الاصداراتمشاهد

احتجاجات يهود الفلاشا وتداعياتها

يبلغ عدد أفراد يهود الفلاشا 148 ألف، بينهم 87 ألفًا ولدوا في إثيوبيا و61 ألفًا في إسرائيل، وتعود أصول الفلاشا إلى إثيوبيا في القارة الإفريقية، وقد رُحّل عشرات الآلاف منهم إلى إسرائيل، لزيادة الديمغرافية اليهودية في فلسطين، ولاستثمار قدراتهم أيضًا في الأعمال الحرفية والمهنية الشاقة، وعملت حكومة تل أبيب على استقدامهم عبر صفقات غير معلنة منذ عام 1977 وكانت وفق ما يأتي([1]):

  • عملية موسى الأولى وجرى خلالها نقل نحو 2500 شخص إلى إسرائيل سنة 1977، عبر اتفاق أبرمه رئيس عمليات الموساد ديفيد كيمحي، مع رئيس إثيوبيا في أديس أبابا آنذاك منغستو هيلا مريام، يقضي بتقديم السلاح للجيش الإثيوبي مقابل السماح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل.
  • عملية حق العودة وخلالها نقل حوالي 25 ألف سنة 1982.
  • عام 1984 تم إطلاق عملية موسى الثانية بموجب اتفاق سري بين حكومة إسرائيل والرئيس السوداني آنذاك جعفر النميري، والتي تسمح بإخراج 6 آلاف يهودي إثيوبي في 12 رحلة سرية عبر الخرطوم مرورًا بأوروبا وصولًا إلى إسرائيل، مقابل منح السودان المال.
  • عملية سبأ 1985 وخلالها نقل أكثر من عشرين ألف من الفلاشا بفضل جهود الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأبالذي زار الخرطوم وطمأن النميري بشأن ضمانات العملية.
  • سليمان 1991 نُقل حوالي 19800 منهم إلى إسرائيل، تحت إشراف نائب رئيس الأركان الإسرائيلي أمنون شاحاك في عهد رئيس الوزراء السابق إسحاق شامير.
  • أجنحة الحمام تمت سنة 2012 نُقل فيها 7846 من يهود الفلاشا إلى إسرائيل.
  • مؤخرًا تتم عملية هجرة جديدة تهدف إلى استقدام 1000 من الفلاشا، وقد تم نقل الدفعة الأولى التي ضمت 82 مهاجرًا في شباط/فبراير 2019([2]).

أوضاع الإسرائيليين من أصل إثيوبي وأسباب الاحتجاجات

في حزيران/ يونيو 2019 دفع مقتل شاب إسرائيلي من أصول إثيوبية برصاص ضابط شرطة إسرائيلي كان حينها خارج الخدمة. المئات من الفلاشا للخروج إلى الشوارع للتنديد بممارسات الحكومة الإسرائيلية ضدهم. بعد أن سبقت هذه الحادثة أخرى مماثلة لها في يناير/كانون الثاني 2019، حينما قُتل شاب إثيوبي آخر خلال مواجهة مع قوات الشرطة.

ويعاني الفلاشا من عدة مظاهر تمييز وعنصرية سواء في العمل أو التعليم وحقوق المواطنة منذ عقود، حيث بلغت نسب البطالة بينهم عام 2005 ما يقارب 65% وكان معدل دخل اليهودي من أصل إثيوبي أقل بنسبة 30 إلى 40 % من دخل فلسطينيي الـ 1948 على سبيل المقارنة.

كما أنه لا يتم قبولهم للعمل في وظائف النخبة، حيث تمت السيطرة على مراكز القوى في إسرائيل، سواء في المؤسسة العسكرية أو النظام السياسي، من اليهود الأشكناز _ الغربيين _، على اعتبار أنهم بناة الدولة الأوائل. ويقتصر تمثيل الفلاشا بشكل ضعيف في الكنيست الإسرائيلي من خلال أحزاب يمينية ووسطية([3]).

كما يقطنون في أحياء فقيرة ومهملة ومدن من الصفيح على أطراف المدن القائمة، مثل مدينتي الخضيرة والعفولة، وتتزايد نسبة المعتقلين منهم بتهم جنائية إلى 40%، خصوصًا بين الشباب الذين يعانون الفقر والبطالة.

وما يعزز التمييز وجود بعض الأماكن العامة التي تمنع دخولهم. كما يرفض المجتمع اليهودي تطبيق الفلاشا للشعائر اليهودية. وأن عليهم الدخول في عملية تهويد جديدة قبل أن يقبلهم المجتمع، كما: “قررت المؤسسات الطبية في إسرائيل عدم صلاحية دمائهم، حيث جرى إتلاف كميات الدم التي قد تبرع بها مجموعة من يهود الفلاشا، وذلك بحجة الخوف من مخاطرة أن تكون هذه الدماء ملوثة بعدوى مرض الإيدز، وهو ما أغضب الفلاشا كثيرًا، فنظموا مظاهرة ضخمة، رفعوا فيها لافتات تقول: دمنا مثل دمكم”([4]).

في حين شهد عام 2012 مظاهرة: “قام بها حوالي ثلاثة آلاف إسرائيلي من أصل إثيوبي باقتحام مقر الكنيست، احتجاجًا على العنصرية ضدهم، بعد الكشف عن رفض تجمعات لليهود البيض في جنوب إسرائيل بيع أو تأجير بيوت لليهود الإثيوبيين، وحينها صرخت وزيرة الاستيعاب في ذلك الحين، صوفا لاندفار، الروسية الأصل، قائلة: “يجب على الإثيوبيين أن يشكروا دولة إسرائيل لأنها جلبتهم إلى هنا”، ما أوضح التوجه الحكومي السلبي إزاء قضايا العنصرية والتمييز على أساس العرق واللون.

كما خرجت عام 2015 احتجاجات واسعة: “بسبب انتشار تسجيل فيديو يُظهر شرطيًا ومتطوعًا في الشرطة وهما يضربان عسكريًا إسرائيليًا من أصول إثيوبية، وهو ما دفع بالآلاف من الجالية الإثيوبية ومناصريهم إلى النزول إلى الشوارع، وانتقد المحتجون وحشية الشرطة ضد المجتمع الإثيوبي”([5]).

وبالنسبة للمظاهرات التي نشبت في حزيران/يونيو 2019 فقد تطورت على حد غير مسبوق، حيث قام العديد من الشبان وخصوصًا من فئة المراهقين بأعمال شغب وحرق ومواجهة مع الشرطة التي أعلنت إصابة أكثر من 111 من عناصرها، واعتقال أكثر من 150 من الفلاشا حتى شهر تموز/يوليو([6]).

تداعيات الوضع المتأزم على الحكومة الإسرائيلية

حاولت الحكومة الإسرائيلية عبر عدة إجراءات احتواء التمييز والتهميش الذي يعاني منه الفلاشا، ففي العام 2016 قامت الحكومة بإنشاء لجنة وزارية مشتركة ضمت ممثلين عن الوزارات الحكومية والهيئات العامة والهيئات غير الحكومية والنشطاء الاجتماعيين وممثلين عن المجتمع الإثيوبي لرصد حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الفلاشا، وللقضاء على العنصرية، وقامت اللجنة بإعداد تقرير يوضح بعض أشكال التمييز الصارخة التي واجهها المجتمع الإثيوبي في إسرائيل([7]).

وفي عام 2017، وبناء على ما قامت به اللجنة، تم إنشاء “وحدة حكومية لتنسيق جهود مكافحة العنصرية، ومنع واستئصال العنصرية المؤسسية القائمة في المكاتب الحكومية والمؤسسات العامة، على أساس لون البشرة والعِرق والجنسية والدين واتجاه جميع الفئات المجتمعية في إسرائيل، وذلك عن طريق تغيير السياسات والممارسات التنظيمية بهدف تعزيز المساواة والتماسك الاجتماعي داخل دولة إسرائيل. ورفع منسوب الوعي والإدراك من خلال “تطوير المعرفة المهنية والقانونية والبحثية حول موضوع العنصرية”([8]).

لكن بالرغم مما سبق استمرت مظاهر التمييز ضد الفلاشا، ولم تفلح الإجراءات والتدابير الحكومية التي تلقت شكاوي المواطنين الذين تعرضوا لممارسات عنصرية من تخفيف وطأة هذه الممارسات أو الحد منها بالشكل الذي يلبي تطلعاتهم.

وبالتالي فإن انتخابات الكنيست المقبلة التي ستجري في 27 أيلول/سبتمبر القادم ستتأثر بشكل مباشر باحتجاجات الفلاشا وهو ما أوضحته استطلاعات الرأي عندما أظهرت تراجع حضور حزب “الليكود” برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مقابل توقعات أكبر بحضور حزب “أزرق أبيض” برئاسة بيني جانتس وحزب “شاس” برئاسة أرييه درعي([9])، وعليه فإن لم يتم احتواء احتجاجات اليهود الإثيوبيين وإقناع الشارع وفئة الشباب خصوصًا بإمكانية تحقيق مطالبهم من قبل الحكومة الإسرائيلية فهي ستشكل عقبة أمام مستقبل حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو الذي يواجه عدة قضايا تهدد مستقبله السياسي ومنها ملفات فساد([10])، ولذلك فإن التساؤل يطرح حول الديمقراطية في إسرائيل بين تهميش وتمييز ضد الفلاشا وعقد انتخابات الكنيست على اعتبار أنه يمثل صوت الشعب؟ وعليه هل سيؤدي الاحتقان بين فئات المجتمع على المدى البعيد إلى تفكيك إسرائيل من الداخل؟

([1]) “يهود الفلاشا”. الجزيرة نت، 13-5-2015. https://bit.ly/2GU3Wid

     “انتفاضة اليهود المهمشين في إسرائيل.. الفلاشا نموذج (تقرير)”. الأناضول، 9-7-2019. https://bit.ly/2JraQNH

([2]) “”إسرائيل تستوعب 82 مهاجرا أثيوبيا في أول دفعة لعام 2019”. تايمز أوف إسرائيل، 5-2-2019. https://bit.ly/2MybJps

([3]) “التمييز ضد الـ “فلاشا” وحدود الديموقراطية في إسرائيل”. صحيفة الحياة اللندنية، 9-7-2019. https://bit.ly/33aC5DM

([4]) “يهود الفلاشا: لا ملجأ من الجحيم إلا إليه”. إضاءات، 21-12-2016. https://bit.ly/2KjjldS

     “تمرد اليهود الإثيوبيين على عنصرية البيض في إسرائيل هي فقط البداية”. إنبندنت عربية، 15-7-2019. https://bit.ly/2M6s6Km

([5]) “احتجاجات يهود الفلاشا والعنصرية في إسرائيل (من منظور داخلي)”. مركز الجزيرة للدراسات، 25-7-2019. https://bit.ly/2MLsSwa

([6]) “احتجاجات اليهود الإثيوبيين… إصابة 111 شرطيا واعتقال 136 متظاهرا”. الأناضول، 3-7-2019. https://bit.ly/33hVlPH

([7]) “الحكومة الإسرائيلية تزعم أنها ستتصدى للممارسات العنصرية ضد يهود إثيوبيا”. إرم نيوز، 8-8-2016. https://bit.ly/2KjnwGt

([8]) انظر المرجع رقم (5).

([9]) “ثورة التحالفات تشتعل في إسرائيل قبل انتخابات الكنيست”. الجزيرة نت، 2-8-2019. https://bit.ly/2ZDHl0t

([10]) “اتهامات الفساد تلاحق نتنياهو والليكود يعتبرها “اغتيالا سياسيا”. الجزيرة نت، 28-2-2019. https://bit.ly/2MM79ny

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى