكومةٍ شاملةٍ متوازنة.

هنا وُقّعت اتفاقيّة سريّة بين الولايات المتحدّة وطالبان برعايةِ دولةٍ خليجيّة، كانَ ضمنَ المعلن من بنودها تحييدَ الجّيش تمامًا، فسُلّمت مقرّات الجيش وعواصم أفغانستان لطالبان بِدون مقاومةٍ تُذكر، حيث أرادَت واشنطن إعادة أفغانستان إلى ما كانت عليه قبل ٢٠ سنة، فبهذا التسليم قضت على مؤسّسات الجيش الأفغانيّ والشرطة والاستخبارات التي كان قوامها ٣٠٠ ألفِ فرد.

إلى جانب ذلك، وعند خروجها عملتْ واشنطن على إعادة أفغانستان إلى المربّع الأوّل اقتصاديًّا، فجمّدت كلّ أرصدة المركزيّ الأفغانيّ المودعة في البنوك الأمريكيّة (١٠ مليار دولار تقريبًا)، وأوقفت المساعدات الأجنبيّة التي كانت تشكّل نحو ٧٠٪ من موازنة البلاد، إلى جانب تعطيل كلّ المشاريع الجاريَة، وأجلَت معها أكثر من ١٢٣ ألف موظّفٍ كبيرٍ ومتخصّص وفنّي أفغانيّ.

 تغيّرت إذًا الخطّة الأمريكّية في أفغانستان من عسكريّة إلى استخباراتيّة، ذلك لأنّ مصاريف الحرب كانت كبيرةً جدًّا، فأرادت واشنطن تحميل المصاريف لمنافسيها كالصّين وروسيا، كونهما متضرّرتان من حالة الانفلات الأمنيّ في المنطقة أكثر منها.

وتسعى الولايات المتحدّة من كلّ ذلك إلى تهيئة أفغانستان من جديدٍ كساحة تصفية حسابات، تعاني الفوضى واللانظام، وتَنشط فيها الجماعات المتطرّفة، لتكون بيئةً تستخدمها الاستخبارات لعرقلة الصّين وإثارة المشكلات في شينجيانغ وتسريب القلاقل إلى آسيا الوسطى وغيرها.

خُتِم المحورُ بتوصياتٍ، ركَّز مُجملُها على إمكانيّة إفشال تلكَ المخطّطات بخطوتين اثنتين:

  • ملءُ الفراغ الذي أحدثه الانسحابُ الأميركيّ المفاجئ، ذلك بأنْ تقوم الدّول المتضرّرة من حالة الفوضى واللانظام بتقديمِ مساعداتٍ لأفغانستان.
  • التزام حركة طالبان بتغييرِ سلوكها، وسياساتها لاستيعابِ كلّ الأطياف الأفغانية.

المحور الثاني من الورشة حَمل عنوان “بعد سيطرتها على بنجشير، وتشكيل طالبان حكومتها، ما هيَ تحديّات الاستقرار السياسيّ والاجتماعيّ الأفغانيّ وارتدادُه على الإقليم؟”.

قدّم المُحاضِر في بداية المحور عرضًا موجزًا عن أهم التحدّيات التي ستواجه طالبان في المرحلة القادمة، كان أهمّها:

  • إمكانيّة عودة الحرب ضدّها من قِبل بقايا الحكومة السابقة والأحزاب المعارضة لها، خاصّة المجموعات التي هربت بأسلحتها من المدن إلى الأماكن البعيدة فورَ وصول طالبان، ومجموعات مقاوِمة في بنجشير، وكذلك مجموعاتٍ تتبع عبد الرّشيد دوستم وعطا محمّد نور.
  • تحريض جمعياتٍ نسائيّة أفغانيّة في كابول وغيرِها على التظاهُر، لاستفزاز طالبان وجرّها لقمع المظاهرات بالعنف، بالتالي إثارة الرأي العام الدوليّ ضدّ الحركة.
  • قلّة الكوادر المُختصّة لدى طالبان، حيث لا يتجاوز أفرادُ الحركة ٨٠ ألفًا، بينَما كانت كوادرُ الحكومة السّابقة تصل إلى ٣٠٠ ألف فردٍ فقط في مؤسّسات الجيش والشرطة والاستخبارات قبل أن يغادرَ بعضهم البلاد ويُسرّح قسمٌ آخر منهم.
  • إمكانيّة ظهور داعش والقاعدة والجماعات المتشدّدة بمساعدة الدول الغربيّة، خاصّةً في المناطق القريبة من الصّين وطاجيكستان وأوزبكستان، التي ستبقى فارغةً أمام أنشطةِ التطرّف بسبب انشغال طالبان في أمور الحكم وعدم قدرتها على السّيطرة على الحدود والأماكن البعيدة.
  • انتشار الفقر والبؤس بين السّكان، وعدم شعور طالبان بالمسؤوليّة لتوفير العمل وسُبل العيش لهم، كلّ ذلك سيؤدي إلى موجات هجرةٍ واسعة، ويسبّب انتشار المخدّرات والفساد والسّرقات وارتفاع معدّلات الجريمة.
  • إمكانية انتشار الخلافات بين حكّام البلاد الحاليّين، وبالفعل ظهرَ بعضُها في الأيام القليلة الماضية، حيث وقَعت بعض المناوشات القتاليّة.
  • التدخّل الدوليّ في الشأن الأفغانيّ خصّيصى من الدّول المجاورة والمتداخلة مع البلاد بامتداداتٍ عرقيةٍ مثل طاجيكستان وأوزبكستان وباكستان وإيران، بعضها بدأ بتمويلِ جماعاتٍ متربطةٍ بها، ممّا يهدّد بعودة القتال الداخلي في أفغانستان من جديد.
  • الاعتراف الدوليّ: لا يوجد حتى الآن نيّة لدى معظم الدّول للاعترافِ بطالبان، بما فيها الولايات المتحدة التي أجاب رئيسُها عند سؤاله عن ذلك “بيننا وبين الاعترافِ بهم طريقٌ بعيد”.
  • الدّستور: لا تعترف حركة طالبان بالدّستور الحاليّ، وهم يعتمدون في حكمهم على أذواقهم، الأمر الذي سيثير الكثير من المشكلات في البلاد.
  • الإعلام وحريّة التعبير: قمعت طالبان مظاهراتٍ نسائيّة خرجتْ في كَابول وغيرها من المناطق، وأصدرت قراراتٍ تمنع بموجبها التّظاهر إلا بعد الحصول على تصريحٍ من الدّاخلية.
  • قيام طالبان بانتهاكاتٍ ضدّ مدنيين عُزّل وتهجيرهم في بنجشير، ما سيؤدّي إلى إثارة نقمة السكّان وبالتالي المزيد من الاضطرابات.

انتهت بذلك الجلسة الأولى للورشة، ليعلن أ. صالح يوسف مدير الحوار استراحةً قصيرة، عاد بعدها المحاضرون  لفتح حوارٍ موسّعٍ مع الضّيوف أثرى الورشة. تخلّلته مداخلةٌ للدّكتور نبيل الفولي عضو هيئة خبراء برق، أكّد فيها أن حلّ مشكلة أفغانستان يَكمن في إسكاتِ صوتِ السّلاح، وهذا لا يكون إلا بدورانِ عجلةِ الدّولة، عندها ستذوب الحركة مع المجتمع، الأمر الذي يُحتِّم على جميعِ الأطراف وعلى رأسهم طالبان، السعي لمصالحةٍ وطنيّةٍ شاملةٍ في البلاد.

بدوره أكّد أ. بشير كفاح رئيس مركز برق أن خير من يتحدّث عن الشأن الأفغانيّ هم أبناء البلادِ أصحابُ الوجعِ الحقيقيّ الذينَ قاوموا الاحتلال، ولا يزالون يجهَدون لبناء الدّولة، ووجّه الشكرَ للمحاضرين والضّيوف.

كما أعلن أ. بشير توقيعَ مذكّرة تفاهم بين مركز برق لِلسّياسات والاستشارات، ومركز الدّراسات الاستِراتيجيّة والإقليميّة في أفغانستان. وكذلك انضمامَ أ. د. قيس محمد النوري أمين عام بيت الحكمة في العراق، والسفير السابق في وزارة الخارجيّة العراقيّة قبل الاحتلال، إلى هيئة خبراء برق، الذي لخّص في نقاطٍ معظمَ ما دارَ خلال الحوار، منها:

  • اتفاق الدوحة لم يرشح عَنه الكثير، وما أُعلن أقلّ بكثير مما هو مخفيّ.
  • في حالة اتّفاق الولايات المتحدة وطالبان على تحييد الجيش وما نَتج عنه من تبخُّر ٣٥٠ ألف جنديّ مسلّح، وتسهيل استلام طالبان السّلطة، هناك سابقةٌ أمريكيّة عام ١٩٧٩، عندما جِيءَ بخميني وحُيّد الجيش الإيرانيّ بعد لقاءٍ جمع رئيس أركان الجيش الأمريكي وعددٍ من الجنرالات الإيرانيّين بدون علم الشّاه وقتها، وتمّ تسليم خميني كما حصل في الحالة الأفغانيّة مع طالبان.
  • علاقة إيران مع طالبان: الظّاهر هو حالة صِدام بين الطرفين، لكن الواقع يقول العكس، ذلك لأنّ إيران نظام فارسيّ عنصريّ يستخدم النّموذج المشوّه من الدّين.
  • ما حصل في أفغانستان تسونامي جيوسياسيّ سيكون له نتائج سلبيّة أو إيجابيّة على الإقليم.
  • طالبان لن تنزع جلدها، فهي حركةٌ فكريّة وليست حركة سياسيّة، ولن تتخلّى عن ثوابتها حتّى لو تراجعتْ عن بعض التفاصيل.

هنا اختَتم أ. صالح يوسف مدير الحوار الورشة، وكُرّم المُحاضِران بدروعِ الشّكر، ولجنةُ التنظيم من فريق برق ومتطوعين بشهادات التقدير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى