بعد مرور أزيد من شهر على تنظيم الانتخابات البرلمانية في المغرب، وتعيين العاهل المغربي للأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، عبد الإله ابن كيران، رئيساً للحكومة، لازال المشهد السياسي المغربي، ومعه المواطنون بانتظار ميلاد ثان حكومة في عهد دستور 2011، ورابع حكومة في عهد الملك محمد السادس.
رئيس الحكومة المعين وفي محاولة منه لتفسير تأخر تشكيل الائتلاف الحكومي، وإحاطة الرأي العام بكواليس المفاوضات التي جمعته مع باقي الأحزاب السياسية، أكد في كلمة ألقاها أمام اللجنة الوطنية لحزبه بداية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، أن “تشكيل حكومة جديدة أمر مهم ولكن في احترام للمبادئ والقيم”، مضيفاً أنه يرفض ما قال إنها “شروط غير منطقية”، و “تعجيزية” تفرضها بعض الأحزاب مقابل مشاركتها في تشكيل ائتلاف حكومي، في إشارة مباشرة لحزب التجمع الوطني للأحرار.
بنكيران أوضح في ذات الخرجة الإعلامية، التي صادفت عودة ملك البلاد من جولته الإفريقية الأولى لترؤوس أشغال قمة المناخ “كوب22” بمراكش، أنه “لن يقبل من أي كان أن يهين إرادة الناخبين ويتصرف كأنه هو رئيس الحكومة”، معتبراً أنه هو رئيس الحكومة، ولن يقبل الابتزاز من أحد، على حد تعبيره.
وفي الوقت الذي يلقي فيه خصوم حزب العدالة والتنمية، وتحديداً حزب الأصالة والمعاصرة، الحاصل على المرتبة الثانية في الانتخابات الماضية، والذي اختار الاصطفاف في المعارضة، باللائمة على رئيس الحكومة، متهماً إياه بـ”التسبب في شلل مؤسسات الدولة، وعدم التعجيل بتشكيل الحكومة”، أرجع رئيس الحكومة المعين، عبد الإله ابن كيران، التأخر في الاعلان عن الحكومة، إلى وجود “مساع لعرقلة تشكيل الحكومة وفرض شروط معينة” على رئيس الحكومة المكلف، فيما يتحدث أنصاره، عن “انقلاب ناعم” يجري التحضير له في الخفاء.
رئيس الحكومة المعين شدد في كلمة أمام اللجنة الوطنية لحزبه أنه “يجب احترام إرادة الناخبين” التي جسدتها نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحل فيها حزبه أولاً بـ 125 مقعداً، مؤكداً أنه لا يمكن لحزب حصل على عدد قليل من المقاعد أن يملي على الحزب المتصدر شروطاً معينة، في إشارة ضمنية لرئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش.
تعقُّد مفاوضات تشكيل الحكومة أو كما يحلو للبعض تسميتها هنا في المغرب بـ”البلوكاج” السياسي، تعود بالدرجة الأولى إلى اشتراط حزب عزيز أخنوش، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الفلاحة والصيد البحري في الحكومة المنتهية ولايتها، استبعاد حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي، وتعويضه بحزبي الاتحاد الدستوري، والحركة الشعبية. وهو الأمر الذي لم يتقبله رئيس الحكومة المعين، الذي أعلن عن تشبثه منذ اليوم الأول بحزب الاستقلال، رغم الصراعات التي نشبت بينهما في الولاية الحكومية الماضية.
المثير في نظر العديد من المتتبعين للشأن السياسي هنا في المغرب، ليس هو اشتراط حزب التجمع الوطني للأحرار، استبعاد حزب الاستقلال للدخول في الائتلاف الحكومي، بل المثير للاستغراب بحسب هؤلاء المتتبعين هو ربط الحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري موقفيهما من المشاركة في الحكومة بمشاركة حزب الأحرار، وهو الموقف الذي أثار استغراب عبد الإله بنكيران نفسه، الذي أكد في وقت سابق بأنه سيكتفي بالتفاوض مع حزب التجمع الوطني للأحرار لوحده مادامت أحزاب أخرى ربطت مصيرها بمصيره.
وأمام الشروط التي وضعها حزب “الحمامة”، ورغبته في التخلص من حزب الاستقلال، شنت صحيفة “العلم” لسان الحزب، هجوماً لاذعاً على عزيز أخنوش، متهمة إياه بـ” التخطيط للانقلاب على الدستور، ولعب دور القفازات في يد الجهة المعلومة، وبأنه يجر وراءه رزمة من الأحزاب الإدارية الطيعة”، في إشارة لحزبي الاتحاد الدستوري، والحركة الشعبية، التي لطالما وصفت من قبل المحللين بـ”الأحزاب الإدارية” التي خرجت من جبة النظام.
وفي ظل استمرار الوضع على ما هو عليه خصوصاً بعدما خابت آمال العديدين الذين كانوا ينتظرون استئناف المفاوضات بين رئيس الحكومة المعين، عبد الإله بنكيران، ورئيس التجمع الوطني للأحرار، مباشرة بعد نهاية قمة المناخ “كوب22” بمراكش، وعودة الملك من جولته الإفريقية الأولى، يجري الحديث عن سيناريوهات محتملة لتجاوز الوضع الراهن، والتعجيل بميلاد الحكومة الثانية في دستور2011.
بعض المحللين السياسيين يعتبرون أن السيناريو الأول يتمثل في تعيين الملك لشخص ثان من حزب العدالة والتنمية لقيادة المفاوضات وتشكيل الحكومة، وهو السيناريو الذي تصدى له حزب العدالة والتنمية الذي أعلن عن تشبثه بعبد الإله بنكيران كرئيس حكومة معين، وكأمين عام الحزب، وهو التوجه نفسه الذي سار عليه حزب التقدم والاشتراكية، الحليف الاستراتيجي لحزب المصباح، الذي شدد في بلاغ عقب انعقاد اجتماع مكتبه السياسي “على الضرورة الأكيدة، والحاجة الملحة لمنهجية التوافق البناء، القائم على التقيد المطلق بمقتضيات الدستور الذي لا يستحمل، قانونياً، أي مقاربة تحريفية لأحكامه”.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في إجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، وهو السيناريو المستبعد، بحسب عدد من المتتبعين للشأن السياسي، بسبب الكلفة المادية واللوجستية لهذا الخيار، ولوجود ملفات عاجلة تنتظر الحكومة المقبلة، ولاعتبار أن تنظيم انتخابات سابقة لأوانها لن يغير من الخارطة السياسية كثيراً حيث ستبقى على نفس النتائج تقريباً بسبب نمط الاقتراع والتصويت المعتمد.
والى جانب هذين السيناريوهين يظهر سيناريو ثالث، وهو تعيين رئيس الحكومة من الحزب الثاني المتصدر للانتخابات، وهو حزب الأصالة والمعاصرة. سيناريو يعتبره حزب العدالة والتنمية والموالين له “انقلاباً” واضحاً على الدستور، والشرعية الانتخابية، التي بوأت حزب “المصباح” صدارة الانتخابات بفارق كبير عن باقي الأحزاب المنافسة.
الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري، قطع بدوره الشك باليقين بخصوص هذا الخيار، حيث حسم كل تأويل مفترض للدستور قد يُخوله تشكيل الحكومة المقبلة في حال تعذر ذلك على حزب العدالة والتنمية، مؤكداً في لقاء صحفي أن حزب الأصالة والمعاصرة لن يقبل تشكيل أي أغلبية وفق أي تأويل مفترض للدستور، يمنح الحزب الثاني إمكانية تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة، “مضيفاً ” أن حزبه اختار الاصطفاف في المعارضة وسيبقى كذلك، ومشدداً على أن من يريد تأويل الدستور في هذا السياق فعليه أن يبحث عن مخرج دستوري بعيداً عن حزبه”.
إلا أن التصريح الذي أسال الكثير من المداد بحر الأسبوع الماضي، وأثار لغطاً كبيراً في مواقع التواصل الاجتماعي، هو تصريح خبيرة في القانون الدستوري، وعضو لجنة تعديل دستور2011، نادية البرنوصي لإحدى الأسبوعيات المغربية الناطقة بالفرنسية، عندما أفتت بأن الحل للخروج من الوضعية الراهنة يكمن في تعيين رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، رئيساً للحكومة، معللة “اجتهادها” بكونه حزب يتمتع بـ”الانسجام” و “القوة”، وبأن الملك باعتباره الضامن الأسمى، والساهر على السير العادي للمؤسسات، هو الذي يمكنه تعيين أخنوش لتجاوز حالة “البلوكاج”.
واعتبرت أستاذة القانون الدستوري أن بنكيران لا يتوفر على أي مخرج دستوري لتشكيل أغلبيته. وتبقى إمكانية تعيين الملك لشخص آخر من حزب العدالة والتنمية لتشكيل الأغلبية، مشيرة إلى أن الشارع يرفض حزب الأصالة والمعاصرة، كما أن حزب الاستقلال فقد قوته ووهجه، مما يعزز حظوظ حزب التجمع الوطني للأحرار لتسلم مفاتيح رئاسة الحكومة بدلاً من حزب “المصباح”.
تصريح أثار سخرية كبيرة من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، واستنفر حزب العدالة والتنمية، الذي أكد عدد من قياديه في تصريحات صحفية، أن “الفتاوى السياسية” غير المبنية على قواعد قانونية، والتي تقترح استبدال ابن كيران بشخص آخر “ليست واردة”، مادام المواطنون قد زكوا ابن كيران رئيساً للحكومة، وحظي بالتعيين الملكي للمرة الثانية على التوالي.
وأمام وصول مفاوضات تشكيل الحكومة إلى النفق المسدود بعد مرور أربعين يوماً ونيف، من إجراء الانتخابات وتعيين رئيس الحكومة، ينتظر الجميع عودة الملك محمد السادس من جولته الإفريقية، ومعه رئيس التجمع الوطني والأحرار، ووزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، على أمل ايجاد حل لـ”الأزمة السياسية” الحالية التي تعرفها البلاد، والتعجيل بميلاد الحكومة من منطلق أن الملك بمقتضى الدستور المغربي هو الساهر على السير العادي للمؤسسات، وضامن دوام الدولة واستمرارها.
– لتحميل الملف انقر هنا
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016
“الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات “