الاصداراتترجمات

الانتخابات الرئاسية الفرنسية: هؤلاء المرشحون الذين سيقودون سياسة “موالية لروسيا”

*ترجمة من الفرنسية للباحث: ابراهيم قنبر

رأي: يُريد العديد من المرشّحين المعلَنين لانتخابات الرئاسة الفرنسية التقارب مع روسيا، ولكن ما الأشكال التي ستتخذها هذه السياسة؟ غيوم لاجان /علوم سياسية.

في حين أنّ مارين لوبان وجان لوك ميلنشون ونيكولا دوبون إتيان قد دخلوا بالفعل السباقَ الرئاسيّ، وأن الإعلان عن ترشيح إريك زمور ليس سوى مسألة أسابيع، فمن المثير للاهتمام تخيّل نوعية السياسة التي ستقودها إحدى هذه الشخصيات تجاه موسكو، إذا ما انتُخِبت في أيلول /مايو المقبل.

فِي الواقع، وبغضّ النظر عن خلافاتهم، يشتركُ جميع هؤلاء المسؤولين في رفضِ الخطّ المتشدّد الذي تبنّته فرنسا والاتحاد الأوروبيّ تجاه روسيا، ويعبّرون بدرجاتٍ متفاوتة عن احترامهم لفلاديمير بوتين، ويدْعون إلى تقاربٍ كبير بين باريس والكرملين، فهُم إذًا يطوّرون مواقفَ سبق وَتبنّاها فرانسوا فيلون، المرشّح اليمينيّ في الانتخابات الرئاسية السابقة.

الاستقطاب المؤيّد لروسيا واسعُ الانتشار نسبيًّا:

صحيحٌ أنّ رؤية هؤلاء – باستثناء جان لوك ميلنشون – ليست متأصّلة في الإيمان بــ”فرنسا يمينيّة مفتونة بالبوتينيّة” (عام ٢٠١٨: كان لدى ٢٧٪ من الفرنسيين رأيٌ جيّد في رئيس الدولة الروسيّة، لكن من بين هذه النسبة ٣٥٪ من مؤيدي الجمهوريين، و٥٠٪ من التجمّع الوطنيّ)، إلا أنّ هذهِ الآراء تستندُ إلى مفهومٍ معروفٍ في التاريخ الحديث، فروسيا التي خرجت من الحرب الباردة مهزوزة وضعيفة، كانت محطّ إهانةٍ من الغرب، ومحاطةً بتهديداتٍ أهمّها الناتو. وبعيدًا عن كونها معتديةً، فهي ضحيةَ مؤامرة دبّرَها الأنجلو سكسون، تهدفُ إلى منعِ اتحاد القارّة الأوروبية      .

اتُّخذت إجراءاتُ تهدئةٍ فرنسية أخرى تجاه روسيا، على سبيل المثالِ انسحبت الوحدة الفرنسية المنتشرة في دول البلطيق بموجبِ ما يسمّى “إجراءاتُ إعادة التأمين التابعة لحلف شمال الأطلسي” (“الوجودُ الأمامي المعزَّز” الذي أُنشئ بعد عام ٢٠١٤)، سيكون لهذا تأثيرٌ كبيرٌ على موسكو، لكن من الواضح أنها ستضربُ دول أوربا الشرقية التي كانت تدور في فلكِ الاتحاد السوفييتي (رومانيا، جمهورية التشيك)، أو الجمهوريات السوفييتية السابقة (دول البلطيق) التي من شأنها أن ترى في تلك الإجراءات تأكيدًا لشكوكِ الاسترضاء تجاه روسيا، والتي تزداد في كلّ مرّةٍ تُذكَر فيها سياسةُ الحوار الفرنسيّة الروسيّة الحاليّة. ومن جهتها فإن بولندا بحزبها الحاكم، الحليف الطبيعيّ لرئيسٍ فرنسيٍّ محافظٍ في القضايا الاجتماعية، من شأنها توفير سببٍ لحربٍ قادمة.

ويمكن تصوّر لفتاتٍ سياسيةٍ جريئةٍ بعد ذلك، مثلًا: اعترافٌ فرنسيٌّ أحاديٌّ بضمّ القرم، إلى جانبِ كسرِ الإجماع الأوروبيّ (إرباك دائمٌ مع أوكرانيا)، مثل هذه القرارات من شأنها معارضة القانون الدوليّ الذي تقول فرنسا إنها تدافعُ عنه، خاصّة احترام سيادة الدول، وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، الأمر الذي سيعزل باريس داخل المعسكر الغربيّ، بل في الجمعية العامّة للأمم المتحدة كذلك، بعد إدانة الجمعية مرارًا هذا التغيير بالقوّة للحدود الدوليّة (كانون الأول /ديسمبر ٢٠٢٠ في قرارٍ تبنّته ٦٣ دولة، وعارضته ١٧، فيما امتنعت ٦٣ عن التصويت).

لم يعترف العديد من حلفاء روسيا المقرّبين (من بيلاروسيا إلى الصين) بهذا الضمّ، (اعتُرِف به حتى الآن من قبل أفغانستان /إعلان كرزاي ٢٠١٤، وكوريا الشمالية وكوبا وقيرغيزستان ونيكاراغوا، والسودان /قبل الانتقال الحاليّ، والنظام في سوريّة وزيمبابوي).

ومع هذا، ففي حالةِ يأس، يمكن تصوّر وقوع تنازلاتٍ فرنسية جديدة لصالح روسيا في مسارح أخرى غير أوروبا؛ ففي سورية يمكن أن تُعيد باريس الاتصال ببشار أسد، موقفٌ من شأنه قطع “دبلوماسية القيم” التي رسختها فرنسا عامًا تلو آخر منذ عام ٢٠١١ في المعسكر الغربي. وفي الملفّ الإيرانيّ، يمكن لفرنسا ترك نفس المعسكر لتدعم روسيا، الشريك التقليديّ لإيران، متجاهلةً حظر الانتشار. وفي أفريقيا، يمكن التعبير عن الفرح بوجودٍ روسيّ في جمهورية أفريقيا الوسطى، بل دعوة مرتزقة فاغنر لخلافة فرنسا في مالي، ولكن ومن دون ذِكر خسارة النفوذ الذي يمكن أن تجرّه مثل هذه القرارات، فإن فرنسا ستفقدُ دعم الأوروبيين والأمريكيين بالنتيجة.

ثورةٌ دبلوماسيّةٌ معقّدة:

أساسًا، وعلى غرارِ التقارب بين فرنسا والنمسا الذي أداره الكاردينال برنيس عام ١٧٥٦، سيكون هذا التحالف الفرنسيّ الروسيّ الجديد ثورةً دبلوماسيةً حقيقيّة، وسيؤدّي إلى التشكيكِ في معظم مواقف السياسة الخارجية التي اعتمدتها فرنسا لعدّة عقود، وسيعزلها عن عددٍ لا بأس به من شركائها الأوروبيين، وربّما يجعل من الصعب عليها البقاء في الناتو، وسيؤدّي إلى تدهورِ تحالفها مع الولايات المتحدة الذي بدأ بالفعل من خلال قضيّة (أوكوس). وَمِن المفارقات أن ذلك سيدفعُ دول الأطلسيّ، والمملكة المتحدة، وبالطبع ألمانيا للسعي أكثر نحو حماية أمريكا.

وإن كان التطبيق صعبًا، فإنّ الاستقطاب المؤيد لروسيا من العديد من المرشحين الرئاسيين الفرنسيين يعكسُ، من ناحيةٍ أخرى، التطور العام للعلاقات الدولية منذ بداية عقد ٢٠٢٠؛ فتبدو السياسة الأمريكية الآن مكرّسة بالكامل لمواجهة الصين، منذ ذلك الحين أضحت روسيا جزءًا من لعبة الشطرنج الواسعة هذه؛ كونها قوة يمكن أن تسعى واشنطن للتعاون معها، حيثُ تُظهر العديد من القرارات الأخيرة للإدارة الأمريكية رغبةً للحوار مع روسيا (مثل قبول تمديد معاهدة نيو ستارت[1]، ورفع العقوبات عن نورد ستريم ٢،[2] والمناقشات المحتملة حول استخدام القواعد الروسية في آسيا الوسطى لضرباتِ “مكافحة الإرهاب” في أفغانستان).

لكن لا يمكن أن تكون السياسة الأمريكية مرآة للقرارات الفرنسية؛ لأنّ فرنسا لم تعد تلعب في نفس فئةِ القوة، وبالتالي فإنّ قضية اللحظة ليست مسألة التحالف الفرنسيّ الروسيّ، الذي يجده عملاق موسكو أقل جاذبيةً من حوارٍ مع الولايات المتحدة، وليست كذلك مسألة مكان فرنسا بالنسبة للصفائح التكتونية الشاسعة في المواجهة الأمريكية الصينية الجديدة، وعليه تعود إلى الذاكرة كلمات تشوان لاي[3] عن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا: “سواء أكانت الفيلة تتعارك أو تتزاوج، سيُسحقُ العشب”، فهل حان الوقت إذًا لترك الفيل يمشي هونًا على المروج؟.

بقلم: غيوم لاجان، كبير المحاضرين في معهد العلوم السياسية، صحيفة لاتريبون ٢١ من تشرين الأول /أكتوبر ٢٠٢١

الرابط الأصلي: هنا


[1] نيو ستارت، معاهدة وُقّعت في براغ بين الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما ونظيره الروسي ميدفيديف نيسان /أبريل ٢٠١٥، تقضي تخفيض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية (عابرة القارات) للبلدين بنسبة ٣٠٪، والحدود القصوى لآليات الإطلاق بنسبة ٥٠٪.

[2] نورد ستريم ٢، مشروع عملاق سيورّد الغاز عبر بحر البلطيق من أكبر خزّان لاحتياطات الغاز العالمية في روسيا إلى ألمانيا وبعض الدول الأوروبية، وهو ثاني خطّ غاز يربط روسيا بألمانيا.

[3] أول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية، تسلّم منذ عام ١٩٤٩ حتى وفاته ١٩٧٦.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى