الاصداراتترجمات

أزمة كورونا أَظهرت الخلافات داخل أروقة السُلطة الصينيّة

ارْتفعت الأصواتُ التي تنتقد قرارات شي جين بينغ فيما يخصّ كوفيد-١٩، وكشفتْ هذه الانتقادات عن انقساماتٍ داخل الجهاز السّياسي الصيني.

كما أَعادت الحكومة الصينية فتحَ مدينة ووهان التي كانت مركز جائحة كوفيد-١٩، ونشرتْ “دبلوماسيّة الكمّامة” في جميع أنحاء الكوكب، ومع ذلك تُظهر العديدُ من العناصر أنّ الأزمة الصحيّة والدبلوماسيّة والاقتصاديّة لا تزال شديدةً في الصين بما يكفي لإحداث توتراتٍ سياسيةٍ هناك.

أثناء الاجتماع الذي ترأسه الرئيس الصيني في ووهان عاصمة مقاطعة هوبي والذي جمع اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، أي أعلى تجمعٍ للحزب الشيوعي، لم يتحدّث  بينغ عن فكرة “الانتصار”، بل على عكس ذلك، حذّر الأمين العام للحزب من “البيئة الخارجية” و”الثّغرات” و “الصّعوبات الاقتصادية المتزايدة” التي من شأنها أن تُعيق الكشف عن مرضى جدد قد يكونون مصابين بالفيروس.

تعرّضت الصين لانتقاداتٍ أمريكية كبيرةٍ بسبب إخفائها خطورة الأزمة، وكذلك لخلافاتٍ مع هولندا وإسبانيا بشأن جودة المعدات الطبية التي تقدمها بكين، ولتوتراتٍ مع موسكو بعد اكتشاف حالات إصاباتٍ جديدة ظهرت في شمال شرق الصين، أي على الحدود بين البلدين، الأمر الذي وضع بكين في موقفٍ دفاعي، خاصّةً في ظلّ الأزمات التي تعصف بها داخليًّا.

القضاء على الفقر المدقع الذي كان ينبغي أن يكون أحد انتصارات الحزب الرئيسية في عام ٢٠٢٠ أصبح من الآن فصاعدًا بعيد المنال:

رسميًّا، ٥ مليون صيني فقدوا عملهم منذ بداية العام، هذا رسميًّا، أمّا الواقع فيقول حقائق مغايرة، إذ فقد ما يقارب من ١٨٠ مليون شخص عملهم في قطاع الخدمات.

في هذا الموضوع ووفق توضيحٍ لخبيرٍ اقتصادي من صندوق (Upright Assts ) نقلته صحيفة (South China Morning Post) اليومية في هونغ كونغ، فإن “البطالة الاحتكاكية /تنتج عن التغيرات والأزمات وتمتد عادةً لفترة قصيرة” قد أثّرت على أكثر من ٢٠٠ مليون شخص، وهذا ما يشكّل تهديدًا اجتماعيًّا واضحًا في بلدٍ ليس لديه نظام تأمينٍ ضدّ البطالة.

لذلك فإنّ القضاء على الفقر المدقع الذي كان ينبغي أن يكون أحد الانتصارات الرئيسية للحزب في عام ٢٠٢٠ قد أصبح بسبب هذه الأزمة غير مضمون.

إذًا لا يمكن النظر إلى هذه المشاكل الداخلية في الصِّين إلا على محمل الجد، حيث يعلّق السفير الفرنسي السابق لدى الولايات المتحدة جيرار آرود “نحن نقلّل من شأن نقاط الضعف في الصين”.

ووهان معقل التوترات:

بالإضافة إلى ذلك لا تزال ووهان مركزًا للتوتر، فمن المسلّم به أنه تمّ رفع الحظر رسميًّا في المدينة، لكن الذهاب إلى بكّين يتمّ بالقطّارة، فمن أصل ١١ ألف مرشحٍ للمغادرة إلى العاصمة لا يمكن لأكثر من ألف شخصٍ أن يذهب إلى هناك.

أمّا الحملة الحالية التي تروّج بفخرٍ إلى “أبطال ووهان” ليست وليدة المصادفة أبدًا، حيث كان من المفترض حسب الفكرة اللامعة لسكرتير الحزب عن ووهان وانغ شونغ لين أن يتمّ تنظيم عمليةٍ يعبِّر من خلالها سكان ووهان عن “امتنانهم” للرئيس، لكن الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي كان كبيرًا لدرجة أن انقلبت فكرة سكرتير الحزب إلى أن يشكر الحزب سكان ووهان ويصفهم ب”الأبطال”.

بالإضافة إلى ذلك نشر خبير أمراض الجهاز التنفسي ورئيس الأكاديمية الصينية وانغ تشين الذي كان موجودًا في ووهان خلال الحظر مقطع فيديو في ٣نيسان/أبريل، تجرأ فيه تشين على انتقاد إدارة الأزمة من قبل الحكومة الصينية، واعتبر أن الولايات المتحدة وأوروبا لديها إدارة “أكثر عقلانية” في احتواء الأزمة، ووفقًا له “يمكن للعلماء فقط القضاء على الوباء”، وفي هذا أيضًا انتقادٌ ضمني للإدارة السياسية للوباء.

المثير للدهشة في هذا الأمر أنّ مقطع الفيديو لا يزال على الإنترنت، ما يعني وجود إشارةٍ محتملة لجدالاتٍ داخليةٍ في قمّة السلطة.

ويؤكّد دبلوماسي غربي “عندما تكون هناك أزمةٌ في البلاد ينقسم الحزب الشيوعي” وهذا ما حصل بالفعل في عام ١٩٧٦ بعد وفاة (ماو)، وفي عام ١٩٨٩ مع حركة طلاب تيانانمن، وهذا ما يحصل اليوم من جديد مع أزمة كورونا.

لا يجوز لأحدٍ أن ينتقد:

في الدبلوماسية تعدّ خلافاتٌ كهذه خلافاتٍ فادحة، حيث صرّح المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان في ١٢ آذار/مارس “قد يكون الجيش الأمريكي هو من أحضر الفيروس إلى ووهان”، وبعد بضعة أيام قال السفير الصيني في واشنطن كوي تيانكاي أن نظريةً كهذه تبدو “مجنونة” وأن “الأمر متروكٌ للعلماء في تحديد أصل الفيروس”، وهذا ما يوضح أنهما على خطّين مختلفين.

يُوضّح أحد المراقبين “هناك في الواقع الحرس الأحمر الوطنيون /حركة شبابية شبه عسكرية حشدها ماو عام ١٩٦٦، وهناك الانتهازيون الذين أصبحوا كذلك لأنهم يعتقدون أن ذلك يفيدهم في حياتهم المهنية، ويوجد القادة الدبلوماسيون القدامى مثل كوي تيانكاي الذين يحاولون المقاومة”.

وقال آخر “بين أولئك الذين بدأوا حياتهم تحت قيادة  دنغ يشاو بينغ/الذي تسلم قيادة الحزب الشيوعي بعد ماو، والذين روّجوا لانفتاح الصين، وهؤلاء الذين يدينون بكل شيءٍ أو تقريبًا كلّ شيءٍ للرئيس الحالي شي جين بينغ، هناك فجوةٌ هائلةٌ بين الأجيال”.

في نفس السياق، أن يقوم الجهاز الرسمي للحزب (صحيفة الشعب اليومية) في ٢ نيسان/أبريل بإعطاء الكلمة للشخصية الرئيسية في الدبلوماسية الذي يشغل حاليًّا منصب نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب فو ينغ ليقدّم دعمًا ضمنيًّا للسفير الصيني في واشنطن كوي تيانكاي، فهذا يعني أن الحرس القديم لم يستسلم بعد.

في هذا الجو المتوتر على من يمكن أن يعتمد شي جين بينغ بشكلٍ حقيقي؟ منذ نهاية شهر شباط/فبراير بقي الأعضاء الستة الآخرون في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي -قلب السلطة- صامتون بشكلٍ غريب، لذلك يعلق أحد المراقبين الغربيين “الآن في هذا البلد عندما يختلف المسؤولون يصمتون”.

يحتفظ شي جين بينغ بالسيطرة على التعيين ويضع رجالاته في المناصب الرئيسية في الدولة:

وممّا يخضع كذلك للتأمل هو الإعلان في ٧نيسان/إبريل عن تحقيقٍ أجرته اللجنة التأديبية للحزب ضدّ “الأمير الأحمر” رن تشي تشيانغ/أحد أبناء كبار المسؤولين السياسيين في عهد ماو تسي تونغ ومدير العقارات السابق لأنه انتقد بشدةٍ في نهاية شباط/فبراير الإدارة الاستبدادية للرئيس شي جين بينغ.

التفسير الأكثر وضوحًا لما يحصل هو أنه لا يُسمح لأحدٍ أن ينتقد الأمين العام للحزب ولا يمكن أن يفلت من العقاب.

لكن الرجل الذي يقف إلى جانب رن تشي تشيانغ إلى درجة الحميمية هو نائب الرئيس وانغ تشي شأن الذي يُعد الحليف الأول للرئيس في تعزيز سلطاته، من هنا يعتمد البعض أطروحةً أخرى هي أن ضرب رن تشيانغ يعني أن وانغ نائب الرئيس هو المستهدف لأنه من المستحيل الفصل بينهما.

ما هو مؤكّدٌ الآن أنّ شي جين بينغ يسيطر بقوةٍ على تسمية المسؤولين ويضع رجالاته في المناصب الرئيسية في الدولة، فقد عيّن غونغ تيشنغ رئيسًا لبلدية شنغهاي وصن ليشينغ أمينًا لمدينة جينان، وهما مقرّبان من الرئيس قَضَيَا معظم حياتهما المهنية الأول في الجمارك والثاني في الأمن العام.

لذلك وحسب أحد المراقبين فإنّ “الرئيس شي جين بينغ يحاول أن يُقفل مفاصل سلطته بإحكام”.

فريدريك لوميتر لصحيفة لوموند ١٠ نيسان/ابريل ٢٠٢٠

الرابط الأصلي من هنا

“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2020 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى