(حول علاقة المُنسّق العام للهيئة العليا للتفاوض مع الفصائل المسلحة)
ملخص:
مثّلت ولادة الهيئة العليا للمفاوضات بعد مخاض عسير برئاسة السيد “رياض حجاب” منعطفاً جديداً مهمّاً في مسيرة المعارضة السورية، حيث بدا – وربّما لأوّل مرة بهذا الشكل -أنّ تمثيلاً حقيقياً لكلّ أطياف المعارضة السياسية والعسكرية يقف متماسكاً – إلى حد ما- بعد سنين عجاف من فشل محاولات إيجاد مثل هذا الجسم.
وبقدر ما يبدو مُوفّقاً ومبرراُ ومفهوماً، أن يتمّ اختيار رئيس الوزراء السوري المنشق (رياض حجاب) لرئاسة الهيئة العليا للمفاوضات، نظراً لاعتبار خبرته ومنصبه السابق في الدّولة السورية، وتقبّل الأوساط الدولية له (باعتباره رجل دولة سابق) مثّل هذا بحدّ ذاته تحدياً كبيراً في بلوغ الانسجام والقبول الداخلي عند المعارضة السورية، نظراً لجملة من الاستقطابات والتّعقيدات التي أثّرت في مسار الثورة السورية.
ورغم النّجاح النّسبي للسيد رياض حجاب في المحافظة على تماسك الهيئة، ومستوى قبولها من الفصائل العسكرية والإسلامية، إلا أنّ استمرارية مثل هذا النجاح تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود المُضنية من المعارضة السياسية والعسكرية على حدّ سواء، وتبقى استمرارية النجاح محلّ تساؤل كبير وسط التّحديات المتزايدة جنباً إلى جنب مع تزايد الضغوط الدولية للوصول إلى حلّ سياسي للقضية السورية، بعد انتقال المجتمع الدّولي من التّموضع حول إدارة الأزمة السورية والتحكم بها، إلى الانخراط بشكل جدّي لحلها، منعاً لتفاقم أزمات اللاجئين، وقضايا الأمن والإرهاب، والتي أصبحت أهمّ الدّوافع والمحدّدات للحلول السّطحية الشكلية المجترحة من قبل المجتمع الدولي للقضية السورية، والتي لا تحقق الأهداف الحقيقية للثورة السورية.
مقدمة:
خلال أكثر من خمس سنوات من عمر الثورة السورية، مثّلت قضية التّمثيل السياسي عقدة المنشار لها، فرغم تأسيس العديد من المجالس والهيئات، ابتداءً من المجلس الوطني السوري، إلى الائتلاف الوطني السوري، ومجلس قيادة الثورة، بقيت حالة التّشتت وانعدام التوافق طاغية على المشهد، وسط انزياح متزايد نحو تعمّق الاستقطابات بين أطياف المعارضة.
حالة الاستقطاب داخل صفوف المعارضة السورية وانعكاساتها:
مع المضي قدماً في عمر الثورة، واختلاف وجهات النظر في سبل معالجة أزماتها، برزت جملة من الاستقطابات التي أثّرت في مسار الثورة.
فمع ظهور بعض الفصائل الإسلامية، وتأثّرها بالمنهج الإسلامي السلفي الذي يرفض كثيراً من أبجديات العمل السياسي، انكفأت هذه الفصائل على العمل العسكري، تاركة التّمثيل السياسي لقوى المعارضة القديمة والنّشطاء الثوريين، الأمر الذي أدّى إلى استقطاب واضح بين هذه الفصائل العسكرية، والأجسام السياسية، كالائتلاف الوطني السوري، والمجلس الوطني السوري، حيث دأبت هذه الفصائل على وصف هذه الأجسام بالمعارضة الخارجية المصنوعة[1] بدعم من دول خارجية، وبأنها غير مرتبطة بالداخل السوري وهمومه.
وفي المقابل، لم تبذل هذه الأجسام السياسية ومكوّناتها جهوداً حقيقية لرأب الصّدع من خلال التواصل المستمر مع الفعاليات العسكرية الدّاخلية، بالقدر الذي بذلته في تحسين علاقاتها مع الفاعلين الخارجيين والدول الداعمة، الأمر الذي أدّى إلى تعميق الشرخ وتعقّد حالة الاستقطاب بعُقد أخرى تضاف إلى ثنائية (الداخل – الخارج)، فظهر التمييز بين المعارضة الأصيلة والمنشقين حديثاً عن النظام، وبين الإسلاميين والعلمانيين، إضافة إلى بؤر استقطاب أخرى.
المنشقُّون عن النظام، بين الترحيب والحذر:
رغم الترحيب المبدئي الذي أبدته القوى الثورية بالمنشقين السياسيين والعسكريين عن النظام[2]، إلا أنّ الاستقطاب الذي فرض نفسه على الساحة ألقى بظلاله على هؤلاء أيضاً، فكانت وجهة نظر الكثير من الفصائل العسكرية والمعارضة القديمة للمنشقين مشوبة بكثير من الشك على صعيد النزاهة، وعدم اعتبار الأهلية والكفاءة[3]، على اعتبار أنّ النظام السوري نظام استبدادي فاسد يُقدّم الولاءات على الكفاءات[4].
انشقاق رياض حجاب كأعلى مسؤول ينشق عن النظام:
في شهر آب من العام 2012، انشقّ رئيس الوزراء السوري رياض حجاب عبر عملية مُضنية معقّدة بالتعاون مع فصائل المعارضة المسلحة[5]، وكان هذا الانشقاق يُمثّل أعلى رتبة سياسية تنشقّ عن النظام السوري.
رحّبت القوى والفصائل الإسلامية بهذا الانشقاق، ولكنّها – فيما بعد- وبناءً على ما أسلفناه من نظرة سلبية تجاه المنشقين – وهي بالمناسبة تزداد سلبية بعلو رتبة المنشق عن النظام -عارضت ترشُّح حجاب لرئاسة الحكومة المؤقتة، فضلاً عن القوى الإسلامية الأكثر تشدداً، والتي عارضت إنشاء حكومة مؤقتة أصلاً، وكانت في أقصى يمين الاستقطاب السياسي ضدّ كلّ قوى (المعارضة الخارجية). بيد أنّ هذه النظرة السلبية تجاه رئيس الوزراء السابق لم تكن مقتصرة فقط على القوى العسكرية والإسلامية، بل شملت حتّى التيارات العلمانية في المعارضة الخارجية[6].
مؤتمر الرياض وتشكيل الهيئة العليا للمفاوضات:
بعد التّدخل العسكري الروسي المفاجئ، ورغبة موسكو في استثمار تدخّلها العسكري سياسياً، بغية حصاد النّتائج السياسية التي تحافظ على مصالحها بأقل التكاليف، ودون تورّط وغرق طويل في المستنقع السوري يؤدّي إلى استنزافها وتكرار التجربة السوفيتية في أفغانستان، إضافة إلى رغبة الرئيس الأمريكي أوباما في تخفيف الانتقادات ضد الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالملف السوري، وليبدو أنّه يقوم بـ”شيء ما” لحل الملف السوري، تمّ عقد مؤتمر فيينا في تشرين الثاني من العام 2015، وتمّ التّوافق فيه على بدء مفاوضات سياسية بين النظام السوري والمعارضة مع بداية العام 2016، وتُوّجت الجهود الدبلوماسية الروسية – الأمريكية (بشكل رئيسي) بالقرار الأممي (2254) في كانون الأول من العام 2015.
وكان قد تمّ الاتفاق على تكليف المملكة العربية السعودية بعقد مؤتمر للمعارضة لاختيار وفدها التفاوضي، ونتج عن المؤتمر تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات برئاسة رئيس الوزراء السوري السابق المنشق عن النظام رياض حجاب.
لم يكن مؤتمر الرياض مشابهاً للمحاولات والمؤتمرات السابقة للمعارضة، والتي عادة ما كانت تشمل المعارضة السياسية دون العسكرية، كحالة تشكيل المجلس الوطني السوري أو الائتلاف الوطني السوري، أو العكس، كحالة مؤتمر مجلس قيادة الثورة، والتي كانت محاولة لتوحيد الفصائل العسكرية بعد مبادرة محلية داخلية[7]. فقد كان مؤتمر الرياض شاملاً لكل المعارضة العسكرية والسياسية، بما فيها الفصائل الإسلامية الكبرى، كحركة أحرار الشام الإسلامية، وجيش الإسلام، لاحقاً انسحبت حركة أحرار الشام الإسلامية من المؤتمر[8]. مع ذلك، حقّق المؤتمر نجاحاً نسبياً قياساً بمؤتمرات ومحاولات سابقة، خاصة بوجود كل هذا الطيف الواسع من المعارضة السياسية والعسكرية مع جُملة استقطاباتها المُعقّدة.
وبدا أنّ رئيس الهيئة العليا للتّفاوض “رياض حجاب” يحظى بقبول عام من مختلف أطياف المعارضة السياسية والعسكرية (بما فيها الإسلامية منها) فضلاً عن الأطراف الدولية والإقليمية التي تفضل التعامل مع رجل دولة سابق، يحمل رصيداً من الخبرة، وباستثناء انسحاب حركة أحرار الشام من مؤتمر الرياض (لأسباب سردتها في بيان انسحابها، وليس من بينها الاعتراض على شخص رياض حجاب) فإنّ قدراً مقبولاً من التّماسك النسبي قد حققته الهيئة العليا بقيادة رئيسها حتى الآن، الأمر الذي يؤسس للبناء عليه للوصول إلى تمثيل حقيقي مُتوافق عليه للثورة السورية.
عوامل النّجاح النسبي:
ولعل جملة من العوامل قد أسهمت في هذا النّجاح النسبي في التّماسك، فبالإضافة إلى ما ذكرناه من شمول المؤتمر لكافّة الأطياف السياسية والعسكرية دون استثناءات، أتى المؤتمر بعد التّدخل الروسي، والذي استطاع قلب المعادلة العسكرية على الأرض إلى حد كبير، وأنهك الفصائل العسكرية[9] والحاضنة الشعبية، الأمر الذي أدّى إلى إدراك كلّ أطياف المعارضة لحجمها وسط هذه المعمعة الدّولية، وحاجتها للتّمثيل السياسي وسط زخم الدّفع الدولي باتّجاه الحلول السياسية، وحاجتها كذلك للدّعم الإقليمي في وجه الحلف الإيراني الروسي المُتماسك، والذي يتّجه للحسم العسكري.
ولا شكّ أنّ عوامل شخصية متعلقة برياض حجاب نفسه قد أسهمت في هذا النجاح، فقد استطاع الموازنة بين مصالح الدول الدّاعمة للمعارضة السورية، مع محاولة التوفيق فيما بينها[10]، وقد بدا شجاعاً وشفافاً بعد تسريبه للضغوط[11] التي تعرّض لها من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ممّا ولّد ردّة فعل إعلامية ثورية أجبرت المبعوث الخاص الأمريكي “مايكل رانتي” على إصدار بيان لتخفيف النقمة على الموقف الأمريكي[12].
كما بدا أيضاً أنه يحترف الخطاب السياسي مع الدول، ومع الأمم المتحدة، من خلال استخدام صيغ الخطاب السياسية والقانونية القوية الحجة وفق الأعراف والأصول[13]، والتلويح بلغة المصالح المشتركة، بعيداً عن عاطفية الخطاب التي ظهرت أحياناً من بعض ممثلي المعارضة السابقين[14].
ورغم الانتقادات السابقة لشخصية حجاب المتعلقة بماضيه مع النظام، إلا أنّ طول الفترة التي قضاها بعد الانشقاق دون الاندفاع إلى المناصب العليا، إضافة إلى بُطوليّة وصعوبة عملية الانشقاق التي قام بها، وخطورتها على حياته، وما تناقلته الأوساط القريبة من بيئته عن علاقته ودعمه حتّى قبل انشقاقه لابن أخته محمد عبد الفتّاح الشاطي كقائد عسكري للواء (الفاتحون من أرض الشام) والذي استشهد لاحقاً أثناء قتاله ضد نظام الأسد في دير الزور[15]، كل ذلك شكّل إضافة مهمة لحسن أدائه كمُنسّق عام للهيئة العليا للمفاوضات، ليحظى باحترام واضح من مختلف الفصائل العسكرية والإسلامية[16].
لاحقاً، وخلال المفاوضات في جنيف، حرصت الهيئة العليا ورياض حجاب شخصياً على استمرار التواصل والتشاور مع الفصائل بشأن عملية التفاوض، إضافة إلى محاولات لزيادة التنسيق العسكري بين الفصائل مع زيادة تنسيقها مع الهيئة العليا ممثلة برياض حجاب[17]، وحدثت عدة اجتماعات بين أعضاء من هيئة التفاوض ومن بينهم رياض حجاب مع ممثلين عن الفصائل في إسطنبول وأنقرة بهدف التنسيق والتشاور.
بؤرة خلاف تهدّد وحدة موقف المعارضة:
كانت مشاركة الفصائل الإسلامية في مؤتمر الرياض، ثمّ انضوائها تحت الهيئة العليا للمفاوضات سابقة مهمّة في مسار الثورة السورية، وخطوة متقدمة بالنسبة لهذه الفصائل (خاصة في ظل صعود الخطاب السلفي الجهادي) تؤشّر على مدى مرونتها ووعيها السياسي الظرفي، إلا أنّ هذا لم يكتمل تماماً، فقد انسحبت حركة أحرار الشام الإسلامية ذات الثقل الداخلي المعروف من المؤتمر بعد أن تمّ التوافق على الهيئة العليا، ورغم الضغوط الكبيرة من مختلف الداعمين والفصائل الأخرى على الحركة للعدول عن هذا القرار، بقيت الحركة على قراراها بالانسحاب، رغم ظهور زوبعة إعلامية أثارت جدلاً واسعاً حول حقيقة هذا الانسحاب[18].
لاحقاً وخلال المفاوضات، سربت الأنباء عرضاً من الوسيط الأممي “ديمستورا” للمعارضة، يتضمن العرض مشاركة المعارضة بثلاثة نواب لبشار الأسد بوصفه رئيساً حالياً[19]، ورغم رفض المعارضة، إلا أن التشويش الإعلامي الحاصل حول وثائق سرية تتضمن تنازلات مفصلية تناقشها المعارضة في جنيف[20]، أدّى إلى تصاعد الحملة الإعلامية من مؤيدي الفصائل الثورية والنشطاء على هيئة التفاوض، وأصدرت حركة أحرار الشام الإسلامية بياناً ينتقد هيئة المفاوضات بحدّة، حيث اعتبرت من خلاله أنّ “الحصيلة المجملة للعملية التفاوضية سلبية للغاية”، معتبرة أنّ الهيئة العليا منفصلة عن الواقع على الأرض، وأنّ أدائها ضعيف ومتخبط[21].
وفي وقت متزامن، أصدرت فصائل الجيش الحر – الجبهة الجنوبية بياناً يدعم هيئة التفاوض ويحثها على التمسك بثوابت الثورة[22]، واختلفت لغة البيان كلياً عن اللغة التي حملها بيان أحرار الشام.
ورغم أنّ بيان أحرار الشام كتب بلغة سياسية مُحنّكة بعيدة عن الفكر السلفي الجهادي (الذي يستخدم التعبيرات العقائدية الشرعية والولاء والبراء أكثر ممّا يستخدم العبارات السياسية)، إلا أنّ استقراء واقع موقف الحركة يشير إلى أنّ الحركة متأثرة بشكل غير مباشر بهذا الفكر، وكأنّها تحاول إحداث التوازن في العلاقة بين فصائل المعارضة وفعالياتها التي اختارت الانضواء تحت الهيئة العليا، وبين جبهة النصرة التي عزّزت من انتمائها الفكري[23] لتنظيم القاعدة مؤخراً، والتي تمسّكت بشكل أكبر بوجهة النّظر التقليدية للقاعدة والفكر السلفي الجهادي عموماً حول أيّ عملية سياسية من خلال إصداراتها الإعلامية وتصريحات مسؤوليها[24]، وبشكل مشابه لما حدث في العراق سابقاً ( تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين).
في المقابل، حرص رياض حجاب في مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه تعليق المفاوضات رسمياً ( يعتبر التعليق استجابة لمطالب الفصائل في أحد جوانبه) على إظهار ارتباطه وتنسيقه مع الفصائل العسكرية[25]، حيث أكد أنهم عقدوا الهدنة بعد مشاورات مع الفصائل، وفيما بدا أنه ردّ على البيانات التي أوردناها للجيش الحر ولحركة أحرار الشام قال حجاب: “تلقينا رسالتكم بكل محبّة، وبكل اعتزاز وبكل فخر..، لن نساوم على الثوابت..”، وفي معرض ردّه على أحد أسئلة الصحفيين الذي لمّح إلى وجود مجموعات متشددة تشارك في الهيئة، دافع حجاب عن كل الفصائل، وعن حركة أحرار الشام بالاسم، وذكر بأنّها قد قدّمت العديد من الشُّهداء في حربها ضدّ تنظيم الدولة.
البروباغندا الجهادية .. بطولات جنيف هي “جناق قلعة” سياسية:
من وجهة نظر التيار السلفي الجهادي، ومؤيدي القاعدة، فإنّ الأداء الجيد “المزعوم” للهيئة العليا للتفاوض ورئيسها رياض حجاب، لا يعدو كونه تلميعاً مقصوداً مشابهاً للتلميع والتعويم الذي ناله مصطفى كمال أتاتورك في معركة جناق قلعة وغيرها، ليغدو قائداً وطنياً ذا شعبية، ليقضي على الخلافة العثمانية فيما بعد، وبشكل مشابه لحالة جمال عبد الناصر[26]، ويظهر هذا بشكل شبه رسمي في الإصدار الإعلامي المسمّى (ورثة المجد) لجبهة النصرة، والذي أشار إلى رياض حجاب وشخصيات أخرى في الهيئة باعتبارها كانت ” أركاناً أساسية للنظام السوري السابق”[27].
التوصيات:
مثّلت حالة التّفرق والتّشرذم لدى المعارضة السورية استعصاء سياسياً على مدى خمس سنوات، فكان مؤتمر الرياض وما نتج عنه من هيئة عليا للمفاوضات ضمّت كل أطياف المعارضة السياسية والعسكرية حالة مُتقدّمة لدى المعارضة السورية (بصرف النظر عن الظروف الموضوعية التي ساهمت في الوصول إلى ذلك ونقص الدّوافع الذاتية) يجب استغلالها والتّمسك بها والبناء عليها للوصول إلى بناء وتمثيل سياسي وازن متوازن، يُمكّنُه من مجابهة النظام السوري سياسياً بعد أن تحوّلت أولويات المجتمع الدولي باتّجاه قضايا الإرهاب والأمن واللاجئين وتعقيداتها، بعيداً عن مصالح الشعب السوري، من خلال اقتراح حلول وهمية، لا تتضمن حتّى التّغيير الشكلي المقنع.
وبالقدر الذي يجب على هيئة التفاوض أن تحافظ على الشفافية والوضوح والتنسيق مع الفصائل المختلفة في خطواتها التفاوضية (الأمر الذي يبدو أنّه يحدث حتّى الآن)، فإنّ على الفصائل أن تبتعد عن التّأثّر ببروباغندا التخوين مختلفة المصادر لمجرد صدور بعض التسريبات الصحفية التي قد تكون مغرضة أو غير دقيقة.
وعلى الفصائل أيضاً أن تحافظ على هذه البنية السياسية الجديدة باعتبارها انجازاً يخدم الشعب السوري، والكفّ عن اللجوء إلى طريقة هدم كل جسم سياسي لمجرد أنّه لا يحظى برضاها التام كما حدث سابقاً مع الحكومة المؤقتة والائتلاف والأركان، دون القدرة على إيجاد بدائل حقيقية[28]، وبدلاً من ذلك، عليها أن تسارع إلى الولوج والمشاركة في الهيئة وفعالياتها وإصلاحها من الداخل، ثمّ البناء عليها.
يقع على عاتق الفصائل أيضاً، أن تقلع عن الأخطاء السابقة التي تمثّلت بعدم استيعاب المنشقين سياسياً وعسكرياً، والعمل بدلاً من ذلك على إعطائهم مكانتهم، والعمل وفق السياسة النبوية حيث لم تمنع حداثة إسلام خالد بن الوليد من توليته القيادة العسكرية لإتقانه إياها رغم سبق كثير من الصحابة إسلاماً له. كما يتحتّم على الفصائل العسكرية تحديداً، إعادة تقييم المرحلة وصعوباتها، واستقراء التجارب المختلفة، كتجربة البوسنة، وتجارب أفغانستان والعراق، وعدم تكرار التجربة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي.
المراجع
[1] انظر مثلاً رأي أمير حركة أحرار الشام حسان عبود أبو عبد الله الحموي في مقابلته على الجزيرة حيث يقول: الائتلاف من معارضة الخارج التي تفتقر إلى العمق الداخلي وهو لا يُمثّلنا انظر لقاء مع قائد حركة أحرار الشام حسان عبود، وبشكل مشابه لذلك صرح قائد جيش الإسلام زهران علوش، وكذلك ينظر إلى البيان الذي أصدره 13 فصيلاً مسلحاُ إسلامياً باسم البيان رقم واحد هنا: البيان رقم 1
[2] لوحظ مثلاً ترحيب جماعة الاخوان المسلمين بانشقاق السيد رياض حجاب ودعوتهم رجال الدّولة للاقتداء به: نرحب في جماعة الإخوان المسلمين بانشقاق الأستاذ رياض حجاب رئيس الوزراء السوري، ونرى في هذا الموقف الشجاع تعبيرا عن وطنية عالية ، وصدق انتماء إلى الوطن وإلى الشعب الذي أنجب لسورية أبناءها ليقوموا بحمايتها ..
ندعو كل رجال الدولة السورية في شتى مواقعهم إلى المسارعة إلى الانحياز إلى شعبهم ، إلى الانحياز إلى دماء الأطفال في سورية ، إلى مستقبل سورية الواحدة ضد بشار الأسد والمجرمين من عصاباته انظر: ترحيب بانشقاق رئيس الوزراء السوري
[3] لم تكن هذه النظرة مقتصرة على المعارضة او الفصائل، بل أبداها أيضاً بعض المثقفين والمحللين، حيث لا يرى الكاتب والمحلل السوري المعارض عبد الناصر العايد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أي «قدرات استثنائية لدى حجاب تخوله قيادة الائتلاف المعارض في هذه المرحلة الحساسة». ويوضح أن «تسلمه عددا من المناصب الحكومية داخل النظام ليس دليلا على كفاءته؛ لأن المناصب داخل النظام السوري غالبا ما توكل على أساس الولاء وليس على أساس الكفاءة»، لافتا الانتباه إلى «علاقة متينة ربطت حجاب بالأجهزة الأمنية السورية وجعلته يتنقل بين عدد من المناصب بشكل تصاعدي»، بينما يرى المعارض السوري أحمد رمضان خلاف ذلك، لعل هذا يوضح بعضاً من السجال والاستقطاب الحاصل حول تقييم المنشقين عن النظام في ذلك الوقت، أنظر:
رياض حجاب الطامح للسلطة نظاماً ومعارضة – الشرق الأوسط
[4] أثناء الحديث في أروقة المعارضة عن اختبار رئيس للحكومة المؤقتة في أواخر العام 2012، كتب الناطق الرسمي باسم الجماعة نشرها الموقع الرسمي للجماعة ( وإن كانت قد صدرت باسم مدير مركز الشرق)، يلمح إلى عدم أهلية رياض حجاب وغيره من المنشقين لمناصب عليا: يقول البعض وهم يتحدثون عن حكومة (مؤقتة ) أو حكومة (انتقالية ) . يقولون نحن لا نريد في هذه المرحلة حكومة حزبية ، ولا نريد حكومة مؤدلجة ، ولا نريد حكومة ذات بعد سياسي وهم بهذه العناوين البراقة يضعون الفيتو على كل المناضلين الشرفاء والمجاهدين الأصلاء . هم لا يريدون رجلا من حزب العمل الشيوعي الذي كان من المجموعات التي عانت وضحّت، ولا يريدون رجلا من القوميين الشرفاء الأصلاء الذين ظلت رؤوسهم مرفوعة ، و لا يريدون رجلا من الإخوان المسلمين الذين سحقت رفات عشرين ألف شهيد منهم حتى لا تكتشف مقابرهم الجماعية ؛ يقولون لا نريد رجلا من هؤلاء ونجيب وبقولكم نقول ولن نقترح في هذه المرحلة بعضا من هؤلاء … ولكن أليس المرشحون القادمون من الحزب (القائد للدولة والمجتمع ) هم أيضا قادمين من حزب سياسي ، وحزب فاشي مستبد وظالم ؟! أليس هؤلاء القادمون من هذا الحزب سينطبق عليه بنفس المعيار ما ينطبق على من ذكرنا من قبل ؟ ولماذا يكون القادمون من حزب البعث ممثلين للخبرة ومنتسبين للتكنوقراط ويكون كل أولئك ممثلين للموقف الحزبي والإيديولوجي الضيق ؟! ..انظر تقدير موقف لزهير سالم الناطق باسم جماعة الاخوان المسلمين بعنوان: أحمل فانوسي وأبحث عن منشق لم يكن مستخدمي الأسد رجال خبرة وانما كانوا مستخدمي ولاء سلطة
[5] انظر: قصة انشقاق حجاب وخروجه من سورية
[6] وصفه عضو الائتلاف الوطني السوري والمعارض ذو الاتجاه العلماني فايز سارة بأنه كان (ابناً عميقاً للنظام) – بعض المعارضين لم يتقبلوا انتقاله إلى صفوفهم وارتفاع اسهمه.وعنه قال المعارض فايز ساره العام الماضي إن”حجاب كان ابناً عميقاً للنظام، وبالتالي من الطبيعي ألا يصبح ابناً عميقاً للثورة” انظر: من هو رياض حجاب الذي سيفاوض النظام على مستقبل سورية
[7] نتج مجلس قيادة الثورة عن جهود محلية ذاتية انطلقت من نشطاء وعلماء دين تحت اسم مبادرة واعتصموا، ليُوقّع على المبادرة عدد كبير من الفصائل من بينها أقوى الفصائل الإسلامية كحركة أحرار الشام الإسلامية، وجيش الإسلام، وغيرها من فصائل الجيش الحر، انظر: فصائل المعارضة تشكل مجلس قيادة الثورة
[8] أصدرت الحركة بياناً بانسحابها من مؤتمر الرياض، مبدية اعتراضاً على “إعطاء دور لهيئة التنسيق الوطنية وغيرها من الشخصيات المحسوبة على النظام”، فيما يرى البعض أن تيارات داخل الحركة لا زالت متأثرة بالفكر السلفي الجهادي، فضلاً عن تحالفها العسكري مع جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، الأمر الذي يفرض على الحركة أن تسلك سياسة تستطيع فيها الموازنة بين أولويات ومتطلبات العمل السياسي الوطني، وبين المحافظة على وحدتها الكيانية والتنظيمية وعلاقتها مع حلفائها على الأرض، انظر بيان انسحاب حركة أحرار الشام.
[9] قبل التدخل الروسي، وخاصة بعد وصول فصائل المعارضة إلى أبواب الساحل السوري، كانت الفصائل تعوّل بشكل أكبر على الحسم العسكري.
[10] تنطبق الظروف الموضوعية التي ساعدت على تماسك المعارضة وراء الهيئة العليا على الدول الداعمة، فبعد قدوم الملك سلمان إلى السلطة في المملكة، تم تغيير الأولويات إلى مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة، بعد أن كان التركيز سابقاً على محاربة الإسلام السياسي السني، وسط ازدهار للعلاقات التركية السعودية، وزيادة واضحة في تنسيق المحور التركي – القطري مع السعوديين بعد أن كانت المنافسة والمماحكات على أشدها بين هذه الأطراف داخل الساحة السورية، الجدير بالذكر أن السيد رياض حجاب كان يحسب على المحور القطري – التركي.
[11] انظر صحيفة الحياة: كيري يهدد المعارضة بكأس السم قبل جنيف
[12] انظر بيان توضيحي من المبعوث الخاص لسوريا مايكل راتني حول ما تم تداوله بشأن اجتماع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع قادة الهيئة العليا للمفاوضات.
[13] يلاحظ ذلك مثلاً من خطاب حجاب لديمستورا، انظر : ماذا قال الدكتور رياض حجاب للمبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان ديمستورا.
[14] شاع بين أوساط المعارضة الاعتراض على “عدم احترافية” الخطاب السياسي لعدة مسؤولين في مؤسسات المعارضة، لعلّ أبرزهم الأستاذ معاذ الخطيب الذي كان رئيساً للائتلاف، والذي وُصف بالمزاجية والتّقلب والفردية في المبادرات والخطاب، وخاصّة بعد أن طرح مبادرة “فردية إنسانية” للحوار مع النظام (عندما كان رئيساً للائتلاف) دون أي تشاور مع بقية أعضاء الائتلاف والمعارضة السياسية فضلاُ عن المعارضة العسكرية على الأرض، مما أدّى لبيانات رافضة من مختلف أطياف المعارضة على نطاق واسع.
[15] انظر: تشييع القائد العسكري السوري المعارض “أبو حمزة” في إسطنبول
[16] ممثل لأحد الفصائل الإسلامية وبعد أن سرد بعضاً من مزايا السيد رياض حجاب، قال بأنّه “يحمد الله الذي هيّأ للثورة رجل دولة حكيم مثل السيد رياض حجاب ليمثّلها في المحافل الدولية”، الجدير بالذكر بأنّ نفس الشخص كان قد تساءل مشككاً عن مدى تخلي رياض حجاب عن حزب البعث وعقليته وفكره بعد انشقاقه قبل سنتين من الآن، ولعلّ ذلك يعكس أهميّة الزمن والانتكاسات التي منيت بها الفصائل (في مساعيها للحسم العسكري أو لإيجاد مظلة موحدة) في تغيير العقلية السابقة، وقد أفيد أيضاً بأنّ رياض حجاب كان قد توسّط بين بعض فصائل حلب وبين الحكومة المؤقتة ورئيسها أحمد طعمة، بعد أن نشبت بينهما أزمة كبيرة إثر منع فصائل حلب لأحمد طعمة من دخول سورية، والذي بدوره أصدر بياناً يتّهم الجبهة الشامية وهي احدى أهم الفصائل في حلب بانّها فصيل ارهابي! انظر: الجبهة الشامية والحكومة المؤقتة طلاق السياسة والعسكر.
[17] انظر: فصائل المعارضة تجتمع في انقرة وتتفق على تشكيل قيادة عسكرية موحدة وبحضور رياض حجاب
[18] بعد عدة ساعات من بيان “الأحرار”، أكد الإعلامي السعودي جمال خاشقجي أن أحرار الشام عدلت عن قرار الانسحاب.
وأضاف قائلا: “انتهت مسألة انسحاب أحرار الشام، ووقعوا مع إخوانهم على البيان الختامي”.
المهندس علي العمر “أبو عمار العمر”، نائب القائد العام لحركة “أحرار الشام”، رد على تغريدة خاشقجي بالنفي.
حيث قال: “حركة أحرار الشام لم تتراجع عن موقفها، ولم توقع على البيان الختامي؛ إذ لم نستطع تحقيق ما وعدنا به شعبنا وأمتنا من ثوابت”.
انظر: هل وقّعت أحرار الشام على بيان الرياض
[19] انظر الجزيرة: ديمستورا يعرض بقاء الأسد والمعارضة ترفض
[20] وكان أحد قادة المعارضة أبلغ مسؤولاً غربياً “الاستعداد لقبول الأسد في بداية المرحلة الانتقالية”، انظر مقالة الحياة: «مجلس عسكري مشترك»
و”إعلان دستوري” فكرتان جديدتان لإطلاق الانتقال السوري
[21] كما أشارت أحرار الشام إلى وجود “هوة بين الهيئة وبين الشارع الثوري بجميع مكوناته العسكرية والمدنية” انظر بيان الحركة :أحرار الشام تنتقد مفاوضات جنيف وهيئة التفاوض.
[22] انظر الجبهة الجنوبية: دعم الحل السياسي مرهون برحيل الأسد.
[23] في الفترة الأخيرة، بدأت جبهة النصرة بتبني نهج القاعدة بشكل أوضح من ذي قبل، بعد أن كانت مصنّفة لفترة على أنها جماعة محلية رغم ارتباطها الاسمي بتنظيم القاعدة، ففي إصدار مرئي” يشرح سياسة جبهة النصرة” بعنوان: على نهج الإمام من تورا بورا إلى الشام، وفي الدقيقة 13، وتحت عنوان: الخطوات العملية لتدمير القطب الأمريكي، نجد أيضاً: استدراج القوات الأمريكية خارج أرضها، الأمر الذي يتناقض مع ما بدأت به جبهة النصرة رسالتها وخطابها للشعب السوري، بأنّها جاءت لنصرته ضدّ نظام الأسد، وليس لاستجرار أكبر قوة في العالم إلى سورية كما حدث في العراق وأفغانستان.
https://www.youtube.com/watch?v=3mqN-RYUpkk
[24] حيث اتهم زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني، المشاركين بمؤتمر الرياض بأنهم خانوا “دماء الآلاف من الشهداء”، وما قاموا به يعد استسلاماً للنظام انظر الجولاني: مؤتمر الرياض خيانة لدماء آلاف الشهداء وكذلك الجولاني زعيم جبهة النصرة يصف مؤتمر الرياض بالمؤامرة، ويدعو إلى افشاله
[25] انظر المؤتمر الصحفي للدكتور رياض حجاب
[26] ظهرت مثل هذه التشبيهات لدى بعض النشطاء المؤيدين لهذا التيار في وسائل التواصل الاجتماعي.
[27] أنظر في الدقيقة 31 من الإصدار رقم2 ورثة المجد ، حيث يظهرون صورة رياض حجاب وهو يلقي القسم أمام بشار الأسد، كتذكير بماضيه.
[28] دأبت الفصائل والمعارضة الدّاخلية على اتهام المؤسسات الثورية بأنها صناعة خارجية كمقدمة لإسقاطها، لكنها في نفس الوقت لم تبذل جهداً كافياً ولم تنجح في إيجاد مؤسسات بديلة تنبع من الداخل.
للتحميل من هنا
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات ©2016