الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةترجمات

التحدّي التونسي

في 12حزيران/يونيو 2018 انطلقت سفينة صيدٍ من جُزر قرقنّة التونسية باتجاه جُزر لامبيدوزا جنوبي إيطاليا، لكن هذه السفينة غرقت في عرض البحر. ولقى ما لا يقلّ عن 80 شخصًا حتفهم في هذه الحادثة؛ 54 من الضحايا مواطنون توانسة.

تؤكد هذه المأساة التي سببتها موجة الهجرة غير الشرعية أنّ حلم أوروبا لا يزال يسكن شعبًا لم يعُد يؤمن بمستقبلٍ أفضل سبق أن تغنّى به خلال ثورة 2011.

يُشير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقريره السنوي الأخير إلى أنّ أكثر من ستةِ آلاف تونسي، 90% منهم من الرجال بالإضافة إلى 544 قاصرًا غير مصحوبٍ بذويه، وصلوا إلى إيطاليا في عام 2017.

1473 حالة اعتراضٍ للسفن التي تحمل المهاجرين عام 2017، مقابل 151 حالةٍ فقط في عام 2015. في سفن الهجرة هذه يُشكل التونسيون عددًا يتزايد يومًا بعد يوم، حيث أنّ مؤشر الأرقام لا يُظهر أي تراجعٍ في مدّ الهجرة التونسي، بل على العكس فقد وصل العدد إلى 7000 شخصٍ بين كانون الثاني/يناير ونهاية أيار/مايو 2018.

أسباب هجرة التوانسة للأسف معروفةٌ للجميع؛ البطالة المتزايدة في بلادهم، وعدم وجود أي آفاقٍ مستقبليةٍ تدعو للتفاؤل، خاصةً في المناطق المهمشة أو في الضواحي الشعبية للمدن الساحلية الكبرى، يُضاف إلى ذلك حالة الغموض السياسي التي تُقلق الشعب التونسي الذي سبق وأُصيب بالذهول عندما علم أنّ ثلاثة آلافٍ من شبابه غادروا البلاد للقتال في سورية والعراق.

كل ذلك إلى جانب الخطاب الذي يدعو إلى ضرورة “الإيمان بالوطن”. حيث يبدو أن سلطات البلاد غارقةٌ في حجم هذه الشعارات مقابل افتقارها إلى الأفكار المبتَكرة.

خطاباتٌ تتحدث عن الكفاح من أجل خلق نموذجٍ للتنمية الاقتصادية، وغرس ديناميكيةٍ حكوميةٍ قادرةٍ على الإيفاء بوعود ثورة كانون الثاني/يناير 2011.

ومع تفاقم التضخم، يستمر انخفاض قيمة العملة المحلية، فالسياحة تدهورت في السنوات السابقة جرّاء تعاقب الهجمات الإرهابية في البلاد، والصراعات الاجتماعية في تضاعفٍ مستمر، فوق كل ذلك لا يوجد حلٌ لكارثة الخريجين الشباب العاطلين عن العمل.

على المستوى الاستراتيجي لا يوجد شيءٌ يمكن أن يقترحه الاتحاد الأوربي على تونس سوى اتفاقية تجارةٍ حرةٍ كاملة وشاملة، بمقابل تكاملٍ اقتصادي شاملٍ مع أوروبا، من هنا فإنّ تونس مدعوةٌ بدايةً إلى خفض تعريفاتها الجمركية في جميع القطاعات بما في ذلك القطاع الزراعي.

في الواقع فإن السلطة في تونس لم تصل إلى مستوى الطموحات المعقودة عليها، ذلك لأنّ الحياة السياسية في البلاد تتميز بصراعاتٍ متزايدةٍ داخل حزب الرئيس الباجي قائد السبسي نداء تونس، وبسبب الرغبة في بعض الدول الخليجية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) بتشجيع انقلابٍ لاستبعاد الإسلاميين المعتدلين في حركة النهضة من الحكومة؛ بل ومن الحياة السياسية برمتها.

الترتيبات السياسية بين مكونات المجتمع العلمانية والدينية أنقذت تونس من صداماتٍ دمّرت بلدانًا من العالم العربي. رغم ذلك يبدو أنّ حزب نداء تونس وحركة النهضة عاجزان عن التفكير بوصفةٍ تنمويةٍ بعيدًا عن استعارة وصفاتٍ قديمةٍ أثبتت فشلها.

في تونس يثني زعماء البلاد على فوائد الخصخصة أو التشارك بين القطاعين الخاص والعام؛ بينما يتناسون الأصوات القادمة من أوروبا التي تحذّر من انعكاسات هذا التشارك.

هذا الحديث الشيّق عن فوائد السوق وعن الانفتاح لا يمكن أن يقنع الاتحاد الأوربي أو صندوق النقد الدولي، إذ أنه وبعد الثورة التونسية، يريد الاتحاد الأوربي، المعني الأول بقضية المهاجرين، إجبار تونس من خلال الضغط عليها للقبول بإنشاء مراكز لإيواء اللاجئين على الأراضي التونسية.

للحصول على دعمٍ مالي تحتاج إليه تونس، يتعين على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار خفض الدعم الحكومي أو تقليله، وإطلاق عملية الخصخصة التي رفض نظام بن علي تنفيذها لأسبابٍ تتعلق “بالسيادة” وأغراضٍ سياسيةٍ أخرى.

لم تستفد تونس بعد بن علي من المساعدات الأوربية الضخمة لتحقيق انتقالٍ ديمقراطي ناجح. يمكن أن تستفيد تونس من هذه المساعدات في حال عودة السلطة الاستبدادية والاستقطاب بين المكونات العلمانية والدينية في البلاد.

في حزيران/يونيو 2018 اقترحت اللجنة التونسية للحريات الفردية والمساواة على الحكومة ما سمته “إصلاحاتٍ اجتماعية” على أن يتم إدراجها في الدستور، من بينها “المساواة” في الميراث وعدم تجريم زواج المثليين وإلغاء عقوبة الإعدام (الملغية أساسًا منذ عام 1991). كان من الأفضل لهذه اللجنة بدل ذلك أن تتدخل في سياقٍ اجتماعي واقتصادي منطقي يعود بالفائدة على المجتمع التونسي.

أكرم بلكايد؛  لوموند ديبلوماتيك أيلول/سبتمبر 2018

https://www.monde-diplomatique.fr/mav/160/BELKAID/58929

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى