تمهيد:
تعرضت المملكة العربية السعودية في 14 – سبتمبر/ أيلول 2019 لاعتداء على منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو الرائدة في مجال سوق الطاقة العالمي، حيث سبب الهجوم المركّز على مدينتي بقيق وخريص أضرارًا كبيرة تعد الأولى من نوعها منذ استهداف التحالف الأمريكي للعراق 1991.
أحدث الهجوم وفقًا للمؤشرات الأولية خسارة المملكة لـ 5.7 مليون برميل، بالإضافة إلى أضرار في بنية المنشآت والمعدات المستخدمة في19 نقطة مستهدفة[1]. ومن شأن ذلك أن يزيد التحديات على رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لـ 2030 والتي تقضي في شقها الاقتصادي بتقليص اعتماد المملكة على احتياطات النفط فضلًا عن تراجع الدور القيادي لـأرامكو أمام كبرى الشركات الغربية المتنافسة على إنتاج النفط وتصديره.
وقد تُلقِي الحادثة بظلالها على أسواق النفط العالمية، لأن فقدان المملكة نصف إنتاجها سيتيح المجال لتدخل دول كبرى على خط المنافسة الاقتصادية في حال لم تستطع المملكة تلافي العجز بعد الفترة المحددة لشهر سبتمبر 2019، ورغم إعلان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان نجاح المملكة في استعادة كامل إمداداتها النفطية كما كانت عليه قبل الهجوم،[2] إلا أن بعض المصادر أشارت إلى أن حجم الخسائر قد يتطلب عدة شهور لتلافي النقص الراهن.
اللافت أن ضربة أرامكو كشفت نقاط ضعف المملكة الدفاعية رغم امتلاكها منظومات أمريكية كمنظومات باتريوت وهوك، الأمر الذي يقود – ليس فقط لوضعها في موقف حرج- بل يتعدى ذلك لحليفتها أمريكا التي تدَّعي أنَّ أسلحتها هي الأولى في سوق التسليح العالمي. إن صحت هذه الرواية فما تفسير عدم التصدي لحادثة الاعتداء في ظل توفر أقمار صناعية وتقنية متطورة من الرادارات والمضادات الحديثة، فضلًا عن أن المملكة تعد الأولى في دول الشرق الأوسط والخليج إنفاقًا على منظومات التسليح، حيث أنفقت فقط في 2017 أكثر من 400 مليار دولار قدمتها دفعة واحدة لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب خلال زيارته الأولى للمملكة مع ذلك لم يقلل الإنفاق من حجم المخاطر المتزايدة على أمن المملكة! بل ارتفعت مؤخرًا على ضوء اعتماد جماعة أنصار الله الحوثي المدعوم من إيران استراتيجية رفع منسوب الأخطار على طول الشريط الحدودي الجنوبي للمملكة بفعل التفاعلات الطارئة في حرب اليمن.
الجدير ذكره أن حادثة أرامكو لم تكن الأولى وقد لا تكون الأخيرة، فقد سبقها في شهر أيار/ مايو 2019، سلسلة اعتداءات تبنّتها جماعة أنصار الله الحوثي، استهدفت ناقلات نفطية في ميناء الفجيرة منها ناقلتان تابعتان للسعودية [3]، وحالة اعتداء فردية على أنبوب نفط في شرق المملكة، بالإضافة إلى محاولة تعطيل جزئي في حركة الملاحة الدولية في مضيق هرمز على إثر تبادل احتجاز الناقلات بين إيران وبريطانيا، عقبها تبني النظام الإيراني إسقاط طائرة مسيرة بدون طيار للولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو أن حادثة أرامكو جاءت استكمالًا لمسار التصعيد الدولي لكنها بنفس الوقت فتحت فصلًا جديدًا من حلقة نزاعات قد تزيد استنزاف أمن المنطقة ومقدراتها، وقد تصل لحد تهديد بعضها بالتفكّك في حال لم يتم وضع حد لمؤشر التصعيد.
وعليه فإن المملكة العربية السعودية أصبحت تعيش على وقع مهددات داخلية وخارجية مستمرة، قادها مؤخرًا للمثول أمام تحدٍ كبير في إثبات مدى قدرتها على الخروج من المأزق الحالي والتأكيد على حماية منشآتها وأمنها السيادي في موقف بات يدفعها لحتمية الرد على متسبب حادثة الاعتداء على قطاعها النفطي، لأن تجاوزه قد يدفع خصومها إلى تكرار المزيد من الضربات وصولًا لاستهداف مركزية الدولة وعزلها عن نطاقها الحيوي الإسلامي.
اعتداء أرامكو (ثلاث روايات متناقضة )
أثار استهداف أرامكو غموضًا متعمدًا من قبل جميع الأطراف عن إثبات الجهة الحقيقية التي وقفت وراء تدبير وتخطيط هذه الحادثة، والتي اعتبرت وفقًا للعديد من الخبراء أنها عملية نوعية نفذّت بعناية دقيقة لغرض تحقيق ضرر جزئي في خزانات الوقود للمنشآت النفطية دون إيصالها لحد تفجيرها بالكامل، كما أن نوعية الأسلحة المستخدمة -باعتراف المجتمع الدولي- استخدم فيها تقنية متطورة من نوع الطائرات المسيرة الدرونز الحديثة والمزودة بتكنولوجيا تجعلها تصيب عدة أهداف بنفس التوقيت. دفعت هذه المعطيات بالولايات المتحدة لتبني رواية استبعاد اليمن أن يكون مصدر الاستهداف، وأبعدت أنظارها عن اتهام جماعة أنصار الله الحوثي، ما دفع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لاتهام إيران بشكل مباشر واعتبارها أنها انتقلت لتنفيذ استراتيجية جديدة في المنطقة [4].
اللافت أن الموقف الصريح لوزير الخارجية لا يمثل رؤية شاملة لبقية المؤسسات الأمريكية، إذ لم تُوجه بقية المؤسسات كالكونغرس ووزارة الدفاع الاتهامات للنظام الإيراني، واكتفت بتحميل المسؤولية لأذرع إيران في المنطقة، باستثناء العراق الذي أجمع الغالبية في الداخل الأمريكي على استبعاده أن يكون مصدر الاستهداف. وفي بيان صدر عن مكتب رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي نفى كل التهم الرامية لجعل العراق منصة إطلاق تهديد دول الجوار.[5]
حالة الانقسام الأمريكي تبقى مسألة ثانوية مقارنةً مع بقاء التركيز على موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كونه الطرف الأبرز المتصدر لحملة الضغط القصوى ضد إيران، والمراهن على إيصالها لحد الاستسلام وإعادتها لطاولة المفاوضات قبل بلوغه عتبة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، لكن لا يبدو أن الرئيس متحمس لرفع التصعيد ضد إيران رغم تحميله إياها مسؤولية الهجوم، حيث قال بشكل مباشر أن لديه العديد من الخيارات للرد عليها لكنه لا يريد الحرب.[6]
الرواية الثانية جاءت كنقيض للرواية الأمريكية تزعمتها جماعة أنصار الله الحوثي عبر تبنيها الهجوم بشكل كامل، فبعد يومين على الاعتداء خرج المتحدث العسكري العميد يحيى سريع بمؤتمر صحفي، واستعرض آليات الهجوم ونوعية الأسلحة المستخدمة، وكان لافتًا إشارته تلقي الجماعة مساعدة من قبل حلفاء لهم داخل السعودية، كما كشف حسب ادعائه عن نوع طائرات مستخدمة في الهجوم لأول مرة يصل مداها لـ 700 كيلو متر.[7] و الرواية الثالثة فهي سعودية وجهت أصابع الاتهام لإيران بشكل مباشر، ونفت أي يكون الهجوم من داخل اليمن والعراق وخلال مؤتمر صحفي للعقيد تركي المالكي ادعى بأن السعودية تمتلك أدلة كافية تُثبت ضلوع إيران في الهجوم، حيث عرض على الرأي العام صورًا ملتقطة عبر الأقمار الصناعية لمسارات الهجوم، إلى جانب بقايا قطع مدمرة لطائرات مسيرة وصواريخ كروز يدعي أنها من طراز يا علي الإيرانية.[8]
مضمون الروايات
عبر تتبع مسار الأزمة من خلال سلوك جميع الأطراف ووفقًا للمعطيات المتوفرة فإن رواية الحوثي تعد الرواية الأضعف في حادثة أرامكو لعدة اعتبارات:
_ اعتمد الحوثي نهج التصعيد ضد المملكة العربية لممارسة ضغوطات عليها وردعها في حرب اليمن، وهذا ما دفعها لتبني الهجوم كدعاية تسويق تهدف من خلالها إظهار قدراتها المتطورة في المنطقة، إلى جانب محاولتها فرض شروطها على محور التحالف العربي وقلب المعادلة لصالحها في ظل استغلالها حالة الاضطرابات السعودية الإماراتية الأخيرة.[9]
_ إن سرعة تبني الحوثي لهجوم أرامكو يتناقض مع الموقف الدولي المُجمع على استبعاد اليمن أن يكون مصدر الإطلاق لأبعاد تتعلق بالجغرافية ودقة الأهداف.
_ رغم إعلان الحوثي أكثر من مرة عن امتلاكه طائرات مسيرة متطورة، إلا أنها لا تصل للتقنية المستخدمة في هجوم أرامكو، ووفقًا “لمايكل نايتس” المتخصص في الشؤون الدفاعية الأمريكية لأمن الخليج، فإن الضربة كانت مركزة في مناطق واقعة شمال الخليج العربي أي ليس من جهة اليمن، مضيفًا أن الطائرات المسيرة حلقت على علو منخفض أي أقل من 300 قدم وهو ما يعد براعة متقدمة في تصميم الهجوم لم تظهر منذ عدة عقود.[10]
_ من غير المستبعد أن يكون تبني الحوثي مدفوعًا من قبل إيران لمنع الشبهات عنها أمام الرأي العام، خاصةًا وأن إيران رفضت كل التهم الموجهة ضدها. ويبدو أن إيران سواء كانت هي من دبر الهجوم أو من خطط له فهي حرصت على منع حصول الولايات المتحدة على أدلة قطعية تدينها، أو أنها على علم بأن أمريكا حتى لو حصلت على أدلة قطعية فلن تتجرأ على الكشف عنها على اعتبار أنها لا ترغب في الدخول بحرب شاملة مع إيران.[11]
في حين تبدو الرواية السعودية ضعيفة أيضًا وذلك بسبب ظهور تناقضات على الصعيد الاقتصادي والعسكري، فوزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، رغم إعلانه عودة إنتاج النفط لحالته التقليدية، بعد استخدام المملكة مخزونها من النفطي الاستراتيجي، لكنه لم يعط معلومات حول سداد العجز المتبقي لـ 3.5 مليون برميل، على اعتبار أن النقص الكلي الناتج عن حادثة أرامكو 5.7 مليون برميل. كما أن الأمير تحفظ على الإفصاح عن تكلفة الأضرار المادية ومدتها الزمنية ومن الذي سيتكفل بها، ما يفسر أن الوزير اتبع نهج التقليل من حجم الأضرار حرصًا منه على الحفاظ على القيمة الرمزية لشركة أرامكو في سوق الطاقة العالمي، بالأخص أن جزء من أسهم الشركة كان مقررًا عرضها للتداول بين عامي 2020- 2021 ، وهو ما تم تجميده بالوقت الراهن بعد وقوع الهجوم.[12]
وعلى الجانب العسكري ورغم عرض المتحدث العسكري العميد تركي المالكي، صورًا ودلائل لإثبات إدانة إيران أمام الرأي العام، إلا أنه تحفظ الإفصاح عن مكان الاستهداف ومصدره، ويعد ذلك غير كافٍ وفق خبراء لإثبات التهمة على إيران فمن دون الكشف عن أدلة قطعية تدين تورط إيران ستبقى الرواية السعودية ضعيفة، و يفسر ذلك في اتجاهين: إما أن المملكة تمتلك معلومات دقيقة تثبت تورط إيران وترغب في مشاركتها مع حلفائها في المنطقة كالولايات المتحدة بهدف تحشيد دولي ضدها، أو أنها تفتقر فعلًا لمعرفة مكان الاستهداف وتنتظر من حليفتها واشنطن مساندتها في ذلك علمًا أن الرئيس ترامب طلب من السعودية الكشف عن أدلتها لإثبات الجهة المتورطة بالهجوم.[13]
ويشير الموقف الأمريكي إلي نية دولية في تمييع جوهر القضية والتركيز على هوامشها بدليل أن سلوكها المتبع في التعاطي مع الأزمة يستبعد الخيار العسكري ويقتصر على ما يلي:
_ الاستمرار بسياسة الضغط القصوى على إيران عبر فرض حزمة عقوبات اقتصادية جديدة.[14]
_ اعتماد مسار الدبلوماسية في التعاطي مع حادثة أرامكو عبر تدويل القضية وإرسال وفود لفتح تحقيق بالتعاون مع السعودية لتحديد الجهة الفاعلة للاعتداء.
_ تزويد المملكة بأسلحة جديدة لتعزيز منظوماتها الدفاعية إلى جانب تكثيف التواجد الأمريكي للقوات المسلحة في القواعد المنتشرة في الخليج.[15]
_ الاستمرار في توسيع التحالفات مع عدة دول أوربية وعربية لتأمين حماية حركة الملاحة الدولية.
وبناء عليه فإن خيارات إدارة ترامب المذكورة ستعود عليه بالنفع وجني المزيد من الأرباح، بعد تأكيده في إحدى تصريحاته على حصوله على المال مقابل تأمين الحماية [16]، وبهذا الأسلوب فإن ترامب يكون قد أخرج نفسه من مأزق سعودي جديد، واستمر بنفس الوقت باستراتيجية الرهان على جولة مفاوضات جديدة مع إيران، وما يعزز هذا الطرح منح السلطات الأمريكية للرئيس حسن روحاني ووزير خارجية جواد ظريف تأشيرة حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 74[17]، وقد جاءت الموافقة بعد حادثة الاعتداء على أرامكو وفي وقت لا تزال فيه المملكة تعول على دور أمريكي لممارسة ضغوطات جديدة على إيران وعزلها عن نطاقها الإقليمي، إلا أن رغبة الطرفين بعقد جولة مفاوضات جديدة من شأنها أن تطيح بكل الجهود السعودية الرامية لكبح النفوذ الإيراني في المنطقة.
الموقف الدولي
مع تسارع وتيرة الأحداث الناتجة عن حادثة الاعتداء، فإن الثوابت الأمريكية التقليدية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، أصبحت تتعرض لمزيد من الاهتزازات على ضوء تراجع دورها وانكماشها في المنطقة، سيما أن تلك الثوابت الممثلة في حماية أمن الخليج واستمرار تدفق النفط وحماية أمن إسرائيل بدأت تتلاشى تدريجيًا مع السماح لدول مختلة بالتدخل في المنطقة كروسيا التي تتأهب لاستثمار التوتر الجديد في محاولة لتسويق أسلحتها، حيث تطرق الرئيس فلاديمير بوتين لحادثة أرامكو في القمة الثلاثية في أنقرة التي جمعته مع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني في 17 سبتمبر/ أيلول 2019، لتبادل وجهات النظر حول الأزمة السورية، وكان لافتًا استشهاد الرئيس الروسي بآيات من القرآن وتوجيهها لحلفائه في المملكة وحثهم على شراء منظومات دفاعية روسية الصنع للدفاع عن أنفسهم،[18] كما لا تغيب نوايا الرئيس بوتين الاستثمار في الاقتصاد السعودي ووضع موطئ قدم له في قطاعات النفط التابعة لشركة أرامكو، حيث أعلن وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك في وقت سابق،[19] إن عددًا من المستثمرين الروس قد يدرسون إمكانية المشاركة في خصخصة شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو فور الإعلان عن شروط البيع، ويبدو أن موسكو باتت ترى بأن فرصتها أصبحت أقرب للتحقق على وقع ارتفاع المهددات على أمن الطاقة السعودي، وتستند موسكو في تحقيق مصالحها والدخول للمنطقة من بوابة التسليح ، ففي القارة الإفريقية مثلًا سهلت استراتيجيتها في بيع الأسلحة لدول القارة طريقها نحو جني مكاسب اقتصادية وتوقيع عدة اتفاقيات عززت مكانتها في الإقليم، ومع دول الخليج بدا أنها تتبع نفس الأسلوب، ففي حال قررت المملكة التنويع في مصادر أسلحتها الدفاعية فقد تطلب من موسكو شراء منظومات دفاعية ك إس 400 ورادارات متطورة.
بالمقابل الصين تتبنى نفس الأهداف الاقتصادية التي تطمح لها روسيا، لكن بآليات مغايرة فبكين لم تخرج عن نطاق استراتيجية النفاذ الاقتصادي عبر القارات، وغالبًا ما تعتمد القوة الناعمة في تحقيق التوازن بين أهدافها الاستراتيجية ومصالح حلفائها، وفي حادثة أرامكو لم تبدِ الصين أي موقف عدائي يساهم في ردع إيران، ولم تقف في صف السعودية بشكل مباشر، علمًا أنها تعتمد في احتياجاتها النفطية بشكل كامل على دول المنطقة العربية وإيران، وهو السبب الأهم الذي يجعلها في موقف المتريث تمهيدًا لقطف ثمار أي توتر يقف في وجه رؤيتها الاقتصادية والتي باتت معروفة بطريق الحرير.
وبالنسبة لدول أوربا فهي تعيش حالة انقسام على ضوء تزايد التصدعات والمشاكل بين دول الاتحاد من جهة، وتباين في المواقف مع أزمات المنطقة، خصوصًا الراهنة في الشرق الأوسط والخليج العربي، لكن فرنسا تبدو أكثر اندفاعًا في مسألة أمن الخليج، حيث يقود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دور الوساطة بين إيران والولايات المتحدة، لحماية الاتفاق النووي من الزوال، ونجح في الشهرين الماضيين إحداث خرق جزئي في الموقف الإيراني عبر استمالته تيار الإصلاحيين، ورغم كل الجهود الفرنسية إلا أنها قد تعود للمربع الأول مع زيادة التوترات الصادرة عن حادثة أرامكو، والتي اعتبرها وزير الخارجية جان إيف لورديان على أنها نقطة تحول في المنطقة.
خيارات الرد السعودي
ثمّة مخاوف سعودية من أن الرد العسكري المحدود على إيران أو على أذرعها في المنطقة حال ثبوت أدلة قطعية تثبت ضلوعها في حادثة أرامكو، قد يزيد الهجمات على أمنها القومي ومنشآتها النفطية، كما أنه من المستبعد أن تتجه السعودية لقيادة حملة عسكرية على أذرع إيران، لأن ذلك يعني خروج إيران عن نطاق استراتيجية الاستفزازات التقليدية لأمن الخليج والتوجه نحو الاستهداف المباشر لأمن المملكة، وعلى صعيد آخر إن عدم الرد السعودي على حادثة أرامكو وتجاوزها للخيار العسكري في التعامل مع إيران قد يعطي للأخيرة حرية التحرك مستقبلًا لشن المزيد من الهجمات في إطار استراتيجية ممارسة الضغط على حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج للوصول إلى مطلب تخفيف العقوبات المفروضة عليها منذ خروج ترامب من الاتفاق النووي. كما أن السعودية باتت تُدرك بأن أمريكا لن تخوض حربًا ضد إيران بالنيابة عنها بالأخص مع الدعوات الأمريكية والرسائل لإيران في نيتها تجنب الخيار العسكري وإفصاحها المتكرر عن رغبة الرئيس التوصل لصفقة نووية معها وفي جميع الأحوال تبدو كل الخيارات صعبة أمام المملكة العربية السعودية.
وبناء عليه لجأت المملكة إلى استخدام الدبلوماسية المرتفعة في أزمة أرامكو، واتجهت نحو تشكيل تحالفات دولية لمواجهة إيران في إطار الشراكة الجماعية، فهي تُعول من جهة على التحقيقات الدولية الجارية مع وفود أمريكية فرنسية وحلفاء الناتو لتحويل الأمر لمجلس الأمن ودفعه لإصدار بيانات إدانة دولية ضد إيران، ودفع الأمم المتحدة لاتخاذ اجراءات إضافية تستهدف أنشطة تهريب الأسلحة الإيرانية، وبرنامجها الصاروخي، ونشاطها التوسعي في المنطقة.
ومن جهة أخرى انضمت المملكة إلى التحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة لحماية أمن الملاحة البحرية في منطقة الخليج [20]، في خطوة تأمل منها تعزيز موقفها مع بقية الدول التي تسعى لوضع برنامج وآليات مشتركة لفرض حماية على حركة الملاحة البحرية في بحر العرب، بشكل يتناسب مع معاهدة البحار الدولية للممرات المائية. ومن شأن دخول السعودية في هذه التحالفات أن تفرض على المجتمع الدولي مواجهة مهددات إيران في المنطقة، وتقليل نسبة الأخطار الموجهة ضدها، وقد يدفعها ذلك إلى تقديم بعض التنازلات في ملف اليمن عبر فتح قنوات حوارية سرية مع حركة الحوثي.
لكن يبدو أن طموحات المملكة تتقاطع مع مصالح حلفائها، فرغم جهودها في المسار السياسي ومحاولتها إبداء موقف ثابت في حادثة الاعتداء، إلا أن ذلك قد لا يعود عليها بنتيجة في ظل تركيز إدارة ترامب على محدد رئيسي في التعامل مع إيران، مفاده عقد صفقة نووية مقابل غض الطرف عن نشاطاتها التوسعية في المنطقة.
وعلى الصعيد الاقتصادي قد تلجأ المملكة إلى تعمّد التقليل من إمداداتها النفطية في السوق العالمية، لوضع دول العالم أمام مسؤولية حماية أمنها القومي، لكن يبدو هذا الخيار مستبعدًا لأن إقدام المملكة على تخفيض تصدير إنتاج الطاقة في الأسواق العالمية سواء بقصد أو بدونه، سيضعها في موقف المنهار اقتصاديًا وسيؤثر ذلك سلبًا على سمعة أرامكو عالميًا ويخفض من قيمة أسهمها الشرائية، وهو المطلب الذي تسعى له بعض الدول للدخول على خط المنافسة البترولية في المنطقة.
وعلى الصعيد العسكري قد تلجأ المملكة للإسراع في شراء منظومات دفاعية جديدة، لاسيما بعد إدراكها فشل استراتيجيتها الدفاعية في التصدي للأخطار المتنامية، وبهذا الصدد ستحاول البحث عن أنظمة جديدة تستطيع من خلالها مواجهة الصواريخ المجنحة التي تطير على علو منخفض، والطائرات المسيرة التي تشوش على عمل الرادارات، وقد يكون الخيار الروسي هو الأقرب لها كبديل عن الأسلحة الأمريكية الدفاعية التي أثبت فشلها في التصدي للهجوم الأخير.
خاتمة
إن حادثة الاعتداء على أرامكو فتحت أبعاد جديدة للصراع في منطقة الخليج التي أصبحت مركز عمليات دولية على الصعيد الأمني والاستراتيجي، فمن ناحية استراتيجية هي استثمار متواصل في أمن دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة العربية السعودية، مُذ شهدت المنطقة تزايدًا في التواجد العسكري الغربي في أيار الماضي، حيث سمحت تلك الحشود في رفع منسوب الأخطار على حركة الملاحة والممرات المائية الدولية، وتقييد لحركة الناقلات والسفن النفطية، ويعد ذلك مخالفًا للأهداف المعلنة لشرعية التواجد الغربي المتبني تأمين وحماية أمن الخليج والحفاظ على سيادته، ومن جهة اقتصادية تعد بداية خروج عن السياق التقليدي المعروف في التعاملات التجارية لكبرى الشركات المتحكمة في إنتاج وتصدير النفط، ما يعني أن استهداف أرامكو كان لهدف اقتصادي من قبل الجهة المنفذة للهجوم، بهدف إضعافها في أسواق الطاقة العالمية كونها الأولى عالميًا في تصدير النفط الخفيف والخفيف جدًا.
فيما الثابت الوحيد في الحادثة أنها ستضع المملكة العربية السعودية أمام تحديات قد تكون مصيرية تنعكس إما إيجابًا أو سلبًا على مستقبل المملكة على الصعيدين الاقتصادي والأمني، وهذا متعلق بمدى فعالية تعاطي المملكة مع تداعيات الهجوم الأخير.
من الناحية الاقتصادية من غير الواضح بعد حجم الكلفة الحقيقة و الأضرار الناتجة عن الضربة، وكم من الوقت سيستغرق تعويض النقص في حجم إنتاجها النفطي المرهون بتعاملات تجارية نفطية والتزامات مع الدول المتعاملة معها، إضافة إلى تأثير ذلك على سوق النفط العالمي والذي قد يتضح في الأشهر القادمة.
ومن الناحية السياسية ثمة تساؤل عن مدى قدرة المملكة في تأمين الحماية ليس فقط لمنشأتها النفطية بل لأمنها القومي المهدد من عدة جهات في جوارها الإقليمي، فأهم التساؤلات المطروحة عن احتمالية تعرض المملكة لهجمات مماثلة في الوقت الذي ستكون فيه منشغلة في تلافي التداعيات الاقتصادية إثر الضربة السابقة، ولعل هذا الاستنتاج يفرض نفسه على المملكة في ضرورة وضع رؤية شاملة تنطلق منها بجدية في التعامل مع الأخطار التي وصلت لعمقها الاستراتيجي، ولهذا فإن حادثة أرامكو تعد نقطة تحول يتوجب الوقوف عندها وعدم تجاوزها إذا ما أرادت المملكة وجميع المعنيين باستمرار تدفق البترول من المنطقة.
وبالتالي فإن خيارات الرد السعودي كما تم ذكرها وبناءّ على مسارات التصعيد في المنطقة يستبعد لجوء المملكة لتبني الخيار العسكري تحت قيادتها لمنع تلقي المزيد من الهجمات في ظل موقفها المتصدع من الناحية الاقتصادية والسياسية، كما أن الواقعة لم تعد مجرد رد بالمثل على مكان الأخطار، وإنما أصبح الأمر يتطلب حلًا لجوهر المشكلة، وقد لا يتم ذلك إلا بخيار الدبلوماسية العالية من قبل المملكة ومراجعة كاملة لكامل ملفاتها في المنطقة سواء مع دول الجوار المشتعل أو مع حلفائها الإقليميين.
DW: تعطل إنتاج النفط السعودي، ن- بـ 14- 9- 2019، شوهد بـ 22- سبتمبر/ أيلول 2019.
Youtube وزير الطاقة السعودي: الإمدادات النفطية عادت إلى ما كانت عليه سابقا قبل هجوم أرامكو، شوهد بـ 22- سبتمبر/ أيلول 2019.
عربي بوست، ماذا حدث في ميناء الفجيرة؟ الكشف عن جنسية سفينتين من الأربع التي تعرضت لهجوم، وإيران تدعو لتحقيق، ن- بـ 13-5- 2019، شوهد بـ 23 سبتمبر/ أيلول 2019.
DW بومبيو يتهم إيران بتنفيذ الهجوم على منشآت النفط السعودية، ن- بـ 14- سبتمبر/ 2019، شوهد بـ 22- سبتمبر/ أيلول 2019.
CNN عادل عبد المهدي عن هجوم أرامكو السعودية: لا يمكن أن يتسبب العراق في أذى لأشقائه وجيرانه، ن- بـ 17- سبتمبر/ 2019، شوهد بـ 22- سبتمبر/ أيلول 2019.
بوست برس، “ترامب” : لدينا عدة خيارات للرد على إيران فيما يتعلق بالهجوم على “أرامكو”، ن- بـ 18- سبتمبر 2019، شوهد بـ 23، سبتمبر/ أيلول 2019.
Youtube مؤتمر صحفي للحوثيين يكشفون فيه تفاصيل استهداف مواقع أرامكو ويعلنون عشرات الأهداف لهم في الإمارات، شوهد بـ 23- سبتمبر/ أيلول 2019.
Youtube مؤتمر صحفي للمتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع العقيد ركن تركي المالكي، شوهد بـ 23- سبتمبر/ أيلول 2019.
الجزيرة، إيران تتحدث عن خلافات سعودية إماراتية باليمن وتبعث رسائل إلى الرياض والمنامة، ن- بـ 31-7-2019، شوهد بـ 23- سبتمبر/ أيلول 2019.
معهد واشنطن، مايكل نايتس، اختبارٌ لمصداقية العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية ولقوة الردع ضد إيران، ب- بـ 16- سبتمبر 2019، شوهد بـ 23- سبتمبر/ أيلول 2019.
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019
فرنس 24 إيران ترفض الاتهامات الأمريكية لها بالوقوف وراء الهجوم على منشأتي أرامكو في السعودية، ن- بـ 15- سبتمبر 2019، شوهد بـ 23- سبتمبر/ أيلول 2019.
فرنس 24 السعودية تدرس تأجيل طرح أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العام بعد هجوم على منشآتها، ن- بـ 16- سبتمبر 2019، شوهد بـ 23- سبتمبر/ أيلول 2019.
الأناضول، ترامب: ننتظر تأكيد السعودية حول منفذ هجمات أرامكو. .وجاهزون للرد، ن- بـ 16- 9- 2019ـ شوهد بـ 23- سبتمبر/ أيلول 2019.
الجزيرة، ردًا على هجمات أرامكو.. ترامب يفرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني، ن- بـ 20- 9- 2019، شوهد بـ 24- سبتمبر/ أيلول 2019.
Yoytube البنتاغون يعلن موافقة ترمب على إرسال قوات أميركية ذات طبيعة دفاعية إلى السعودية، شوهد بـ 24- سبتمبر/ أيلول 2019.
الجزيرة، ترامب عن هجمات أرامكو: على السعوديين أن يدفعوا ولا أرغب في حرب مع إيران، ن- بـ 17-9- 2019، شوهد بـ 24- سبتمبر/ أيلول 2019.
سبوتنيك، الولايات المتحدة تصدر تأشيرة دخول لروحاني وظريف لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، ن- بـ 19-9-2019، شوهد بـ 24- سبتمبر/ أيلول 2019.
Youtube بوتين يستشهد بآيات من القرآن ردًا على سؤال حول “أرامكو” وإس 400 شوهد بـ 24- سبتمبر/ أيلول 2019.
العربية، روسيا تدخل معترك المنافسة على الطرح الأولي لـ”أرامكو”، شوهد بـ 24- سبتمبر/ أيلول 2019.
الأناضول، السعودية تعلن انضمامها إلى التحالف الدولي لأمن الملاحة البحرية، ن- بـ 18-9-2019، شوهد بـ 24- سبتمبر/ أيلول 2019.