الاصداراتترجمات

في تونس، لدى قيس سعيد “مهلة للتوفيق بين الدولة والمواطن”

بالنسبة لِلبنى جريبي رئيسة مركز سوليدار يجب أن يبدأ الرئيس الجديد مشروعًا واسعًا للإصلاحات والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

الانتصار الساحق للمرشح قيس سعيد في انتخابات الرئاسة التونسية يوم 13 تشرين الأول/أكتوبر قد فاجأ الكثيرين في تونس كما في أماكن أخرى من العالم، وكان في نفس الوقت غير مستغربٍ لآخرين بل وكان متوقعًا.

انتصارٌ بهذا الحجم (77.71%) من الأصوات التي تمّ التصويت بها بنسبة مشاركةٍ وصلت إلى 55%، لم يتم تسجيلها من قبل في استحقاقٍ ديمقراطي في تونس، فكانت زلزالًا سياسيًّا حيث جاء كترجمةٍ لنتائج الانتخابات التشريعية بل شكّلت جوهر هذه الانتخابات.

هي إذًا الخُلاصة التي توقعتْها بالفعل الدراسة التي أُجريت عن توقعات التونسيين في أيلول/سبتمبر 2019 بمبادرةٍ من جمعيات ومراكز تونسية (سوليدار تونس، رابطة النساء التونسيات للبحوث والتنمية AFTURD ).

من هذه الدراسات، دراسةٌ استقصائيةٌ أُجريت في 14 محافظةٍ في البلاد (1200 مسح شملتها الدراسة) توضح وجود فجوةٍ كبيرةٍ بين توقعات التونسيين والوعود والخطب السياسية.

كما كشفت هذه الدراسة عن افتقارٍ واسعٍ للثقة حيث أن 80% ممن شملهم الاستطلاع لا يثقون بالحكام والطبقة السياسية ومؤسسات الدولة، وهذا ما يفسّر جزئيًا العقبات التي تحول دون جهدٍ إصلاحي حتى وإن كان متواضعًا.

كما أنّ ما يقرب من 85% من المستطلعين أظهروا أنّهم غير مقتنعين بالمستقبل في هذا الوضع الحالي، وهو ما كان يُعتبر حينها علامةً مبدئيةً عن رفض التصويت للممثلين السياسيين الحاليين في انتخابات الرئاسة التي جرت مؤخّرًا.

إحباطٌ كبير:

أظهر المسح الميداني قبل كلّ شيءٍ تغيّرًا عميقًا من حيث التوقّعات الاجتماعية والاقتصادية وتوقّعات المواطن.

في الواقع، وعلى عكس ما يميل البعض إلى التفكير فيه، فإنّ حالات عدم الرضا التي يتمّ التعبير عنها لا تكاد تكون مرتبطةً بالحصول على الخدمات العامة بقدر ما تتعلق بعلاقة الفرد مع هذه الخدمات.

على هذا الأساس توضح الدراسات أنّ 80% من التونسيين يشعرون بقدرٍ كبيرٍ من الإحباط والحَرج بل وحتى الإهانة في تجربتهم فيما يخص علاقتهم بالخدمات العامّة (النقل والصحة والخدمات البلدية).

 يتضح من ذلك أن المواطن التونسي يُطالب بحقّه في الاحترام في علاقته مع الخدمات العامة ويتطلع إلى المزيد من الاعتراف والتثمين، وهو مهتمٌّ كذلك باحترام سيادة القانون ومبادئ المُساءلة والشفافية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

من جهته قيس سعيد وعندما كان في مرحلة الترشيح لرئاسة الجمهورية ردّ على هذه التطلّعات بوضوح، حيث قام من خلال موقفه وبصورة الفقيه بالقانون التي ظهر بها، قام باختصار بتجسيد الإسقاط نحو المواطنة في دولة عادلةٍ ومنصفة، كما قام بإنشاء مصالحةٍ متبادلة بين الدولة والمواطن.

هذا هو الإسقاط الذي أبرزته الدراسة المذكورة أعلاه حول رؤية المستقبل، فقد بُني كل ذلك على طموح دولةٍ عادلةٍ ومزدهرةٍ وحديثة تتوجه نحو المستقبل.

مثل هذه الرؤية، التي تحمل طموحًا وقيمًا، تَشكَّل الأساسُ المشترك  للتطلعات التونسية، حيث تتضمن مشروعًا واسعًا للإصلاحات والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، لذلك يجب أن تحقق قبل كلّ شيء نقلةً نوعيةً في العقليّات.

هامش المناورة كبير جدًا:

مع وجود درجةٍ انتخابية استثنائية حصل عليها قيس سعيد فقد تمتع الرئيس الجديد بشرعيةٍ كبيرةٍ للانخراط بعمله، أو على الأقل لتحفيز حركة التحول العميق الضرورية للبلاد في هذه المرحلة.

من هنا يتمثّل أحد العناصر المهمة في مراحل تنفيذ مشروع قيس سعيد في وضع المواطن في قلب هذا التحوّل وفي قلب السياسات العامة.

يُعبّر فصل (السلطة المحلية) في دستور 2014 أي بعد الثورة عن فلسفةٍ تُمكّن المجتمعات المحليّة في تنميتها الاجتماعية والاقتصادية، فمن الضروري الآن تسريع وتيرة إنشاء المؤسسات والآليات المتعلقة بالحكم اللامركزي.

لذلك يمكن أن يكون قبول المواطن ووضعه كممثل أساسي في التحول بمثابة رافعةٍ ومُسرّعٍ للمشاريع والاصلاحات.

في الواقع ومن خلال تقييم خطّة التنمية 2016-2020 والتي نفذها مركز (سوليدار تونس) بالتعاون مع الحكومة، فقد تمّ إيضاح العوامل الرئيسة التي تعوق مشاريع التنمية في المناطق والتي ترتبط بعدم وجود رؤية عامة ومشتركة.

بالإضافة إلى ذلك هناك القضايا المتعلقة بالعقارات والممتلكات، وصعوبة الإدارة المحلية وصعوبات في النزاعات المحلية وعدم الالتزام وحتى عدم وجود معلومات عن المواطنين المحليين.

لذلك فإنّ النهج التشاركي على مستوى التخطيط الاستراتيجي منصوص عليه بالفعل في مدونة السلطات المحلية، وسيتم دعوة المجالس البلدية لتقديم خططها لاعتماد خطّةٍ خمسية 2021-2025 على المستوى المركزي.

ولكن هذا العمل لا يزال من الصعب تنفيذه اليوم بالنسبة للبلديات التي تفتقر إلى الموارد والتدريب وكذلك تفتقر إلى الأدوات اللازمة لمثل هذا التدريب.

لبنى جريبي (رئيس مركز سوليدار للأبحاث ومقره تونس، وعضو سابق في الجمعية الوطنية التأسيسية من تشرين الأول أكتوبر 2011 حتى نفس الشهر من عام 2015)

صحيفة لوموند 23 تشرين الأول/أكتوبر 2019

الرابط الأصلي من هنا

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى