الاصداراتترجمات

خطط استراتيجية مقلقة للمملكة المتحدة في البلطيق

كيف ستؤثر التحديثات الجديدة للخطط الاستراتيجية للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية ووثيقة قيادة الدفاع المنشورة على التوالي في 16 و22 من آذار/ مارس- 2021، على الوجود ومستوى الفعالية العسكرية في شمال شرق أوربا، وبالتحديد إستونيا؟

ضمن هذه الخطط برامج استثمارية لدعم العديد من المنصات الفعالة؛ مثل: تحديث المقاتلة Eurofighter Typhoon، والاستحواذ على فرقاطات إضافية وطائرات مقاتلة متعددة المهام مثل F-35، تأتي في سياق زيادة قدرة القوات البريطانية لتكون أكبر من أي وقت مضى؛ حيث أشار وزير الدفاع بين لاوس في مقدمة وثيقة قيادة الدفاع إلى أن “فرط الطموح وقلة التمويل في الخطط السابقة ترك القوات المسلحة منهكة ودون الجاهزية”. وهذا واضح بالفعل، ولكن في الوقت نفسه، فإن أي حكومة ترث هذه القوات، وتقرر حل المشكلات ستواجه مخاطر الاتهام ببذل القليل بعد فوات الأوان. 

يبقى السؤال الرئيس هو ما إذا كانت بريطانيا صاحبة المصالح والطموحات العالمية قادرة على حشد الموارد اللازمة لتحويل الأقوال لأفعال؟ في الوقت الذي “لن تكون الاثنان بالمئة من مخصصات الإنتاج المحلي كافية لهذه التطلعات” – بحسب تصريحات مسؤول عن سياسات الدفاع الأمريكية قبل عامين خلال اجتماع لمدراء السياسات الدفاعية في حلف الناتو – فإن الحاجة ستكون ماسة لأي استثمار لتغطية هذا المستوى من الإنفاق الدفاعي على حساب قدرات أخرى مهمة ينبغي التضحية بها.

تخفيضات مشكوك فيها:

من الناحية العملية يجب تمويل الاستثمارات في الفضاء الإلكتروني والتقنيات المستجدة والمعلومات والفضاء إلى جانب النووي، اعتمادًا على تقليص القدرات التقليدية التي تشمل القوات البرية، وبالتحديد عناصر القوات الثقيلة؛ كالدبابات الرئيسية، ومركبات المشاة القتالية؛ أي سيتراجع عدد الدبابات بشكل ملحوظ، فضلًا عن مركبات المشاة التي يبدو أنه تم التخلص منها بشكل تدريجي دون إحلال الطرازات الحديثة محلها.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء البريطاني كان قد التزم – إلى جانب رؤساء دول وحكومات في قمة حلف الناتو عام 2016 (قمة وارسو) – بتأمين “قوات وإمكانات أثقل وأكثر تطورًا مع المزيد من القوات عالية الجاهزية”، تتماشى مع حاجة دول الحلف للإبقاء على القدرات الاستكشافية لمحاربة طالبان والقاعدة وداعش، مع تطوير القوات والقدرات الضرورية لردع ومقاومة العدوان الروسي عند الضرورة في حال استولى على أجزاء من دول البلطيق أو بولندا؛ بالرغم من هذا كله فإن الناتو يجب أن يمتلك القدرات التقليدية اللازمة لاسترجاع السيادة ووحدة أراضي دوله الأعضاء.

يخضع الناتو للهيمنة الأمريكية، وباعتباره تحالفًا عسكريًا مشتركًا يلزم أن يبذل فيه الأوربيون جهدًا لمشاركة الأعباء بأفضل شكل، ومن المعروف أن القوات والقدرات الأمريكية ستكون جاهزة لأي سيناريو للدفاع الجماعي قد يحصل في أوروبا، ولكن تقليص الوحدات المدرعة البريطانية الضرورية لهذه السيناريوهات، يعني التراجع عن التواجد على الأرض مقابل التواجد الأمريكي؛ مما يثير التساؤل لدى دول خط المواجهة عما إذا كانت المملكة المتحدة أكثر قدرةً على تعزيز قواتها والانخراط في مواجهة تقليدية عالية الكثافة لهزيمة الاحتلال الروسي عند الضرورة؟

نوعية أفضل.. إمكانيات أقوى:

تبقى القرارات منطقية طالما أنها تأخذ بعين الاعتبار الموارد المخصصة لتنفيذها، كما هو الحال عند إبعاد القوات المهلهلة والتركيز على تخصيص الموارد لرفع قدرتها وجاهزيتها، حيث السبيل الوحيد لإحراز التقدم مع عدم القدرة على تأمين إمداد القوات المتبقية بالأفراد المدربين والمعدات الحديثة.

ومع هذا تبدو الأطروحات الطموحة لبريطانيا العالمية غير مدعومة بالموارد اللازمة، مما يضعف دورها تجاه أمن دول الناتو المحيطة بها جغرافيا إلى جانب الشركاء الأوربيين؛ فالبيئة الأمنية اليوم لا تعتمد على كم القوات، بل على نوعها، مع العلم بأن تقليص حجم القوات المسلحة البريطانية على حسب النوعية، لا يجعلها قادرة أو مؤهلة لمواجهة التهديدات المستقبلية.

إن التخلي عن المقاتلة Tranche 1 Typhoons بحلول عام 2025، دون الالتزام بالتعويض عنها بالعدد نفسه من مثيلتها، يوحي بانخفاض عدد الطائرات البريطانية العاملة في المستقبل؛ أي تراجع الدور البريطاني في مهام المراقبة الجوية لدول البلطيق، وهي رسالة مؤسفة لموسكو. وبالمقابل فإن تشغيل دفعات قابلة للنشر أرض-جو متوسطة المدى سيدعم دون شك المجموعات االقتاليةeFP. [1]

الرادع النووي:

قرار رفع الحد الأقصى للرؤوس النووية البريطانية من 180 إلى 260 له نتائج إيجابية وسلبية في الوقت نفسه؛ ففي الجانب الإيجابي إشارة للحلفاء والخصوم بأن المملكة ستحتفظ برادعها النووي وتطوره، وتذكرة صحيحة ومفيدة للأوربيين بأنه لا يمكن ضمان أمنهم دون هذا الرادع المهم.

أما عن الجانب السلبي، فإن التكلفة الإضافية للقدرات البديلة لا يمكن تحملها الآن مع زيادة عدد الرؤوس النووية، فيما يبدو أن نهج المملكة المتحدة يركز على إنفاق المزيد من المواراد قيد التشغيل دون الدخول في صراع مفتوح على القدرات النووية أكثر من القوات البرية اللازمة للانتصار في نزاع تقليدي.

والحقيقة أنه يجب مراجعة الخطط الاستراتيجية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي الذي عبر عنه رئيس وزرائها بوريس جونسون في مقدمة الوثيقة بأنه “مبارك بشبكة عالمية من الأصدقاء والشركاء وفرصة لإرساء علاقات جديدة وأعمق”؛ فمراقبة بريطانيا، وهي على وشك استبدال الاتحاد الأوروبي بأفق أكثر عالمية، لا يبعث بالضرورة على الاطمئنان، وبالتحديد مع الاتجاه نحو المحيط الهندي والهادي.

أما المأمول بالنسبة للبلطيق، فهو التركيز على الأمن والدفاع في أوربا، وعلى كم ونوع كاف من القوات التي ستشارك في عمليات الدفاع الجماعي. ولا تعتبر وثيقة قيادة الدفاع والاستثمارات التي تتضمنها إلا خطوة صغيرة باتجاه قوة أكثر حداثةً تحقق رغبة بريطانيا في توفير مصادر للدفاع الوطني، حيث يبقى السؤال: هل ستتمكن المملكة المتحدة بالفعل من تنفيذ القرارات والبرامح الموعودة؟

المقال الأصلي من هنا

ترجمة من الإنلجليزية للأستاذ صالح يوسف مدير برق التنفيذي

“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2021


[1] كتيبة متعددة الجنسيات تقودها الولايات المتحدة وكندا وألمانيا والولايات المتحدة مهمتها رد أي هجوم على الدول الأعضاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى