بدأت ملامح المشهد السياسي، والأحزاب السياسية المشكلة للائتلاف الحكومي المقبل في المغرب، تتضح بشكل جلي، وذلك أسابيع بعد تعيين الملك محمد السادس للأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي “عبد الإله بن كيران” رئيسا للحكومة.
وإذا كانت أحزاب ما يوصف تاريخيا في المغرب “بأحزاب الكتلة الديمقراطية”، حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التقدم والاشتراكية، قد أعلنت انضمامها للتحالف الحكومي بقيادة حزب العدالة والتنمية، فقد وجد حزب الأصالة والمعاصرة، الحاصل على المركز الثاني في الانتخابات الماضية، نفسه وحيدا في المعارضة، مما زاد من عزلته، بعد أن قرر حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي التخلي عنه، وفك الارتباط به نهائيا.
عمليا تبدو الأحزاب المشكلة للحكومة المقبلة واضحة، خصوصا بعد أن أعلن حزب الاستقلال عقب انعقاد مؤتمره الوطني الاستثنائي وبالإجماع انضمامه لتحالف يقوده حزب العدالة والتنمية المتصدر لانتخابات سابع أكتوبر، حيث أكد الحزب في بلاغ رسمي على وجوب المشاركة في الحكومة المقبلة، وذلك من أجل الاصطفاف إلى جانب القوى الوطنية الديمقراطية لقطع الطريق أمام مختلف قوى الردة والتحكم والتسلط والانتكاسة، وذلك في استحضار تام للمصلحة العامة للوطن، في إشارة مبطنة لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي لطالما نُعِتَ بكونه الحزب الذي خرج من جبة “النظام”.
أما حزب التقدم والاشتراكية فقد كان موقفه واضحا حتى قبل إجراء انتخابات سابع أكتوبر الماضي، عندما أعلن كل من الأمين العام للحزب “محمد نبيل بنعبد الله” والأمين العام لحزب العدالة والتنمية “عبد الاله ابن كيران” تحالفهما سواء في الحكومة أو المعارضة، في مواجهة ما أسمياه بـ”التحكم” في إشارة لحزب الأصالة والمعاصرة. ويبقى فقط صدور بلاغ رسمي ونهائي من الحزب للمشاركة في هذه التجربة الحكومية الجديدة الذي يبقى رهينا بقرار اللجنة المركزية للحزب بصفتها الهيئة المخول لها اتخاذ الموقف المناسب في هذا الموضوع.
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أحد أقطاب المعارضة خلال الولاية الحكومية الماضية، والذي واجه مشاكل داخلية كبيرة أثرت على نتائجه خلال الانتخابات الماضية، يسير هو الآخر في اتجاه الانضمام للتحالف الحكومي بقيادة “المصباح”، أسوة بحزب الاستقلال، حيث أشاد المكتب السياسي للحزب بمخرجات اللقاء التشاوري الذي جمع بين “إدريس لشكر” الكاتب الأول للحزب ورئيس الحكومة معبرا عن وعيه التام بحجم التساؤلات المطروحة من طرف مناضلاته ومناضليه، ومن طرف الرأي العام، حول آفاق العمل السياسي لحماية الديمقراطية والمؤسسات. وفي انتظار صدور بلاغ رسمي من الحزب، يبدو انضمام حزب “المعطي بوعبيد” للتحالف الحكومي المقبل محسوما بدرجة كبيرة، لاسيما وأن حزب الاستقلال يدفع هو الآخر في شخص أمينه العام، حميد شباط في اتجاه أن ينضم حزب الاتحاد الاشتراكي للحكومة المقبلة.
وأمام هذه المتغيرات التي يعرفها المشهد السياسي المغربي، وجد حزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان يمني النفس بتصدر الانتخابات الماضية، وقطع الطريق أمام الإسلاميين، نفسه وحيدا في كراسي المعارضة، وهو ما اعتبره العديد من المراقبين للشأن السياسي بالمغرب، “انتكاسة” حقيقية لحزب سخرت له كل الإمكانيات من طرف الإدارة والسلطة لتصدر الانتخابات وتحجيم دور الإسلاميين داخل اللعبة السياسي في المغرب.
ارتبط حزب الأصالة والمعاصرة منذ نشأته باسم صديق الملك “محمد السادس” ومستشاره “فؤاد عالي الهمة” حيث ظلت هذه الصفة لصيقة بالحزب رغم أنه حاول التخلص منها، واتهم من قبل العديد من الفاعلين السياسيين وعلى رأسهم رئيس الحكومة المعين بن كيران بأن الحزب تأسس لغاية واحدة وهي محاربة الإسلاميين و “التحكم” في المشهد السياسي.
التساؤل المطروح أمام متغيرات المشهد السياسي هو هل سيقوم حزب الأصالة والمعاصرة بلعب دور المعارضة؟ وبحسب عدد من المتتبعين فإن الأمر مستبعد لأن الحزب أسس ليحكم وللتمرغ في نعيم السلطة، وحتى هويته الأيديولوجية ليست واضحة، لأنه يضم نسيجاً هجينا من الأشخاص همهم الوحيد التقرب من السلطة والبحث عن المناصب والكراسي داخل دواليب الدولة مادام أمينه العام “إلياس العماري” يوصف من خصومه بكونه الرجل “النافذ” صاحب اليد الطولى في أجهزة الدولة.
أما القاعدة الشعبية للحزب فمن الصعب تحديدها لأسباب متعددة، أولها أن الحزب لا يتوفر على تاريخ من النضال السياسي مقارنة بحزب العدالة والتنمية، وأحزاب الكتلة الوطنية، فتاريخ تأسيسه يعود لسنة 2008، كما أن أيديولوجيته ليست واضحة ولا يحمل مشروعا مجتمعيا، بل أسس كما سبق وأن صرح أمينه العام في خرجات إعلامية سابقة؛ لمحاربة الإسلاميين. أضف إلى ذلك أن خروجه من جبة السلطة، والنظام أثر كثيراً على صورته لدى الرأي العام، رغم أنه حصل على المرتبة الثانية خلال انتخابات سابع أكتوبر المقبل.
المحجوب داسع
لتحميل المقال إنقرهنا
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016
“الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات “