الاصداراتتقارير جديد

جولة جديدة من العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني

مع مطلع مايو 2019، سوف تدخل العقوبات المفروضة من أمريكا على صادرات النفط الإيرانية حيِّز التنفيذ، وذلك وفق تصريحات الإدارة الأمريكية، والتي تستهدف إلغاء الاستثناءات التي تمت من قبل في نوفمبر2018 لنحو 8 دول باستيرادها كميات من النفط الإيراني.

وحسب بيانات سوق النفط العالمي، فإن صادرات إيران النفطية انخفضت في مارس 2019 إلى مليون برميل يوميًا، بعد أن كانت بحدود 2.5 مليون برميل قبل تجديد العقوبات الأمريكية في نوفمبر 2018، وتستهدف أمريكا من عقوباتها الاقتصادية حرمان إيران من نحو 50 مليار دولار، هي عوائد تصديرها نفطًا للعالم الخارجي، ولو أن إيران بعيدة عن العقوبات الاقتصادية لكان لها عوائد أكبر، وبخاصة أن العقوبات تنال الاستثمارات الأجنبية الراغبة في دخول قطاع النفط والغاز الطبيعي بإيران.

 وحسب الرغبة الأمريكية، يفترض أن يتم منع استيراد النفط الإيراني بشكل كامل، ومنذ الإعلان الأمريكي مؤخرًا، والسوق الدولية للنفط تشهد زيادات متتالية، حتى تجاوز سعر برميل برنت 75 دولار، ووصل الخام الأمريكي إلى 65.9 دولار للبرميل[i]. وقد تواصل أسعار النفط في السوق الدولية الاتجاه نحو الصعود، ما لم تقم السعودية والإمارات بالوفاء بتعهداتهم التي أعلنوها مساندة للعقوبات الاقتصادية على إيران، بأنهما سوف يمدون السوق بالكميات اللازمة، لتعويض أي نقص جراء غياب النفط الإيراني عن السوق.

ولم تمرر إيران حالة التعاون الأمريكي مع السعودية والإمارات دون اتخاذ موقف، حيث نقلت وسائل التواصل الاجتماعي عن وزير الخارجية الإيراني السابق منوشهر متكي تهديدًا لدولة الإمارات وتحذيرها من المشاركة في لعبة الرئيس الأمريكي ترامب في فرض العقوبات على النفط الإيراني[ii]. وإن كان متكي وزير سابق في عهد أحمدي نجاد، إلا أنه يتفق وتوجهات الحكومة الإيراني الحالية، وإذا ما اتخذت إيران هذا المنحى بتفعيل أوراق الضغط من قبلها ضد شركاء أمريكا ومن بينهم الإمارات، فإن هناك حجم تبادلات تجارية بين الإمارات وإيران يقدر بنحو 17 مليار دولار سنويًا، وإن كان من مصلحة إيران الإبقاء على هذه التعاملات حتى لا يضيق عليها نطاق العقوبات أكثر مما هو عليه، وسوف تظهر الأيام القادمة، أيهما أقدر على تفعيل أوراق الضغط، إيران أم الإمارات؟

ولن يكون استعداد الإمارات والسعودية بإمداد السوق بما يحتاجه من نفط نظير منع تصدير النفط الإيراني، هو المحدد الوحيد المتعلق بسعر النفط في السوق الدولية، ولكن هناك عاملًا آخر مهمًا، وهو رد فعل الدول صاحبة الاستثناء باستيراد النفط الإيراني، وبخاصة الصين والهند، وإن كانت تركيا قد أعلنت في الساعات الأولى من إعلان أمريكا بتفعيل قرار العقوبات مطلع مايو القادم، بأن تركيا ترفض الإملاءات وتدخل أمريكا في مصالح الدول الاقتصادية، وأن أمريكا تعلم أن مصالح تركيا الاقتصادية تفرض عليها الاستمرار في استيراد النفط الإيراني، وأن هناك تكاليف عالية باستبدال النفط العراقي بالنفط الإيراني، بسبب تدمير خطوط الإمداد التي فجرها تنظيم داعش هناك[iii].

ولم تغب روسيا عن إدارة المشهد، فهو أمر يتعلق بوجودها الذي بدأ يترسخ في منطقة الشرق الأوسط، حيث تمنى الرئيس الروسي بوتن إلا تقوم السعودية برفع إنتاجها من النفط تماهيًا مع قرار العقوبات الأمريكي، وأكد الرئيس الروسي بوتن، بأن بلاده لن ترفع من إنتاجها لتعوض السوق الدولية عن غياب النفط الإيراني[iv]. ولا يمكن استيعاب التصريح الروسي بعيدًا عن توظيف ورقة النفط في الصراع الدولي في المنطقة، وبخاصة أن إيران تتمتع بعلاقات قوية مع روسيا، وبينهما ملفات مشتركة في المنطقة على رأسها الملف السوري. ومن المهم أن نقرأ الأداء الروسي في أزمة العقوبات الأمريكية على إيران، في ضوء الأزمة الروسية الأمريكية، حيث تفرض أمريكا ومعها الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على روسيا منذ غزو روسيا لأوكرانيا واحتلال جزيرة القرم، ومن مصلحة روسيا أن تظهر أمريكا في صورة مالا يستطيع انفاذ قراراته.

  • معاناة الدول المستوردة للنفط

استفادت الدول المستورة للنفط وبخاصة الدول النامية ومن بينها الدول العربية، من أزمة انهيار الأسعار بالسوق الدولية منذ يونيو 2014، حيث استطاعت أن تحصل على النفط بأسعار منخفضة تخفف عنها أعباء العجز بالموازنات العامة، وتساعد كذلك على تخفيف حدة التضخم، لانخفاض تكلفة الوقود في إنتاج السلع والخدمات.

ولكن مع الموجة الجديدة، والتي بدأت بارتفاع أسعار النفط، ويتوقع لها أن تستمر في الصعود، سوف تغير من طبيعة المعادلة التي استمرت لنحو 5 سنوات، من تدفقات النفط الرخيص. وارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية سوف ينال من الاقتصاديات المختلفة على حد سواء، المتقدمة منها والنامية. ولكن الدول المتقدمة المستوردة للنفط، لديها منظومتها لإدارة أزمة الطاقة منذ عقود، من حيث تحرير أسعار الطاقة، كما أنها تستطيع تحميل ارتفاع أسعار النفط على صادراتها الخارجية، فيعود ارتفاع السعر على الدول المستوردة مرة أخرى. ومما يؤسف له أن المنطقة العربية تعتمد على الاستيراد بشكل كبير سواء من حيث الكم أو الكيف، فالواردات العربية في عام 2017 بلغت 808 مليار دولار[v]، وتتضمن هذه الواردات العدد والآلات ووسائل النقل، والسلع الصناعية، والغذاء والمنتجات الزراعية، وهي بطبيعتها واردات حتمية. ولذلك يتوقع في ظل استمرار ارتفاع أسعار النفط، أن تشهد الاقتصاديات العربية غير النفطية موجة جديدة من التضخم المستورد.

  • هل ستدفع إيران ثمن المصالحة

ثمة سيناريو قد تقبل عليه بعض الدول المستفيدة من الاستثناءات السابقة لاستيراد النفط الإيراني، وبخاصة الصين، حيث بينها وبين أمريكا العديد من الملفات التي تحتاج إلى تسوية، ومنها قضية حماية التجارة، والرسوم الجمركية المتبادلة التي تحد من التجارة بينهما.

فهل سيكون وقف الصين لاستيراد النفط من إيران ثمنًا نظير أن تسوي ملف التجارة مع أمريكا، وبخاصة أن الصين تحقق فائضًا تجاريًا بلغ 419 مليار دولار في نهاية 2018[vi]. وقد يكون من الصعب على تركيا قبول تسوية مع أمريكا بهذا الخصوص، لتشعب العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إيران من ناحية، ومن ناحية أخرى تعنت أمريكا تجاه تركيا في العديد من الملفات السياسية، وبخاصة صفقة منظومة الدفاع الروسية، والملف السوري. كما أن تركيا تدفع ثمنًا اقتصاديًا ليس قليلًا على حساب عملتها المحلية جراء تهديد الإدارة الأمريكية غير مرة  لتركيا بفرض عقوبات اقتصادية، أو أن أمريكا قادرة على تدمير الاقتصاد التركي[vii].

فحرص أمريكا على وقف تصدير النفط الإيراني يهدف إلى خنق إيران اقتصاديًا، وبالتالي دفعها للتفاوض مع أمريكا حول مجموعة من الملفات، على رأسها برنامجها النووي، ودور إيران في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ترفضه إيران وترى أنه يتعارض مع مشروعها القومي والإقليمي الذي تعمل في إطاره منذ إطاحة الخميني بنظام الشاه 1979. وقد يقوي من موقف إيران الرافض للعقوبات الأمريكية تجربتها على مدار قرابة 4 عقود مع العقوبات، وقدرتها في التعامل معها رغم الصعوبات التي مرت بها، ولكنها استطاعت أن نحافظ على مستهدفاتها في إدارة علاقاتها الخارجة على المستويين الإقليمي والدولي.

وتعول إيران بشكل كبير على عدم تنازل الدول المستوردة للنفط منها، وبخاصة تلك التي تم استثناؤها في نوفمبر 2018 من العقوبات الأمريكية، وكذلك تلجأ إلى بعض التصريحات من قبل سياسيين وإعلاميين عن استخدامها لأوراق ضغط، من الممكن أن تؤثر على التجارة العالمية، مثل إغلاق مضيق هرمز بما يؤثر على التجارة العالمية، وكذلك خروجها من اتفاق معاهدة عدم الانتشار النووي[viii].

  • النفط وأدوات الصراع بالمنطقة

تبقى ورقة النفط إحدى الأدوات المهمة في منطقة الشرق الأوسط، سواء بالنسبة للدول المنتجة للنفط، أو بالنسبة للقوى الدولية، وقد وظف الطرفان ورقة النفط في الإطار السياسي منذ فترات طويلة، فعلى الصعيد الدولي حرصت القوى الكبرى على أن تستمر تدفقات النفط بصورة طبيعية، وألا تتكرر أزمة أكتوبر 1973 مرة أخرى، بحيث تكون ورقة ضغط بيد الدول العربية أو أحد دول منطقة الشرق الأوسط. ولذلك لا تنفك الدول الكبرى وبخاصة أمريكا من ممارسة ضغوطها على دول المنطقة بلعب دور في تحقيق حالة من التوازن، سواء بالنسبة للأسعار أو الكميات، وفق الرؤية الأمريكية، وبخاصة من دول الخليج، حيث ركزت سياسة السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط على لعب ما أسمته دور “المرجح”، وفي الحقيقة هي مارست دورًا كبيرًا في تفعيل السياسات الأمريكية، وبخاصة ضبط الطموحات الإيرانية إبان ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة 2003 – 2013، حتى تضيع على إيران فرصة تراكم ثروات يمكنها الاعتماد عليها في صراعها المستمر مع أمريكا.

ولا يمكن قراءة ما تقوم به أمريكا من ضغوط على إيران بشأن العقوبات على تصدير نفطها، بعيدًا عن التوظيف السياسي، وبخاصة أن موردًا مهمًا تفجر في منطقة الشرق الأوسط مؤخرًا ويعد منافسًا لإمكانيات إيران من النفط والغاز الطبيعي، وهو دخول دولة الاحتلال الإسرائيلي ومصر واليونان وقبرص لسوق الغاز الطبيعي، بعد اكتشافات الغاز بمنطقة البحر المتوسط، والإعلان عن اكتشافات كبيرة، دخلت بالفعل حيِّز التنفيذ، حيث أظهر المسح الجيولوجي من قبل أمريكا لمنطقة البحر المتوسط عن وجود 3.4 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وكذلك 1.7 مليار برميل من النفط، على سواحل إسرائيل وغزة وقبرص وسورية ولبنان[ix]، وبلا شك أن القدرات التي أضيفت من خلال الحقول المصرية تساعد على رفع قدرات المنطقة من إنتاج النفط والغاز، وبخاصة من حقل ظهر.

خاتمة

حالة التوتر في العلاقات الأمريكية الإيرانية، التي أوجدتها إدارة ترامب، يتوقع لها أن تستمر على الأقل في المدى المتوسط، حيث إن التقديرات تذهب لوجود فرصة كبيرة لأن يفوز ترامب بولاية ثانية، نظرًا للخدمات الكبيرة التي قدمها لإسرائيل.

ولا يمكن أن نستبعد قراءة العقوبات الاقتصادية على إيران بعيدًا عن السعي من قبل ترامب لتحقيق مصالح إسرائيل، وبالتالي ليس أمام إيران إلا حلَّين. الأول: التماهي مع مطالب ترامب، والتفاوض وفق شروط جديدة حول البرنامج النووي، وهذا السيناريو على ما يبدو مستبعد لكونه يهدم ثوابت السياسة الإيرانية، ويحرمها من مكاسب حصلت عليها عبر اتفاق (5+1) الذي وقع نهاية 2016، ودخل حيز التنفيذ في يناير 2017.

والسيناريو الثاني: ينطوي على معارضة إيران لإملاءات ترامب، ومحاولة الصمود تحت وقع العقوبات الاقتصادية، وتحمل الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن العقوبات، إلى أن تتاح مخارج أخرى بتغيير الإدارة الأمريكية وقدوم إدارة جديدة تعيد تجربة الديمقراطيين وأوباما مع إيران، ومن أضرار هذا السيناريو على الصعيد الداخلي الإيراني، تصاعد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وأبرزها ارتفاع معدلات التضخم، وانهيار العملة المحلية.

وعلى ما يبدو أن تعويل إيران على مساندة دول مثل الصين وروسيا والهند هذه المرة، في غير محله، حيث يستخدم ترامب النفط الأمريكي وكذلك تفعيل دول نفطية مثل السعودية والإمارات لتغطية احتياجات السوق الدولية من النفط، من أجل إحكام الحصار على صادرات النفطية لإيران. حيث وجدنا أن أسعار النفط عاودت الهبوط مرة أخرى لكي لا يكون ارتفاع أسعار النفط سببًا في انحياز بعض الدول للموقف الإيراني، الذي لن تغيب عنه استراتيجية “النفط الرخيص” التي فعلها في فترات سابقة مع العقوبات الأمريكية، حيث كان يمد دول مثل تركيا والصين والهند بأسعار تقل أسعارها عن سعر السوق الدولية.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019

[i] رويترز، النفط يسجل 75 دولارا للمرة الأولى في 2019 وسط تشديد عقوبات إيران، 25/4/2019.

[ii] وزير خارجية إيران السابق يهدد الإمارات بقطع صادراتها النفطية ويذّكرها بوعيد رفسنجاني ببحر من الدماء، روسيا اليوم، 27/4/2019.

[iii] وكالة الأناضول للأنباء، تشاووش أوغلو: الاقتراح بشراء النفط من غير إيران “تجاوز للحدود”، 22/4/2019.

[iv] بوتين: أتمنى ألا ترفع السعودية إنتاجها النفطي، الوئام، 27/4/2019.

[v] التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2018، ص 154.

[vi] احصاءات التجارة الخارجية لأمريكا، https://www.census.gov/foreign-trade/balance/c5700.html?fbclid=IwAR2WUQIot-AKRek5X5-XKxa75LUUrozoHHiZdIRTSPAgGcfPthvcqchttuQ

[vii] العربية نت، ترمب: سندمر تركيا اقتصادياً إذا هاجمت أكراد سوريا، 14/1/2019.

[viii] ظريف: خيار انسحابنا من معاهدة عدم الانتشار النووي يبقى مطروحًا، روسيا اليوم، 284/2019.

[ix] آفاق جديدة في منطقة البحر المتوسط بعد اكتشافات الغاز، 15/5/2013، http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2013/05/130515_gas_east_mediterreanian

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى