الاصدارات

مقاربة النظام السوري في مواجهة كورونا

مقدمة:

فرضت أزمة كوفيد -19 منذ كانون الثاني/ يناير 2020، واقعًا جديدًا على غالبية دول العالم خاصة الكبرى التي كانت حتى وقت قريب تتنافس على زعامة الاقتصاد العالمي والقوة في الساحتين الدولية والإقليمية، حيث غيّر الفيروس من أولويات تلك الدول وجعلها في حالة انكفاء داخلي مُنهمكة على تطوير خطط طوارئ لحماية مواطنيها من خطر تداعيات الجائحة.

وفي ظل انشغال المجتمع الغربي ودول أوروبا في تعزيز إجراءات الحماية للمواطنين، بدا الوضع مختلفًا في دول الشرق الأوسط، حيث تسعى بعض النُظم كالجمهورية الإيرانية ونظام الحكم في سورية، إلى استغلال سياق الأزمة الراهنة وجعلها خادمة في تخفيف واقع أزماتهم المتصاعدة على المستويين السياسي والاقتصادي.

ومن هنا فإنّ أزمة كورونا السورية تأتي بشكل مغاير عن الدول التي لا تزال تعمل على تكريس مواردها الذاتية والاقتصادية في احتواء الفيروس، بينما في سورية الأمر يبدو مُعقد في ظل وجود نظام يفتقر لأدنى معايير الشفافية والمصداقية في التعامل مع الأزمة، وتنعدم لديه مقومات الصمود أمام أزماته المتصاعدة عل الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

 وقد تزداد تلك الأزمات مع الإجراءات التي يتبعها النظام في مواجهة الفيروس، كونها لا تتناسب مع حقيقة الوضع القائم في سورية، فمنظومة الفساد المجتمعي والسياسي وتدهور أحوال السوريين، وغياب حركة العمل والتشغيل، والغلاء الفاحش في الأسعار، جميعها ظروف – بالنسبة للسوريين- أعظم وأكبر من مجرد أزمة طارئة على البلاد، مما يعني صعوبة التأقلم والعيش مع واقع كورونا الجديد بخلاف الدول الغربية التي ساهمت فيها نُسجُها الاجتماعية في تسهيل عملية احتواء الأزمة. بالتالي فإن النظام السوري أصبح في مأزق جديد وإشكالية متشابكة أمام معادلة يبدو تحقيق أحد أطرافها شبه مستحيل، فمن جهة يرغب في إدارة الأزمة داخليًا لمنع انهيار اقتصاده متجاهلًا مستلزمات الشعب الغذائية والطبية لحماية أنفسهم من خطر الجائحة، وهذا ما دفعه للاعتماد على مقاربة أمنية استخبارية في إدارتها، وخارجيًا يرغب بجعل الفيروس رافعة له يستطيع من خلاله الحصول على مساعدات دولية وتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

ورغم وضوح هذه الحقائق إلا أن النظام لا يزال يتجاهلها، ولا يزال يؤمن باستراتيجية الحل العسكري والأمني أمام أية أزمة يتعرّض لها، وهو ما سيتم نقاشه في هذه الورقة.

واقعية الأزمة

لم يكن وقع كورونا على النظام السوري، بالأمر الطارئ والخطير كونها تأتي في واقع مليء بأزمات متراكمة تفنّن النظام في توظيفها واستغلالها طيلة سنوات النزاع ضد شعبه، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية تكون عائدة عليه مباشرة، وهذا ما يُوضح حقيقة عدم جديّته في التعامل مع الأزمة من منطلق عقلاني وإنساني متكاملين لغاية تأمين حماية المدنيين من مغبة المخاطر والمُهددات. كما أن خارطة انتشار الجائحة وتركزها في دول غربية أكثر منها في دول الشرق الأوسط، شجعته على استغلالها وتوظيفها لصالحه واعتبرها كما بقية الأزمات التي مرَّ بها، ما دفعه لعدم اكتراثه بالتحذيرات الدولية من مسؤولي الدول الكبرى ومنظمة الصحة العالمية، أو من خصومه ومعارضيه المحليين.[1]

ومن خلال هذين المنحنيين اعتمد النظام مقاربة أمنية في تعاطيه مع أزمة كوفيد- 19، بهدف تحقيق جملة من المكاسب السياسية والاقتصادية، وقبل تفنيد آليات هذه المقاربة يمكن القول في بادئ الأمر إن طبيعة أزمة كورونا في سورية مختلفة من حيث السياق عن بقية الدول التي انتشرت فيها لعدة اعتبارات كما يأتي:

_ جاءت أزمة كورونا في واقع سوري متردي يفتقر أساسًا لأدنى مقومات الحياة بعد بلوغه مستوى الفقر لـ 80% وهي نسبة تنعكس عن كم هائل من أزمات اجتماعية واقتصادية ظهرت خلال سنوات الصراع، وقادت إلى ظهور أزمات وظواهر سلبية أخرى داخل مكونات المجتمع السوري المفكك.

_ تُعاني حكومة النظام السوري أساسًا ومنذ 2011 من عجز صحي وطبي وتفتقر لتأمين الخدمات اللوجستية الأساسية لما تبقى من مستشفيات ومراكز طبية من جراء آلة الحرب التي تركزت في جزء كبير منها على تدمير هذا القطاع وإخراجه عن الخدمة، ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة فإن الفترة بين 2014- إلى 2019 تمَّ توثيق 420 هجومًا على المرافق الصحية، ويُشير التقرير إلى أن نصف المرافق المتبقية صالحة للعمل، أي أن المراكز الصحية الموجودة في مناطق سيطرة حكومة النظام غير قادرة على استيعاب المصابين بفيروس كورونا في حال تفشي المرض، إضافة إلى النقص الحاد في الكوادر الطبية بسبب مغادرة معظمهم البلاد.[2]

_ عدم وجود نظام حكم ذو سيادة متكاملة يستطيع اتخاذ إجراءات مستقلة في مواجهة الوباء، فالنظام السوري ورغم استعادته غالبية المناطق السورية، إلا أنه يفتقر لقرار سيادي. فقراره مصادر من الحلفاء كروسيا وإيران والذين استطاعا عبر حزم الإسناد المالي والعسكري واللوجستي الاستثمار في بيئة النظام ومؤسساته الإدارية والسيادية العليا، فضًلا عن نيل حصصهم من ثروات البلاد، وبسط السيطرة على بعض المنافذ البرية والبحرية، وهذا ما دعا لظهور عدة تقارير تحدثت عن عجز النظام عن منع استمرار تدفق المليشيات المدعومة من طهران في الدخول لمناطق تمركز المليشيات كمناطق دير الزور والبوكمال الحدودية مع العراق،[3] وبعض منافذ وطرق التهريب التي يتحكم بها حزب الله اللبناني لإرسال مقاتليه لسورية. كما أن موسكو تنفرد باتخاذ إجراءات خاصة لجنودها بمعزل عن إجراءات النظام في مناطق نفوذها خصوصًا في قاعدتي حميميم وطرطوس.

_ أزمة كوفيد- 19، جاءت أيضًا في وقت يعاني فيه النظام من أخطر ضائقة اقتصادية على وقع توقف حركة الاستيراد والتصدير وتدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي ليصل إلى 1290 ليرة مقابل الدولار، بعدما كان 46 ليرة في 2011.

_ منذ ما قبل انتشار الوباء يعيش النظام عزلة سياسية واقتصادية فُرضت عليه من المجتمع الدولي، وينتظر واقعًا أسوأ بعد تفعيل قانون قيصر الذي أقره الكونغرس الأميركي نهاية العام الماضي، وطيلة الفترة السابقة كان النظام يُعول على حلفائه في الالتفاف على العقوبات عبر اتباع طرق غير شرعية لتهريب البضائع وتأمين مصادر الطاقة، مع ذلك لم تكن هذه الجرعات كافية لإنقاذه من مأزقه المالي والاقتصادي بل زادت على وقع انتشار الوباء.

  مقاربة أمنية في مواجهة الوباء

اعتمد النظام السوري على مقاربة أمنية بطابع إنساني في التعاطي مع أزمة كورونا في مناطق سيطرته، واتخذ حزمة من الإجراءات أهمها بسط السيطرة الأمنية على عمل وزارة الصحة وفرض رقابة على بعض الأطباء الذي تم اختيارهم لإجراء الفحوص والاختبارات المتعلقة بالفيروس، وشدد على سياسة تكميم الأفواه لمنع كشف الأرقام الحقيقية للمصابين، وبعد إنكار لأسابيع والقول بخلوّ البلاد من الوباء، اضطر في 22 – آذار/ مارس 2020، إلى الإعلان عن أول إصابة ادعى أنها لفتاة قادمة من خارج البلاد، ومنذ ذلك التوقيت وحتى 26- نيسان/ إبريل 2020، تم توثيق 42 إصابة وشفاء 11 حالة حسب بيان صادر عن وزارة الصحة في حكومة النظام.[4]

لكن وحسب عدة تقارير مسربة من داخل مناطق النظام، وتصريحات لبعض الأطباء العاملين في المؤسسات الطبية، أكدوا أن الأرقام التي تم إعلانها من قبل وزارة الصحة لا تعكس حقيقة الوضع المتأزم في سورية، مشيرين إلى وفاة أكثر من 50 شخص بمرض كورونا داخل مشفى واحد فقط في دمشق،[5] وقد تعددت الروايات حول الأرقام الحقيقية لمجمل عدد الإصابات، وربما يصعب الجزم بها في ظل وجود حكومة تفتقر لمعايير الشفافية وتتبنّى سياسة الإنكار للتهرب من الحقائق.

فيما وثَّق المرصد السوري لحقوق الإنسان إحصائية أخرى حول تفشي الوباء من مصادر طبية موثوقة، قالت إن أعداد المصابين السوريين في محافظة اللاذقية بلغ 26 حالة مؤكدة، وفي محافظة طرطوس نحو 16، في حين هناك 30 حالة مؤكدة في كل من حلب ودمشق وحماة وحمص ودرعا، وبذلك بلغ العدد الإجمالي للمصابين بفيروس كوفيد-19 ضمن مناطق نفوذ النظام السوري نحو 72 إصابة مؤكدة.[6]

ورغم كل هذه التقارير التي تكشف عن حيز كبير من حقيقة الوضع داخل مناطق النظام، إلا أنها لم توقف الحكومة عن سلوكها الأمني في مواجهة الفيروس، وقد دلّت الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة عن مكامن الضعف داخله، وانكشاف عجز النظام الاقتصادي.

 ومن خلال النظر لسلسة الإجراءات التي اتبعتها حكومة النظام السوري في 14- آذار/ مارس 2020، كتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي وحظر التجوال الجزئي، وتعليق الدوام في المدارس والجامعات، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية، وإنشاء مراكز حجر صحي وعزل في بعض المحافظات كمنطقة السيدة زينت، يتضح أنه في مٌجملها شكلية ولا ترقى لمستوى الكارثة الإنسانية التي تمر بها البلاد، إضافًة إلى أن العديد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لم يتم الالتزام بها، كمسألة تطبيق العزل الاجتماعي، بل تسبّب قرار إيقاف توزيع الأفران لمادة الخبز، وإرجائه لنظام البطاقة الذكية، إلى أزمات أخرى بسبب عجز الحكومة عن توفيرها بكميات كبيرة تُلبي احتياجات الشعب إلى جانب ندرة العديد من المواد والسلع الأساسية في الأسواق، بعد توقف حركة البيع والشراء وإجبار المحلات والمتاجر على الإغلاق في أوقات حظر التجوال في البلاد.

وقد تشير إجراءات الحكومة الهشة في مواجهة أزمة الوباء ومحاولته التعتيم على الحقائق، إلى وجود عدة مخاوف وتحديات يمكن حصرها كما يأتي:

_ توقيت مجيء الوباء قد يشكل جانب إيجابي لدى النظام في محاولته استغلاله للضغط على المجتمع الدولي لرفع العقوبات الاقتصادية عليه، لكن الجوانب السلبية تبقى أعظم من طموح النظام كونه فشل في إدارة أزماته عبر سنوات ماضية رغم كل عمليات الدعم المقدمة من حلفائه، ويكمن أحد أهم أسباب الفشل إلى إمبراطورية الفساد التي تُدار من قبل أجنحة النظام وبعض الشخصيات والرموز الاقتصادية كمؤسسات رامي مخلوف، وخلية أسماء الأسد، وهو ما يخشاه النظام من فقدان عملية الضبط والاحتواء لملفات الفساد وتحولها لصراعات تقوده لفقدان دور ضبط التوازنات الداخلية.

_  تعمّد النظام إخفاء المعلومات الحقيقية عن انتشار الفيروس يعود لتخوفين: الأول داخلي للحفاظ على صورته أمام حاضنته الشعبية ومجموعات الموالين والكتائب العسكرية والأمنية التي تُعاني منذ سنوات من حالة استنزاف ونقص كبير في العنصر البشري، والثاني: خارجي يهدف إلى إبقاء حليفيه الرئيسيين روسيا وإيران والتأكيد بأنه جدير بإدارة الأزمة بما يتناسب مع أهوائهم ومصالحهم، كونه يخشى توقفهما عن دعمه في ظل تعرضهما لنفس الكارثة، ولكن من المُرجح أنه حتى ولو سانداه في ظل أزمته الحالية، فمرد ذلك لضمان الحفاظ على المصالح والأهداف الاستراتيجية لهما.

وبالتالي فإنَّ روسيا وإيران لن تسمحا بوصول النظام لحد الانهيار التام حرصًا على المصالح، وحتى لو قلّ الدعم بسبب حالة الانكفاء الداخلية للحليفين، لكن كلاهما يراقبان الوضع القائم في دمشق ويعملان على تقييم دوري لمسار الأزمة، فبالنسبة لروسيا وعبر غرفة التنسيق في قاعدة حميميم تستطيع إجراء مهام استطلاعية وأمنية بشكل دوري لكل التحركات والإجراءات المتخذة سواء في مناطق نفوذها أو في مناطق النظام، وأما إيران فهي بخلاف بقية الدول لم تُوقف رحلاتها نحو العاصمة دمشق رغم تحولها لأكبر بؤرة لانتشار الفيروس في الشرق الأوسط، وأرسلت وزير خارجيتها جواد ظريف في زيارة رسيمة والتقى بالأسد في 20- آذار/ مارس 2020، وكان أحد أهداف الزيارة رغبة النظام الإيراني استثمار حالة العجز والانكفاء الأمريكي في ظل تعرضه لأزمات كورونا، والسعي نحو تحقيق مكاسب إيرانية داخل سورية وتعزيز خارطة الحضور في مناطق نفوذه.[7]

_ يخشى النظام السوري على الشرعية السياسية ويتخوف من المستقبل إذا ما استمرت الجائحة في الانتشار، فمن شأن ذلك أن يقود إلى ضبابية حول مستقبل الانتخابات الرئاسية القادمة، من حيث تأجيلها أو حتى إلغائها في حال تغيرت موازين القوى بين الأطراف الفاعلة في سورية.

تسيّس الأزمة

ظاهرة أزمة كوفيد-19 المستجد على سورية وضعها موضع التسيّس والتوظيف السياسي، ليس فقط من قبل النظام السوري، بل حتى من قبل الدول الكبرى التي تتضارب مصالحها ومواقفها في أكثر من مسار واتجاه بعد تعدد الفاعلين الذين صنعوا من سورية ساحة كبرى لتصفية حساباتهم. فبعد مضي تسع سنوات على الصراع السوري تبدو الجغرافية جوهريًا منقسمة لمناطق نفوذ تم هندستها بسلسلة من الاتفاقيات الثنائية والثلاثية أههما اتفاقيات أستانة – وسوتشي، برعاية جهود محور تركيا- روسيا- إيران، المناهض لمحور تقوده الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الراعية لمسار جنيف، وقد قادت هذه التجاذبات بين المحاور إلى تحويل سورية لورقة مساومات محلية ودولية أوصلتها لما هي عليه اليوم، فعسكريًا انخفضت وتيرة الأعمال العسكرية بعد انحسارها بجيب منعزل شمال البلاد يصل لمناطق الحدود الجنوبية مع تركيا، وسياسيًا لا يزال الأفق مسدود أمام جهود الأمم المتحدة بتحقيق انتقال سياسي وفق بيان جنيف 1، إلى جانب متاهة اللجنة الدستورية التي تعمل عليها موسكو. ومن خلال هذه المعادلات السورية بدا جليًا أن أي تفاعل سياسي وعسكري طارئ على سورية يُقابله محاولة استثمار وتوظيف من قبل جميع الأطراف المنخرطة والفاعلة بغية تحقيق مكاسب على حساب الآخر.

 ومع بداية تفشي كورونا في سورية عاد الزخم لهذا التفاعلات كما يلي:

توظيف داخلي

يسعى النظام السوري لاستغلال تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم، في محاولة للحصول على مكاسب داخلية وخارجية تتركز فيما بالآتي:

_وضع يدِه على المساعدات المقدمة من الخارج وبعض الجمعيات لسد العجز الواضح في القطاع الصحي والطبي، ووفقا لبعض المصادر من شخصيات داخل النظام، صرحت لبرق أنّ النظام بدأ باستخدام المخزون الطبي الاحتياطي وهو معرض للنفاد بعد فترة وجيزة إذا ما استمر الوباء في الانتشار، مضيفين أن النظام يفتقر أصًلا للمواد الخام المستوردة في صناعة الأدوية، وفي حال استمرت عزلته السياسية والاقتصادية بسبب العقوبات المفروضة عليه فمن المُرجح تعرضه لانهيار كامل في القطاعين الصحي والطبي.[8]

وهذا ما يفسر مسارعة النظام تسخير رجاله ووزرائه للإسراع والمطالبة برفع العقوبات الاقتصادية بطابع إنساني، حيث خرج عدد من أعضاء مجلس الشعب للقول إن العقوبات على النظام سلوك وحشي وأسلوب جديد من الإرهاب الذي ترعاه أميركا في المنطقة. ونقلت صحيفة الوطن عن عدد منهم مطالبتهم برفع الحظر الدولي عن النظام، تحت ذريعة محاربة الفيروس، مدّعين أن هذا الحظر مخالف للقانون الدولي.[9]

_ يُحاول النظام الاستفادة من انشغال المجتمع الدولي بمواجهة كورونا لتحقيق مكاسب عسكرية، فأعاد تسخين الجبهة الشمالية العسكرية في شمال البلاد وخرق اتفاق وقف التصعيد بين تركيا وموسكو عدة مرات وعزز تواجده العسكري على خطوط التماس مع المعارضة بعد إرسال مقاتلين برعاية النظام الإيراني، في سبيل عودة فتح معركة إدلب واستردادها قبل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في العاميين 2021- 2022.[10]

_ سعى النظام إلى توظيف كورونا في السياق العربي محاولًا إحياء مسيرة التطبيع مع النطاق العربي ففي أقل من شهر واحد استقبل النظام ثلاثة اتصالات الأوّل مِن الشيخ محمد بن زايد، وليّ عهد دولة الإمارات، والثّاني من الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، أمّا الثّالث فجاء من قبل سلطان عُمان الجديد هيثم بن طارق، وجميع هذه الاتّصالات جاءت تحت ذريعة التهنئة بعيد الجلاء السوري وأخرى تتعلق بدعم جهود حكومة دمشق في مواجهة أزمة الوباء.[11]

تفاعلات خارجية (استثمار – توظيف)

مع بدء تفشي الوباء في سورية انطلقت الدعوات الدولية محذرة من مخاطر انتشار الوباء وتداعياته على الوضع المعيشي المنهار في سورية بعد ارتفاع نسبة البطالة لـ 50% وتفكّك عجلة الاقتصاد وتدهور وضع المعتقلين البالغ عددهم أكثر من 93 ألف معتقل، وقد تصدّرت هذه الجهود في بادئ الأمر من قبل منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والعدالة الدولية والقانونية، ومواقف دبلوماسية لمسؤولي الولايات المتحدة وأوروبا، وقد أثارت بعض المواقف مطالبة بعض الدول بتحويل مخصصات مالية من دمشق إلى إدلب لدعم مواجهة الوباء.

 كما تتمسك واشنطن وعواصم أوروبية بفرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري وسط مطالب بتعجيل تنفيذ قانون قيصر الذي سيدخل حيز التنفيذ منتصف حزيران القادم القاضي بمعاقبة أية جهة سورية أو غير سورية تساهم في إعمار سوريا قبل تحقيق حل سياسي ذي صدقية. كما تبحث دوائر أميركية وأوروبية فرض قائمة جديدة من العقوبات على حكومة دمشق بعد صدور تقارير لمنظمة الأسلحة الكيماوية في 8 نيسان/ إبريل 2020، حيث أدانت النظام بشكل مباشر عن مسؤوليته شن ثلاث هجمات بالأسلحة الكيماوية ضد شعبه.[12]

وبالنسبة لواشنطن وحلفائها فإن هذه الضغوط تُعد بمثابة رسائل لداعمي الحكومة الرئيسيين روسيا وإيران والغاية منها ممارسة ضغوطات على حكومة النظام كي تُقدم تنازلات في موضوع التسوية السياسية والابتعاد عن محور طهران وطرد ميلشياتها من سورية.

على الطرف الآخر ظهر دور فاعل لكل من روسيا وإيران وبعض الدول في الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام بذريعة أنها ستكون عائق أمام مواجهة تفشي الوباء في سورية. وقد تُرجمت وسائل الضغط الروسية عبر بث مخاوف وترويج أن المناطق التي تحتلها أمريكا في شرق الفرات وحول التنف هي أخطر مناطق لتفشي الوباء إلى جانب صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إليها. كما أن موسكو تطمح منذ عامين لتخفيف العقوبات الاقتصادية على النظام وإعادة تدوير عجلته الاقتصادية فهو هدف استراتيجي لإزالة أهم عقبة أمام مساعيها ورؤيتها للتسوية في سورية وملف إعادة الإعمار.[13]

خاتمة

بناءً على ما ذُكر فإنّ وقع أزمة كوفيد-19 على سورية وخصيصًا النظام السوري أخذت طابعًا مغايرًا عن بقية الدول التي لا تزال تُكرس جهودها ومواردها في سبيل الحفاظ على المواطنين وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد والحياة الاجتماعية، وذلك لأن سورية أساسًا تعيش عدة أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية سببها سياسات النظام السوري في تعاطيها مع مسار الأزمة السورية منذ انطلاقها في 2011.

ومن أجل تخفيف الأعباء لجأ النظام لتسييس الأزمة واعتمد مقاربة أمنية واستخباراتية في إدارتها في سبيل الاستفادة منها على المستويين الداخلي والخارجي وتحقيق أهداف سياسية واقتصادية تُفضي بإحياء شرعيته السياسية وتمنع من انهيار كامل لاقتصاده. لكن رغم وضوح آمال النظام إلا أنها تبدو قاصرة عن جعلها واقعية بعد فشله حتى الآن في إدارة الأزمة على كافة الأصعدة، بل إن حزمة الإجراءات المتواصلة في احتواء الفيروس قد أنتجت واقعًا متأزمًا وأشد وطأة مما كان عليه قبل تفشي الوباء.

وبلا شك الأزمة كما كل الأزمات التي تَعَايش معها النظام ستزيد من انكشافه على الصعيد الاقتصادي والسياسي أمام حاضنته الشعبية وستؤثر على طبيعة شبكة العلاقات مع حلفائه الداعمين له، وأمام الرأي العام والمجتمع الدولي، وإذا ما استمر الوباء آخذاً في منحى تصاعدي في الانتشار فإن ذلك قد يقود إلى مزيد من التدهور الاقتصادي المتأزم والمنهار على وقع تصاعد أزمات اقتصاد جواره الحيوي في لبنان والعراق منذ خروج موجة احتجاجات جديدة أواخر العام 2019، حيث انعكس انهيار السوق المالي اللبناني على سيولة حكومة النظام وحدث نوع من الاشتباك المالي المتبادل لا يزال مستمر حتى اليوم. على صعيد الأثر على الشرعية السياسية فمن المُتوقع تعرضها لمزيد من التآكل بعد ارتفاع مؤشرات الفساد داخل أجنحة النظام وتصاعدها، وكلما فشلت جهود النظام في عملية احتواء الخلافات بين شبكة رامي المخلوف وبعض الشخصيات الممتعضة من سياسات النظام كلما نقصت الشرعية وتضاءلت آمال رئيسها في البقاء في السلطة، لاسيما أنه مُقبل على مرحلة انتخابات رئاسية وقد لا تتم في حال انهارت عجلة الاقتصاد واتسعت بؤرة الفساد وخرجت عن الاحتواء والسيطرة.

“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2020 



[1] https://bit.ly/3aCMgn2

الجسر، الصحة العالمية تحذر: إصابات كورونا في سوريا ببداية منحنى تصاعدي، ن- 24- إبريل- 2020.

[2] https://uni.cf/2znNrtG

اليونيسيف، الأزمة السورية حقائق سريعية، ن- آب/ أغسطس- 2019.

[3] https://bit.ly/2xVZCxz

المدن، كورونا سوريا: عشرات الإصابات بين العراقيين والإيرانيين، ن- 30- 3- 2020.

[4] https://bit.ly/3cQ37UW

وزارة صحة النظام السوري، شفاء خمس حالات من الإصابات المسجلة بفيروس كورونا ليرتفع عدد حالات الشفاء الى 11حالة، ن- 25- إبريل- 2020.

[5] https://bit.ly/2KqpiVQ

معهد واشنطن، الحكومات الثلاث في سوريا في مواجهة فيروس كورونا، ن- 1- إبريل- 2020.

[6] https://bit.ly/3eGo46F

القدس العربي، مصدر طبي لـ «القدس العربي»: الإصابات تجاوزت المئات في سوريا، ن- 13- إبريل- 2020.

[7] https://bbc.in/3bHo4S8

BBC، ماذا وراء زيارة وزير خارجية إيران جواد ظريف إلى دمشق في ظل تفشي فيروس كورونا، ن- 22- إبريل- 2020.

[8] اجراء مقابلات مع بعض الأطباء عاملين في القطاع الصحي والطبي في مناطق النظام السوري.

[9] https://bit.ly/3bxPV6V

العربي الجديد، النظام السوري وكورونا: محاولات فاشلة للتوظيف السياسي، ن- 24- مارس- 2020.

[10] https://bit.ly/2zqYxye

بلدي نيوز، أردوغان: نظام الأسد يستغل ظروف “كورونا” لخرق اتفاق إدلب، ن- شوهد بـ 22- إبريل- 2020.

[11] https://bit.ly/34ZAt17

الرأي، هل الانفِتاح العربيّ هو السّبب الرئيسيّ لزيارة ظريف المُفاجِئة إلى دِمشق؟ وكيف تَقرأ طِهران هذا الانفِتاح؟ وما هي الاتّصالات الثّلاثة والتّصريح الصّحافي التي أحدثت انقِلابًا دِبلوماسيًّا في المِلف السوريّ؟ ومن أين سيَأتي الرّابع، ن- 19- إبريل- 2020.

[12] https://bit.ly/3atpuOp

العربي الجديد، هل تفتح الجمعية العامة باب محاسبة نظام الأسد؟، ن- 17- إبريل- 2020.

[13] https://bit.ly/2VW2vWX

الشرق الأوسط، موسكو تجدد الدعوة إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن دمشق، ن- 15- إبريل- 2020.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى