الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةمشاهد

النفوذ الإماراتي المتنامي في اليمن

كان القرار الإماراتي بالمشاركة في التحالف العربي وعاصفة الحزم الذي تقوده المملكة العربية السعودية عام 2014 لمواجهة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي؛ بوابة الدخول إلى تطبيق استراتيجية تحقق مصالح طويلة الأمد لأبو ظبي انطلاقاً من بحر العرب مروراً بخليج عدن ومضيق باب المندب وصولاً إلى القارة الإفريقية. وكان التحالف مع السعودية في عاصفة الحزم هو المسار الأمثل لذلك. وبناء على هذا التوجه فقد تمكنت الإمارات خلال فترة خمس سنوات تقريباً من بناء نفوذ قوي لها في اليمن على مختلف الأصعدة العسكرية والمدنية والسياسية والأمنية والاقتصادية وشكّل هذا النمو جسراً لتمرير مصالحها نحو إفريقيا -على سبيل المثال- في إرتيريا والصومال.

أثار النهج الذي تتبعه الإمارات في اليمن النقاشات حول طبيعة هذا الدور الفاعل في مسار القضية اليمنية ومستقبله، خصوصاً بعد تعذر استمرار العملية السياسية لحل الأزمة، رغم الجهود الأممية المبذولة، بعد أن قامت ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران برفع مستوى التهديد والتصعيد ليصبح عابراً للحدود وقادراً على استهداف العمق الخليجي، وتهديد المصالح الإماراتية والنفوذ المتنامي لها في اليمن؛ لذلك تسود الشكوك حول استطاعة الإمارات حماية مصالحها طويلة الأمد في البلاد والحفاظ على المسار الاستراتيجي الذي مكنها من الدخول إلى عمق القارة الإفريقية وتحقيق مكاسب عديدة.

من جهة أخرى، تحاول أبو ظبي الوصول إلى مستوى عال في إدارة شبكة نفوذها المتشعبة في البلاد على الرغم من وجود تباين بين سياستها وبين مواقف الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقد ظهر ذلك في الخلاف الذي حصل بقضية جزيرة سقطرى، التي اعتبرت من أكثر الملفات الشائكة بين الطرفين ما أدى إلى تدخل المملكة العربية السعودية لحل هذا الخلاف، وأوضح أن السياسة الإماراتية في اليمن كانت لا تهدف بشكل أساسي دعم الرئيس اليمني بل تحقيق غايات أخرى عبر المشاركة بعاصفة الحزم، فأصبح من الصعب الموازنة بين توجه الإمارات للحفاظ على مصالحها ودعمها للشرعية اليمنية، وهو التحدي الأهم الذي باتت تواجهه أبو ظبي.

النفوذ الأمني والعسكري

عملت أبو ظبي على تكثيف نشاطها الأمني في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الشرعية اليمنية، بهدف ملاحقة الخلايا والعناصر الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وكذلك تنظيم الدولة، بالإضافة إلى اعتقال واحتجاز بعض الشخصيات الفاعلة في الساحة اليمنية التي تحول دون تمرير المصالح الإماراتية خصوصاً في تعز وعدن ومحيطها والمكلا الواقعة في الساحل الجنوبي الأوسط لليمن. وعليه فقد دعمت تجهيز وبناء معتقلات احتجاز سرية أثارت انتقادات حادة لدى الأوساط الدولية وطالتها اتهامات بالإشراف على تنفيذ انتهاكات لحقوق الإنسان في تلك السجون التي تقع ضمن مواقع عسكرية منها([1]):

  1. مطار الريان في مدينة المكلا.
  2. مجمع عسكري في مدينة لحج.
  3. مقر الشرطة في منطقة الخور بمدينة المكلا.
  4. سجن مجمع القصور في المكلا.
  5. قاعدة عسكرية في جزيرة بريم المطلة على البحر الأحمر.
  6. مبنى سابق للحكومة اليمنية في مدينة الشعب شمال غرب عدن.
  7. ثلاثة سجون سرية في مقر قيادة التحالف في البريقة.

أما عن النفوذ العسكري الإماراتي فقد تم دعم عدة كتائب ومجموعات مسلحة يمنية ساندت القوات النظامية لحكومة الشرعية في المعارك ضد ميليشيات الحوثي وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، وساهمت في نفس الوقت بتثبيت مصالح الإمارات ومنها:

كتائب أبو العباس “حماة العقيدة”

في مدينة تعز دعم التحالف العربي بشكل علني عام 2015 كتائب أبو الفضل العباس “حماة العقيدة” التي تمكنت من صد هجمات مليشيات الحوثي المتتابعة للسيطرة على المنطقة ذات الطبيعة الجبلية والوعرة. وكان قائد المجموعة “أبو العباس” لا يخفي تلقيه الدعم المالي واللوجستي من قبل الإمارات والسعودية، وقد نما نفوذ كتائبه في مدينة تعز وسيطرت على مفاصل الدولة ووقعت بينها وبين قوات الجيش الوطني عدة اشتباكات عام 2017، حيث كانت تسعى إلى إنشاء إمارة إسلامية لأنها تتبنى الأدبيات السلفية الجهادية. لذلك قاد سلوك أبو العباس المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لإدراج “حماة العقيدة” على قوائم الإرهاب لينتهي دورها تدريجياً.

قوات جزيرة سقطرى

قامت أبو ظبي بإنشاء معسكرات تدريبية لشباب جزيرة سقطرى اليمنية ليتم تجهيزهم كقوات أمنية وأجهزة شرطة مدنية وخفر سواحل، وقد تم في 2017 “الاحتفال بتخريج دورة عسكرية خضع أفرادها لتدريبات مكثفة في مختلف التخصصات وذلك تحت إشراف وتدريب دولة الإمارات للمساهمة في تأمين شواطئ الجزيرة وتدريبات في مهارات الميدان والمعركة واستخدام مختلف الأسلحة والأمن الداخلي”.

من جهة أخرى دعمت الإمارات إنشاء كتائب “حماة سقطرى” البالغ عدد أفرادها حوالي 700 عنصر تم تدريبهم في الأراضي الإماراتية في أواسط 2016([2]). وتزويدهم بآليات ومعدات عسكرية ومركبات. للمساهمة بدعم الاستقرار في الجزيرة.

قوات الحزام الأمني في عدن

أثار دورها الجدل وأحدث موجة كبيرة من الاستقطاب بينها وبين الحكومة اليمنية وخصوصاً حزب الإصلاح اليمني. تم تشكيل هذه القوات بدعم من السعودية والإمارات عام 2016، بعد استيلاء قوات الشرعية على محافظة عدن، واستدعى الفراغ الأمني الحاصل في العاصمة المؤقتة للشرعية اليمنية الحاجة إلى تشكيل جهاز أمني لضبط الحالة الميدانية وملاحقة الخلايا الحوثية والعناصر الإرهابية النشطة في المحافظة.

لكن بعد مرور فترة قصيرة على عملها بدأت قوات الحزام الأمني بالتفرد بقراراتها بعيداً عن سلطة الحكومة اليمنية الشرعية وأصبحت تقوم بشن عمليات مداهمة واعتقالات غير مصرح بها وأنشأت مقرات خاصة للاعتقال والتحقيق. ووسعت نطاق نفوذها خارج مدينة عدن ليصل إلى مدينتي لحج وأبين، وحاولت السيطرة عام 2017 على مطار عدن الدولي واشتبكت بمعركة –يشاع أن طائرات أباتشي إماراتية ساندت الحزام الأمني بالقصف([3])– مع قوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي وطردتها من المطار. بالإضافة إلى تنفيذها حملات اعتقال ومداهمة في أواخر 2017، “لمقرات حزب التجمع اليمني للإصلاح، واعتقلت عدداً من قادته”.

النفوذ الاقتصادي في جزيرة سقطرى

تطل الجزيرة على المحيط الهندي، وشواطئها الغربية تشرف على الصومال لذلك تمتلك أهمية استراتيجية اقتصادية كبيرة لقربها من القارة الإفريقية، “وتبعد عن سواحل حضرموت حوالي 350 كيلومتراً جنوباً، وهي عبارة عن أرخبيل مكوّن من ست جزر (سقطرى وهي أكبرها، إضافة إلى درسة وسمحة وعبد الكوري وصيال عبد الكوري وصيال سقطرى). وعاصمة الجزيرة حديبو”.

عام 2015 كان بداية البناء الفعلي للنفوذ الإماراتي في الجزيرة عندما قامت باستجابة إنسانية وإغاثية عاجلة للمتضررين من إعصاري “تشبالا” و”ميغ” اللذين ضربا سواحل الجزيرة ما أدى لحدوث أضرار كبيرة، وتم إيفاد ضباط ومسؤولين إماراتيين لإدارة الاستجابة الإنسانية لأبو ظبي في الجزيرة.

بعد مرور أكثر من عام كشفت عدة مصادر عن وثائق، تفيد بأن “رجال أعمال إماراتيون قاموا بشراء مساحات واسعة من ملاك يمنيين لأراضي جزيرة سقطرى، على الرغم من قرار حكومة الوفاق اليمنية الصادر عام 2013 والذي قضى بإلغاء جميع عقود البيع أو التأجير لسواحل محافظة سقطرى الصادرة عن أي جهة، وبررت ذلك بكون الأرخبيل يعد محمية طبيعية“”. وهو ما أشعل فتيل الخلاف بين الحكومة الشرعية وأبو ظبي.

واتخذت الحكومة الشرعية موقفاً مناهضاً للتوجه الإماراتي، وقامت بعثة اليمن في الأمم المتحدة برفع شكوى إليها تفيد بأن “الوجود العسكري الإماراتي في جزيرة سقطرى غير مبرر، وأن القوات الإماراتية سيطرت على مطار سقطرى وعلى الميناء البحري في المحافظة، وأبلغت الموظفين العاملين في المطار والميناء بأن عليهم المغادرة حتى إشعار آخر”.

بالمقابل وعند ارتفاع حدة التباين بين الجانبين تدخلت المملكة العربية السعودية لتخفيف التصعيد اللفظي بينهما عبر إجراء مباحثات أفضت إلى التوصل لاتفاق يقضي بسحب القوات الإماراتية خارج مطار وميناء سقطرى.

بالرغم من ذلك كشفت قضية الجزيرة وجود نفوذ اقتصادي متنامٍ لأبو ظبي فيها، وأيضاً في مدن أخرى كالعاصمة المؤقتة عدن ومدينة المكلا سواء بشكليه الناعم أو الخشن.

بالتالي فإن سلوك أبو ظبي وسياستها في اليمن يثير التساؤل حول كيفية إحداث موازنة وتناسب بين المصالح الإماراتية وإنهاء الأزمة اليمنية خصوصاً في ظل وجود تباين بملفات معينة مع الحكومة الشرعية؟ وماهو مستقبل ومصير هذا النفوذ إلى جانب تقاطع مصالح الدول الفاعلة بالملف اليمني كالسعودية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بمنطقة حيوية وبوابة جيوسياسية للانتقال من قارة آسيا إلى إفريقيا؟

([1])  “In Yemen’s secret prisons, UAE tortures and US interrogates”. Associated Press, 22-6-2017. https://bit.ly/2sU7pqE

      ” Detainees held without charges decry Emiratis’ sexual abuses”. Associated Press, 21-6-2018. https://bit.ly/2ll8gf2

([2]) “تخرج الدفعة الأولى من حماة سقطرى المدربة اماراتيا ( صور)”. عدن تايم، 21-5-2016. https://bit.ly/2IXQlqa

     “الجزيرة المنهوبة [1/ 3]… القبلية والأمن أداتا الإمارات لإحكام السيطرة على سقطرى”. العربي الجديد، 12-12-2017. https://bit.ly/2N1ZLGB

([3]) “اليمن: هادي يسحب قواته من مطار عدن إثر اشتباكات مع «الحزام الأمني» بعد اجبار طائرته على الهبوط في سقطرى”. القدس العربي، 13-2-2017. https://bit.ly/2Y1hajF

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى