الاصداراتتقارير جديدمتفرقات 1

تقييم مسار الحل السياسي في سوريا

syria

لا زالت الدعوات لأطراف الصراع في سوريا إلى إيجاد حل سياسي مستمرة منذ السنة الأولى لانطلاق الثورة السورية، بدءًا بالدعوات المحلية والدولية لإجراء إصلاحات سياسية في سوريا، ومطالبة الأسد بالتنحي، وانتهاءً بالدعوة للجلوس إلى طاولة المفاوضات. وعلى الرغم من زيادة التعقيد على المستوى الدولي المتمثل في دخول أطراف دولية إلى جانب نظام الأسد وأخرى إلى جانب المعارضة، وثالثة امتدّت إليها آثار غير مباشرة للصراع، إلا أن هذه الأطراف كلها مجمعة على الدعوة إلى حل سياسي. ومن جهة أخرى يبدو المشهد المحلي أكثر قابلية من أي وقت مضى لإيجاد حل سياسي، على الرغم من خضوع أكثر من ثُلث مساحة سوريا إلى سيطرة جماعات لا تنضوي تحت أي من التكتلين الأساسيين المُعترف بشرعيّتهما دوليًا وهما نظام الأسد والمعارضة السورية.

 

يأتي اتفاق ميونخ لوقف الأعمال العدائية في سوريا المدعم بقرار مجلس الأمن الدولي 2268 لتحقيق الشرط اللازم للدخول في عملية سياسية بنقل إدارة الصراع إلى طاولة المفاوضات وفق منظور الراعيين الأساسيين للاتفاق الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. وعلى الرغم من تحقيق الاتفاق نتائج ملموسة على الأرض مع انخفاض نسبي لأعداد الضحايا ووصول مساعدات إنسانية إلى بعض التجمعات السكانية المحاصرة، إلا أن إنهاء الصراع العسكري وفق الظروف الحالية يزيد من احتمالية أن يكون الاتفاق غير مكتمل وعلى مضض بالنظر إلى أنه يأتي في ظروف محلية أقرب إلى الرؤية الروسية منها إلى رؤية الولايات المتحدة أو المعارضة السورية ومؤيديها الإقليميين[1].

 

وفي هذا التقرير نتتبع تطور مسار الحل السياسي في سوريا، الذي لم يصل إلى نهاية رغم صدور ثمانية قرارات وأحد عشر بيانًا رئاسيًا عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عدا عن مشاريع القرارات الأربعة للمجلس التي نقضت بالفيتو من قبل روسيا والصين. ثم نتطرق إلى تقييم لأفق الحل السياسي في سوريا، وإلى دور روسيا التي باتت الطرف الأكثر نفوذًا في رسم إطار الحل السياسي.


 

من خطة الجامعة العربية إلى بيان جنيف

لم تفتقد أدبيات إدارة الصراع أو حله في سوريا في وقت من الأوقات إلى الوثائق أو القرارات الدولية التي من شأنها ضمان التوصل إلى حل سياسي مقبول من مختلف الأطراف ويحظى بشرعية دولية. فقد وافق النظام السوري في 3 تشرين الأول/ نوفمبر 2011 على خطة جامعة الدول العربية للسلام التي تضمنت وقفًا لإطلاق النار، لكن النظام سرعان ما واصل حملته على معاقل المعارضة خلال أقل من أسبوعين على قبوله بالخطة. وفي شباط/ فبراير 2012 وضع المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدولية العربية كوفي عنان “خطة النقاط الست” للتوصل إلى تسوية سياسية، دعا فيها إلى الالتزام بعملية سياسية تشمل كل الأطياف السورية لتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري، والالتزام بوقف القتال من كل الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة، وضمان تقديم المساعدات الإنسانية لكل المناطق المتضررة من القتال، وتكثيف وتيرة الإفراج عن المحتجزين تعسفيا والنشطاء السياسيين، وضمان حرية حركة الصحفيين في أنحاء البلاد، واحترام حرية التجمع وحق التظاهر سلميا[2]. وعلى الرغم من إرسال بعثة تابعة للأمم المتحدة لمراقبة تنفيذ خطة أنان بموجب بيان رئاسي صادر عن مجلس الأمن في 21 نيسان/ أبريل 2012، إلا أن تجاهل وقف إطلاق النار من نظام الأسد الذي أدى إلى تصاعد الرد من المعارضة السورية أظهر فشل خطة أنان، الذي عزاه مسؤول في البعثة الدولية إلى “غياب الدعم الكافي من مجلس الأمن الدولي… الذي أثبت عدم فعالية بعثة المراقبة الدولية… وإصرار الطرفين على تحقيق نصر عسكري”[3].

 

ظلت الجهود الدولية بعد انتهاء مهمة المبعوث الدولي كوفي عنان وبعثة المراقبين التابعة للأمم المتحدة بين شد وجذب في اجتماعات مجموعة أصدقاء سوريا وجلسات مجلس الأمن الدولي وتصريحات مسؤولين دوليين، حتى توقيع بيان جنيف في 30 حزيران/ يونيو 2012 الذي تضمن دعوة مباشرة إلى تطبيق خطة النقاط الست، وشكلت مجموعة عمل دولية ضمّت لأول مرة داعمين دوليين لمختلف الأطراف على رأسها الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وتركيا، والأمين العام للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. دعا بيان جنيف لأول مرة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي على أساس توافق مشترك، تمارس صلاحيات تنفيذية كاملة، وتتضمن أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة. وعلى الرغم من عدم حضور أي طرف سوري اجتماعات جنيف التي تمخّضت عن البيان، إلا أن بيان جنيف اعتُمِد أساسًا لأكبر مؤتمر لدولي للسلام في سوريا والذي عُرف بمؤتمر جنيف 2 للسلام في سوريا، وبات بيان جنيف الوثيقة الأهم في مسار الحل السياسي في سوريا والتي لا تزال المعارضة السورية متمسكة بتنفيذها.

 

عُقِد مؤتمر جنيف 2 بعد سنة ونصف من توقيع بيان جنيف في 22 كانون الثاني/ يناير 2014، برعاية مبعوث الأمم المتحدة للسلام في سوريا الأخضر الإبراهيمي. وشاركت فيه المعارضة السورية والنظام السوري، و40 دولة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وتركيا وألمانيا وإيطاليا والسعودية والإمارات والأردن ومصر وقطر، بالإضافة إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي. وعلى الرغم من دعوة الأخضر الإبراهيمي إيران للمشاركة في المؤتمر، إلا أن كلا من الولايات المتحدة والمعارضة السورية اعترضت على مشاركة إيران، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى سحب الدعوة بذريعة أنها لا تدعم الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مؤتمر جنيف الأول حول الانتقال السياسي في سوريا. ومنذ الجلسة الأولى للمؤتمر بدا واضحًا أنه لن يسفر عن نتائج ملموسة، فعلى الرغم من تأكيد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري استحالة استعادة بشار الأسد لشرعيته بعد رده الوحشي على شعبه، إلا أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم أكد أنه لا يحق لأي كان أن يسحب الشرعية عن الأسد سوى الشعب السوري. استمرت المفاوضات لعدة أسابيع دون أن تتمخض عن أي نتائج.

 

انقلابات 2015 وتبلور ملامح الحل السياسي

شهد عام 2015 تطورات مؤثرة على مسعى الحل السياسي في سوريا، كان أبرزها التدخل الروسي في سوريا في أيلول/ سبتمبر الذي تمثل بغارات جوية كثيفة غير مسبوقة في سنوات الصراع. وقد عزّز التدخل موقف حلف روسيا وإيران ونظام الأسد، وضرورة إدخال إيران كطرف أساسي إلى العملية السياسية في سوريا. ولم يغب أثر الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني الموقعة بين إيران ومجموعة 5+1 عن العملية السياسية في سوريا، فقد قبلت الولايات المتحدة لأول مرة رسميًا التعاطي الدبلوماسي مع إيران بشأن سوريا بتراجعها عن اعتراضها السابق على مشاركة إيران في المحادثات، لتوجه روسيا دعوة لإيران في 28 تشرين الأول/ أكتوبر إلى حضور جولة جديدة من المباحثات بشأن سوريا بعد ثلاثة شهور من توقيع الاتفاق النووي. رأت الولايات المتحدة أن السبيل الوحيد لتسهيل خروج الأسد من السلطة هو إيجاد حل سياسي مع داعمَيه الأساسيَّين. لم تُبد المملكة العربية السعودية اعتراضًا على مشاركة إيران، وأبدى وزير الخارجية عادل الجبير استعدادا للنظر في جدية إيران[4]. وفي 29 تشرين الأول/ أكتوبر بدأت المحادثات في فيينا دون وجود أي طرف سوري، وبمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ومصر والأردن وقطر والسعودية وتركيا والإمارات، وانضم الوزير الإيراني في اليوم التالي.

 

كان الاجتماع يهدف إلى إيجاد خطة لإقناع نظام الأسد والمعارضة السورية بالموافقة على وقف لإطلاق النار وعملية انتقال سياسي. وقد وقع الوزراء المشاركون في ختام المحادثات على بيان أكد وحدة سوريا واستقلالها وسيادتها على أراضيها وهويتها العلمانية. واتفق المشاركون على دعوة الأمم المتحدة إلى جمع نظام الأسد والمعارضة السورية لبدء عملية سياسية تؤدي إلى حكم غير طائفي وشامل وذي مصداقية، يليه دستور جديد وانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة. إلا أن خلافًا ظهر بين الولايات المتحدة وروسيا على مستقبل الدور السياسي لبشار الأسد، إذ أكدت الولايات المتحدة ضرورة أن لا يكون للأسد دور في سوريا، في حين رأت روسيا أنه لا ينبغي إجبار الأسد على التخلي عن الحكم وأن الانتخابات هي التي ستقرر من يحكم سوريا. تبادل وزيرا خارجية السعودية وإيران بعد توقيع بيان فيينا انتقادات أدت إلى شكوك بشأن مشاركة إيران في الجولات القادمة من المحادثات. كما أبدت روسيا شكوكًا في مجموعات العمل التي التأمت بمبادرة من الولايات المتحدة لإجراء محادثات في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر.

 

اجتمعت الدول المشاركة في مؤتمر فيينا مرة أخرى في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر تحت مسمى مجموعة دعم سوريا الدولية. وأعلنت المجموعة التزامها بضمان انتقال سياسي يقوده السوريون بناء على بيان جنيف، واتفقت على العمل لتنفيذ وقف لإطلاق النار في سوريا، ودعت إلى جلوس ممثلي نظام الأسد والمعارضة السورية إلى طاولة المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في 1 كانون الثاني/ يناير 2016، وعيّنت ستيفان دي ميستورا مبعوثًا خاصًا للأمم المتحدة لسوريا لتحديد ممثلي المعارضة في المفاوضات، ووكلت الأردن بتحديد المجموعات والأفراد الإرهابيين الذين لن يدخلوا المفاوضات. إلا أن الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا حول مصير الأسد ومشاركته في انتخابات مقبلة في سوريا ظل موجودًا. أقر مجلس الأمن بالإجماع في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015 قرارًا يؤكد مقررات مجموعة دعم سوريا الدولية، ويدعو إلى وضع مسودة دستور جديد وإجراء انتخابات عادلة وفق الدستور الجديد قبل تموز/ يوليو 2017، وأقر مجموعة دعم سوريا الدولية كمنصة دولية مركزية لتسهيل جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية سياسية دائمة في سوريا.

 

بدأت في مطلع شباط/ فبراير 2016 في جنيف محادثات من أجل سوريا بوساطة الأمم المتحدة، إلا أن المحادثات علّقت بعد يومين لرغبة مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا بعدم ربط الجهود الأممية بالتقدم العسكري لقوات الأسد مدعومة بالطائرات الروسية في حلب شمال سوريا. وفي 12 شباط/ فبراير أقرت مجموعة دعم سوريا الدولية خطة لإنهاء الأعمال العدائية خلال أسبوع، وبدء إيصال المساعدات الإنسانية لإحياء محادثات جنيف من جديد.

 

ويشارك في منتصف آذار/ مارس 2016 في المفاوضات وفد نظام الأسد، ووفد المعارضة السورية المنبثق عن الهيئة العليا للتفاوض في مفاوضات جنيف للسلام في سوريا. وكانت الهيئة قد تشكلت بعد موافقة 100 ممثل لمجموعات المعارضة السورية وشخصيات مستقلة في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2015 في مؤتمر في العاصمة السعودية الرياض على دخول المفاوضات مع نظام الأسد بشرط أن تؤدي إلى خروج بشار الأسد من السلطة. وتضم الهيئة العليا للتفاوض ممثلين عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وعن الفصائل العسكرية، وعن هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي، بالإضافة إلى شخصيات مستقلة. وقد أعلنت الهيئة عن تمسكها بتطبيق بنود المرحلة الانتقالية في سوريا الواردة في بيان جنيف.

 

أفق الحل السياسي في سوريا

مثل تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية الأخير في سوريا أرضية ملائمة للحل السياسي، إلا أن الاتفاق يواجه عقبات بدءًا بانتهاكات وقف  إطلاق النار، واستثناء الاتفاق مناطق جبهة النصرة المتداخلة مع مناطق المعارضة والتي لا زالت تتعرض لغارات روسية على الرغم من تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة عدم حدوث خروقات كبيرة. وعلى الرغم من ذلك فقد أوقفت الأطراف المتصارعة الأعمال العدائية لأسباب ذاتية في الغالب: فالمعارضة لا تتحمّل تحميلها المسؤولية عن استئنافها، في حين قد يسعى نظام الأسد بتواطؤ روسي لخداع الولايات المتحدة كي تقبله كشريك ضد تنظيم داعش، الأمر الذي حدث مؤخرًا بدعم الطيران الأمريكي لقوات الأسد في عملياتها ضد داعش في مدينة تدمر وسط سوريا. ولا يخفى أن كلا الطرفين أظهرا أن لديهما قدرة على فرض الامتثال في صفوفهما، الأمر الذي يفترض أن ينعكس إيجابيًا على محادثات السلام[5].

 

إن من شأن استمرار تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية أن يضع نظام الأسد في وضع حرج سياسيًا، وقد يزداد الضغط عليه لاغتنام الفرصة لإنهاء الصراع من خلال المفاوضات بين مؤيديه وفي أوساط قاعدته الاجتماعية، ما يجعل من الصعب عليه تبرير عدم القيام بذلك. كما أن تحركات روسيا مؤخرًا، والمتمثلة بسحب جزء من طائراتها من سوريا والإعلان عن استعدادها للانضمام إلى التحالف ضد تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة، توجه رسالة واضحة للأسد مفادها أن عليه البدء بالتفاوض عن حسن نية. إلا أن نظام الأسد استبق هذا المأزق السياسي بإصدار مرسوم بالعفو عن الفارين من الجيش وإعلانه عن إمكانية العفو عن جميع مقاتلي المعارضة الذين يلقون السلاح[6].

 

كانت المحاولات المتتالية لجمع أطراف الصراع على طاولة المفاوضات ترجمة عملية لإقرار نظام الأسد والمعارضة السورية وداعميهما بحتمية الحل السياسي، إلا أن هناك مؤشرات تضعف احتمال تحقيق نتائج إيجابية في المدى القريب. أهم هذه المؤشرات استمرار الصراع على الأرض وخصوصًا من طرف روسيا التي تواصل غاراتها على مواقع للمعارضة، ووحدات حماية الشعب الحليفة لكل من الولايات المتحدة وروسيا التي تواصل توسعها على الشريط الحدودي مع تركيا في مناطق سيطرت المعارضة السورية وتنظيم داعش، مما يدل على احتمالية أن تطول مفاوضات جنيف أكثر مما يتصور البعض وعلى الأقل بعد انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد، بالنظر إلى أن الاتفاق الأخير أجّل إجراء انتخابات في سوريا إلى صيف 2017. لم يُبد حلفاء المعارضة السورية وعلى رأسهم الولايات المتحدة رغبة جديّة في إقناع روسيا أو إجبارها على التخلي عن نظام الأسد، في حين يرى البعض أن الإدارة الأمريكية أقرت بالوضع الراهن وأدخلت الملف السوري في إطار القضايا العالقة في الشرق الأوسط التي انسحبت من جُلّها.

 

بدا واضحًا أن الشراسة المطّردة للضربات الروسية وقوات الأسد والميليشيات الحليفة لها في الشهور الأخيرة كانت نداءً أخيرًا إلى المعارضة السورية لكي تعلن ولاءها أو تواجه حرب الأرض المحروقة والتطهير العرقي والإبادة الجماعية. لعبت روسيا دور البلطجي على أرض المعركة، إذ أقنعت الأقليات وفصائل المعارضة أن الاستسلام هو الطريقة الوحيدة لتجنب القصف المكثف على مدار الساعة وعمليات الحصار المحكمة. كما أن نظام الأسد أظهر استعدادًا لدفع أي ثمن من الدمار والقتل لدفعه على الصعيد السياسي للإفلات من المصير الذي لاقاه حكام عرب سابقون[7].

 

لا شك أن لروسيا مصلحة في إنهاء تدخلها العسكري في سوريا بتحقيق نصر سياسي، ولذلك ربما تسعى إلى تدعيم وقف الأعمال العدائية بتسوية دبلوماسية على أساس مقترحاتها لعملية الانتقال في سوريا التي من شأنها أن تضمن بقاء الأسد في منصبه واحتفاظه مع المؤسسات الأمنية الحليفة له بالسلطات الرئيسية لحين إجراء انتخابات رئاسية في صيف 2017، وربما دخوله الانتخابات بعد ذلك كمرشح مرة أخرى، مما يضمن لها عرقلة أي إصلاح سياسي لمؤسسات الدولة. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإذا كانت عازمة على التوصل إلى حل سياسي فإنها ربما تقبل المقترحات الروسية باستثناء بقاء الأسد رئيسًا إلى أجل غير مسمى، وبالتالي قد يبقى الأسد في السلطة إلى حين إجراء الانتخابات.

 

روسيا الأكثر تأثيرًا في الحل السياسي

بعد التدخل العسكري الروسي في نهاية 2015، كرّس قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254 والذي أقر اتفاق وقف الأعمال العدائية دور روسيا كفاعل رئيسي في توزيع الأدوار ورسم تصور الحل السياسي، عبر تبني التفسير الروسي للنقاط العالقة في مخرجات بيان جنيف وبياني فيينا. ومع قبول الولايات المتحدة بهذه الرؤية صراحة وضمنًا عبر غياب رؤية مضادة للرؤية الروسية أو مخالفة لها، باتت المعارضة السياسية لا تملك أي ضمانات حقيقية بتحقيق مطالبها أو جرّ الدفة باتجاه الرؤية التي قد تمتلكها للحل السياسي، وباتت أوراق المعارضة بيد فريق الأمم المتحدة والأصدقاء الإقليميين والدوليين خاصة بعد قبولها المشاركة في محادثات جنيف[8]. ومع تمخض اتفاق وقف الأعمال العدائية عن نتائج مقبولة نسبيًا على الأرض تبدو المعارضة في مواجهة العملية السياسية التي قد لا تملك الانسحاب منها إلا في حال إبداء أحد الداعمين الإقليميين أو الدوليين استعدادًا لتحدي الرؤية الروسية، الأمر الذي يبدو بعيدًا وغير ممكن وفق المعطيات الحالية وإقبال أطراف إقليمية على تعزيز علاقاتها مع روسيا.

 

في ظل المعطيات المتاحة، ربما يكون الحل السياسي بعيدًا إلا أن العملية السياسية على وشك أن تبدأ على غرار عملية جنيف لحل الصراع العربي الإسرائيلي التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي. إلا أن العملية السياسية هذه قد تفتح المجال لمقترحات جديدة تهدف في ظاهرها إلى حلحلة الوضع، ومثال ذلك خطة مؤسسة راند الأمريكية التي دعت إلى الإقرار بحقيقة أن أجزاء مختلفة من البلاد تسيطر عليها جماعات عرقية مختلفة تساندها قوى خارجية مختلفة. وهذه القوى قد تتفق على تحديد ثلاث مناطق آمنة إحداها يسيطر عليها نظام الأسد في الغرب، وإحداها يسيطر عليها الأكراد بشكل أساسي في المنطقة الشمالية الشرقية، وأخرى تكون غير متصلة في الشمال والجنوب تسيطر عليها المعارضة السورية التي توصف بالمعتدلة، في حين تكون المنطقة الرابعة في وسط وشرق سوريا التي يسيطر عليها تنظيم داعش هدفًا لجميع الأطراف[9].

[1] يزيد صايغ، “اتفاق الهدنة في سورية باقٍ ولكن لا يتمدد”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 4 آذار/ مارس 2016.

[2] “نص – ترجمة غير رسمية لنص خطة سلام كوفي عنان لسوريا”، رويترز، 4 نيسان/ أبريل 2012

[3] Dr. Simon Adams, “Failure to Protect: Syria and the UN Security Council”, Global Center for the Responsibility to Protect, March 14, 2015: 12

[4] Thomas Erdbrink et. al., “After a U.S. Shift, Iran Has a Seat at Talks on War in Syria”, The New York Times, October, 28, 2015

[5] يزيد صايغ، مرجع سابق

[6] “الرئيس الأسد في مقابلة مع التلفزيون الألماني ARD: على كل مسلح سوري التخلي عن سلاحه وألا يحمل السلاح ويلحق الأذى بالأشخاص والممتلكات ليعود كمدني ونحن نمنحهم العفو الكامل”، سانا، 1 آذار/ مارس 2016

[7] داني خليل الطهراوي، “هل سيؤدي انتهاء الحرب الأهلية في سوريا إلى تحولها إلى شيشان أخرى؟”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 25 آذار/ مارس 2016

[8] “القرار 2254 والموقف المقترح بخصوصه”، مركز إدراك للدراسات والاستشارات، 25 كانون الأول/ ديسمبر 2015

[9] “خطة سلام من أجل سوريا”، مركز إدراك للدراسات والاستشارات، 14 شباط/ فبراير 2016

للتحميل من هنا

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للدراسات والأبحاث ©2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى