لعبة فلاديمير بوتين في أوكرانيا
جاء إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّه سيُسهّل منح جوازات سفرٍ روسيةٍ لسكّان دونباس الأوكرانيّة كتحدّ للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي.
بعد خمس سنواتٍ من العلاقات المتوترة مع الرئيس السابق بترو بورشينكو الذي لم يُظهر انفتاحًا كبيرًا على القضايا التي تُعيق السلام بين أوكرانيا وروسيا، يبدو الآن أنّ فلاديمير بوتين يمكنه أن يترك الرئيس الشاب زيلنسكي فترةً من الوقت قد تستمر لأسابيع، هدفه من ذلك أن يأخذ انطباعاته ويكتشف نواياه حول القضايا التي لا تزال تُثير التوتّر.
كلّ هذا ولا يزال وضع دونباس كما هو، إذ يسيطر عليه ويديره الانفصاليون المدعومون من موسكو.
وكذلك الحال بالنسبة لمسألة الاستقلال الثقافي واللغوي لدونباس، بالإضافة إلى مسألة تبادل الأسرى ومشكلة البحرية الأوكرانية.
باختصار، تتمّ معالجة عدد كبير من الملفات في إطار ما يُعرف بصيغة نورماندي _بحسب المكان الذي استضاف أول اجتماعٍ لرباعية ألمانيا وفرنسا بالإضافة إلى طرفي النزاع روسيا وأوكرانيا بشأن تسوية الأزمة انطلاقًا من مذكّرة مينسك_.
في خمس سنواتٍ لم يحقق منتدى مينسك أيّ تقدّمٍ تقريبًا باستثناء اللقاء والتحدث بين الأطراف، لكن باريس كما هو الحال بالنسبة لبرلين ترى أنّه ليس بالأمر السيء أن يلتقي الأطراف، إذ يمكن أن يضع ذلك حدًّا للصراع حتى ولو كان عن طريق تجميده مؤقتًا.
عقوبات جديدة ضدّ أوكرانيا:
لماذا اختار بوتين اختبار زيلنسكي كبدايةٍ للعبته؟ في الواقع لم ينتظر الكرملين الانتخابات الأوكرانية ليخفّف الضغط، ففي الأيام التي سبقت الانتخابات قرّرت موسكو فرض عقوباتٍ جديدةٍ على أوكرانيا بما في ذلك قطاعي النفط والغاز.
وفي اليوم التالي تمّ اتخاذ قرارٍ بشأن جوازات السفر في دونباس، هذا التدبير يُعتبر بمثابة تهديدٍ بالضمّ.
ذلك لأنّه بمجرد أن يحصل سكان منطقة دونباس المتمتعة بالحكم الذاتي بجنسيةٍ مزدوجة ما الذي يمنع حينها روسيا من فرض حمايتها عليها، بما في ذلك عسكريًّا، في حال حدوث مشاكل؟
في الواقع لم يرغب بوتين بالسماح لزيلنسكي باختبار فكرة أن يختار الطريق الثالث بين الاستسلام والقوّة.
قرار منح جوازات السفر الذي كان يطفو في الأفق منذ بعض الوقت تمّ اتخاذه كالذي يقرّر فرض إجراءٍ عقابي على الطرف الآخر.
حصل ذلك في اليوم التالي لكلمة زيلنسكي المليئة بالنصر، إذ قال الممثل الكوميدي الشاب بكلّ ثقة: “أستطيع أن أقول لجميع بلدان ما قبل الاتحاد السوفييتي انظروا إلينا، كلّ شيءٍ ممكن”. هذا ما اعتبر استفزازًا كبيرًا في الكرملين.
يختار زيلنسكي معسكره لأن بوتين يرغمه على ذلك:
أراد بوتين إذًا رسم خطّ أحمر فورًا، حتى أنّه لم ينتظر زيلنسكي ليتولّى مهامه في بداية حزيران/يونيو.
أراد على الفور أن يختبر قدراته الدبلوماسية والاستراتيجية، وهو المتمرس بشكلٍ جيد في المجال الجيوسياسي مثله مثل الزعماء الشعوبيين الذين ظهروا على المشهد العالمي، وبالفعل هذا ما حصل.
كان ردّ زيلنسكي الفوري مطالبة المجتمع الدولي وخاصةً الاتحاد الأوربي بتشديد العقوبات على موسكو، بمعنى آخر اختار زيلنسكي معسكره لأنّ بوتين هو من أجبره على ذلك.
والأسوأ من ذلك هو أنّ برلمان كييف الذي لا يزال بيد الأقلية القومية ذهب أبعد من قرار زيلنسكي، إذ أقرّ قانون اللغة الذي يفرض اللغة الأوكرانية كلغةٍ وطنية وحيدة.
وبهذا الشكل أثار بوتين خلال أقل من أسبوع خصومته، في حين أنّه كان يضطر في كثير من الأحيان أن يتعامل مع الرئيس السابق بورشينكو بطريقةٍ واقعيةٍ أقل إيديولوجية.
هذا كله يحصل كما لو أن بوتين يرفض سلفًا أي حلّ وسط بين الاستسلام واستخدام الهيمنة والقوّة مع بلدٍ يعتمد تداول السلطة نموذجًا لحكمه، وهذا أيضًا ما لا يرغب به الروس.
فرانسوا كليمنصو، لو جورنال دو ديمانش ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠١٩
الرابط الأصلي من هنا
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019