الاصداراتتقارير جديدمتفرقات 1

الثورة السورية: امتحان بشار أم وهن الموقف الأمريكي

 0002
كانت سوريا ولا تزال محط اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية نظرا للمكانة الجيوستراتيجية والجيوساسية التي تميزها في منطقة الشرق الأوسط، وقد اهتمت مراكز البحث بالنظام السوري منذ حكم الأسد الأب وتجدد هذا الاهتمام مع وصول الابن إلى السلطة. وقد أكد أصحاب القرار في الولايات المتحدة على الخلافات داخل مجتمع السياسة الأمريكية حول الأسلوب الأمثل للتعامل مع سوريا وقد طرح هذا الوضع الأسئلة الأساسية حول الاتجاه الملائم للسياسة الأمريكية إزاء سوريا. كان هذا الإشكال مطروحا قبل قيام ثورات الربيع العري ووصوله إلى سوريا مما جعل الأمر يزداد تعقيدا ويتحمل أعباء هذا التعقيد الشعب السوري ويدفع ثمنه باهظاً كما هو حاصل الآن وتبعاته في مستقبل سوريا على مدى بعيد.
ماهو المسار الأمثل لتغيير السلوكيات الإشكالية السورية؟ هل ينبغي على واشنطن السعي في الضغط البطيء على دمشق؟ ماهي احتمالات أن يحدث هذا المسار تغييرات مهمة في السلوك السوري؟ أم ينبغي أن توضع سوريا في الفئة ذاتها التي كانت قد وضعت فيها أفغانستان في ظل حكم الطالبان والعراق في عهد صدام حسين (الدولتان اللتان كان الأسلوب الوحيد لوقف سياستهما الخطرة يمر عبر التغيير العسكري للنظام). وإذا كان الأمر كذلك فكيف ينبغي تغيير النظام في حالة سوريا وما نوع البنى السياسية التي قد تحل محل النظام الحالي؟ أم تستطيع الولايات المتحدة حمل سوريا على تغيير سلوكياتها من خلال استخدام العصا والجزر الذي اتبع سابقا مع ليبيا؟ وإذا كان الأمر كذلك فما جدوى رزمة فعالة من الحوافز والمثبطات وما مقدار التغير في السلوك السوري الذي يمكن أن تحدثه تلك الرزمة؟ بطبيعة الحال كل هذه الأسئلة بدأ طرحها وتداولها منذ سنوات مضت.

  • قام بعرض الكتاب الإعلامي عمر عدس بجريد الخليج العدد 9518 وما تلاه بتاريخ 10 جوان 2005. الإمارات العربية المتحدة.
  • عنوان الكتاب باللغة الانجليزية: Inhering Syria: Bashar Trial’s By Fire.  ، فلاينت ليفريت، مركز سايان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمهد بروكنجز، واشنطن.

كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تحدد أجندة طموحة نحو سوريا لكن هذه الأجندة تغيرت حيث أصبحت تتضمن منع سوريا من التدخل في أهداف أمريكا في العراق وإنهاء دعمها لما تسميه الجماعات الإرهابية الفلسطينية وحزب الله اللبناني وتعزيز اللبرالية الاقتصادية السياسية في الشرق الأوسط الكبير وهو سبب منطقي يجعل أمريكا تشجع الإصلاح في سوريا دون إشعال فتيل الاضطرابات الاجتماعية من اجل تقليل احتمالات تحول سوريا إلى مصدر “للاسلاموية ” العسكرية ، لعل هذا الخوف هو الذي جعل الموقف الأمريكي من الثورة السورية موقفا غامضا وغير مفهوم لدى الدارسين والمحللين.
بالرغم من أهمية هذه الأهداف فشلت أمريكا في تطوير سياسة أصيلة نحو سوريا إذا كان المقصود بكلمة ” سياسة ” سلسلة متكاملة من الموقف العامة والمبادرات الدبلوماسية والإجراءات الأخرى كاستخدام القوة أو التهديد باستخدامها سواء كان ذلك سرا أو علانية وكذلك في إطار استراتيجية لإقناع سوريا بتغيير سلوكياتها المشكلة (لكن ذلك يتطلب من الإدارة الأمريكية حل خلافاتها الداخلية بشأن سياستها نحو سوريا مما يجعل موقفها ملتبسا وغير فعال.
تفتقر الإدارة الأمريكية إلى سياسة جادة نحو سوريا ، فعلى مدى عقد من الزمن ومنذ مؤتمر مدريد 1991 وحتى سنة 2000 ظلت الإدارة الأمريكية المتعاقبة تفكر بإشراك سوريا في سياق مسار عملية السلام  العربية – الإسرائيلية ، وفي هذا المناخ كان يتعين تبديد الخلافات الثنائية كجزء من تسوية سلمية بين “إسرائيل” وسوريا وفي هذه الحال لن يكون لسوريا حاجة إلى العلاقات مع الطرف الفلسطيني وإنها ستقطع علاقاتها بهم وتنزع سلاح مقاتلي حزب الله في جنوب لبنان وبالمثل ستوضع برامج أسلحة الدمار الشامل السورية في سياق اقل تهديدا وأكثر قابلية للحل لكن هذه المعاهدة التي عمل الوسطاء الأمريكيون جاهدين لتسهيلها لم تخرج إلى حيز الوجود وقد توقفت أسس النهج الأمريكي إزاء المسار السوري خلال فترة وجيزة مع انهيار المسار السوري وانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان ووفاة حافظ الأسد واندلاع انتفاضة الأقصى.
نتيجة لهذه الأحداث جاءت إدارة بوش إلى السلطة دون إطار عملي موروث لسياسة نحو سوريا ومع دخوله الفترة الرئاسية الثانية ما تزال الولايات المتحدة تفتقر إلى إطار للتعامل بفاعلية مع سوريا ومن هنا فان إدارة بوش لم تحرز سوى القليل من النجاح في جعل سوريا تعدل سلوكياتها المشكلة أو في زرع علاقة بناءة على نحو أكيد مع نظام الأسد، هذا الفراغ في السياسة يؤذي المصالح الأمريكية ويحتاج إلى إصلاح إذا كانت الإدارة ترغب في صياغة إستراتيجية أكثر تماسكا للحرب على الإرهاب ولتنفيذ أجندتها في الشرق الأوسط. إذا لم تكن الولايات المتحدة تهتم بشكل النظام استبداديا كان أم ديمقراطيا ولا تهتم بمسالة حقوق الإنسان إلا عرضا وكان الإشكال الوحيد هو البحث عن الشكل الأمثل لسياسة أمريكية إزاء سوريا تضمن تحقيق أهدافها التي ذكرناها آنفا.
للإجابة عن هذا السؤال أو لحل هذا الإشكال يطرح المؤلف أربعة خيارات إستراتيجية بديلة لسياسة أمريكية نحو سوريا ويحاول توضيح كل خيار من هذه الخيارات ويبين مدى قابليته للتحقق. هذه الخيارات هي: زيادة العقوبات وأشكال الضغط الأخرى، ممارسة تغيير قسري للنظام، إعادة المسار السوري لعملية السلام في الشرق الأوسط ، التعامل الشرطي مع نظام الأسد خارج إطار عملية السلام.
غير أن التوافق بين أوساط نخبة السياسة الخارجية حول هذه الخيارات غير متوفر إذ أن لكل من هذه الخيارات سجله التاريخي الخاص في السياسة الأمريكية، كما أن كل خيار لوحده لا يخدم جميع الأغراض ففي بعض المواقف كما في أفغانستان قد يكون استخدام القوة مما لا يمكن اجتنابه ومن ثم فهو مبرر بصفة مطلقة ولكن من غير الواضح أبدا أن إطاحة نظام الأسد هو السبيل الوحيد لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية.
وعلاوة على ذلك فان الالتزامات نحو العراق تجعل امتلاك الولايات المتحدة خيار إطلاق عملية حرية سوريا في وقت قريب أمر مشكوك فيه فعلى الرغم من تمتعها بوضعية القوة العظمى إلا أنها لا تملك الموارد المادية أو السياسية اللازمة لحل خلافاتها مع كل الدول المثيرة للمشكلات في العالم بهذه الطريقة في إطار زمني ذي معنى. كما أنها من الناحيتين اللوجستية والعملياتية يعاني الجيش الأمريكي من إجهاد شديد تزايد بسبب المتطلبات في أفغانستان والعراق ووزارة الدفاع الأمريكية غير قادرة الآن على أن تدفع إلى الميدان بقوات تكفي لإتمام المهمة هناك والوفاء بالتزاماتها في بقع ساخنة أخرى مثل شبه الجزيرة الكورية.
الولايات المتحدة لا تملك المقومات العسكرية الكافية لشن سلسلة موسعة من الحملات للإطاحة بالأنظمة المثيرة للمتاعب في أرجاء الشرق الأوسط الكبير. ومن الناحية السياسية من المشكوك فيه أن الولايات المتحدة تستطيع المحافظة على الشرعية الدولية لحرب عالمية على الإرهاب في غياب البدائل الاستراتيجية لتغيير الأنظمة ألقسري ففي أعقاب الحادي عشر من سبتمبر حظيت بدعم المجتمع الدولي لحملة عسكرية للإطاحة بنظام طالبان والقيام بأعمال أخرى للقضاء على خطر شن هجمات أخرى من قبل القاعدة وبتحويل تركيزها نحو العراق فقدت الإدارة الأمريكية قدرا مهما من ذلك الدعم.
كما أن الولايات المتحدة تخشى من حدوث رد فعل شعبي في العالم العربي والإسلامي ضدها إذا ما لجأت إلى التغيير ألقسري في سوريا كما تخشى من مخاطر حدوث صعوبات تعقب الصراع على نطاق شبيه بما تواجهه قواتها في العراق ، فالمجتمع السوري  لا يقل تعقيدا عن المجتمع العراقي وهو ذو ميول شبيهة نحو التشرذم على أسس عرقية وطائفية لذلك فأمام الحكومة الأمريكية طريق طويل يجب أن تقطعه قبل أن تصبح واثقة من قدرتها على توقع المصاعب التي يحتمل حدوثها في مثل تلك البيئات التي تشكل تحديا لقدرة الولايات المتحدة على التخطيط بفاعلية لنشر الاستقرار في مرحلة مابعد التغيير.
ونظرا إلى المشاكل التي ترافق ممارسة التغيير القسري في سوريا من خلال عمل عسكري مباشر اقترح البعض الاعتماد على عناصر المعارضة الخارجية لإقصاء نظام الأسد وقد قامت مجموعة من المشرعين بإعداد ما يسمى ( تشريع تحرير سوريا ولبنان ) على نحو ما حصل مع العراق من أجل تشجيع تلك الإستراتيجية غير أن المعارضة السورية في الخارج توصف بأنها فضفاضة تتألف من شخصيات منفية من الإخوان المسلمين والعلمانيين في بقاع مختلفة من أرويا ، وفي سنة 2002 أنشأ ناشط سوري أمريكي ( فريد القادري ) حزب إصلاح سوريا وطرحه باعتباره نواة لمعارضة خارجية للنظام السوري أكثر حيوية.
لكن من الناحية التاريخية فان لإستراتيجية الاعتماد على المعارضة الخارجية لإحداث التغيير في الأنظمة الاستبدادية سجلا من الفشل يمكن أن تسترشد به السياسة الأمريكية فلم تستغل أعمال المنفيين الكوبيين المقيمين في “مايامي” سوى القليل جدا لتحسين الوضع السياسي في كوبا أو في حياة الكوبيين العاديين ولم تنجح هذه الإستراتيجية في العراق أيضا وكان التدخل المباشر لازما لتحقيق ذلك الهدف. كما أن الإفراط في الاعتماد على المنفيين العائدين منذ سقوط صدام حسين أحد العوامل التي مهدت الفشل الاستراتيجي للولايات المتحدة في العراق وبالمثل ستبدو حركة معارضة المغتربين السوريين أساسا غير ملائم لتغيير البيئة السياسية داخل سوريا وليس هناك من دليل على أن المعارضين المنفيين من العلمانيين لهم أتباع كثر داخل سوريا فالناشطون في مجال المجتمع المدني يتجنبون الارتباط مع المنفيين ويؤثرون عدم وضع موقعهم داخل سوريا موضع تساؤل والاستثناء من ذلك حزب “بكتيا الكردي ” الذي أقام صلة مع حزب ” إصلاح سوريا ” ولكن مخاطر ما يترتب عن الطموحات الكردية في المنطقة في بيئة سياسية غير مستقرة ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون في غاية الحذر منه قبل المراهنة على الورقة الكردية في سوريا وعلى المدى القريب.
كما أن هذا المنهج من شأنه أن يعقد علاقات أمريكا مع أطراف إقليمية مهمة مثل تركيا وإيران مقابل مكاسب غير مؤكدة وعلى المدى الأبعد قد يثير هذا النهج مخاطر تقطيع أوصال دول متعددة الأعراق في قلب الشرق الأوسط مما يثير مزيدا من عدم الاستقرار في المنطقة.
إضافة إلى كل ذلك وحتى لو كانت المعارضة الخارجية قادرة على زعزعة استقرار النظام فان تجربة أفغانستان والعراق توحي بقوة بأن تحقيق انتقال سلمي إلى نظام سياسي جديد لن يكون سهلا ونظرا للمشاكل المتوارثة في المجتمع السوري فان النتيجة السياسية الأرجح في المدى القريب ستكون الفوضى وسيكون البديل الأرجح الذي ينتج عن تلك الفوضى دولة إسلامية متشددة ولا يمكن اعتبار ذلك انجازا للمصالح الأمريكية.
إن الخيار الاستراتيجي المتمثل في زيادة الضغط من خلال العقوبات من طرف واحد ذو سجل طويل وغير مثمر باعتباره أداة من أدوات السياسة الأمريكية فقد وصمت سوريا بأنها دولة ترعى الإرهاب منذ نشر أول قائمة أمريكية رسمية بأسماء الدول الراعية للإرهاب سنة 1979 كما كانت منذ ذلك الوقت عرضة لفرض عقوبات أحادية عديدة بما فيه الحظر على بيع أو تحويل المواد العسكرية أو القيود على تحويل المواد المزدوجة الاستخدام ومنع المساعدات الأمريكية على الحكومات الواردة في القائمة ومعارضتها لتوسيع الدعم من قبل المؤسسات المالية الدولية.
ولا يبدو أن تطبيق هذا النهج على مدى 25 سنة قد أثر في سلوك سوريا أو في الحسابات الإستراتيجية والتكتيكية على نحو مرغوب ففي سنة 1986 وبضغط من إدارة “ريجان” أجرت شركة “بكتن انتارناشيونال ” وهي شركة النفط الأمريكية التي طورت حقول النفط السورية على التخلص من ممتلكاتها في سوريا وانتقلت إلى شركة “شال” مما جعل الشركة  “الأنجلوهولندية “، كبرى شركات النفط الأجنبية العاملة في سوريا وحسب تصريح أحد كبار المسئولين في شركة “شال” ” ان تخلص الشركة الأمريكية من ممتلكاتها لم يفعل شيئا لإعاقة إنتاج النفط السوري أو الضغط على الاقتصاد السوري وكل ما فعله هو أنه وفر لشركة غير أمريكية ما تبين أنها فرصة عمل مربحة جدا”.
فعلى من يحاجج بالقول أن فرض عقوبات فردية أحادية، سواء بموجب قانون محاسبة سوريا أو أي إجراءات أخرى سوف يكون أشد فاعلية في المستقبل، أن يشرح لماذا لا يؤخذ سجل 25 سنة من فشل هذه السياسة كمؤشر ينذر بالعواقب المحتملة لفعل المزيد من الشيء نفسه، والظرف الوحيد الذي قد تنجح العقوبات في ظله في تغيير سلوك النظام السوري الإشكالي هو أن تكون العقوبات متعددة الأطراف في مداها ولكن في حالة سوريا فان دول أرويا واليابان وروسيا والصين غير مستعدة للانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على نظام الأسد.
أما عن الخيار الاستراتيجي الثاني فيقول مؤلف الكتاب أنه في سياق الحرب العالمية على الإرهاب برز نهج أمريكي آخر للتعامل مع الدول المشكلة وهو التهديد بتغيير الأنظمة بالقوة أو ممارسة هذا التغيير فعليا. ومنط هجمات سبتمبر أصبح التغيير ألقسري للنظام من خلال العمل العسكري المباشر عماد نهج إدارة بوش في الحرب على الإرهاب وقد استخدم هذا النهج في أفغانستان والعراق (2001-2003) وفي عهد قريب مع النظام الليبي هدفا تاليا مما دفع به إلى التخلي عما لديه من برامج أسلحة الدمار الشامل ونبذ الإرهاب.
وقبل هجمات سبتمبر كان المدافعون عن السياسة الخارجية من المحافظين الجدد مهتمين بإمكانية ممارسة التغيير ألقسري للنظام السوري وفي سنة 1996 نشرت مجموعة من المحافظين الجدد من بينهم “دوجلاس فيث وريتشارد بيرل” تقريرا يتضمن توصيات لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين ناتنياهو” تتعلق بسياسة إسرائيل في مجال الأمن القومي من بينها استخدام القوة العسكرية لغرض “إضعاف سوريا” واحتوائها بل وخفض نفوذها وتأثيرها وكان كاتب مسودة التقرير هو محلل السياسة الخارجية “ديفيد وورمسر” الذي أوضح في أعمال لاحقة تفضيله خلق أنظمة سياسية قائمة على أسس عشائرية وعائلية مكان الأنظمة الطائفية القوية في كل من العراق وسوريا. وفي أفريل 2003 كان نائب وزير الدفاع ” بول وولفوفيتز ” أول مسئول في الإدارة الأمريكية يقترح أن تقوم الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد سوريا مستشهدا بتقارير تقول أن النظام السوري يؤوي زعماء عراقيين كبار وأسلحة دمار شامل في أعقاب إطلاق عملية حرب العراق لكي يبرر إعلانه ” انه لابد من تغيير في سوريا ”
أما الخيار الثالث فهو خيار إعادة المسار السوري ( المفاوضات مع إسرائيل ) ومن بين الذين يميلون إلى إتباع أساليب بناءة على نحو أكبر في التعامل مع سوريا ركز عدد من المحللين على أهمية مسار سوري ذي معنى في عملية سلام الشرق الأوسط ويأخذ التجربة الطويلة في المفاوضات السورية- الإسرائيلية في تسعينات القرن الماضي في الاعتبار ويجادل البعض الآخر بالقول إن  تجدد المسار السوري هو أفضل سبيل تتبعه واشنطن لتشجيع الأسد على اتخاذ موقف أكثر تصالحية وتعاونا إزاء هموم الولايات المتحدة واقترح آخرون آخذين في الاعتبار الأهمية المركزية التي يمثلها إعادة هضبة الجولان إلى السيطرة السورية عند كل من بشار الأسد ووالده من قبله وان إعادة المفاوضات لهذا الغرض هي السبيل الوحيد لإشراك نظام الأسد ( لن نخوض أكثر في هذا الخيار باعتبار الأحداث المستجدة في سوريا).
الخيار الرابع والأخير هو التعامل الشرطي في الحديث عن هذا الخيار يطرح المؤلف السؤال التالي: ما الشكل الذي تبدو عليه استراتيجية التعامل الشرطي؟
يجيب بأنها في الأساس استراتيجية لتعديل سلوك الأنظمة الإشكالية من خلال التعامل الحازم والبارع بأسلوب العصا والجزرة ويقوم جوهر التعامل الشرطي على مضاهاة فوائد التعاون مع التكاليف المحتملة لعدم التعاون ، بكلمات أخرى تعريف الزعماء المارقين بالمنافع التي تعود عليهم لو غيروا سلوكهم والتحقق من أنهم يدركون ما سيحدث   لهم إن لم يفعلوا، وقد مارست الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية من قبل الحادي عشر من سبتمبر مع السودان ووضعه على الطريق نحو تسوية الحرب الأهلية ، ونكوص البلاد نحو فضائع دارفور لا ينتقص من أهمية هذه الإنجازات ، كما نجحت هذه الاستراتيجية مع ليبيا وفي كلا الحالتين حددت الولايات المتحدة نهجا واضحا يقوم على مبدأ العين بالعين أو تقديم شيء مقابل شيء نظيره ( رفع العقوبات مقابل تغييرات إيجابية معينة ) وقد أسهم هذا التعامل في قرار ليبيا التخلي عن برنامج أسلحة الدمار الشامل.
يقول مؤلف الكتاب ” لسوء الحظ ظلت الإدارة الأمريكية “في عهد بوش” غير راغبة في توسيع هذا النهج ليشمل دولا أخرى وقد قررت بعد الحادي عشر من سبتمبر مباشرة إنها لن تقدم في سياستها أي جزر لحث الدول الداعمة للإرهاب على تغيير سلوكها الإشكالي” وقد ميز هذا الموقف السياسات نحو إيران وكوريا الشمالية بشأن أنشطتها النووية ولو لم يكن التعامل الدبلوماسي قد تم مع ليبيا والسودان قبل أحداث سبتمبر ما كانت الإدارة الأمريكية سترغب في هذا النوع من العمليات مع أي من الدولتين. يتساءل المؤلف عن إمكانية نجاح هذه الإستراتيجية مع سوريا بالطريقة التي نجحت بها في السودان وليبيا أم أن سوريا أشبه بأفغانستان والعراق أي أنها نظام مقطوع منه الرجاء وغير قابل لتعديل سلوكه بقطع النظر عن الحوافز والروادع التي توضع أمامه.
إن إجابة المؤلف عن هذا السؤال لم تكن صائبة حيث أن الأحداث أثبتت أن ما خلص إليه من خلال تحليله لشخصية الأسد كانت مخالفة للوقائع والأحداث، حيث أن المؤلف كان يرى في الأسد شخصا مستعدا للإصلاح ولكن تعوزه الكفاءة اللازمة وأنه ليس متعصبا مثل ” الملا عمر” ولا عنيفا سفاحا مثل” صدام حسين ” بل انه ميال إلى الإصلاح ولكن رغبته هذه تصطدم مع الحرس القديم الذي لا يزال قويا وكذلك الأمر بالنسبة للأمن والشبكات العائلية التي تستفيد من الواقع الراهن والالتزام بالظهور بمظهر الوفي لتراث والده.
تكشف القراءة لهذا الكتاب جملة من الحقائق التي يمكن أن تبدد الحيرة حول الموقف الأمريكي من الثورة السورية وهو موقف تميز بالاضطراب وعبر بشكل جلي عن عدم رغبة الإدارة الأمريكية في التخلص من الأسد ونظامه نظرا لتخوفها من الواقع السياسي الذي يمكن أن تفرزه الثورة في سوريا، كما يكشف عن زيف الديمقراطية الأمريكية التي تروج لها ذلك أن الكتاب لم يتعرض في ردهاته إلى مسألة حرية الشعب السوري أو إلى وضع حقوق الإنسان في سوريا. كما يكشف لنا عن وهم القوة الأمريكية وتعاملها التقليدي مع الشعوب حيث لازالت نظرة التكبر والعنصرية تهيمن على الساسة والمخططين في الولايات المتحدة.
إن الآراء والأفكار الواردة في هذا الكتاب يجب أن تكون دافعا للنخب السورية على العمل من أجل الحرية والانعتاق لأن الرهان على الموقف الغربي والأمريكي لن يفيد الثورة في شيء بل على العكس سيكون عامل إحباط فقد تساعد أمريكا على انتشار الفوضى في سوريا ويبقى المجتمع السوري في المنزلة بين المنزلتين فلا النظام يسقط ولا الثوار يتمكنون من كسب رهان المعركة فالفوضى الخلاقة التي كثيرا ما ترددت في الإعلام الأمريكي هي ما تحتاجه الإدارة الأمريكية لبسط نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.

للتحميل من هنا

 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات ©2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى