الدراسات الاستراتيجيةتقدير موقف

الضربات الإسرائيلية بين تعدد الجبهات والمصالح

مُلخص

وفق َمعادلة  لا حرب – لا سلم تتنازع دولٌ شتَّى على مصالحها داخل نطاق حيوي للدول العربية التي أصبحت هشّة وفاقدة لمقومات الاستقرار الأمني والمجتمعي بعدما تم استنزافها في حروب داخلية أفضت إلى تفكيك القاعدة الشعبية الصلبة للمجتمعات واستبدلت بمكونات عرقية متعددة، وقوات عسكرية غير نظامية بدأت تشكل عبئًا على الأهداف الاستراتيجية للدول المحيطة كإسرائيل وإيران. الأمر الذي ولدّ مؤخرًا تغيرًا في حالة الصراع على النفوذ ظاهره تهديد متبادل بشن حروب شاملة تدميرية، وباطنه تعزيز معادلة الأمن والعمق الاستراتيجي لكل من إسرائيل وإيران بشكلٍ خاص على حساب شعوب المنطقة.

الملفت للنظر في المرحلة الحالة ما أقدمت إسرائيل عليه من إظهار المزيد من الجرأة في ضرب وكلاء إيران في جبهات متعددة ومفتوحة وهو ما سيتم نقاشه في هذه الورقة.

السياق العام: رفع منسوب الأخطار

بتطور لافت في استراتيجية إسرائيل العسكرية، رفعت تل أبيب من وتيرة ضرباتها العسكرية خلال الشهرين الماضيين ضمن نطاق واسع ممتد  في عمق جبهاتها الشمالية مع لبنان في الضاحية الجنوبية وسورية في محيط العاصمة دمشق، وصولًا للعراق في محيط محافظة ديالي والخط الحدودي بين سورية والعراق في مدينة البوكمال والقائم، والتي يتركز فيها نفوذ مليشيات غير نظامية مدعومة من إيران.

بالمقابل إسرائيل ترغب في تعزيز عمقها الأمني في المنطقة المستهدفة، وترغب مستقبلًا بفرض سيادتها على غور الأردن وشمال البحر الميت [1] بعد نزعها الاعتراف بالقدس ومرتفعات الجولان، إلا أن تأمين العمق الأمني لها أصبح مُعرّضًا – وفق رؤيتها- لأخطار استراتيجية بوجود وكلاء إيران المتعاظم في المنطقة ( فيلق القدس – الحرس الثوري- حزب الله- مليشيات الحشد الشعبي) ما رشح تزايد مستوى ضرباتها العسكرية على مواقع تعتقد أنها مصدر تهديد لأمنها القومي، سيما أن الحالة الدفاعية الإسرائيلية المتقدمة جاءت بعد كشف عدة تقارير استخبارية، عن جهود إيران في تعزيز ترسانتها الصاروخية في الساحتين العراقية واللبنانية، عبر رفع قدرات وكلائها بتقنيات تكنولوجية متطورة للصواريخ، ونقل بعضها إلى حزب الله اللبناني عبر سورية، وأخرى إلى مليشيات عراقية ويمنية.

ويعكس كسر إسرائيل لقواعد الاشتباك في المنطقة تنامي التحديات الأمنية وخطورتها على أمنها القومي، والممثلة حسب ادعائها في تعاظم مطامع إيران في الشرق الأوسط، لذا عملت إسرائيل على الاستفادة من تقنياتها القتالية الحديثة والاستخبارية المتطورة، ونفذت ضربات استباقية هدفت من خلالها إظهار فارق القوة أمام الخصوم لردعهم عن أية هجمات استفزازية ضدها، ومن ناحية أخرى استطاعت إحباط بعض العمليات حيث ادعت أنها كانت في طور الإعداد لشن هجمات ضدها بطائرات مسيرة يقوم على تجهيزها فيلق القدس في سورية.

كما نجحت في الحفاظ على هامش المناورة المتاح مع النظام الإيراني لمنعه من الدخول في أي مواجهة شاملة، استناداً لاعتبارات داخلية يتمسك بها الطرفان فإٍسرائيل تعيش حالة صراع داخلي هو الأول في تاريخها حيث يخوض رئيس وزرائها نتنياهو صراعًا تتداخل فيه المسائل الشخصية المرتبطة بملفات فساد قد تودي به إلى السجن مع ملفات واعتبارات حزبية تشكِّل صراعًا طاحنًا داخل الأحزاب الإسرائيلية التي فشلت في حسم النتائج في الانتخابات الأولى وحتى بعد إجراء الانتخابات مرة ثانية –ولأول مرة في تاريخ دولة إسرائيل- لم يتم حسم النتائج ولا تزال إعادة الانتخابات للمرة الثالثة خيارًا مطروحًا بقوة.

هذا الصراع الداخلي في إسرائيل يجعل الخيارات مفتوحة على كل السنياريوهات حيث تتحول ساحات الصراع مع إيران والفلسطينيين ميدانًا للتنافس الانتخابي بين الأحزاب المختلفة وبين نتنياهو الطامح في الوصول لرئاسة الوزراء مرة أخرى لحماية نفسه من الملاحقة القانونية حول ملفات فساد.

كذلك إيران فإنها تعيش تحت وطأة العقوبات الأمريكية، وتحاول جهدها استغلال الظروف في المنطقة لكسر عزلتها وإنعاش قطاعها الاقتصادي والذي وصل لدرجة غير مسبوقة في التراجع منذ ثورة 1979.

لكن ورغم كل حسابات تل أبيب إلا أن ذلك لا يمنع احتمال إشعال المنطقة في ظل استمرار طهران في تبني سياسات عدائية خارج حدودها بهدف إجبار الولايات المتحدة على تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، إلى جانب رغبتها في تحسين شروط التفاوض قبل قبولها العودة لطاولة المفاوضات، لذا فهي تلجأ لزعزعة الاستقرار الإقليمي في أكثر من منطقة، وهو الذي انعكس بدوره على تل أبيب التي باتت تدعي بأنه خطر متنامي على أمنها القومي لا يمكن السكوت عنه.

وما يزيد من ارتفاع المخاطر، النوايا الأمريكية المعلنة والخفية في الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط، فمن شأن ذلك أن يترك إسرائيل وحيدة أمام التهديدات الإيرانية، وهذا ما ترفضه حكومة نتنياهو لعلمها بحجم المخاطر المستقبلية، لذا سعى نتنياهو مؤخراً عبر نفوذه وشبكة علاقاته بالضغط على إدارة ترامب بغية إقناعه عدم الانسحاب الكامل من المنطقة، وهو ما قاد إلى إبقاء نفوذ أمريكي على مقربة من الحدود السورية العراقية وشرق سورية تحت ذريعة مراقبة نشاطات إيران والحد من نفوذها.

سورية ولبنان

في25  أغسطس/ أب 2019، نفذت إسرائيل غارات جوية على مواقع تابعة لفيلق القدس الإيراني جنوب العاصمة دمشق، وأخرى على الضاحية الجنوبية في لبنان، وحسب ما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ” جوناثان كونريكوس” فإن الغارات أحبطت محاولة إيرانية يقودها فيلق القدس لشن هجوم على شمال إسرائيل بطائرات مسيرة انطلاقًا من سورية.[2]

ووفقًا للمرصد السوري فإن الغارات الإسرائيلية على محيط العاصمة دمشق، تسببت في مقتل قياديين اثنين لحزب الله وآخر إيراني. تزامن ذلك مع تضارب الأنباء حول إسقاط طائرة بدون طيار وانفجار أخرى مفخخة فوق ضاحية بيروت الجنوبية، لكن المسؤول عن المكتب الإعلامي لحزب الله ” محمد عفيف” أكد أن الحزب لم يُسقط أي طائرة، مشيرًا أن الطائرة الأولى سقطت من دون أن تحدث أي أضرار، في حين انفجرت الثانية وأحدثت خسائر في مبنى المركز الإعلامي التابع لحزب الله.[3]

بالمقابل قلل النظام السوري من تأثير الغارات الإسرائيلية، وأعلن مسبقًا تصديه لجميع الضربات بوسائل الدفاع الجوي قبل أن تحقق هدفها[4]، بينما إيران نفت إصابة أي هدف لها داخل سورية.

اللافت بأن حزب الله اللبناني لم يدع الغارة دون رد، إذ بعد إطلاقه سلسلة من الوعود والتهديدات ضد إسرائيل، أعلن في 1- سبتمبر/ أيلول 2019/ عن تدميره مركبة عسكرية إسرائيلية في منطقة “أفيفيم” قرب حدود لبنان الجنوبية، واكتفت حينها إسرائيل بالرد على مصدر الصواريخ وأعلنت بشكل رسمي انتهاء العمليات المحدودة على طول خط الجبهة مع لبنان.[5]

تشير التفاعلات الإسرائيلية على طول الجبهة الشمالية مع سورية ولبنان، إلى توكيد إسرائيل استمرار ممارستها حق الدفاع في ما تعتبره حقها السيادي في المنطقة، فمنذ انطلاق ما بات يُعرف بالربيع العربي، طبقت إسرائيل استراتيجية دفاعية أمنية لحماية حدودها الشمالية، ونفذت على إثرها منذ 2012 مئات الطلعات الجوية داخل سورية لمنع جميع الأطراف المنخرطة في الصراع من تجاوز خطوطها السيادية المركزة وفق الآتي.

_ منع أي تموضع لمليشيات غير نظامية ( راديكالية متشددة- قوات غير نظامية) على مقربة من حدودها الشمالية.

_ منع النظام الإيراني من استغلال الصراع الراهن في سورية، لتهريب أسلحة متطورة إلى ذراعه في الضاحية الجنوبية لبنان عبر ممر بري.

_ منع حزب الله تدعيم جبهته الجنوبية ضد أمن إسرائيل والاستمرار في محاولة إضعافه، وقد دلت حرب تدمير الأنفاق بمسمى ( درع الشمال)  نهاية 2018 التي قامت بها إسرائيل ضد حزب الله عن أهداف مرحلية أدعت إسرائيل أنها حققتها.

ووفقًا لمصادر لبنانية فإن هذه الأنفاق كانت تشكل جزءًا من الاستراتيجية العسكرية لحزب الله ومن خلفه إيران، بهدف تجاوز العائق الذي تشكله منطقة عمليات قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل) في جنوب لبنان، والتسلل إلى داخل إسرائيل وتنفيذ عمليات سرية [6].

ورغم أن إسرائيل ظلت طوال سنوات محافظة على ضبط واحتواء الوضع الأمني في المنطقة، إلا أن الهجوم الأخير بطائرات مسيرة على الضاحية الجنوبية، يعد اختراقًا لقواعد الاشتباك المتفق عليها مع حزب الله منذ 2006، وهو ما دفع حسن نصر الله إعلانه الدخول في مرحلة جديدة مع كيان الاحتلال، بمعنى أن الحزب قرر الذهاب مع كيان الاحتلال إلى أبعد حد وفقًا للمتغيرات الجديدة، بهدف منع الخصم من الاستفراد بالساحة اللبنانية وجعلها منطقة مستباحة على غرار سورية، لذا توعد حسن نصر الله في آخر خطاباته بالتعامل المباشر مع الطائرات المسيرة الإسرائيلية وبالتحديد من الجبهة اللبنانية وليس سورية [7].

ولعل جرأة الحزب في الإفصاح عن مثل هذه الخطوات ناتجة عن نجاحه طيلة سنوات في امتلاكه قرار الحرب والسلم في لبنان، وتصدره المشهد السياسي على حساب تراجع دور الحكومة اللبنانية المنقسمة على نفسها في نزاعات داخلية، إضافة إلى الواقع السياسي المعقد في إسرائيل بعد فشل تشكيل الحكومة وإعادة الانتخابات.

على الطرف المقابل ورغم كل تهديدات حزب الله اللبناني، ترغب إسرائيل فعليًا بفرض واقع جديد، إذ إن الغارات على الضاحية الجنوبية، كانت منضبطة ومدروسة بدقة عالية، والمراد منها زيادة الضغط على حزب الله على كافة الأصعدة عسكريًا واقتصاديًا، لمنعه من تطوير ترسانته الصاروخية، وخاصة بعد توالي التقارير عن استمرار إيران بإرسال التقنية الصاروخية المتطورة لحزب الله عبر سورية، حيث كشف الجيش الإسرائيلي في أواخر أغسطس 2019، عن تفاصيل مشروع الصواريخ الدقيقة التابعة لحزب الله، مؤكدًا أن إيران بدأت بنقل صواريخ دقيقة جاهزة الاستخدام إلى حزب الله في الفترة ما بين 2013- 2015، لكن تدميرها من قبل الجيش الإسرائيلي قاد طهران إلى الاقتصار على نقل المواد والتقنيات التي تجعل من الصواريخ التقليدية دقيقة ومتطورة، وقد شهدت الفترة بين العامين 2016- و2018 صعوبات بين إيران وحزب الله في نقل تلك المواد بسبب حالة التأهب الأمنية والرقابة من إسرائيل[8]. فيما التطور الأبرز يكمن في نشر الجيش الإسرائيلي صورًا لمصنع صواريخ دقيقة تابع لحزب الله، في الإشارة إلى محاولة إسرائيل تكذيب ادعاءات حسن نصر الله في عدم امتلاكه مصانع لإنتاج الصواريخ[9].

المصدر: تايمز أوف الإسرائيلية

وتستند إسرائيل في خطواتها المتقدمة على عامل فارق القوة، والاستفادة من تقنياتها المتطورة، إضافةً إلى الدعم المُقدم لها من الولايات المتحدة الأمريكية، في مرحلة تضغط فيها على إيران لإجبارها على التفاوض في برنامجها الصاروخي والنووي.

العراق ضمن معادلة أمن إسرائيل

تتصدر الساحة العراقية قائمة التفاعلات الدولية خلال الشهرين الماضيين، فبعد غيابها لعقود عن التأثيرات الإسرائيلية، عادت من جديد لتتصدر المشهد الدولي، على ضوء سلسلة الهجمات على مواقع ومخازن تابعة للحشد الشعبي في محافظتي صلاح الدين شمال بغداد وديالي شمال شرق بغداد، وفي مدينة القائم قرب الحدود السورية العراقية [10]. وبينما تتضارب الآراء حول مسبب هذه الانفجارات انقسم الشارع العراقي لتيارين. الأول: تمثل بحكومة عادل عبد المهدي والذي تجنب إلقاء المسؤولية على إسرائيل في شنها غارات داخل العراق، والثاني: تمثل بعدد من قيادات الحشد الشعبي المدعوم إيرانيًا من بينهم رئيس هيئة الحشد ” أبو مهدي المهندس حيث وجه أصابع الاتهام لإسرائيل في شن غارات بطائرات مسيرة داخل العراق.

على الطرف المقابل إسرائيل لم تؤكد دورها بشكل رسمي في الهجمات داخل العراق، لكن المؤشرات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي بنشره صورًا عبر الأقمار الصناعية لحجم الأضرار في أحد المواقع المستهدفة داخل العراق تُفصح عن وقوف إسرائيل وراءها، إضافة إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هدد وكلاء إيران أكثر من مرة قبل تنفيذ الهجمات، ووجه رسالة للنظام الإيراني بقوله أن ليس لإيران حصانة في أي مكان[11]. والرسالة موجهة هنا لنفوذ إيران في المناطق التي تعتبرها طهران عمق أمني ودفاعي لها.

 كذلك كشفت بعض الصحف الأمريكية عن إفصاح بعض المسؤولين الأمريكيين في 23 أغسطس/ آب الماضي، قولهم أن إسرائيل نفذت أربع هجمات على مخازن ذخيرة لجماعات تدعمها إيران في العراق، من بينها قاعدة “الصقر”[12]. ورغم غموض حقيقة الوقائع التفصيلية لأحداث العراق، إلا أن السؤال الأبرز يبقى حول الدوافع والأسباب التي جعلت النشاط الإسرائيلي يطال الساحة العراقية.

الدوافع الإسرائيلية لاستهداف العراق

وفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي[13]، فإن التصعيد الإسرائيلي الجديد يأتي تماشيًا مع الحرب الإسرائيلية ضد تموضع مليشيات تابعة لإيران في المنطقة، فالغارة التي نفذتها إسرائيل على الحدود السورية العراقية هي الثانية بعد مضي عام على غارات مشابهة في مدينة البوكمال بدير الزور، حينها توقفت إسرائيل عن شن المزيد من الهجمات، لمنع حدوث توتر مع القيادة المركزية الأمريكية والتي تحفظت حينها على سلوك تل أبيب، لكن الغارات الأخيرة والتي رجحت بعض المصادر أنها قتلت قيادي بارز تابع لإيران في الحدود السورية العراقية، جاءت بتنسيق أمريكي.

أما عن توقيت الغارات فجاءت بعد توالي عدة تقارير تفصح عن اتخاذ إيران قرارًا بتزويد وكلائها في العراق بصواريخ دقيقة يتراوح مداها ما بين ( 200- 700) كيلو متر. فضلًا عن امتلاك بعض الفصائل الشيعية صواريخ متطورة لا يمتلكها الجيش العراقي، ووجود مصانع لإنتاج الصواريخ داخل العراق[14]. كذلك تفيد التقارير أن إيران انتهت من إنشاء بنية تحتية كاملة في مدينة البوكمال في الحدود السورية العراقية.

حقيقة التسريبات في هذا التوقيت تشير إلى أن إسرائيل على علم بكل تحركات المليشيات التي يقودها قاسم سليماني، وهذا ما دفع إسرائيل عبر حليفتها واشنطن لإرسال وزير الخارجية الأمريكي ” مايك بومبيو” بزيارة خاطفة للعراق في شهر مايو 2019، التقى حينها برئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وأبلغه بأن إسرائيل قد تنفذ ضربات عسكرية في أي وقت داخل الأراضي العراقية، مضيفًا بأن واشنطن لن تستطيع أن تقف إلى الأبد في وجه التطلعات الإسرائيلية، كذلك أبلغه بأن إسرائيل ستعتمد هذا الأسلوب بسبب عدم جدوى ضرباتها العسكرية داخل سورية في تقليص نفوذ إيران[15].

عقب انتهاء الزيارة بيوم واحد توجه عادل عبد المهدي لطهران للقاء الرئيس روحاني بذريعة التباحث حول التوتر الحاصل في مضيق هرمز بين أمريكا وإيران، لكن الهدف الحقيقي كان تداول وجهات النظر مع الرئيس روحاني حول تأكيد نوايا نتنياهو بشن هجمات داخل العراق، ووفقًا للمصادر فإن عادل عبد المهدي وجه انتقادات للرئيس روحاني عن طبيعة الأسلحة التي تخزنها إيران داخل العراق والتي تضعها تحت تصرف قيادات تابعة لها، عقب ذلك أصدرت حكومة عادل عبد المهدي قرارًا بحل مليشيات الحشد الشعبي ودمجها مع الجيش العراقي بناء على رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن شيئًا من ذلك  لم يحدث، بعد استمرار عملاء إيران ببناء قاعدة صلبة داخل العراق وتعزيز قدرات الفصائل العسكرية بهدف تهديد أمن إسرائيل في جبهات متعددة.

وبناء عليه فإن العمليات الإسرائيلية في العراق تمثل تحولًا نوعيًا في الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة، ومن المرجح أن هذا التحول لم يكن أحاديًا بل جاء بتنسيق وبتعاون روسي أمريكي، إذ ترغب إسرائيل في إشراك حلفائها لبلورة استراتيجية شاملة في مواجهة أذرع إيران، فعلى الصعيد السياسي استغل نتنياهو مؤتمر ميونخ  في فبراير 2019[16] وعمل مع الولايات المتحدة على تحشيد عربي لمشاركتهما الأخطار الإيرانية في المنطقة، كذلك جاءت قمة القدس الأمنية المنعقدة في 25 يونيو الماضي في صالح التطلعات الإسرائيلية، حيث اتفقت الأطراف الثلاثية على تعزيز الجهود الأمنية في المنطقة لمواجهة أذرع إيران ومنعها من تحويل سورية لقاعدة انطلاق ضد إسرائيل، كما جرى الاتفاق على تعزيز الدورين الأمريكي والروسي في مراقبة الحدود السورية العراقية لتقليص دور إيران في إرسال أسلحة لحزب الله عبر سورية والعراق[17]، وطالبت بخروج كامل للمليشيات المدعومة من إيران في سورية، وهو الطلب الذي لم يتحقق حتى الآن على الرغم من توقيع اتفاق جرى بين إسرائيل وإيران  في  2018 بجهود روسية وأمريكية يقضي بانسحاب المليشيات الإيرانية لمسافة 85 كم عن الحدود الإسرائيلية السورية مقابل عودة النظام لبسط سيطرته على الجنوب السوري. رغم ذلك لا يمكن الجزم بنجاح الاتفاق مع استمرار إيران في التهرب من وعودها ومحاولتها تكريس وجودها في جنوب سورية ومحيط العاصمة دمشق، وهذا ما دفع إسرائيل لتوسيع نطاق ضرباتها العسكرية لتصل العراق في الوقت الراهن، ومن المتوقع استمرار تلك الهجمات داخل العراق مادامت تأتي بضوء أخضر أمريكي.

الأهداف الإسرائيلية من تعدد الجبهات

تعتمد إسرائيل استراتيجية عسكرية أمنية دفاعية شاملة ترغب في تطبيقها في جبهات متعددة، وهي استراتيجية لا تعتمد على مسك الأرض وإنما تدمير التهديدات المحتملة قبل وقوعها، ومن خلال الممارسات الأخيرة يتضح أن الهدف المعلن منها تقطيع أوصال إيران في المنطقة ومنعها من بناء بنية تحتية في مناطق نفوذها ففي سورية ولبنان تعمل إسرائيل على منع وصول الصواريخ المتطورة لحزب الله في لبنان مرورًا من العراق وسورية، ويبدو أن أهداف أخرى ظهرت من جراء إقدام إسرائيل على تعدد جبهات التصعيد  وقد تهدف منها تحقيق الآتي.

_ عرقلة أي صفقة أحادية أمريكية إيرانية جديدة تشمل فقط برنامج إيران النووي دون إشراك برنامج إيران الصاروخي وسياستها التوسعية في المنطقة، وما يعزز هذا الطرح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرح أكثر من مرة أن المطلوب من إيران فقط توقيع اتفاق نووي جديد، ومن شأن ذلك فتح علاقات أمريكية إيرانية جديدة تعود على طهران بالنفع في القطاع الاقتصادي والنفطي، ما يعني عودة إسرائيل للمربع الأول في سياسة احتواء إيران في المنطقة، ومثل هذا الاحتمال أيضًا يعني أن إيران ستنتعش اقتصاديًا وستعيد إنفاق ملايين الدولارات على وكلائها في المنطقة، لذا فليس من مصلحة إسرائيل أن يصل طرفي الصراع لاتفاق جزئي دون أخذ اعتبار المصالح الإسرائيلية في المنطقة. ومؤخرًا ظهرت بعض المؤشرات على نجاح جزئي في دور الوساطة الأوروبية مع إيران تمهيدًا لترتيب لقاء يجمع الرئيس روحاني مع الرئيس ترامب على هامش قمة العشرين المزمع عقدها في منتصف سبتمبر 2019، إضافة إلى بحث الرئيس دونالد ترامب مع مستشاريه رفع العقوبات عن إيران مقابل عودتها للمفاوضات وعقد صفقة نووية قبل موعد الانتخابات الأمريكية الرئاسية.

_ يطمح نتنياهو من وراء التصعيد الأخير في الجبهات المتعددة لتحقيق نصر انتخابي في جولة الانتخابات الجديدة 17 سبتمبر/ أيلول 2019، خصوصاُ أن هذه الجولة ستأتي بعد فشله بتشكيل حكومة ائتلافية في انتخابات نيسان من العام الجاري [18].

_ تهدف إسرائيل من ضرباتها في الساحة العراقية إلى ممارسة ضغوط على الحكومة العراقية وإحراجها أمام حاضنتها الشعبية، بهدف فك ارتباطها الحيوي مع أذرع إيران، حيث سببت الغارات على مستودعات الأسلحة سخطًا شعبيًا واسعًا بسبب نشاط مليشيات الحشد الشعبي في العراق، قاد ذلك إلى توجيه انتقادات للحكومة العراقية ومطالبتها بتنفيذ وعودها في تحييد العراق عن أي صراع إيراني إسرائيلي، كذلك دفعت الغارات الإسرائيلية بعض المسؤولين والنواب السياسيين وقادة من الحشد الشعبي المعروفين بقربهم لإيران إلى المطالبة بانسحاب القوات الأمريكية من العراق، بعد توجيه تهم لها بالتواطؤ مع الكيان الإسرائيلي في تنفيذ الضربات داخل العراق، علمًا أن البنتاغون نفى أي دور لواشنطن بالغارات وأكد على حرصه على حماية السيادة العراقية[19].

_  التأكيد على الدور والحضور الإسرائيلي في المنطقة، باعتبارها لاعبًا إقليميًّا ليس فقط على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي لكن على مستوى تحولها لفاعل رئيسي في تحديد معالم ومستقبل المنطقة.

خاتمة

بناء على ما سبق يمكن اعتبار أن التحولات الإسرائيلية الأمنية في المنطقة، تأتي كنتيجة لمقدمات تعاظم نفوذ عمل المليشيات المدعومة من إيران في المنطقة، وذلك عبر التأكد من حصولها على أسلحة نوعية متطورة، باتت تشكل خطرًا على أمن ودور إسرائيل في المنطقة، وهو ما سبب في تزايد حالة الصراع وتضاربها مع النظام الإيراني، لأن كلا الطرفين متفقين على تصفية كل الخلافات داخل المنطقة العربية المستهدفة، بعد فقدان أنظمتها قرارها السيادي، وتفتت نسيجها المجتمعي.

وعليه فإن إسرائيل وبعد نجاحها طيلة 13 عامًا الحفاظ على هدوء في جبهتها الشمالية، تعود اليوم لتمارس دور فاعل ومؤثر في المنطقة انطلاقًا من الحفاظ على مصالحها القومية والاستراتيجية، حيث عملت على تسخير كافة الظروف بما يصب في حماية أمنها القومي، واستثمرت الظروف من جراء تدمير الدول المجاورة وسخرتها في تعزيز دورها السيادي، فانتزعت اعترافًا في سيادتها على القدس ومرتفعات الجولان، وتحاول مؤخرًا نزع مكاسب جيوسياسية جديدة، تصل من الفرات للنيل، ولا يغيب عامل الانتخابات الإسرائيلية عن موضوع التصعيد الأخير، إذ يحاول نتنياهو استثمار جهوده ضد إيران في تحقيق انتصارات شكلية بغية توظيفها كورقة رابحة في الانتخابات وإبعاد التهم عنه في ملفات الفساد.

 مع ذلك ورغم كل الانجازات السابقة لا يمكن اعتبارها مكاسب ثابتة فلا تزال البيئة الأمنية متقلبة ومرشحة لزيادة نسبة الأخطار في ظل غياب الحفاظ على منع الدول الخروج من دائرة الفوضى، كذلك إن إسرائيل ومن خلال توسيع ضرباتها في داخل العراق يمكن أن يعرضها لمزيد من الأخطار إذا ما قاد ذلك لانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، لذا من المتوقع أن لا تستمر الغارات الإسرائيلية طويلًا في العراق، وإن استمرت ستكون غالبًا بضوء أخضر أمريكي وروسي وبقبول إيراني  بهدف تحقيق تل أبيب أمرين رئيسين:

_ توظيف كل نشاطها الأمني في المنطقة سياسيًا بحيث يحقق ذلك لها تشويش على المحاولات الأمريكية الإيرانية في التوصل لاتفاق نووي جديد قبل نجاح نتنياهو في الانتخابات.

_ إضعاف واستنزاف أذرع إيران في المنطقة، عبر إحباط نشاطات متعلقة بنقل الأسلحة الدقيقة، إلى جانب التخلص من بعض المليشيات الرافضة لأماكن التموضع والانتشار المتفاهم عليها بين النظام الإيراني وتل أبيب.

 

[1] http://bit.ly/2kFmM4G عمون رصد، نتنياهو: سنفرض سيادتنا على غور الأردن وشمال البحر الميت، ن- بـ 10- 9- 2019.

2019، شوهد بـ 11- سبتمبر/ أيلول 2019.

[2] http://bit.ly/2kydasp

فرنس 24، غارات إسرائيلية على دمشق وسقوط طائرة مسيرة وانفجار أخرى في ضاحية بيروت الجنوبية، ن- بـ 25-8- 2019، شوهد بـ 8- سبتمبر/أيلول 2019.

[3] http://bit.ly/2kynAYU

القدس العربي، حزب الله ينفي إسقاط أي طائرة إسرائيلية، ن- بـ 25- أغسطس 2019، شوهد بـ 8- سبتمبر/ أيلول 2019.

[4] http://bit.ly/2kzNqvM

الجزيرة، الغارة الإسرائيلية.. دمشق تقلل من تأثيرها ونتنياهو يتوعد إيران، ن- بـ 25- 8- 2019،ةشوهد بـ 8- سبتمبر/ أيلول 2019.

[5] http://bit.ly/2koI1aW

فرنس 24، حزب الله يعلن تدمير آلية عسكرية إسرائيلية قرب الحدود وإسرائيل ترد بقصف قرية حدودية، ن- بـ 1- 9- 2019، شوهد بـ 8- سبتمبر/ أيلول 2019.

[6] http://bit.ly/2lKplCs

جيرون، تدمير “إسرائيل” لأنفاق (حزب الله) ضربة موجعة لإيران، ن- بـ 9- ديسمبر، 2018، شوهد بـ 8- سبتمبر/ أيلول 2019.

[7] http://bit.ly/2k3Zlla

روسيا اليوم، نصر الله يتوعد بعد “هجوم الضاحية”: انتهى زمن بقاء إسرائيل آمنة بعد قصفها لبنان، شوهد بـ 8- سبتمبر/ أيلول 2019.

[8] http://bit.ly/2koP3fS

سكاي نيوز، إسرائيل تكشف مشروع صواريخ حزب الله الدقيقة بقيادة إيران، ن- بـ 29- أغسطس، 2019، شوهد بـ 8- سبتمبر/ أيلول 2019.

[9] http://bit.ly/2lCRQ5k

تايمز أوف الإسرائيلية، الجيش الإسرائيلي ينشر صورا ويقول أنها لمصنع صواريخ دقيقة تابع لحزب الله، ت- بـ 30 سبتمبر 2019، شوهد بـ 8- سبتمبر/ أيلول 2019.

[10] http://bit.ly/2m7fneZ

DW هجمات غامضة.. من يستهدف معسكرات الحشد الشعبي بالعراق، شوهد بـ 8 سبتمبر/ أيلول 2019.

[11] http://bit.ly/2lDXHHs

الأناضول، نتنياهو: ليس لإيران حصانة في أي مكان، ن- بـ 25- 8 – 2019، شوهد بـ 8- سبتمبر، 2019.

[12] http://bit.ly/2kyu0HD

الأناضول، هجوم إسرائيل على الحشد العراقي من منظور الأمن الإيراني، شوهد بـ 9- سبتمبر/ أيلول 2019.

[13] http://bit.ly/2kaM2j4

Inss إسرائيل في العراق: توسيع الحملة ضد إيران، ن- بـ 27- أغسطس/ 2019، شوهد بـ 8- سبتمبر/أيلول 2019.

[14] http://bit.ly/2lGm731

معلومات لـ«الشرق الأوسط» تؤكد أن طهران بدأت منذ 2017 بإنتاج صواريخ بعيدة المدى، ن- بـ 10 سبتمبر 2019، شوهد بـ 8 – سبتمبر/ أيلول 2019.

[15] http://bit.ly/2lFA3KN

فرنس 24 ، بومبيو في زيارة مفاجئة لبغداد: “واشنطن تشعر بقلق إزاء سيادة العراق جراء تزايد النشاط الإيراني”، شوهد بـ 8- سبتمبر/ أيلول 2019.

[16] http://bit.ly/2YITSir

برق للسياسات والاستشارات، تفاعلات الدول الإقليمية في مؤتمرات وارسو وميونخ، ن- بـ 12- مارس 2019، شوهد بـ 8- سبتمبر/ أيلول 2019.

[17] http://bit.ly/2kp0fcp

المركز العربي للدراسات، الاجتماع الأمني الثلاثي في القدس، شوهد بـ 8- سبتمبر/ أيلول 2019.

[18] http://bit.ly/2m5udm6

معهد واشنطن ، حسابات نتنياهو الانتخابية الأكثر صرامة وشبح الخلافة، ن- بـ 6- أغسطس، 2019، شوهد بـ 8 سبتمبر/ أيلول 2019.

[19] http://bit.ly/2lL683B

بغداد ناس، البنتاغون ينفي تورط واشنطن بالهجمات الأخيرة على العراق، ن- بـ 27- أغسطس 2019، شوهد بـ 8- سبتمبر/ 2019.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى