الاصداراتمشاهد

المشهد الخليجي: أمن الخليج وأبرز التحديات

منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 واكبت تلك المنظمة عدة ملفات حساسة على رأسها حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران والتي استمرت ثماني سنوات، وحرب الخليج الثانية 1990 بين العراق والكويت، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، مما جعل هذه المنطقة تواجه تهديدات مستمرة على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية بعيدة المدى، وفرضت عليها قيوداً بعدم تطوير عمل هذه المنظمة بين الدول المنضوية تحت رايتها، فبقي تأثيرها محدوداً على الصعيد العربي والدولي.

وفي الوقت الحالي يعود المجلس مجدداً ليواجه تهديدات مستمرة بل ومرتفعة المخاطر منها سياسات إيران التوسعية في المنطقة، وملف مكافحة الإرهاب والأزمة الخليجية. لا سيما بعد أن تعرضت مصالح دول الإمارات والسعودية للاستهداف المباشر مؤخراً، أي أن حجم التهديد وصل إلى عمق الأمن القومي الخليجي من جهة الشرق في الإمارات ومن جهة الغرب في السعودية، وكذلك جنوباً في اليمن وشمالاً بالعراق وسوريا. بالتالي فإن مجلس التعاون أمام استحقاقات كبيرة للوصول إلى استراتيجية تمكنها من حماية الداخل الخليجي من المؤثرات الإقليمية الخارجية المحيطة. ولذلك قامت المملكة العربية السعودية بالدعوة لعقد اجتماعات قمة خليجية وعربية وإسلامية طارئة لبحث آخر المستجدات الطارئة على الساحة.

مستقبل وتحديات الأمن القومي الخليجي (أهم مهددات المنظومة الخليجية)

  • الأزمة الخليجية

تعتبر مشكلة رئيسية مؤثرة في الأمن الخليجي لأنها مشكلة داخلية، إذ إن الانقسام الحاصل بين دول المحور (السعودية والإمارات) وبين دولة قطر قد يتجه للتصعيد في أي وقت، لكن مجلس التعاون كمنظمة يدرك أن ذلك ليس من مصلحة دول الخليج لذلك تلعب الكويت دور الوساطة بين حين وآخر لامتصاص حالة التصعيد بين دول المحور ودولة قطر، وكذلك تتم دعوة الأخيرة لحضور اجتماعات مجلس التعاون باعتبارها جزءًا منه، لكن هذه الخطوات تُعتبر حلاً مؤقتًا قد يجدي على المدى القريب لكن بالنسبة لرسم استراتيجية الأمن القومي المتكاملة فإن استمرار الأزمة الخليجية يهدد بانهيار جزء كبير منها. خصوصاً بعد أن اعتبرت الإمارات عام 2017 أن: “مقاطعة دولة قطر هي خطوة ضرورية لحماية الأمن القومي الخليجي والعربي”([1])، ما أثار العديد من التساؤلات حول منطقية رؤية دولة الإمارات والمجلس ككل لمستقبل الأمن الخليجي.

  • القضية اليمنية

منذ خمس سنوات قامت ميليشيات الحوثي بضرب الأمن القومي الخليجي بشكل مباشر عندما استولت على العاصمة اليمنية صنعاء بانقلاب عسكري على حكومة الشرعية اليمنية بقيادة الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، وشكل ذلك انعطافاً خطيراً في حدود الخليج البحرية الجنوبية المطلة على بحر العرب والمرتبط بالبحر الأحمر غرب السعودية بخليج عدن، الذي يشرف بدوره على بوابة الخليج نحو إفريقيا مضيق باب المندب. لذلك فإن عدم التوصل لحل سياسي مستدام للقضية اليمنية وعدم تمكن قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من شن ضربات حيوية ضد الحوثيين واسترجاع صنعاء سيؤدي إلى تفاقم هذا الخطر على أمن الحدود الجنوبية للخليج العربي، وإن كان هناك مكاسب معينة تمكنت دول المحور من تحقيقها خلال فترة الخمس سنوات الماضية في اليمن، إلا أن انعكاس هذه الأزمة على المدى البعيد قد يؤدي إلى خسارة تلك المصالح بالمجمل وتهديد العمق الخليجي وقد ظهر ذلك في الاعتدائين اللذين حصلا مؤخراً على سفن إماراتية ومحطتي ضخ نفط سعوديتين يشتبه قيام مليشيات الحوثي بها بدعم من إيران.

  • سياسة إيران وأنشطتها

تدرك المنظومة الخليجية حجم التدخلات الإيرانية التوسعية في المنطقة، ومدى خطرها على سلامة أمن دول مجلس التعاون، وتحاول طهران بدورها اختراق هذا الطوق من الداخل عبر دعم ميليشيات الحوثي ودعم جماعات معنية شيعية داخل البحرين والسعودية لإحداث تغيير في المشهد السياسي، كما تحاول إيران استمالة القطريين لتعزيز العلاقات معها وإبعادها عن أي حل لأزمتها مع دول المحور. ومن الخارج أيضاً عبر دعم الميليشيات الطائفية في العراق وسوريا أي بالمحيط الإقليمي لمجلس التعاون. في حين ومن جانبها بعض السياسات الخليجية نجحت إلى حد ما في تقليص خطر الأنشطة الإيرانية، لكن دول الخليج تحتاج لاستراتيجية ردع شاملة لسلوك طهران تؤدي إلى عدم السماح لها بإحداث تكامل في الاختراقات التي تقوم بها للطوق الأمني الخليجي من الداخل والخارج.

  • مكافحة الإرهاب والتطرف

كان أحد أهم التحديات التي واجهت مجلس التعاون الخليجي هي أحداث 11 سبتمبر، التي جعلته حينها يتبنى آليات لمكافحة الإرهاب وملاحقة المتطرفين لكنها لم تنجح بالشكل الكافي الذي يحد من نشاط الجماعات الإرهابية، وبعدها ظهر تنظيم الدولة داعش وتنامى نفوذه في كافة أنحاء العالم وقام بتشكيل خلايا له في عمق دول الخليج العربي بعد أن وجه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، عبر تسجيل أنصاره باستهداف 3 كيانات في الخليج هي الشيعة والعائلة الحاكمة في المملكة وجنودها، وقد بلغ عدد العمليات الإرهابية المستهدفة للسعودية منذ عام 2014 وحتى أواسط 2019 ما يقارب 22 عملية([2]). عدا عن ظهور تنظيم الدولة داعش في اليمن وإعلانه عن قيام ولاية صنعاء عام 2015. ما يعطي ملف محاربة الإرهاب حساسية عالية في أولويات دول الخليج لأنه يهددها داخل الحدود وخارجها.

من مخرجات اجتماعات قمم مكة

تم عقد القمتين الخليجية والعربية على هامش مؤتمر القمة الإسلامية في مكة المكرمة، بحضور رؤساء دول عربية وبتمثيل وفود رفيعة المستوى لكل دولة، وجاء في أهم مخرجات هذه الملتقيات:

  1. إدانة الهجمات التي استهدفت سفن إماراتية ومنشآت سعودية من قبل ميليشيات الحوثي، ورفض سلكوها ونشاطها في اليمن.
  2. التأكيد على قوة وتماسك ومنعة مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، لمواجهة التهديدات، وتحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين.
  3. استعرض المجلس الأعلى السياسة الدفاعية لمجلس التعاون لدول الخليج: “القائمة على مبدأ الأمن الجماعي المتكامل والمتكافل لغرض الدفاع عن كيان ومقومات ومصالح دوله وأراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، مؤكداً المبادئ التي تضمنتها اتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون من أن أمن دول المجلس وحدة لا تتجزأ، وأن أي اعتداء على أي من الدول الأعضاء هو اعتداء عليها جميعاً، وما تضمنته مبادئ النظام الأساسي لمجلس التعاون وقرارات المجلس الأعلى بشأن التكامل والتعاون بين دول المجلس للحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار في دول المجلس”.
  4. التأكيد على ضرورة أن تقوم إيران بتجنيب المنطقة مخاطر الحروب بالتزامها بالقوانين والمواثيق الدولية والتوقف عن التدخل في الشؤن الداخلية لدول المنطقة، وتهديد أمن الممرات البحرية والملاحة الدولية.
  5. التنويه بمستوى التنسيق والتشاور مع الولايات المتحدة الأمريكية وتعزيز التعاون الخليجي الأمريكي المشترك في إطار الشراكة الاستراتيجية القائمة بين مجلس التعاون والولايات المتحدة الأمريكية، والاتفاقيات الثنائية بين دول المجلس والولايات المتحدة الأمريكية لما يحقق أمن واستقرار المنطقة.
  6. التأكيد على حرص دول مجلس التعاون على نمو الاقتصاد العالمي واستقرار أسواق البترول، والتنديد بالتهديدات الإيرانية لحرية الملاحة البحرية ولإمدادات النفط.

وبالنسبة للمخرجات السابقة، فإن الزعماء العرب والخليجيين ركزوا في كلماتهم بشكل عام على ما تقوم به إيران من تهديد لأمن وسلامة المنطقة منددين بالهجمات التي تشنها ميليشيات الحوثي بين حين وآخر، لكن في الوقت ذاته لم تتطرق المخرجات إلى الخطر الذي تمثله إيران في المحيط الإقليمي لدول الخليج في سوريا والعراق بشكل خاص، حيث إن من أهم سبل تقليل مخاطر أنشطة طهران هو مواجهتها من خارج دول مجلس التعاون ومن ثم الانتقال إلى مكافحتها من الداخل.

وبما يتعلق بالأزمة الخليجية فلم يتم الحديث بشكل مباشر عنها، على الرغم من حضور وفد قطري رفيع المستوى بتمثيل من رئيس مجلس الوزراء في دولة قطر، فيما يبدو أنه ترحيل لهذه المشكلة على اعتبار أن التهديدات الأمنية الإيرانية والحوثية تمتلك أهمية أكبر من الأزمة الخليجية. وكذلك بما يخص الإرهاب وآليات مكافحته فلم يكن على رأس ملفات هذه القمم بالرغم من أهميته واتصاله الوثيق بقضية حماية الأمن القومي الخليجي لا سيما بعد تقويض نفوذ تنظيم الدولة داعش وعودته إلى نشاط الخلايا العابرة للحدود.

في حين أشارت المخرجات إلى الاعتماد على علاقة دول مجلس التعاون الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وهو يعتبر أمرًا غير كافٍ لتحقيق ديمومة أمن قومي بعيدة المدى، والتي تستوجب بناء شراكات دولية متعددة المسارات لبناء خارطة مصالح مشتركة تدفع تلك الشراكات إلى تعزيز أمن الخليج أيضاً لحماية مصالحها. وبشكل عام حول ما توصلت إليه تلك المؤتمرات يُثار التساؤل، ماذا الذي سيتلو قمم مكة؟ وهل بالفعل سيتم اتخاذ إجراءات صارمة للحد من سياسة إيران وما يهدد سلامة وأمن الخليج؟ وكيف ستتم الموازنة بين مصالح دول الخليج البينية دون حدوث أي خلافات كما حصل مع دولة قطر؟

(1) “الإمارات: مقاطعة قطر خطوة ضرورية لحماية الأمن القومي الخليجي والعربي”. 27-8-2017. https://bit.ly/2Kdg9ko

(2) “22 عملية في 5 سنوات.. “داعش” ومحاولات التموقع بالسعودية”. وكالة الأناضول، 23-4-2019. https://bit.ly/2ZtVGNy

 

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى