الاصداراتمتفرقات 1

مخرجات آستانا4 (مناطق تخفيف التوتّر)

استانا 4
 
– بحضور باهت لِـلمعنيين في إدارة الصراع، وعلى هدوء لم تكسره سوى صرخات أحد شهود محفل تنسيق الشأن السوري بين القوى الإقليمية الفاعلة وروسيّا، وقعّت الأطراف الضامنة ورقة آستانا/4 أو ما بات يُعرف باتفاق المناطق الأربعة لخفض التوتر في سوريّة، فما هي منصة آستانا للتفاوض بين أطرف الحرب السوريّة، وماذا حدث في إدارة ملف ترتيبات الصراع على الأرض، وكيف وصلت لمخرجات تخفيف التصعيد، ومَنْ الفاعلين فيها، وما هي قدرة آستانا/4 لاتفاق المناطق الأربعة على الوجود والاستمرار زمانيًّا ومكانيَّا، أسئلة سنحاول الإجابة عليها ضمن ورقة تقدير موقف وتحليل معطيات الاتفاق الموقّع في العاصمة الكازاخية يوم 4. أيار_مايو.2017مـ[1].
مقدّمة:
بين آستانا وجنيف، طريق المفاوضات وسنين الدم السوريّة:
– ضمن ما يعرف اصطلاحًا بِـ موجة الربيع العربي وبعد ما يزيد عن السنة من خروج قطاعات واسعة من الشعب السوري في مظاهرات مناديه بالتغيير، وصلت إلى حد المطالبة باسقاط نظام حزب البعث الحاكم، وما أعقبها من تحريك قطعات الجيش النظامي السوري لداخل المدن وقيام الأخير بعمليات عسكريّة واسعة ضد المدنيين تخللها عمليات قصف موسّع واستخدام لكافة الأسلحة والمعدات المخصصة للمعارك والتي يسيطر عليها جيش النظام السوري، أصدرت مجموعة العمل من أجل سوريا عقب اجتماعها بمدينة جنيف يوم 30 يونيو/ حزيران 2012 بيانًا ختاميًّا بعث به الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى رئيسي الجمعية العامة ومجلس الأمن، تحت عنوان اتفاق جنيف/1 المتضمن خارطة طريق لفرض مخرجات حلّ يوقف الصراع المتصاعد في الجهورية العربية السورية[2].
لتبدأ بعدها سلسلة من عمليات التفاوض لمجموعات عمل دولية وإقليمية مختصة بِـملف الصراع السوري تحت عنوان إيجاد حلّ للقضية السورية ضمن نطاق ترتيبات واسعة دولية تراعي مصالح الإقليم وأمن وسلامة دول الجوار الجغرافي للجمهورية المُنهارة والواقعة تحت تأثير عمليات عسكرية منظمة من قوى تقاتل بعضها على الأرض تحت مسميات دينية وعقدية وأيديولوجية عديدة عقّدت المشهد وأوصدت أبواب الحل وزادت فاتورة الدم التي يدفعها الجميع وفي مقدمتهم الشعب السوري.
صراع المنصات، وماهي منصتي آستانا وجنيف:
– بعد سلسلة لقاءات اتسمت بالبرود الدولي في التعاطي مع الأزمة المتفاقمة توصلت أطراف إقليمية ودولية إلى إيجاد منصتين للتفاوض.
أولاها: مختصّة بترتيبات الأرض، وتجميد الاقتتال بين الأطراف المُمثَّلَة في المفاوضات الدولية، يكون مقرها العاصمة الكازاخية آستانا تحت رعاية ووصاية مُباشرة من روسيا كَطرف دولي مع إيران وتركيا كًـ طرفين إقليميين معنيين بالأزمة، على أن يتمثّل في هذه المنصة النظام وفصائل المعارضة المصنّفة دوليًّا تحت بند معتدلة من فصائل جيش سوريّ حرّ منها فيلق الشام، وجيش الإسلام وفيلق الرحمن، وفرقة السلطان مراد، ولواء شهداء الإسلام/داريا، وتجمع فاستقم والجبهة الشامية، وغرفة عمليات حلب، وكتائب إسلامية وسطيّة داعمة للتفاوض ممثَّلة بِـ حركة أحرار الشام الإسلاميّة[3].
ثانيها: في جنيف تختص بِـ إجراءات بناء الثقة وترتيبات الحكم الانتقالي التي تشمل الصلاحيات التنفيذية وشكل الدولة ونظام الحكم، والدستور، تتواجد فيها شخصيات من النظام وممثلين عن المعارضة السياسية ممثلة بِـ الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة من أجسام سياسية منها الائتلاف والمجلس الوطني الكردي ومؤتمر القاهرة للمعارضة السوريّة، وهيئة التنسيق[4].
على أن تتبنّى المنصتين مبادرة النقاط الست ومخرجات جنيف كَـ أساس تفاوضي يُرفَق بِـ القرارات الدولية المبنيّة عليه وما نجم عنها من خارطة طريق لإنهاء الصراع في سوريّة، وعلى سبيل الذكرى نمر على خطة المبعوث الدولي كوفي عنان للنقاط الست حول الصراع في سوريّة:

  1. الالتزام بالعمل من أجل عملية سياسية شاملة يقودها السوريون.
  2. الالتزام بوقف جميع أعمال العنف المسلح، بما في ذلك استخدام الأسلحة الثقيلة وسحب القوات ووقف تحركات قوات الجيش باتجاه المناطق المأهولة بالسكان.
  3. تطبيق هدنة يومية لمدة ساعتين للسماح بإدخال المساعدات إلى جميع المناطق المتضررة من القتال.
  4. الإفراج عن جميع من جرى اعتقالهم تعسفياً بمن فيهم المعتقلون لقيامهم بنشاطات سياسية سلمية.
  5. الاتفاق على ضمان حرية الحركة للصحفيين في جميع أنحاء البلاد وتبني سياسة لا تقوم على التمييز بشأن منحهم تأشيرات لدخول البلاد.
  6. الاتفاق على حرية تكوين المؤسسات وحق التظاهر السلمي على أنها حقوق مضمونة قانونيا[5].

إلَا أن قبول المعارضة تقسيمها إلى معارضات سياسية وعسكرية في منصتين مختلفتين وتحت وصايات مختلفة أدّى إلى نتائج سلبية منها:

  1. تشرذم المعارضة غير المتماسكة أساسًا وإضعاف تكتلها السابق.
  2. سحب شرعية التواجد على الأرض من المعارضة السياسية التي تصنّف نفسها الممثل الرئيس لمطالب الشعب.
  3. أضعف تأثير المعارضة العسكرية بعد تعريتها من الغطاء السياسي الذي يحظى بقبول دولي أوسع من السلاح.
  4. عرّى مسألة المحاصصة والتمثيل البيني بين الفصائل والقوى السياسية.
  5. أظهر مدى التأثير الإقليمي والدولي في أجسام المعارضة، وصراعها على فرض ممثليها في المنصات.
  6. ظهور النظام بمظهر المتماسك من خلال وفد دبلوماسي واحد يرأسه ممثل واحد هو بشار الجعفري أمام الصورة السابقة المذكورة لوضع المعارضات.

لكنّ الرغبات الروسية والإيرانية كانت واضحة باستغلال آستانا أكثر من جنيف والتركيز عليها من أجل أهداف:

  1. الاستغلال المكاني لموقع المفاوضات القريب من روسيا والواقع تحت تأثير النفوذ الروسي الممثل باتحاد جمهوريات الرابطة المستقلة القائم على أنقاض اتحاد جمهوريات مجلس السوفييت الأعلى المنهار سابقاً.
  2. الاستغلال الزماني لفرض واقع مبني على وضع الإدارة الأمريكية لأوباما المترنّح والضعيف في ملفات الشرق الأوسط قبل وصول إدارة جديدة إلى رئاسة الولايات المتحدة قد تغير قواعد الاشتباك المصالحي في الأرض.
  3. استفادة الاتحاد الروسي من علاقات ضباط أجهزتها العسكرية والاستخباراتيّة بِـ ضباط الجيش السوري سواء العاملين في النظام أو المنشقين عنه في فرض أجندة روسيا لترتيبات الحلّ النهائي.
  4. يضاف لكل هذا ما ستحصل عليه روسيا من وزن دولي يعطيها القدرة على التشويش في أيّ اتفاق تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها فرضه في سوريّة بمعزل عن الرغبات الروسية التي تسعى لتثبيت وضع النظام ولو بدون رأسه بشار الأسد الذي ستستعد للتخلي عنّه أمام أيّ صفقة كبرى تفرضها كَـ قوّة مؤمَّنة المصالح الجيو -سياسية والاقتصادية على أنقاض الجمهورية السورية.

وبناء على كلّ المعطيات السابقة والتي اعتمدت على ثلاثية (المماطلة الزمانيّة، والقضم العسكري المكاني، وأخطاء المعارضة سياسيّاً وعسكريًّا)، استطاع حلفاء النظام إيصاله مسنودًا بثقل دبلوماسي واستراتيجي ثابت وحقيقي إلى نقطة الخروج من عنق زجاجة التطويق والعزل في اتفاق فرضته روسيا على جميع الأطراف يعرف الآن بِـ اتفاق آستانا أربعة، والمخصص لفرض مناطق تخفيف توتر في أربع مناطق عملياتيّة على الأرض.
 
ما هو اتفاق آستانة لتخفيف التوتّر!؟
– هو اتفاق عملياتي يضمن فرض مناطق لتخفيف النزاع المسلح ضمن الجغرافية السورية، عبر أربع مناطق عسكرية حددتها الدول الضامنة لمنصة آستانا (روسيا الاتحادية، والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، والجمهوريّة التركيّة) بناء على ما نَصّ عليه اتفاق إنشاء مناطق تخفيض التصعيد والخطوط الآمنة علماً أنّه إجراء مؤقت، مدته في البداية 6 أشهر، وسيتم تمديده تلقائيا على أساس توافق الضامنين/ حسب ما تضمن الاتفاق على الأساس التالي:
المنطقة 1: محافظة إدلب وبعض أجزاء الجوار (محافظات اللاذقية وحماة وحلب).
المنطقة 2: أجزاء معينة في شمال محافظة حمص.
المنطقة 3: الغوطة الشرقية.
المنطقة 4: بعض مناطق جنوب سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة)[6].
كما يضمن التفاهم حسب نص الاتفاق توفير إمكانية وصول المساعدات الإنسانية والمعونة الطبية للسكان المحليين بسرعة وأمان من دون معوقات، وكذلك اتخاذ تدابير لاستعادة مرافق البنية التحتية الأساسية التي تضمن عودة اللاجئين والنازحين داخليا بصورة آمنة وطوعيّة[7].
وتكفل قوات الدول الضامنة على أساس التوافق عمل نقاط التفتيش ومراكز المراقبة وإدارة المناطق الأمنية ويمكن أن تنشر الأطراف الثالثة قواتها، إذا لزم الأمر، على أساس توافق آراء الضامنين[8].
– ونظراً لظروف عقد هذا الاتفاق نحتاج لتفنيد بنود الاتفاق وثغراته التي بدت من خلال الوثائق الصادرة عن أستانا وما أعقبها من ردود افعال داخلية _فصائليّة_ وكذلك إقليميّة ودولية.
 
نظرة على مخرجات أستانا/4 ومذكّرة تخفيف التوتّر:
1- لم تُذيّل الورقة بِـ توقيع النظام الذي لطالما أصرّ على تمثيله للدولة السوريّة وسيادتها بناءً على شرعية وجوده في المحافل الدولية الرئيسية وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
وكذلك الفصائل المسلحة لم يكن لها توقيع مكتفيةً كما ممثلي النظام بتبادل المهاترات أثناء شهودهم محفل آستانا.
2- العبارة الواردة في الترجمات التي تبنتها غرفة عمليات حميميم للقوات الروسية _الطرف المشرف والمراقب لبنود الاتفاق_ لم تساوِ بين النظام، وبين الفصائل بل على العكس تماماً وصفت النظام بِـ الحكومة السوريّة، ووصفت المعارضة بِـ الفصائل المعارضة، وهذه سقطة دبلوماسية لِـفصائل الحراك المسلح التي قبلت ولو ضمنيًّا هي وداعميها النظام كَـ ممثل شرعي للدولة السورية.
– وأوردت الترجمة: “وقف الأعمال العدائية بين الأطراف المتنازعة (حكومة الجمهورية العربية السورية وجماعات المعارضة المسلحة التي انضمت إلى نظام وقف إطلاق النار وستنضم إليه)[9]“.
3- تحدث البند الثالث عن إيجاد مناطق أمنية تحت صيغة: “لمنع وقوع حوادث ومواجهات عسكرية بين الأطراف المتنازعة، تنشأ على حدود مناطق تخفيف التصعيد خطوط أمنية[10]“، وأعاد تفسير وتعزيز الفقرة عبر بند لاحق بالصيغة التالية: “عمل نقاط التفتيش ومراكز المراقبة وكذلك إدارة المناطق الأمنية يجب أن تكفلها قوات الدول الضامنة على أساس التوافق، ويمكن أن تنشر الأطراف الثالثة قواتها إذا لزم الأمر على أساس توافق آراء الضامن”[11].
 
– الفقرتان جاءتا قبل الملحق في ورقة الوثيقة تحت عنوان “خامسًا: الضامنون يلتزمون بما يلي[12]” وهذا يترك المجال مفتوح لقوات النظام الأمنية وكذلك الفصائل أن تقيم حواجزها الخاصة مما يعتبر استمرار لخطر التهديد التعسفي من قبل قوات النظام للمدنيين وكذلك الخطف الذي قد تمارسه فصائل مسلحة.
4- ورد تحت البند _سادسًا_ الصادر في مذكّرة آستانا التالي: “يقوم الضامنون باتخاذ الخطوات لإنجاز خرائط مناطق تخفيف التصعيد والمناطق الأمنية بحلول 4 حزيران 2017، وكذلك فصل جماعات المعارضة المسلحة عن الجماعات الإرهابية المذكورة في الفقرة 5 من المذكرة” وأيضاً “يعد فريق العمل المشترك بحلول التاريخ المذكور أعلاه خرائط مناطق تخفيف التصعيد والمناطق الأمنية كي يتم إقرارها من قبل الضامنين، وكذلك مسودة مشروع فريق العامل المشترك[13]“.
 
 وبناء على الخرائط التقريبيّة الصادرة يُلحَظ خلط بين مناطق الأطراف.

  1. مواقع النظام، تبدو متوسعة على حساب مناطق لاتزال تحت تأثير فصائل معارضة وهذا ظهر في الريف الدمشقي، ومحاور عمليات الريف الحموي.
  2. مناطق الفصائل المعادية للنظام، متداخلة ومبهمة وتخلط بين مواقع هيئة تحرير الشام _المصنفة إرهابية_ وبين الفصائل المعتدلة.
  3. اغفال مناطق قسد _قوات مجلس سوريّة الديمقراطية_ وحتى لو اعتبرنا قوات (قسد) غير مُممثلة في آستانا نشير إلى وقوع مناطق واسعة في خط عمليات الشمال الشرقي والشمال الأوسط السوري في نطاق اشتباك فعلي بين فصائل معتدلة وعناصر قسد، وتعمّد إغفالها يهدد بنسف عمليات تجميد الاشتباك التي تحدثت المذكرة عن الوصول لها بوقت قادم بعد تثبيت خطوات مذكرة تخفيف التصعيد.
  4. غياب آليات التنفيذ، ومعها صيغة نشر المراقبين، والتغافُل عن الإطار العملي لفرض عقوبات أو محاسبة على المخالف لبنود المذكرة وإجراءاتها على الأرض سواء فض الاشتباك أو بنود بناء الثقة.

 
المواقف الصادرة على مذكرة تخفيف التصعيد:
– اختلفت المواقف بين مرحبة وساكتة بانتظار النتائج، وباردة اتجاه مخرجات قد تغير شكل المنطقة.
أولًا: روسيا وإيران:
اتسم موقف الدولتين بالترحيب بِـ مخرجات مذكرة آستانا/4، مع اختلاف التطبيق الإجرائي الذي يظهر على الأرض بين نفوذ إيراني متمدد ومحاولات روسية لتطويقه ولجمه باعتباره عائق أمام مشروع روسيا في سوريّة، ونذكر على سبيل المثال ما قامت به القوات الروسية من فرض فصيل “شيعي” يعتبر معارض لنفوذ حزب الله في منطقة قرب القصير تحت مسمى درع الوطن يؤكّد وجود نيّةٍ روسيّة للتعاون مع أبناء المنطقة انطلاقاً من خطط موسكو في سورية وهذا بناء على معلومات حصلنا عليها لصالح التقرير من 12/قرية على الشريط الحدودي السوري اللبناني والذي باتت تسيطر عليه مليشيات من آلـ جعفر مسنودة بتسليح روسي ووعود إنمائية، تحدثت عنها أيضًا صحافة محلية لبنانية[14].
ثانيًّا: النظام السوري:
تعهد عبر وزارة خارجيته بالالتزام بمذكرة التفاهم الصادرة تحت عنوان تخفيف التوتر، رغم استمرار عملياته العسكرية سواء في ظهير القلمون، أو عمليات القصف على مناطق ريف حماه، وكذلك استمرار التهجير في مواقع عديدة منها ما حدث من تهجير أهالي برزة وفرض اتفاق مشابه على القابون الدمشقي[15].
ثالثًا: الفصائل المعتدلة، والمُمَثَلَة في آستانا:
رغم رفض بعض المشاركين في المؤتمر توقيع إيران على المذكرة، ومنهم ممثل غرفة عمليات فتح حلب الرائد ياسر عبد الرحيم، إلا أن موقف الفصائل يظهر على الأرض بِـ الالتزام التام بمخرجات المذكرة، بِـ استثناء حالة المواجهة المتصاعدة في ظهير القلمون الممتدّة من منطقة سبع بيار حتى طريق دمشق بغداد الدولي بعد هجوم النظام على فصائل غرفة سرجنا الجياد[16] والمؤلفة من فصائل مدعومة من غرفة تنسيق الدعم بين أصدقاء الشعب السوري (الموك)، المُحاربة لتنظيم الدولة في المنطقة.
 
رابعًا: الهيئة العليا للمفاوضات (ممثل المعارضة السياسية):
عبّرَت الهيئة العليا لِـلمعارضة السوريّة عن رفضها مخرجات الجولة الرابعة من مباحثات أستانا، محذرة أنّ الاتفاق الذي وصفته بِـ الممهِّد للتقسيم يفتقد أي آليات حقيقية لِـلتطبيق[17].
وبهذا يعود إلى الواجهة الصراع _الذي مرّ في التقرير_ بين ممثليات الفصائل المسلحة، وبين المعارضات السياسية من منحى أخر، ويؤكّد مضي التفاوض في مسارين منفصلين هما منصتي آستانا وجنيف.
خامساً: هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة أو تنظيم القاعدة في بلاد الشام حسب أدبيات تحالف مكافحة الإرهاب):
بعد صمت قليل أعقب الإعلان الثلاثي للدول الضامنة عن مذكرة آستانا صدر بيان الهيئة المُهاجم لِـ مذكرة آستانة بِـ اعتباره مناورة على مكتسبات الشعب السوري، ومؤامرة حذرت الهيئة كل الأطراف من الانجرار فيها مهددة فصائل آستانا بالمحاسبة ومتوعدة تركيا (الضامن للاتفاق المشبوه) كما وصف البيان مذكرة آستانا[18].
 سادسًا: تركيا:
رغم كون الأتراك أحد الضامنين لمذكرة آستانا/4 إلّا أنّ موقفها يتسم بالغموض، وهذا قد يكون عائد لسببين:
الأول: الاتفاق معارض لرغبات أمريكية في سورية وهذا كفيل بأن يضعف الاتفاق وينهيه.
الثاني: الاتفاق سيؤدي إلى اصطدام بين القوات الروسية والإيرانية نظرًا لتداخل المصالح في مناطق عديدة منها مثلث القصير القريتين مهين الذي مررنا على ذكر لمحة عنه في هذا التقرير، وكذلك محاور سفيرة حلب المدينة التي كادت أن توصل القوات الروسية والإيرانية لمواجهة حقيقية عقب اتفاق إخلاء وتسليم حلب للنظام.
الثالث: تغييب مناطق سيطرة الوحدات الكردية عن المذكرة، مما يعطي تركيا قدرة على استمرار المناورة السياسية والعسكرية لتحقيق خرق يلجم الطموحات الكردية في دويلة تهدد أمن واستقرار الأمّة التركية.
– وهذه الأسباب قد تكون سبب مقنع لقيادة الأمن القومي التركي أنّ المذكرة هشّة وغير مهددة لمصالح الدولة التركية العليا سواء في حدودها الجنوبية أو داخل مناطق نفوذها في عمق الأراضي السوريّة.
 
سابعًا: مجلس سورية الديمقراطية:
وهو الطرف غير المعني بكل ما يحصل، والساعي لتثبيت وتوثيق نقاط ارتكاز مشروعه الفيدرالي كما يسميه أو الانفصالي كما يسميه خصومه، محاولًا النأي بنفسه عن صراع دولي لا طائلة من الدخول فيه، وهذه المقاربة صرّح فيها الرئيس المشترك للمجلس رياض درار في مناسبات عدّة[19].
ثامنا: الولايات المتحدة الأمريكيّة:
ونشمل معها في هذا البند الدول الحليفة لها كّـ المملكة الأردنية الهاشمية، والعربية السعودية، وبالنسبة لهذه الأطراف تعتبر المذكّرة تشويش واضح على الخطة الأمريكية التي وقّعها الرئيس الأمريكي ترامب قرارها التنفيذي مطلع العام الجاري والتي تتحدث عن مناطق فرض إعادة استقرار أو مناطق آمنة حسب التسميات المتداولة[20].
إضافة لأنها تسمح للنظام تعزيز قواته الأساسية والحليفة _مليشيات طائفية_ في محاور البادية التدمرية وظهير القلمون ومنطقة السبع بيار التي استرجعها الأخير رسميا بعد المعركة المباغتة التي فتحها ضد فصائل غرفة الموك المدعومة أميركياً في ظهير القلمون وعلى خط بغداد دمشق[21]، مما يعني تعطيل التقدّم الذي تقوده فصائل معتدلة تدعمها الولايات المتحدة في منطقة بادية البوكمال التي تعد حيوية بالنسبة لسلسلة القواعد الأمريكية والتي تشكّل مثلث تتداخل فيه الحدود السوريّة العراقية في قاعدة عين الأسد الجوية العراقية في الشرق، وقاعدتي التنف في الجنوب والشدادي في الشمال السوري.
– ليبقى الموقف الأوربي الغارق في مشاكله الداخلية التي لا تبدأ بالأمن ولا تنتهي بوصول اليمين ومشاكل الاقتصاد المغلق المُهَدِّد لَـلقارة العجوز، وهذا الموقف لا يرتاح لأي شيء يصدر بمباركة وتعميد روسي نظرًا للتجارب _المريرة_ مع روسيا في أوكرانيا والقرم.
ثامنًا: شعبيًّا:
بناء على سبر آراء لصالح هذا التقرير تمّ في ثلاث مناطق تشملها مذكّرة أستانا/4 وهي غوطة دمشق، والريف الشمالي الحمصي، وكذلك إدلب لمسنا أنّ الداخل السوري لا يزال ببعده الشعبي رافضًا لأي اتفاق يفضي ببقاء رأس النظام ودائرته الضيقة (النواة الصلبة) على رأس الحكم، ومبديًا عدم مبالاة بكل ما ينتج عن غرف المفاوضات وهذا لعدم وجود أيّ ثقة بالنظام وكذلك تجربة حكم الفصائل التي تعاني من ضعف القاعدة الشعبية.
– ولكن نتيجة لِـمرور ست سنوات من الحرب والتدمير والتخلي الأممي عن مأساة السوريين، يترقّب الناس أي بارقة أمل تؤدّي إلى وقف جزئي للنار، وتسمح بعودة ولو محدودة لسبل العيش.
 
خاتمة وتوصيات:
وبهذا يظهر خطأ المعارضة الفصائلية العسكرية بقبول المذكرة أو السكوت عنها، كونها ستضع نفسها أما خياري:

  1. العداء المطلق لِـمصالح الولايات المتحدة، وحلفائها الإقليميين.
  2. خطر الانقسام والتشظّي تحت نفوذين أمريكي في الجنوب وروسي في الوسط والشمال.

إضافة إلى أنّها في كلا الحالتين ستدخل في مواجهة مفتوحة مع أعداء الطرفين وهم تنظيم الدولة، وهيئة تحرير الشام وتلتفت تمامًا عن مواجهة النظام المستمر بسياسة القضم الهادىء والقوي لكل خطوط الاشتباك الرئيسة مع المعارضة وفرض معادلة الترحيل نحو الشمال على كل أهالي وسكان المناطق الخارجة عن سيطرته سابقًا.
بينما لا زالت هذه الفصائل تمتلك قدرة التملّص من التنفيذ والمناورة على المذكّرة بناءًّ على:

  • أ‌- رغم حضورها الشكلي لمحفل آستانا، المعارضات المسلحة لم توقّع على المذكّرة شأنها شأن النظام.
  • ب‌- المذكّرة لا تمتلك آليات تنفيذ وهذا يفقدها صفة الإلزام المباشر للأطراف مما يعطي المعارضة الأحقية ذاتها التي يمارسها النظام بِـ استمرار قصفه ومعاركه على الأرض.
  • ت‌- الاستناد على موقف المعارضة السياسية الرافض للاتفاق.
  • ث‌- الاتفاق لم يسند بقرار أممي داعم.

بناءّ على ما مرّ قد يكون سقوط الاتفاق أكبر من احتماليات استمراره التي تريدها روسيا على مقياس مصالحها الخاصة في سوريّة المفيدة والتي تمتد غرب صدع العاصي من جنوبي ولاية هاتاي التركية حتى شمال القلمون، ضمن مجموع القواعد المركزية المتواجدة على الأرض وهي حميميم للأمن والاستطلاع والقيادة، وطرطوس البحرية، وجورين للإطلاق البالستي المتقدّم والتي تعطّل قبتها الصاروخية منظومة الناتو في الشمال والشمال الشرقي الأوربي، وبهذا تكون سوريّة قد أدخلت الأمريكان والروس حافة الاشتباك العملياتي المباشر بعد أن كان الاشتباك عبر الوكلاء على الأرض، في تكرار لأزمات كادت أن تتسبب بحرب أممية جديدة كما الحرب الكورية أو أزمة كوبا وخليج الخنازير، ويضاف لما سبق أنّ المذكرة انقلاب على مقررات جنيف، ونقاطها الدولية الستة، كونها أغفلت الحل السياسي وانتقال السلطة، واتجهت بدل ذلك لفرض مناطق نفوذ داخلية قد يهدد وجودها استقرار الحوض المتوسطي وشكل دوله الثابت منذ مئة سنة.
للتحميل من هنا

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2017

 
 
[1]https://goo.gl/oIpV23 // العربية، موقع ويب: أستانا تقر اتفاق المناطق الـ4 بسوريا. نشر 5.5.2017مـ.
[2]https://goo.gl/xwJXHS // الجزيرة، شبكة إخبارية مرئية، اتفاق جنيف1. نشر 26.1.214مـ.
[3]https://goo.gl/Pc0QwT // وكالة RT الروسيّة: المشاركون عن المعارضة في مفاوضات أستانا. نشر 16.1.2017مـ.
[4]https://goo.gl/FFz44k // مركز الشرق العربي للدراسات الحضاريّة: الهيئة العليا للمعارضة السورية. نشر 5.1.2016مـ.
[5]https://goo.gl/PgR1Nh // سكاي نيوز، موقع ويب: البنود الستة لخطة أنان. نشر 27.3.2012مـ.
[6]https://goo.gl/he8y4F // وكالة RT الروسيّة: المذكرة الخاصة بإنشاء مناطق لتخفيف حدة التصعيد في سوريا. نشر 6.5.2017.
[7]– المصدر السابق.
[8]– المصدر السابق.
[9]– المصدر السابق.
[10]– المصدر السابق.
[11]– المصدر السابق.
[12]– المصدر السابق.
[13]– المصدر السابق.
[14]https://goo.gl/tGtpM4 // ليبانون ديبايت، موقع إلكتروني يعني بالشآن الداخلي اللبنابي: فصيل عسكري بقيادة آل جعفر ودعم روسيا. نشر 11.4.2017مـ.
[15]https://goo.gl/yT1LXj // العربي21، موقع ويب: بدء إجلاء حي برزة، والقابون ينتظر، منار عبد الرزاق. نشر 8.5.2017مـ.
[16]https://goo.gl/jYWgaT // بالميرا مونيتور، موقع ويب إخباري، النظام يباغت المعارضة. نشر 7.5.2017مـ.
[17]https://goo.gl/1g3Udo // الاتحاد بريس، موقع ويب، هيئة المفاوضات تنتقد أستانا وتعتبره بداية للتقسيم. نشر5.5.2017مـ.
[18]https://goo.gl/GF6Vqq // الدرر الشامية، موقع ويب: هيئة تحرير الشام تقرع طبول الحرب. نشر 10.5.2017مـ.
[19]https://goo.gl/ISVnC4 _ https://goo.gl/b0fYr4 // إذاعة هوا سمارت، برنامج صدى الحدث: لقاء مع رياض درار. 3.5.2017مـ.
[20]https://goo.gl/P9siIF // وكالة RT الروسيّة: ترامب يؤكد على إقامة مناطق آمنة في سورية. نشر 26.1.2017مـ.
[21]https://goo.gl/jYWgaT // بالميرا مونيتور، موقع ويب إخباري، النظام يباغت المعارضة. نشر 7.5.2017مـ.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى