عندما يُركِّز العالم على الصراع العربي – الإسرائيلي اليوم؛ فإن مأزق الأربعة ملايين فلسطيني الذين يعيشون بقطاع غزة والضفة الغربية هو ما يحوز جُل الاهتمام. ولكن ثمة سؤال آخر مُلح يُطارد السياسة الإسرائيلية وهو وضع ومستقبل المواطنين العرب في داخل “إسرائيل”، والذين تُقدر أعدادهم بحوالي 1.7 مليون نسمة ويُشكلون حوالي 21% من نسبة السكان. على مدار العقود القليلة الماضية، تمكن عرب “إسرائيل” بشكلٍ مطرد من تحسين وضعهم الاقتصادي، كما عززوا مجتمعهم المدني وتمكنوا من تأمين مكانة بارزة في سياسة البلاد. ولكن في عام 2009 -وعندما بدأ “بنيامين نتنياهو” ولايته الثانية في منصب رئيس الوزراء- شهدوا تراجعًا في حقوقهم إذ اتبعت الحكومة عدة خطوات سعيًا لحرمانهم من حقوقهم. لقد عَرَّف صناع السياسة الإسرائيليون منذ فترة طويلة دولتهم باعتبارها دولة يهودية وديمقراطية، ولكن هذه الإجراءات الأخيرة أظهرت أن الحكومة تؤكد الآن على الأولى في مقابل الثانية.
وقد فجر هذا الهجوم نقاشًا بين قادة المجتمع العربي داخل إسرائيل حول كيفية الرد عليه والتعامل معه. فيرى أحد الأطراف أن على المواطنين العرب تعميق اندماجهم بالمجتمع وتوجيه قوتهم إلى اليسار الإسرائيلي للدفع نحو المساواة على المستوى القومي. بينما يحث آخرون العرب على الانسحاب تمامًا من السياسة القومية والسعي نحو خلق مؤسسات ثقافية وتعليمية وسياسية مستقلة. في الوقت الراهن يبدو أن القادة السياسيين العرب يفضلون النهج الأول. ولكن الاستراتيجية الأفضل للعرب هي أن يجمعوا بين هذه الرؤى المتقابلة في برنامج موحد: يطالب الحكومة الإسرائيلية بإدماج المواطنين العرب في البُنى السياسية القائمة حتى لو تطلب ذلك استقلالًا أكبر في المجالات التعليمية والسياسة والثقافية. وسيكون هدف هذا البرنامج نظامًا يضمن المساواة بين العرب واليهود في المؤسسات المشتركة ويحمي حق كلٍ منهما في تشكيل مجتمعه الخاص.
تحسن نسبي .. تجاهل مستمر
يُعتبر المواطنون العرب الحاليُّون ذرية حوالي 150 ألف فلسطيني -تقريبًا- ممن بقوا في البلاد بعد طرد غالبية أخوتهم في عام 1948 عند تأسيس “إسرائيل”. وعلى مدار العقدين التاليين لذلك، أبقت إسرائيل على العرب في واقع معاناة تمثل في: معدلات فقر مرتفعة ومستويات معيشة منخفضة، بالإضافة إلى القليل من فرص التعليم. وحُكمَت البلاد بقانون الأحكام العرفية الذي فرض قيودًا متنوعة عليهم بما في ذلك وضع قيود على السفر داخليًا وخارجيًا وقيودًا أخرى على تأسيس مشروعات تجارية جديدة. وبغرض منع بروز مراكز عربية مستقلة، قامت الحكومة الإسرائيلية كذلك بمراقبة أنشطة البلديات العربية والمؤسسات الدينية عن كثب، واعتقلت الكثير من النشطاء العرب.
منذ عام 1966 عندما أُوقف العمل بقانون الأحكام العرفية، تحسن وضع المواطنين العرب بشكلٍ كبير. وإذا أخذنا التعليم في الاعتبار نجد أنه في عام 1960، كان هناك حوالي 60 طالب عربي فقط مقيد بالجامعات الإسرائيلية، بينما نجد اليوم أكثر من 20 ألف طالب جامعي عربي بالبلاد، من بينهم حوالي ثلثين من النساء، في حين نجد حوالي 10 آلاف من عرب إسرائيل يدرسون بالخارج. كما ارتفعت مستويات المعيشة، وكذلك تحسن وضع النساء وبرزت طبقة متوسطة قوية.
يتضح من بيانات عام 2014، وهي أحدث البيانات المتاحة، أن سكان 66 مدينة (من إجمالى 112 مدينة إسرائيلية يتخطى عدد سكانها خمسة آلاف نسمة) كانوا جميعًا من العرب. وبفضل معدلات الولادة المرتفعة ونسبة الشباب في التعداد السكاني (نصف المواطنين العرب بإسرائيل دون سن العشرين، في حين أن نسبة الشباب من اليهود تبلغ حوالي 30% فقط) يُتوقع أن يبقى تعداد عرب إسرائيل في ارتفاع سواء دعمتهم الحكومة أو لا. (وقد وصف بعض المسؤولين الإسرائيليين النمو السكاني لدى العرب بأنه تهديد للأغلبية اليهودية، وفي الواقع، فإن النمو السكاني لليهود الآخذ في الارتفاع أيضًا، يرجح أن يستمر العرب في تشكيل حوالي 20% من تعداد سكان إسرائيل على مدار العقود الثلاثة المقبلة).
باختصار، يُمكن القول أن عرب إسرائيل أكثر ثراءً وصحةً وعددًا مقارنة بأي وقتٍ مضى. إلا أنه بالنظر إلى معظم مؤشرات الرفاهية، نجد أنهم يقبعون خلف نظرائهم اليهود. في عام 2013 وهو أحدث عام تتوافر عنه بيانات، نجد أن متوسط الدخل السنوي لأُسر عرب إسرائيل هو حوالي 27 ألف دولار، في حين يصل الرقم إلى 47 ألف دولار بالنسبة للأسر اليهودية، أي أعلى بحوالي 75% تقريبًا. ويبلغ معدل وفيات الرضع أكثر من الضعف بين العرب مقارنةً باليهود. كما يعتبر تمثيل العرب ضعيف في البيروقراطية والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية ويشكلون أقل من 2% من أعضاء هيئة التدريس العليا في جامعات البلاد. ويبقى العرب منفصلين بشكل عميق عن السكان اليهود في إسرائيل، حيث يعيش حوالي 90٪ من العرب في بلدات وقرى عربية حصرًا تقريبًا، وبصرف النظر عن الاستثناءات القليلة، فإن الأطفال العرب واليهود يذهبون إلى مدارس منفصلة. (ومع ذلك، فإن العرب واليهود ما زالوا منفتحين نسبيًا على الاندماج، فقد وجد استطلاع للرأي أجراه عالم الاجتماع الإسرائيلي سامي سموحة في عام 2015، أن أكثر من نصف العرب واليهود بإسرائيل يؤيدون فكرة إقامة العرب في أحياء ذات أغلبية يهودية).
ما هو أكثر أهمية من ذلك هي تلك الأمور التي تتعلق بالدعم الحكومي في بعض المجالات مثل تخصيص الأراضي بغرض البناء الجديد وتمويل المؤسسات الثقافية والتعليمية، إذ يعاني العرب من تمييزٍ مستمرٍ وذلك على الرغم من بعض التقدم الذي أحُرز مؤخرًا. يُشكل العرب حوالي 21% من تعداد سكان إسرائيل، وعلى الرغم من ذلك وبحسب مركز مساواة /Mossawa -وهو منظمة غير حكومية تدافع عن حقوق عرب إسرائيل- فإن المجتمعات العربية تتلقى 7% فقط من التمويل الحكومي الخاص بالمواصلات العامة، كما تحصل المؤسسات العربية الثقافية على 3% فقط من ميزانية وزارة الثقافة والرياضة الإسرائيلية وتعاني المدارس العربية كذلك من نقص التمويل والموارد. (وفي نهاية عام 2015، وافقت الحكومة الإسرائيلية على برنامج تنمية اقتصادية مدته خمس سنوات للمجتمع العربي الإسرائيلي بقيمة تصل إلى 4 مليارات دولار، ومن شأن هذا البرنامج أن يزيد من تمويل الإسكان والتعليم والبنية التحتية والنقل وتوظيف المرأة. وعلى الرغم من أن الخطة تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن المبلغ المحدد للتمويل الذي سيخصص لكل من هذه المجالات لا يزال غير واضح، كما هو الحال مع الطريقة التي سيجري بها الإشراف على هذه العملية).
كما تجدر الإشارة هنا إلى حقيقة أن إسرائيل تُعرف نفسها من خلال القومية الإثنية التي تُقصي الأقلية العربية من الأنشودة القومية التي تصف شوق الروح اليهودية إلى موطنٍ في صهيون وتُقصيها كذلك من العلم الذي يعرض نجمة داوّد. وبهذه الطرق، حافظت الحكومة الإسرائيلية على هيمنة الأغلبية اليهودية وحرمت العرب من المساواة الحقيقية.
وهكذا يواجه عرب إسرائيل إحباطًا ناتجًا عن التقاء عاملين: فمن ناحية ينعمون بتحسن وضعهم الاقتصادي الاجتماعي، ولكن من ناحية أخرى يواجهون حكومةً تمنعهم من جوانب عدة من تحقيق مساواة حقيقية. كيف سيكون الرد على هذه الديناميكية المحبطة، وما الكيفية التي ستتفاعل بها الحكومة الإسرائيلية مع هذا الرد، من شأن الإجابة على هذه الأسئلة أن يكون لها تأثير هائل على مستقبل المجتمع الإسرائيلي والسياسة والأمن.
الانقسام الداخلي
لا يعتبر عرب إسرائيل متجانسين سياسيًا وأهدافهم ليست موحدة. إذ تقدم مؤسساتهم المدنية ونشطاؤهم السياسيون ومثقفوهم رؤى مختلفة حول كلٍ من التنمية الداخلية للمجتمع وعلاقته بالدولة.
ومع ذلك، تميل توجهاتهم بشكلٍ عام إلى الانتماء لأحد طرحين يرتكز كلٌّ منهما على فهمٍ مختلفٍ للانقسام الهويَّاتي لعرب إسرائيل. يطلق على الأول “خطاب الاختلاف” -ويقترح هذا الخطاب أن الاستناد على الهوية العرقية الثقافية للعرب يجب أن تكون نقطة البداية لتحقيق مطالبهم، بدلاً من المواطنة الإسرائيلية. وبهذا المنطق يجب أن تُمكِن الحكومة الإسرائيلية العرب من تحقيق حكم ذاتي لمجتمعاتهم، وذلك من خلال تشجيع المسؤولين العرب على إصلاح المناهج الدراسية في المدارس العربية على سبيل المثال. بينما يرى الطرح الثاني الذي يطلق عليه “خطاب الاعتراف”، أن المواطنة الإسرائيلية يجب أن تكون نقطة البدء لا الهوية العربية. ويُشير هذا الطرح إلى أن المساواة ستتحقق عندما تعترف الدولة بالعرب باعتبارهم مواطنين إسرائيليين متساويين وتدمجهم بشكل عادل في المؤسسات القائمة.
إلى الآن، يبدو أن الطرح الأخير هو المهيمن ما بين العرب في إسرائيل. ولكن حتى بين هذا الاختلاف ثمة اتفاقًا حول بعض القضايا. يميل العرب من جميع الاتجاهات السياسية إلى إدانة سياسات الحكومة الحالية باعتبارها تمييزية؛ ويؤكد كثيرون أيضًا أن التزامات الحكومة المزعومة بالديمقراطية والطابع اليهودي للدولة في آن لا يمكن التوفيق بينها. وليست هذه هي النقاط الوحيدة التي يتفق عليها معظم العرب، فحوالي 71٪ من عرب إسرائيل يؤيدون حل الدولتين وذلك وفقًا لمسح أُجري عام 2015، كما أن 18٪ فقط يرفضون تعايش العرب واليهود معًا في إسرائيل.
وقد جُمِعت مختلف آلَام الفكر السياسي لعرب إسرائيل في ديسمبر 2006، عندما نشر مجموعة من النشطاء والمثقفين العرب وثيقة بعنوان “الرؤية المستقبلية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل”، التي سعت إلى تعريف علاقة العرب بالدولة وآمالهم في مستقبل البلاد. ودعت الوثيقة، التي شاركت في تأليفها، الحكومة الإسرائيلية إلى الاعتراف بمسؤوليتها عن طرد الفلسطينيين أثناء تأسيس “إسرائيل” والنظر في دفع تعويضات إلى أحفاد المُهجرين ومنح المواطنين العرب قدرًا أكبر من الحكم الذاتي فيما يتعلق بإدارة شؤونهم الثقافية والدينية والتعليمية بغرض حفظ حقوق العرب في المساواة الكاملة، ولعل أكثر ما يلفت النظر هو المطالبة بتعريف إسرائيل بشكل قانوني باعتبارها وطنًا لكلٍ من العرب واليهود، وهو ما يمثل تحد مباشر للطابع اليهودي التاريخي للدولة.
وقد أُقرت الوثيقة من قِبل اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل (وهي هيئة تمثل جميع عرب إسرائيل)، كما تبناها الجمهور العربي، إذ أظهر استطلاع للرأي أجريته في عام 2008 مع عالم الاجتماع نهاد علي، أنه على الرغم من الاختلافات فيما بينهم إلا أن أكثر من 80٪ من عرب إسرائيل قد أيدوا المقترحات الرئيسية للوثيقة. وفي السنوات التي انقضت منذ إصدار الوثيقة، دعا السياسيون الذين يمثلون بعض الأحزاب السياسية العربية الكبرى في إسرائيل، الحكومة الإسرائيلية مرارًا إلى العمل على مطالب الوثيقة. لكن القادة اليهود في الحكومة الإسرائيلية ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية عارضوها. وأصدر مجلس معهد إسرائيل للديمقراطية، وهو مركز أبحاث، بيانًا في يناير عام 2007 يقول فيه إن تقرير “رؤية المستقبل”، بالإضافة إلى وثيقتين أخريين أصدرتهما مجموعة من الناشطين العرب في عام 2006،” يُنكر طبيعة الدولة باعتبارها يهودية وديمقراطية “، وأعلن المعهد أنه “يرفض هذا الإنكار وما يتضمنه من أفكار حول وجود تناقض لا مفر منه بين الطبيعة اليهودية والديمقراطية للدولة “.
التحيز البرلماني
أصبحت العلاقات ما بين اليهود والعرب أكثر سوءًا بعد عام 2009، وذلك عندما عاد نتنياهو إلى رئاسة الوزراء. منذ ذلك الحين، اتخذت الحكومة الإسرائيلية العديد من الخطوات لتُضيِّق الخناق على المواطنين العرب، بدءًا من القواعد التي تحُد من حقوق العرب مرورًا بالسماح لهم بالعيش في قرى يهودية مُحددة وصولًا إلى القوانين التي تُقيد قدرة الفلسطينيين بالضفة الغربية في الحصول على الجنسية الإسرائيلية في حال تزوجوا من عرب إسرائيل. (وفي نفس الوقت، يمكن لأي يهودي أجنبي أن يصبح مواطنًا إسرائيليًا دون الحاجة إلى تأسيس عائلة تربطه بالإسرائيليين).
في صحراء النقب التي تعتبر موطنًا للكثير من بدو “إسرائيل”، أنشأت الحكومة مشروعات تهدف إلى تعزيز سيطرة اليهود على الأراضي. كتدمير مستوطنات البدو غير المعترف بها، وإحلال قرى يهودية مخططة محلها. وبشكل عام، فإن حكومة نتنياهو قد عززت الخطاب الرسمي الذي يؤكد ضرورة تعزيز الطابع اليهودي للدولة.
في مارس 2014 رفع الكنيست الحد الأدنى للتمثيل البرلماني من 2% إلى 3.25 من مجموع الأصوات. وقد هددت هذه الخطوة بتجريد ما يُعرف بالأحزاب العربية الأربعة – التجمع الوطني الديمقراطي وحداش والحركة العربية للتغيير بالإضافة إلى الحركة الإسلامية في إسرائيل- من مقاعدهم التي حصلوا عليها في انتخابات عام 2015. ومثل ذلك تذكيرًا بأن سياسات الحكومة الإسرائيلية المناهضة للعرب تستمد منطقها من حسابات حكومة نتنياهو التي ترى أن إضعاف الوضع السياسي للعرب قد يحول دون استعادة أحزاب اليسار للسلطة، كما يستند ذلك المنطق بنفس القدر على تحيز بعض المسؤولين الإسرائيليين.
ومن أجل منع استبعادهم من الكنيست، اجتمعت الأحزاب العربية معًا في يناير 2015 لإنشاء “القائمة المشتركة”، وهي حزب سياسي كبير، خاض الانتخابات التي جرت في شهر مارس التالي بقائمة موحدة. وفي يوم الانتخابات، سعى نتنياهو إلى تعزيز الإقبال اليهودي من خلال ترويج ادعاء عنصري مفاده أن الناخبين العرب “يتدفقون إلى مراكز الاقتراع”. ومع ذلك، كانت القائمة المشتركة ناجحة بشكل ملحوظ. وقد أدلى حوالي 82% من الناخبين المنتمين إلى عرب إسرائيل بأصواتهم لصالح هذه القائمة. وبفضل 13 مقعدًا، برزت القائمة كثالث أكبر حزب سياسي في الكنيست بعد حزب الليكود وحزب الاتحاد الصهيوني المصنف باعتباره يسار الوسط.
وما هو أكثر إثارة للإعجاب هو تمكن “القائمة المشتركة” من زيادة نسبة المشاركة بين الناخبين العرب بمقدار 7% لترتفع من 56.5% في انتخابات عام 2013 إلى 63.55% في 2015. تشير هذه الزيادة إلى أن العرب في إسرائيل قد أصبحوا أكثر ثقة بأن ممثليهم المنتخبين يمكنهم التغلب على الاختلافات فيما بينهم، والعمل كقوة موحدة فعالة في المؤسسة الإسرائيلية، باختصار، فإن السياسة القومية تُفسح طريقًا نحو التغيير، وعلى الأقل فيما يتعلق بالتمثيل البرلماني، فإن الجهود اليمينية لم تنجح في إعاقة تقدم عرب إسرائيل.
وبدلًا من قبول ذلك الزخم، استجاب تحالف نتنياهو لما حدث من خلال تدابير أخرى تهدف إلى إضعاف الموقف السياسي للعرب. في نوفمبر 2015، حظرت حكومته الفرع الشمالي للحركة الإسلامية، وهي منظمة إسلامية حشدت جزءًا كبيرًا من المجتمع العربي خلف معارضة ما تصفه بالتهديدات اليهودية للأماكن المقدسة الإسلامية بالقدس.
في فبراير من نفس العام، بعد أن زار ثلاثة من البرلمانيين العرب عائلات الفلسطينيين الذين قتلوا أثناء الهجمات الإسرائيلية، قدم المشرعون اليهود ما عُرف (بمشروع قانون التعليق) الذي يسمح لأغلبية مُحددة بثلاثة أرباع الكنيست بطرد أي نائب تُعتبر أعماله نفيًا للطابع اليهودي للدولة أو تمثل تحريضًا على العنف. يرى السكان العرب أن القانون المقترح هو محاولة مباشرة لتهميش ممثليهم على الساحة القومية. صرح أيمن عودة، وهو برلماني عربي يرأس القائمة المشتركة، خلال مناقشة حول القانون المقترح بالكنيست في فبراير قائلًا: “على الرغم من حملة نزع الشرعية التي تُمارس ضدنا ورفع العتبة الانتخابية، قررنا أن نبقى جزءًا من السياسة الإسرائيلية.. لكننا ما زلنا نتعرض للمضايقات”.
المواطنون. . . متحدون
كثفت هذه التطورات من البحث عن نهج جديد بين النخب العربية وبرز بديلان رئيسيان. الأول: ويتزعمه عودة، يقول بأن على عرب إسرائيل العمل مع اليسار الإسرائيلي للإطاحة بحكومة نتنياهو واستبدالها بائتلاف من يسار الوسط المستعد لاستئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين والنظر في الخطوات الرئيسية للمضي قدمًا في تحقيق المساواة للمواطنين العرب وإدماجهم. الثاني: والذي يتزعمه الفرع الشمالي للحركة الإسلامية وكذلك أعضاء الكنيست من “القائمة المشتركة” الذين يمثلون حزب التجمع الوطني الديمقراطي، يعارض فكرة تشكيل ائتلاف مع اليسار الإسرائيلي. ويدعم كلا المعسكرين إنشاء هيئة سياسية منفصلة لتمثيل المواطنين العرب، ولكن في حين يرى الاقتراح الأول أن مثل هذه الهيئة يجب أن تكمل التمثيل الحالي للناخبين العرب في الكنيست، يعتقد الثاني أنها يجب أن تحل محله.
وقد قسمت هذه الأصوات المتنافسة الجمهور العربي. ففي استطلاع للرأي أجراه عالم الاجتماع سموحة عام 2015، أيد 76% من عرب إسرائيل الذين شملهم الاستطلاع تعاون “القائمة المشتركة” مع الأحزاب اليهودية في الكنيست. في حين أعرب حوالي 33٪ عن تأييدهم لمقاطعة انتخابات الكنيست، كما أيد 19% استخدام أي وسيلة بما في ذلك العنف، لضمان المساواة في الحقوق، وقال 54٪ إن الانتفاضة الداخلية سيكون لها ما يبررها إذا لم تتحسن أوضاع العرب بشكل كبير.
إن مستقبل العرب في إسرائيل يعتمد جزئيا على قدرتهم في التغلب على هذه الانقسامات الداخلية التي أعاقت قدرة القيادة العربية على تحقيق التقدم. فقد أدى الخلاف بين القادة العرب حول ما إذا كان يجب أن تُنشأ مؤسسة سياسية عربية منتخبة مباشرة لتحل محل التمثيل العربي في الكنيست أو تدعمه، إلى ترك المواطنين العرب إلى الآن بدون هيئة منتخبة من بينهم. وفي الواقع، ينبغي أن يكون من الممكن تجميع هذه الرؤى المختلفة في برنامج موحد يدفع إلى إيجاد تمثيل متكافئ في المؤسسات القائمة، ويدفع كذلك في اتجاه مزيد من الاستقلال الذاتي عندما يتعلق الأمر بالسياسة التعليمية والثقافية. وبصرف النظر عن شكل هذه الهيئة، فإنها يجب أن تُلزم النشطاء العرب بعدم استخدام العنف، ويجب أن تطالب الحكومة الإسرائيلية بوضوح بإلغاء التمييز فيما يتعلق بتخصيص موارد الدولة. وأخيرًا، بما أن الدعم الواسع لمطالب العرب بالتغيير سيجعلهم أكثر فاعلية، فيجب على العرب دعوة اليهود في إسرائيل والمنظمات اليهودية خارج البلاد، بالإضافة إلى العرب والفلسطينيين في المنطقة وآخرين من المجتمع الدولي من المتعاطفين مع قضيتهم بغرض تأييد هذه الهيئة.
لكن مستقبل العرب في إسرائيل يعتمد، من نواح كثيرة، على عدة تطورات لا يمكنهم السيطرة عليها إلى حدٍ بعيد. الأول: هو كيف يمكن لحكومة نتنياهو وخلفائها إدارة الصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية: ففي حين أن العنف المفتوح بين إسرائيل والفلسطينيين يؤدي إلى تفاقم المشاعر المعادية للعرب بين الأغلبية اليهودية في إسرائيل، فإن حل الصراع يمكن أن يهيئ الطريق للمصالحة بين العرب واليهود في إسرائيل. والثاني: بطبيعة الحال، هو كيف تعامل الحكومة الإسرائيلية مواطنيها العرب. وبصرف النظر عن اختيارات الدولة، فإن عرب إسرائيل لا يزالون قادرين على تشكيل مصيرهم، ولكن ذلك يتطلب الاستقرار على برنامج سياسي موحد.
لتحميل المقال من هنا
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2017
“الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات “