الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةترجمات

 ترمب “الأحمق المفيد” لإسرائيل

دائمًا ما كان المحافظون الجدد يدّعون أنّ إسرائيل والولايات المتّحدة الأمريكية شركاء في الشّرق الأوسط، لأنّ مصالحهم متطابقة، لكن هذا الادّعاء يتناقض مع حقيقة أنّ الإسرائيليين يُسارعون إلى تجاهل واشنطن في أيّ وقت يناسب مصالحهم، فكرة الشراكة هذه نمطٌ  روّج له الإعلام الصّهيوني وكذلك الكونغرس تحت ضغط اللوبيّات، وهي طروحات مضّللة تعمل فقط على جعل العلاقات المتذبذبة التي تربط الولايات المتّحدة مع نظام إسرائيل العنصري، تعمل على جعلها أكثر قبولًا عند الجمهور الأمريكي، خاصّة في سياق الهجمات وعمليّات القتل التي تمارسها إسرائيل وبشكل شبه يومي في غزّة، وكذلك في ظلّ التّشريعات التي يُصدِرها الكنيسيت الإسرائيلي، التي تسمح للمجتمعات الإسرائيلية باستبعاد المقيمين من غير اليهود، عليه فإن أيّ حديث عن علاقات وشراكة بين إسرائيل والولايات المتّحدة ليس إلا كلامًا لا يتمتّع بأدنى مصداقيّة كانت.

ربّما يتافجأ معظمُ أصدقاء إسرائيل في أمريكا، عندما يعلمون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زار موسكو ثلاث مرات هذا العام، في نفس الوقت الذي تشكّل فيه روسيا وبشكلٍ يومي مادة لحملات التشهير في وسائل الإعلام الرئيسة في الولايات المتحدة، سبب هذه (الروسوفوبيا) يتجاوز ما إن كان لروسيا دور ما، أو إن لم يكن لها أي دور في الانتخابات الأمريكيّة عام 2016. هذا البلد أصبح هدفاً للعداء من قبل عدد متزايد من مؤسسّات المحافظين الجدد المرتبطة بإسرائيل، والتي تحصل على دعمها المالي من تجّار السلاح، بالتالي فإن بقاء واستمرار هذا الدّعم يترتّب على حجم قوّة عدوهم، إذًا هذه القدرة على اللّعب المزدوج لدى إسرائيل وأنصارها على حساب المصالح الأمريكية هو ما يثير القلق بشكلٍ فعلي.

ترجع أهمية تورّط الجيش الأمريكي في سورية في جزءٍ منها إلى ضغوط مارستها إسرائيل، كان الهدف منها الإطاحة بالدولة السورية التي كانت موحدة، واستبدالها بسلطة متداعية، على شكل ولاياتٍ قضائيةٍ محليةٍ مجزأة، تُمثّل مختلف الجماعات القبليّة والدينيّة.  إسرائيل مقتنعة تماماً أنّ سورية المدمّرة، لن تكون عامل تهديدٍ لها في مواصلة سياستها المتمثّلة  بالاستيلاء على الأراضي في مرتفعات الجولان، بل وأيضاً ستُتيح الفرصة لها أن توسّع نطاق الاحتلال.

تماشيًا مع المصالح الإسرائيلية، سعت الولايات المتحدّة إلى إحداث تغيير في النّظام السّوري، وقامت بإنشاء دويلات صغيرة يسيطر عليها الأكراد وجماعات مما تسميه واشنطن “المعارضة المعتدلة”. هذه اللّعبة تشكّل نهاية سورية كأمّة، وهو ما سعت إليه إسرائيل منذ عام 1967.

 إسرائيل  لها مساهمة من خلال مهاجمة أهداف داخل الأراضي السّوريّة، تصفها عموما إما ب”إيرانيّة” أو أهداف ل”حزب الله” لكن هذه الهجمات تضمنّت أيضًا أهدافًا لمنشآتِ جيش النظام، حيث وقعت إحدى هذه الهجمات الأسبوع الماضي(الأسبوع الأول من شهر تموز/يوليو حسب المحرّر) بعد دخول طائرة بدون طيار إلى الأراضي الإسرائيليّة.

عملت إسرائيل أيضًا مع بعض فروع تنظيم القاعدة وتنظيم الدّولة في جنوب سورية، الأمر الذي يضع واشنطن في حرجٍ خاصًة بعد إعلانها عن هزيمة تنظيم الدّولة وغيرها، وهو السبب الرئيس الذي استندت إليه الإدارة الأمريكيّة لتبرير وجودها في سورية، وفي إحدى المواقف الغريبة، اعتذر تنظيم الدولة فعليًا من إسرائيل، بسبب هجومه غير المقصود على مواقع إسرائيليّة في مرتفعات الجّولان.

إن إصرار إسرائيل على اللّعب في كلا الاتّجاهين في الصّراع السّوريّ، يؤدّي بها إلى أن تنسب إلى روسيا، بدلّا من الولايات المتحدّة، دورًا حاسمًا في حلٍ سياسيٍّ لهذا الصّراع، بالإضافة إلى إضعاف وتفتيت سورية، هدف إسرائيل الجليّ هو الحدّ إن لم يكن القضاء على الوجود الإيراني في المنطقة، وهو هدف يصفه نتنياهو أنّه”مهم للغاية من أجل الأمن القومي لإسرائيل”.

يمكن تفسير زيارات نتنياهو لروسيا على أنّها محاولات للحصول على دعم روسيا لصدّ إيران، مثل هذه المهمة يمكن اعتبارها عبثية إذ أنّ إيران، وكذلك روسيا، تعتبر وجودها في سورية مبني على دعوة من النظام السوري، وأن تدخلها نجح في صد الهجوم المضاد على العاصمة دمشق، لكن أدوراهما كانت واضحة متذ بداية تدخلهما إلى جانب الأسد، حيث أنّ روسيا قدمت الدعم بغطاءٍ مكثف من طيرانها، وكذلك قيادتها لعمليات التهجير القسري للمناطق التي ينتزعها جيش النظام والميليشيات التابعة له، ومساندة بشار الأسد سياسيّا،  وإيران من جهتها جلبت 80 ألفًا من جنود المشاة، وبهذا فإنّ روسيا لا تفضّل أبدًا أن تصبح سورية تحت السّيطرة الإيرانيّة عند نهاية الأعمال العدائيّة في البلاد.

في الوقت الذي كانت فيه كل من إيران وإسرائيل تتجاذبان روسيا، تلقّى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارات متتالية من كلٍ من نتنياهو وكبير مستشاري السياسة الخارجيّة الإيرانيّة علي أكبر ولايتي، حاول نتنياهو أن يشرح لبوتين لماذا سيكون وجود إيران في سورية مستقبلاً أمراً غير مرغوب فيه، أو حتى سيشكل عامل خطرٍ في المنطقة، وطالب كذلك باستعادة منطقة منزوعة السلاح تحت إشراف الأمم المتحدة، على طول الحدود مع مرتفعات الجولان، وبالانسحاب الكامل للجيش الإيراني من سورية.

في ردّهم، ألمح الروس أنّهم يدعمون وجود عسكري إيراني على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، وقال بوتين أن سورية ستكون موحدة تحت سلطة النظام السوري، كما زعم بوتين أنّه سيكون لإيران دورٌ في الدّفاع عن البلاد وإعادة الإعمار، إذًا غادر نتنياهو دون الحصول على ما يريد، لكن التشاور مع روسيا الصديقة لإسرائيل مستمر، ومن المتوقع أن يكون هناك المزيد من الزيارات في الفترة القادمة.

من جانبهم تعين على الإيرانيين تسوية قضية أكبر، وهي منع العقوبات الأمريكية ضدّ صناعاتهم النفطيّة، فقد حصلوا على ضمانة من بوتين ، بأن روسيا مستمرّة باستثماراتها في تطوير النفط الإيراني، وفي التعاون مع إيران بما يخص سورية، يُشار إلى أن مسألة تصدير الطاقة وشراء النفط الإيراني لم يكن على جدول أعمال الروس، إلا أنهم علموا أن ولايتي كان في طريقه إلى الصين ليطلب من بكين مواصلة مشترياتها النفطية رغم تهديد العقوبات الأمريكية.

كيفما يتم التفكير بالصراع السوري ودور واشنطن في سورية، فإن الاستراتيجية العالمية التي تتبعها إسرائيل، وضعت أمريكا في الخلفية لصالح روسيا عدو اليوم، في الإدارة الأمريكية الجديدة وجد الإسرائيليون ما كان يسميه لينين”أحمق مفيد” مستعد لدعم كل ما يقترحه نتنياهو، تاركاً له تفويضًا مطلقًا لتفاوض علنًا مع موسكو، الأمر الذي يُقوّض النفوذ الأمريكي في المنطقة.

من جانبه غرّد الرئيس الأمريكي دولاند ترمب أنّ الولايات المتحدة قد تغادر سورية بالكامل بحلول نهاية هذا العام، الأمر الذي يشير  إلى أنّ واشنطن تدرس بشكل جدّي تغيير قواعد اللعبة، وأنّها ترفض أن تكون مطية في خدمة الأهداف الإقليمية الإسرائيلية، ربما أيضًا أدرك الييت الأبيض أخيرًا أنه مهما كانت نتيجة الصراع فإن استمراره في سورية لن يجلب له أي منفعة.

كتبه فيليل جيرالدي . تم نشره باللغة الانكليزية بتاريخ16 تموز 2018 بعنوان ترمب الأحمق المفيد لإسرائيل .

https://ahtribune.com/us/israelgate/2369-useful-idiot-trump.html

قامت بترجمته إلى اللغة الفرنسية سيلفي جوليفيه لنوقع arrêt sur info    بتاريخ 04 آب 2018 .

https://arretsurinfo.ch/trump-est-lidiot-utile-disrael/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى