الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةترجمات

الثيوقراطية الإيرانية بين الشعب الغاضب والأسطول الأمريكي

تقول السلطات الأمريكية إنّ نشر مجموعة القاذفات والسفينة الحربية يو إس إس أرلينغتون وكذلك حاملة الطائرات يوس إس إس لينكولن بالإضافة إلى قوّةٍ مهاجمة ومنظومة الدفاع الجوي باتريوت في الشرق الأوسط ما هو إلا ردّ فعلٍ على التقارير التي حصلت عليها واشنطن من إسرائيل.

تُفيد هذه التقارير بأنّ النظام الإيراني وبمساعدة المليشيات التابعة له يعتزم مهاجمة المصالح الأمريكية وقوّاتها أو حلفاءها.

فيما صرّح علي خامنئي “المرشد الأعلى” للثيوقراطية الحاكمة في طهران أن: “الولايات المتحدة لن تبدأ حربًا ونحن من جهتنا لن نتفاوض معها”.

إذا كانت الولايات المتحدة لا تسعى إلى شنّ حربٍ ضدّ النظام الإيراني، فماذا يريدون من خلال نشر كلّ هذه القوّة؟ والأهم، هل يمكن لبعض الضربات هنا وهناك أن تُركع سلطات طهران أو أن تدفعهم إلى تغيير “سلوكهم” كما يزعم الأمريكيون؟.

لا تزال الولايات المتّحدة تضع حربها في العراق وتأثيرات هذه الحرب بالاعتبار، إذ كانت، ومع أسبابٍ أخرى، المعلومات الكاذبة التي زودت بها طهرانُ الولاياتِ المتحدة سببًا في وقوع الأخيرة في فخّ حربٍ كارثية كلّفت واشنطن حسب دونالد ترمب ٦٠٠ مليار دولار بدون أي نتيجةٍ سوى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة.

الرئيس الإيراني حسن روحاني أكّد في حديثه عن المظاهرات التي اندلعت في مدينةٍ واحدة وامتدت إلى مدنٍ أخرى وخاصة مظاهرات ٢٦ كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٧، أنّه: “لسوء حظهم فالرسالة التي وجهها الأمريكيون والقوى الخارجية للشعب الإيراني وراهنوا عليها لم تُفلح”.

وتابع روحاني أنّ الأمريكيين لجأوا بعد ذلك إلى “ممارسة الضغوط” التي من شأنها مفاقمة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية لإيران.

وحدّد الرئيس الإيراني السبب الذي شجع ترمب للرجوع عن الاتفاق النووي الذي أبرم عام ٢٠١٥، إلى المظاهرات التي اندلعت ضدّ الحكومة الإيرانية أوائل كانون الثاني/يناير ٢٠١٨ “المظاهرات أغرتْ دونالد ترمب للانسحاب من الاتفاق النووي”.

من تصريحات روحاني الذي يُعد القوة الثانية ورئيس السلطة التنفيذية في إيران يبدو واضحًا أنّه بدل مواجهة التصعيد العسكري الخطير يلتفّ باستعراضاتٍ سياسيةٍ فقط.

في الواقع، فإنّ الاحتجاجات التي اندلعت في مشهد في ديسمبر ٢٠١٧ وامتدت إلى ١٦٠ مدينةٍ في البلاد، وذلك وفقًا للسلطات، كانت شرارتها المشاكل الاقتصادية، ولكن سرعان ما اتخذت منعطفًا سياسيًّا هزّ أُسس النظام.

في اليوم التاسع من المظاهرات أعلن علي خامنئي أنّ هذه الحركة الشعبية نشأت بسبب “مثلث” أمريكا وإسرائيل و(المنافقون)_ المنافقين مصطلح ديني تحفيزي تستخدمه الثيوقراطية الإيرانية في إشارةٍ إلى مجاهدي خلق، المعارضة الرئيسية للنظام_.

ردًّا على ذلك اتخذّ المتظاهرون شعارًا شاع في احتجاجاتهم “عدوّنا موجودٌ هنا، بينما يكذبون علينا ويقولون أمريكا”.

وصل الإيرانيون إلى حدّ لا يوصف من الفقر، وذلك لم يكن ليحصل لولا تدخلات الحرس الثوري المكلفة للغاية وإنشاء مجموعات الميليشيات في العديد من بلدان المنطقة، فضلًا عن الفساد المستشري للسلطات وفوق ذلك كله سيطرة الحرس الثوري على اقتصاد البلاد.

هذه الأوضاع المزرية تأجّجت جراء الفيضانات المدمّرة التي ضربت مناطق واسعة من البلاد، وعدم قدرة النظام على تقديم العون لجيش العاطلين عن العمل والجوعى.

الآن ينفجر غضب الكثير من العمال الذين لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهور بل سنوات، ومئات الآلاف من المزارعين الذين دمّرت الفيضانات أراضيهم.

أمام هذه الاحتجاجات يستجيب النظام الإيراني كعهده بمزيدٍ من القمع والقفز إلى الأمام، وبتصدير أزماته بإطلاق التهديدات لدول المنطقة.

 كما حصل في الإنذار الذي أطلقه قادة النظام لدول أوربا إن نبذت تعهداتها بشأن الاتفاق النووي، حيث وضعت مهلة 60 يوما أمام الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق لإنقاذه، عبر تسهيل صادرات النفط وتجارته.

ما يحصل هو أنّ أي ردّ فعلٍ محتمل للقوّات الأمريكية على استفزازات الحرس الثوري يمكن أن يكون بمثابة شرارةٍ تفجّر البرميل الثقيل المليء بالسخط والغضب الشعبي.

لهذا السبب تؤكد السلطات الأمريكية أن نشر حاملة الطائرات الأمريكية لنكولن في الشرق الأوسط ما هو إلا رسالة قويّة للنظام الإيراني.

على هذا الأساس وفي حال موافقة إيران على تغيير سلوكها ستكون ملزمةً داخليًّا بالاستجابة بجدّيةٍ للمطالب الاقتصادية والثقافية للسكان واحترام حرية التعبير ووضع حدّ للقمع الممنهج للنساء.

إن حصل هذا التغيير الداخلي سيُحكم تلقائيًّا بالإعدام على النظام الثيوقراطي، ذلك بناءً على أنّ مفهوم السيادة المطلقة للزعيم الديني الأعلى (مذهب الولي الفقيه) يُعادي أي درجةٍ من درجات السيادة الشعبية وغير قادرٍ على الإطلاق على إصلاح نفسه.

نادر نوري لصحيفة لا تروبين ١٥ أيار/مايو ٢٠١٩

الرابط الأصلي من هنا

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى