الاصداراتترجمات

إيران: هل سليماني رمزٌ للإسلام السِّياسي، أم جزّارٌ للشّعوب؟

تَنْشُرُ صحيفة (لوبوان) محتوى وثيقةٍ لمثقفين ومعارضين إيرانيين يطالبون فيها  ماكرون  “عدم الاستسلام لابتزاز العنف الذي تمارسه طهران”.

فقد وقّع مجموعةٌ من المثقفين والمعارضين والديمقراطيين والليبراليين الإيرانيين في المنفى وثيقةً، تمّ فيها تقييم العمل السياسي والعسكري لقاسم سليماني، الذي جسّد حتى مقتله في ٣ كانون الثاني/يناير، بنيران طائرةٍ أمريكية بدون طيار في مطار بغداد، كلّ الجهود التي بذلها النظام الإيراني لتصدير “ثورته” إلى بقية دول الشرق الأوسط، وتؤكّد الوثيقة على الدور الذي لعبه في الصراعات الطائفية في هذه المنطقة غير المستقرّة، ومشاركته من خلال الميليشيات التي يديرها، في العراق وسورية على وجه الخصوص، في القمع الإيراني للمعارضين العراقيين وفي معظم المجازر التي وقعت في سورية.

لقد أدّى مقتل سليماني القائد في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري إلى العديد من ردود الأفعال التي أخذ القليل منها في الاعتبار تطلّعات الشعب الإيراني وشعوب المنطقة، وأدان زعماء نظام الملالي التدخل العسكري الأمريكي الذي أدّى إلى مقتله، معتبرين هذا التدخل “إرهاب دولة” انتهكت فيه أمريكا “سيادة دولة مستقلة” أي العراق.

بالنسبة لهذا العسكري  لم يكن لحياة الإنسان أي قيمة، وأشار موقعون على الوثيقة إلى تدخل سليماني عن طريق ميليشياته المتداخلة وانتهاكاته التي لا تُحصى بقَدَرٍ كبيرٍ في إيران كما في العراق ولبنان وسورية واليمن.

لكن الأهم هنا من جانبنا هو التمسّك بالحقائق وليس بالعواطف، فمنذ مجيئه كان للنظام الإيراني هدفٌ رئيس هو تصدير “ثورته” وأيديولوجيته الشمولية في الشرق الأوسط كما في أي مكانٍ آخر في العالم، وذلك عن طريق “قوة القدس” وهي وحدة النخبة في الحرس الثوري المسؤولة عن العمليات الخارجية، فأصبح سليماني عن طريق هذه القوة ذو شأنٍ لدى النظام.

بالنسبة لهذا العسكري لم يكن لحياة الإنسان أي قيمةٍ مقابل توسيع النفوذ الأيديولوجي والعسكري للنظام، بالطبع متبنيًّا الدعاية الإيرانية المعتادة “محو إسرائيل عن الخارطة”.

من المهمّ أن نتذكر أنّه في عام ١٩٧٩، في حين أبقت الولايات المتحدة على سفارتها في طهران بهدف العمل مع نظام الخميني الجديد، فإنّ جمهورية الملالي منذ قدومها رفعت شعار العداء للغرب وخاصةً الولايات المتحدة، فبدأ هؤلاء باحتجاز دبلوماسيين في السفارة الأمريكية.

واستمرّ النظام في الكثير من الأعمال الإرهابية ضدّ الولايات المتحدة وأوروبا ودول الشرق الأوسط، من هذا المنطق يجب على المرء أن يحلّل بشكلٍ جيد ويفهم أسباب القضاء على سليماني.

يقع سليماني مباشرةً تحت سلطة علي خامنئي، فكان الشخصية الثانية في النظام الإيراني، إذ يعدّه النظام “عسكري قاد الجناح المسلّح الراديكالي لجمهورية الملالي”.

لم يكن سليماني بأي حالٍ من الأحوال حصنًا ضدّ داعش

تجدر الإشارة بدايةً أن الاتحاد الأوروبي اعتبر سليماني إرهابيًّا رسميًّا منذ قرار مجلس الاتحاد الأوروبي بتاريخ ٨ كانون الثاني/يناير ٢٠١٩، كيف وقد نظّم الكثير من الهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط وبقية دول العالم من خلال الميليشيات التي ساعد في إنشائها وتمويلها وتسليحها.

سليماني لم يكن بأي حالٍ من الأحوال حِصنًا ضدّ داعش كما يتكرر هنا وهناك، في الواقع هو ليس إلا مجرم حربٍ ومجرم ضدّ الإنسانية، ساعد في تقوية هذه المنظمة الإرهابية من خلال تنفيذ سياسةٍ شيعيةٍ عموميةٍ كان هدفها مدّ ذارعي داعش في مساحاتٍ كبيرةٍ من المناطق السنية العراقية والسورية.

كان سليماني أحد المهندسين الرئيسيين للفوضى العراقية في مرحلة ما بعد الرئيس الراحل صدام حسين، فقد تبنّى مخططًا يرتكز على تقديم كلّ دعمٍ ماديّ وعسكريّ للميليشيات الشيعية التي ارتكبت العديد من الفظائع في العراق، فظهرت داعش في هذا البلد استكمالًا لمخطط الفوضى الذي أداره سليماني نفسه.

في سورية أيضًا كان أحد المهندسين الرئيسيين في قمع الثورة ضدّ بشار الأسد، ممّا أدّى إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين الأبرياء وتشريد الملايين من اللاجئين.

سيتذكّر التاريخ أنه من خلال عمله الذي يهدف إلى إنقاذ الدكتاتور السوري بأي ثمن وتوسيع نفوذ إيران، ساهم سليماني بشكلٍ كبير في تسهيل إقامة داعش في سورية أيضًا.

وكذلك في إيران، حملت موجات القمع المختلفة ضدّ الإيرانيين بصماته، ففي عام ١٩٩٩ شارك بنشاطٍ في قمع الحركة الطلابية في جامعة طهران، وفي كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٧ جلب وحداتٍ إلى إيران “وحدات التعبئة الشعبية” وهي تحالفٌ عسكري من الميليشيات العراقية الشيعية لقمع المظاهرات المناهضة للنظام بالدم.

ومرّةً أخرى غرق بالدم هو ومن تبعه، ففي تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي قمع بوحشيةٍ المظاهرات المناهضة للنظام، إذ ومنذ اليوم الأول من الاحتجاجات نصح سليماني علي خامنئي بسحق الاحتجاجات ضدّ دكتاتورية الملالي بوحشية لا تُصدّق، هذا القمع لا يمكن وصفه وصفًا آخر غير جريمة أخرى ضدّ الإنسانية، حيث خلّف ما لا يقلّ عن ١٥٠٠ قتيل.

لقد روّع سليماني العراقيين والسوريين بقدر ما فعل مع الإيرانيين، ولا عجب أن يطالب المتظاهرون العراقيون بالقضاء عليه في مظاهراتهم في ميدان التحرير في العراق، خاصّةً أنه هو الذي وجّه الحكومة العراقية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي أن تحذو حذو نظام الملالي لقمع الاحتجاجات التي انطلقت بالأصل ضد الفساد وتدخل هذا النظام في العراق.

لم يتردّد الحرس الثوري وقوته الخارجية “قوة القدس” التي يقودها سليماني في استخدام أسوأ الأساليب القمعية ضد المواطنين الإيرانيين وضدّ شعوب المنطقة، ذلك لضمان بقاء نظامه التسلطي الوحشي وتوسيع أيديولوجيته الإرهابية المتعصبة.

تحقيقًا لهذه الغاية قام سليماني والحرس الثوري بإضفاء الطابع المؤسّسي على نظام الفساد في جميع أنحاء المنطقة من أجل تمويل حروبهم وأعمالهم الإرهابية، لذلك ليس من المستغرب أن نرى النظام الإيراني، ورغم جهود الاتحاد الأوروبي، قد رفض الامتثال للقواعد الدولية في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

الملالي المجانين الذين يقودون هذا النظام العدواني مستعدون للتضحية بالشعب الإيراني

وبالنظر إلى هذه الحقائق يجب دعوة فرنسا وغيرها من دول العالم إلى الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ودعم تطلّعاته إلى الحرية والديمقراطية.

إن الملالي المجانين على رأس هذا النظام العدواني ضحّوا برفاهية الشعب الإيراني على مذبح التوسع الذي تقاومه شعوب المنطقة بكلّ شجاعة.

لذلك يجب على ماكرون “عدم الاستسلام لابتزاز العنف” الذي تمارسه دكتاتورية الملالي التي تحرر نفسها، كلّ يوم أكثر من سابقه، من التزاماتها الدولية التي يُفترض أن تُجبر طهران على التخلي عن برنامجها النووي.

كما يجب التذكير بأن الحرب التي تقودها ميليشيات متداخلة قادها سليماني بالأمس، ويقودها خليفته اليوم، هي أصل الأزمة الحالية في المنطقة، ويجب اعتماد نظام الملالي مسؤولًا رئيسيًّا عن هذه الأزمة وعن تفاقماتها المحتملة. صحيفة لوبوان ٨ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٠.

“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2020 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى