مقدّمة:
يتفشّى التطرف ويزداد انتشارًا بين الأفراد والمجموعات، بل وحتى بين بعض الأنظمة، وبدأ يأخذ أشكالًا وأنواعًا وصفات، حتى وصل الأمر إلى اختلاف الآراء حول تعريفه.
على كل حال، يمكن تصوّر تعريف للتطرف بالإفادة من عدّة تعريفات؛ فهو لغةً “مجاوزة الحدّ”، واصطلاحًا يعرّف التطرف بأنه: تعبيرٌ ووصف نسبيّ لأفكارٍ أو أعمالٍ يُنظَر إليها على أنّها غير مبرّرة وغير مقبولة اجتماعيًّا؛ كالتخريب والعنف.
وهناك ألفاظٌ تُستعمل في سياقات الحياة اليومية والبحثية تحمل في طَيَّاتها معنى التطرف، حتى تكاد تكون مرادفات له، ومنها:
- الغلو: تتلازم الكلمتان (الغلو والتطرف) وتترادفان، فالذي ينظر في المعاجم لا يكاد يدرك أن هناك فرقًا كبيرًا بين معنييهما.
فالغلو هو الارتفاع في الشيء، ومجاوزته الحد، ومنه قوله جل جلاله: ﴿لَا تَغۡلُوا۟ فِی دِینِكُمۡ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ…﴾ [النساء: 171]، أي لا تجاوزوا الحدّ المشروع لكم.
- الإرهاب:
شاع هذا المصطلح في العديد من الأوساط الدولية دون تحديد واضح لمعناه؛ لذا وجب الحيطة في تعريفه؛ حتى لا يختلط به الدفاع الشرعي عن النفس.
فالإرهاب هو “الإزعاج والإخافة”، واصطلاحًا هو: مجموع أعمال العنف المقصود منها الإخلال بأمن الدَّولة. ولا تُعتبر أعمال مقاومة الاحتلال مثلًا، بالنظر إلى أنها دفاع عن حقوق ثابتة، إرهابًا.
- التعصّب:
التعصب لغة الاعتقاد أو التصرفات التي تنطوي على أخذ مواقف بدون تمحيص؛ بسبب الغيرة على شيء. ويتميّز بالحماس العاطفي المفرط، ويعتبره ابن خلدون انحيازًا من شخصٍ إلى ما ينتمي إليه من بشر أو فكر أو دين وحميّتُه لهم.
والتعصب بكل أنواعه وأشكاله ومصادره يصبح سلوكًا خطيرًا إذا انحدر نحو الأسوأ، ويؤدي إلى التطرف والتخريب بسبب الانغلاق وعدم التسامح.
- الأصولية:
هي قاع الشيء، وما يُبنى عليه غيره، وقد يكون حسيًّا (ما يشيّد عليه بناء هو أصله)، أو عقليًّا (كبناء الأحكام الجزئية على القواعد الكلية). والأصولية اصطلاح مستحدث يشير إلى نظرة متكاملة للحياة نابعة من قناعة متأصلة بفكرة أو منظومة قناعات تكوّن في الغالب تصورًا دينيًّا، منها:
- المسيحية الأصولية:
هي مذهب فكري ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية، يشدد على الحقيقة الحرفية للكتاب المقدس، وانتشر هذا المذهب بين البروتستانت بين عامي 1880 و1890؛ إذ كانوا في تلك الفترة يعيشون اضطرابات عمالية، وتنامي هجرة الكاثوليك للولايات المتحدة، والأهم من ذلك: انتشار دراسات نقدية تناولت الكتاب المقدس بالبحث.
عارض هذا المذهبُ القولَ بأيّ توافق محتمل لما يتوصل إليه العلم الحديث مع ما هو مدون في الكتاب المقدس.
- الأصولية اليهودية أو الأرثوذكسية اليهودية:
تعني كلمة ”الأرثوذكسية” العقيدة القويمة، واستعملها الإصلاحيون اليهود لأول مرة عام 1781 في وصف معارضيهم من اليهود التلموديين، حيث كانت تعني التزمت والتطرف؛ إذ تطلق صفة الأرثوذكس على اليهود الذين يعترفون بالصهيونية وبدولة إسرائيل، وأغلبهم من أنصار الصهيونية العالمية؛ مثل حزب المفدال (الحزب الديني القومي).
أما الأرثوذكسية المتطرفة، فتُطلَق على الذين لا يعترفون بالصهيونية العلمانية؛ مثل حزب أغودات يسرائيل، وحركة نطوري كرتا (حراس المدينة)، وحزب شاس، وغيرها.
- الأصولية الإسلامية:
هو مصطلح محمود في الإسلام بمعناه الشرعي؛ فالأصل هو الأساس أو الجذر، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ (سورة إبراهيم: 24)، فأصول العقيدة: أركان الإيمان، والأركان العملية التي بُني عليها الإسلام، والقيم الأخلاقية الأساسية التي بُعث النبي – صلى الله عليه وسلم – ليتممها، كما قال: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، والشرائع القطعية التي بُني عليها التشريع، مثل حل البيع، وحرمة الربا، ومثل إباحة الزواج والطلاق بضوابطه، وشرعية المواريث، هي الأسس أو المقومات التي لابد منها.
والأصوليون وفقًا لهذا المفهوم هم العلماء المتخصصون في دراسة العقيدة الإسلامية وأصول الفقه وقواعد الاجتهاد. فالأصولية هنا لا تشير إلى أي شكل من أشكال التشدد أو الانغلاق.
أما الأصولية وفق المفهوم الغربي الحديث، فقد كانت شبه معدومة الوجود والتأثير حتى عقود قليلة، ولكن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2011 وما واجهته بعض العواصم والمدن الغربية من هجمات وتفجيرات، دارت تساؤلات في المجتمعات الغربية عن كيفية وصول هذه المواجهة إلى داخل العالم الغربي.
من بين الأسئلة التي طُرحت وقتها: من أذِن لتنظيماتٍ وجماعات تكفيرية بالتصرف باسم الإسلام؟ – كما تساءلت ”مجلة الاقتصادي” الأميركية في الأيام الأولى بعد الهجوم-. كانت وما زالت الحيرة والاستغراب تستولي على الكثير في المجتمعات الغربية لفهم السبب الجوهري الذي يدفع بهؤلاء المتشددين لشن هجماتهم، وبعدها شُنَّت حملات إعلامية غربية ضخمة لِنعت الإسلام بالمفهوم الغربي للأصولية.
صفات الْمُتَطَرِّفِ الظاهرة:
لو حاولنا رصد أهم الخصائص التي تظهر على شخصية المتطرف عمومًا، فسنجد في مقدمتها ما يلي:
- سرعة الخضوع والإذعان لمن يسيطر عليه فكريًا وعقليًا؛ أَي أنه مصدّقٌ كل ما يسمع أو يرى.
- يُنفِّذ كل ما يطلب منه دون تحليل أو تعلِيل أو موازنة، مع انحيازه إلى فكرٍ أو مذهبٍ أو معتقَدٍ معين.
- الغلو والإفراط والتقديس لما يؤمن به إفراطًا يمنعه من وضعه موضع تحليل أَو مساءلة.
- يرى نفسه على صواب بدرجة اليقين الذي لا يقبل الشَّك، والحق المطلق الَّذي لا شيء من الباطل معه. وإذا كان التطرف ذا منشأ دِينِي أو مذهبِي يضفي صاحبه على ذلك المنشأ هالة تجعله يرى كل نقد له عملًا شيطانيًّا.
- يحتكم المتطرف في أفعاله وتصرفاته وأقواله إلى محاكمة عقلية، ولكن بصورة هوائية، فإنه غالِبًا ما يروِّض عقله ليكون شاهد زور لما ينحاز إليه، ولا يجد في ذلك أدنى شعور بالتعسف أو الخروج على مقتضيات العقل.
- سرِيعُ التوتر والانفعال حين يتعلق الأمر بما يؤمن به من أفكار ومبادئ وما ينتمي إليه من قومية أو جماعة.
أنواع التطرف:
للتطرف أنواع كثيرة أهمها ما يلي:
– التطرف السياسي:
المقصود به خروج أفرادٍ على الدولة وتمردهم عليها، والاقتناع بأفكار سياسيَّة قد تؤدي إلى المناكفة السياسيَّة في أدنى مستوياتها، والتَّمرد والعصيان المسلح للدَّولة ونظام الحكم القائم فيها. ويعدّ التَّطرف السياسي من أهم صور التطرف؛ لأنه عادة يأتي نتيجة للإحباط السياسي من الدولة.
– التطرف العملي:
وهو خروج عن حدّ الاعتدال، ويظهر في حال التطرف الديني من خلال الإِفراط في العبادة وتعذيبِ النفس بقصد التقرب إلى الله عزَّ وجل، ممَّا يؤدي إلى تعطيل شؤون الحياة العملية، وهو من أنواع التَّطرف المؤثرة.
– التطرف الاعتقادي:
هو اعتناق آراء دينية متشددة مع الإصرار عليها، وقد تكون هذه الآراء تفسيرًا شاذًّا ومخالفًا للتفسير السائد للمعتقداتِ الدِّينِية طوال تاريخها، كما نجد لدى بعض الحركاتِ المعاصرَةِ التي حكمت على المجتمعات والحكومات بالكفرِ والخروج التام على الدين، لأسبابٍ وقناعاتٍ مختلفةٍ لدى هذه الحركات.
– التطرف الدولِي:
هو كافة الأعمال الَّتي يَقوم بِهَا المتطرِفون في إحداث الذُّعرِ والخوف بِاستخدام أساليب مختلفة؛ مثل: هدم المنازل، وعملِيات التفجِيرِ فِي المؤسسات العامة والخاصة، وقد يكون القائم بهذا مِنَ الأفراد أو من الجماعات، وحتى من الدول.
خاتمة:
عَرَف التاريخ منذ نشأته تنظيماتٍ يُنظر إليها على أنها متطرفة، من بينها النازية والفاشية، وجماعات التكفير الديني، والجماعات والأحزاب التي تتبنى التفرقة العنصرية، واليمين المتطرف في الجماعات الغربية، وغيرها.
وتستمر جماعات وتنظيمات أخرى بالنشوء والتوالد في كل مرحلة زمنية، مما يُحتّم دراسةً واقعيةً وجادةً للأسباب التي تؤدي إلى انتشار التطرف، وصولًا إلى وضع تصميمٍ استراتيجي فعّال للتصدّي للتأثيرات الكارثية للتطرف على المجتمعات الإنسانية.
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2021