الاصداراتترجمات

الذكاء الاصطناعي والأمن القومي في إسرائيل

الذكاء الاصطناعي اسم عام لأنظمة الكمبيوتر القائمة على البيانات القادرة على توليد رؤى ومعرفة جديدة من خلال قدرات؛ مثل الفهم والاستدلال والإدراك، كان يُنظر إليها على أنها قدرات فريدة للبشر.

يقدر الخبراء أن الذكاء الاصطناعي سيغير حياتنا في المستقبل إلى ما هو أبعد من التنبؤ به، حيث تتولى من خلاله مجموعة متنوعة من الإجراءات المألوفة ونظام واسع من القدرات والتطبيقات الجديدة التحكم في كل شيء. وهذه التكنولوجيا تؤثر حاليًا بالفعل على العديد من المجالات، وأبرزها الأمن القومي.

إن إدراك أن الذكاء الاصطناعي لم يعد تقنية مستقبلية أو متخيلة، ولكنه مطلب أساسي في الحاضر الذي نعيشه، بدأ يصبح قناعة في السنوات الأخيرة في العديد من البلدان والمنظمات. وفي ضوء التأثير المحتمل للتكنولوجيا ومكانة إسرائيل باعتبارها دولة رائدة في هذا المجال ومجال الشركات الناشئة (startups)، اجتمع فريق من الخبراء في عام 2019 في معهد دراسات الأمن القومي من أجل صياغة سياسة موصى بها لإسرائيل في هذا المجال: “الذكاء الاصطناعي والأمن القومي في إسرائيل”.

تسعى هذه المذكرة، من بين أعمال أخرى، إلى أن تكون “دليلًا للحائر” للتعرف على القضايا والمصطلحات الأساسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي؛ فضلًا عن تقديم الأبحاث التي أجريت حول وبعد عمل فريق الخبراء، بالإضافة إلى توصيات لسياسة العمل المتبعة على أساس استنتاجات الفريق.

تعرض المذكرة التكنولوجيا وتطبيقاتها الأمنية، وتستعرض حالة التطور واستخدام التكنولوجيا في الدول الرائدة في العالم وآثارها الحالية والمستقبلية على الساحة الدولية، بما في ذلك “سباق التسلح”؛ حيث يتم استعراض وتحليل الوضع الميداني في إسرائيل، بالإضافة إلى العديد من التحديات في التطوير والتنفيذ والاستخدام، وكذلك في مجال الأمن والسياسة. وعلى أساس هذا كله، تُقَدَّم توصيات السياسة في مجالات البحث والتطوير، والميزانية، والبنية التحتية، والموارد البشرية، والتشريعات، والمعايير، والأخلاق، وغير ذلك.

تُظهر الدراسة التي نصف نتائجها في هذه المذكرة أن إسرائيل مطالبة حاليًا بصياغة سياسة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ من أجل تحقيق إنجازات مهمة في هذا المجال، وعدم ترك مثل هذا المجال التكنولوجي المهم والمليء بالتحديات لأنشطة قوى السوق وحدها. ويُحتمَل أن يكون لمعالجة القضايا الواردة في المذكرة تأثير حاسم على قوة إسرائيل في المستقبل، بما في ذلك اقتصادها وقدرتها على الحفاظ على أمنها القومي وتحسينه.

الذكاء الاصطناعي والأمن القومي في إسرائيل واستراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي:

من أجل معالجة قضية الذكاء الاصطناعي والأمن القومي يجب على المرء ليس فقط فهم التكنولوجيا وقدراتها، ولكن أيضًا إدراك مفهوم الأمن القومي نفسه. يقدم هذا الفصل وصفًا للمفهوم العام، وكذلك الإشارة إلى المعنى الخاص لمفهوم أمن دولة إسرائيل في قلب الوثيقة.

ما الأمن القومي؟ الأمن القومي هو قدرة الأمة على حماية مواطنيها والقيم الداخلية من التهديدات التي تشمل الدول المعادية والمنظمات الإرهابية. أو بعبارة أخرى: “ضمان الوجود الوطني، وحماية المصالح الحيوية”. وثمة تعريف آخر أكثر شمولا قليلًا، وهو: “الحفاظ على أعراف المجتمع وقواعده ومؤسساته وقيمه”.

وعلى الرغم من أن المقاربة التاريخية والنظرية للمسألة تؤكد على الجوانب العسكرية، فإن هناك اليوم مرجعًا أوسع لقضية الأمن القومي؛ فبالإضافة إلى التهديد العسكري الأمني الخارجي، أدرجت الأمم المتحدة – على سبيل المثال – سبع ركائز شاملة في محاولة لتوسيع هذا المفهوم، وهي:

الاقتصاد: وأمنه بخلق فرص العمل وتفعيل تدابير الوقاية من الفقر. 

الغذاء: وأمنه بالقيام بتدابير لمنع الجوع ونقص الغذاء.

الصحة: ​​تدابير للوقاية من الأمراض والأغذية غير الآمنة، وسوء التغذية وعدم الحصول على الرعاية الطبية الأساسية.

البيئة: اتخاذ تدابير ضد الأضرار البيئية واستنزاف الموارد والكوارث الطبيعية والتلوث.

السلامة الشخصية: إجراءات لمنع العنف الجسدي والجريمة والإرهاب والعنف المنزلي وعمالة الأطفال.

المجتمع: تدابير ضد التوترات العرقية والدينية وغيرها.

الأمن السياسي: عمل إجراءات ضد القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان.

ويمكن العمل على سد الفجوة التي تنشأ بين التعريفات النظرية والواقع بفحص وتحليل تصورات الأمن القومي للدول، والتي عادة ما تكون تعبيرًا عن أهدافها الوطنية وما يتعلق بالقدرة والتحديات التي تؤثر على تحقيقها، والطرق والموارد التي ينوون العمل من خلالها لتحقيق هذه الأهداف.

مفهوم الأمن لدى إسرائيل:

على عكس العديد من دول العالم، لم يتم ترسيخ مفهوم الأمن الإسرائيلي الحالي في وثيقة رسمية تمت الموافقة عليها من قبل الكنيست أو الحكومة، ومع هذا فمن المعتاد اليوم الإشارة إلى ما يلي على أنها الأسس التي يقوم عليها مفهوم الأمن لدينا: الردع، والتحذير، واتخاذ القرار، وأضيف إليها عنصر الحماية أو الدفاع على مر السنين.

الهدف الرئيس لصياغة هذا المفهوم بهذه الصورة هو ضمان وجود دولة إسرائيل، وخلق سياسة ردع فعالة، وتحييد التهديدات، ورفض النزاعات، مع تنامي دور هذا المسار على مر السنين. ويرجع ذلك جزئيًا إلى زيادة تهديد الإرهاب واستخدام المنظمات على حدود إسرائيل لأسلحة شديدة التأثير باتجاه الجبهة الداخلية المدنية.

منذ بداية القرن الحادي والعشرين، جرت العادة على تضمين مفهوم “الأمن القومي الإسرائيلي” خمسة أبعاد رئيسية:

  • الأمن الخارجي والداخلي.
  • علاقات إسرائيل الخارجية ومكانتها الدولية.
  • الاقتصاد والموارد الوطنية.
  • الحكم (المعبر عنه بالقدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها).
  • قوة المجتمع المدني.

على مر السنين وفي مواجهة التغيرات المهمة في إسرائيل ومحيطها، شُكّلت لجنة برئاسة دان ميريدور تناولت الموضوع بعمق، وقدمت استنتاجاتها في عام 2006. ومن المعتاد الإشارة إلى هذه الوثيقة (أجزاء كبيرة منها سرية) باعتبارها أقرب شيء إلى المفهوم الأمني ​​الرسمي لدولة إسرائيل، بالنظر إلى أنه تم تبنيه من قبل شاؤول موفاز، وزير الدفاع آنذاك، وأن أجزاء منه نُفذت بالفعل، على الرغم من حقيقة أنه لم يتم التصويت له في مجلس الوزراء أو في الحكومة، ولم تتم الموافقة عليه رسميًا.

يسرد التقرير الأهداف الوطنية الكامنة وراء مفهوم الأمن الإسرائيلي، والتي شكلت أساس عمل اللجنة كما يلي:

  • ضمان وجود دولة إسرائيل وحماية وحدة أراضيها وأمن مواطنيها والمقيمين فيها.
  • الحفاظ على قيم وطابع دولة إسرائيل باعتبارها دولة يهودية وديمقراطية وموطنًا للشعب اليهودي.
  • ضمان قدرة دولة إسرائيل على الحفاظ على المرونة الاجتماعية والاقتصادية كما هو معتاد في الدولة المتقدمة.
  • تعزيز المكانة الدولية والإقليمية لدولة إسرائيل والسعي للسلام مع جيرانها.

يتناول التقرير أيضًا التحديات المختلفة التي تواجه إسرائيل؛ مثل: تحدي الأسلحة غير التقليدية، وتحدي الإرهاب، وتحدي المواجهة مع الجيوش النظامية.

ويقترح التقرير التركيز على النقاط الرئيسة في سياسة الاستجابة الشاملة، وتشمل القضايا الرئيسية الأخرى على الأجندة الأمنية الإسرائيلية كُلًّا من: مسألة فلسطين، والساحة السياسية الدولية، والموارد الأمنية “جيش الشعب”، وعمليات صنع القرار، إلى جانب تعليقاته (أي الجيش) على الاستخبارات الوطنية وعملية تنفيذ وتحديث الأمن.

في مذكرة دان ميريدور ورون الدادي، عند فحص تقرير اللجنة (سابق الذكر) بعد عقد من نشره، قيل إن الاستنتاج بأنه لا يوجد خطر وجودي على إسرائيل في المستقبل المنظور من تهديد عسكري تقليدي؛ خاصة في ظل قوة إسرائيل وتفوقها العسكري، مع ضعف العالم العربي المتزايد، هو حكم ما يزال ساري المفعول.

تناولت الوثيقة في الوقت نفسه الضعف المتزايد في العالم العربي، والعوامل التي تغيرت بشكل كبير في العقد الماضي؛ مثل الإمكانات البَعد إلكترونية التي يزعم المؤلفون أنها أصبحت عاملًا رئيسًا في تصور الأمن على مستويات الردع والدفاع والهجوم، مع عامل آخر يتمثل في زيادة ثقل مكونات القوة الناعمة، بما في ذلك الوعي والاتصال والقانون وغيرها، إلى جانب الحاجة إلى تعزيز التعاون مع العوامل المشاركة في الساحة الدولية والإقليمية.

في ختام هذا، من الواضح أنه على الرغم من عدم وجود وثيقة رسمية مصدق عليها من جهة حكومية، فمن الممكن فهم الخطوط العامة لمفهوم الأمن في دولة اسرائيل؛ على الرغم من حقيقة أنه قد يتغير التصور من وقت لآخر مع تغير الظروف السياسية أو الإقليمية أو الدولية. وعلى الأقل يمكن إرساء أسسها الرئيسة (أي الوثيقة)، بعضها لم يتغير منذ قيام الدولة وبعضها تم تحديثه، لكنها اكتسبت زخمًا في مواجهة التبني والاستثمار والتنفيذ في العقدين الماضيين.

 كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر على الأمن القومي لإسرائيل؟

إن التقدم السريع للتطور التكنولوجي يخلق أسبابًا للاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير بعيد المدى على الأمن القومي لمختلف البلدان، ويتجلى هذا ليس فقط في افتراضات الباحثين أو كبار المسؤولين في هذا المجال، ولكن أيضًا في البرامج الوطنية، واستثمارات الميزانية لبعض الدول الرائدة في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا.

وباعتبارها دولة ذات قدرات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي وذات احتياجات واسعة في مجال الأمن القومي، يمكن لإسرائيل الاستفادة بشكل كبير من استخدام الذكاء الاصطناعي في تطبيقاته وفوائده، لغرض تحقيق أهداف الأمن القومي والحفاظ عليها.

وفي ضوء هذا يبدو للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على كل الأبعاد الخمسة الرئيسة للأمن القومي في إسرائيل في بداية القرن الحادي والعشرين كما يلي:

  • الأمن الخارجي والداخلي – من بين أمور أخرى: من خلال استخدام نظام الدفاع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الذكاء وأنظمة الأسلحة والأنظمة العسكرية الأخرى.
  • علاقات إسرائيل الخارجية ومكانتها الدولية: بالحفاظ على مكانة إسرائيل باعتبارها دولة رائدة في تصدير التكنولوجيا والمعرفة.
  • الاقتصاد والموارد الوطنية: من خلال تطوير واستثمار الذكاء الاصطناعي كمجال رائد في الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا (وليس على الموارد الطبيعية).
  • الحوكمة: الإشراف على صنع القرار والتنفيذ ودعم اتخاذ القرار والمحاكاة.
  • قوة المجتمع المدني: تحسين نوعية حياة المواطنين في إسرائيل.

يُظهر تحليل العناصر الأساسية الأربعة لمفهوم الأمن الإسرائيلي – الردع والتحذير والحماية والدفاع – أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على التأثير الإيجابي في تحقيق كل عنصر منها والحفاظ عليه، من خلال الاندماج في الأنظمة العسكرية المختلفة أو إنشاء أخرى جديدة.

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد بشكل كبير في تحقيق العديد من الأهداف الواردة في استراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي (2018) من قبل رئيس الأركان غادي إزنكوت، وهي استراتيجية تعدد أربعة أنواع من الجهود الأساسية ذات الصلة بأي عمل عسكري، وهي: الهجومية، والدفاعية، والمساعدة، والتمكين. ومن أجل النهوض بكل واحدة من هذه الجهود، يأتي الحديث عن أهمية التفوق التكنولوجي، والذكاء الاصطناعي هو مجال رئيس يجب التفوق فيه والحفاظ عليه.

وعلى سبيل المثال، فنحن نستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل في أنظمة الدفاع الجوي التي لها تأثير كبير على الجهد الدفاعي، كما يساعد الاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي في مجالات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات على تحسين القدرات ذات الصلة بجانب التحذير.

ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا أن يساعد جيش الدفاع الإسرائيلي بشكل كبير في مجال التعلم والتخطيط التشغيلي (مذكور أيضًا في وثيقة استراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي)، إما من خلال أنظمة التخطيط والمحاكاة، أو من خلال استخدام التقنيات، مما يتيح الوصول إلى استنتاجات تعذّر الوصول إليها في الماضي بالجهد البشري؛ بسبب صعوبة التعامل مع الكميات الكبيرة من البيانات وتحليلها.

وبالإضافة إلى ذلك، تتمتع إسرائيل بميزة نسبية في المجالات التكنولوجية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، والسيبرانية (الإكترونية)، وهي مجالات أمنية مهمة، والجمع بينها وبين والذكاء الاصطناعي – كمضاعف للقوة – قد يساعد إسرائيل بشكل كبير في الحفاظ على أمنها القومي وتوسيعه، سواء من خلال الوسائل العسكرية، أو من خلال التأثيرات الاقتصادية والدولية الأخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقال مترجم من العبرية للباجثة فاطمة غدير؛ وهو عبارة عن ورقة بحث، وجزء من مذكرة بحثية بعنوان: الذكاء الاصطناعي والأمن القومي في إسرائيل – تاريخ النشر: ٣٠ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٠، الكاتبة: د. ليران عنتيبي – باحثة في معهد دراسات الأمن القومي ومديرة برنامج “التقنيات المتقدمة والأمن القومي”.

المصدر: معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.

لقراءة المقال الأصلي من هنا

“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى