داعش تجتاح باريس
ربما لم يتوقع أحد أن تكون أحداث صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية، مجرد بروفا تقوم به المنظمات الإرهابية لتضرب ضربتها القاضية بعد 10 شهور تقريبا في باريس مرة أخرى، بشكل أكثر ترويعا، وتقترب هذه المنظمة الإرهابية داعش من احتلال ليلة باريسية بتاريخ الجمعة 13-11-2015، والتي سوف يستمر تأثيرها طويلا على المستوى السياسي سواء داخل فرنسا أو أوروبا أو العالم، أو على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي في أماكن أخرى من العالم.
في ليلة الاعتداءات وبينما كان الفرنسيون كعادتهم في نهاية كل أسبوع يقضون إجازتهم الوادعة في المطاعم والمسارح والمقاهي، وكان الرئيس الفرنسي أولاند يشاهد مباراة كرة قدم في الإستاد، بين الفريقين الفرنسي والألماني، دوّت أصوات اطلاق الرصاص الكثيف والانفجارات في عدة أماكن ليتضح بعدها أن تنظيم داعش قام بعدة أعمال إرهابية متزامنة من خلال عدة أشخاص، اتضح فيما بعد انهم ينتمون لعدة جنسيات وبعضهم يحمل الجنسية الفرنسية، هذه العمليات الإرهابية كانت انفجارات انتحارية واطلاق رصاص، كالتي حصلت في مدخل الإستاد الفرنسي حيث كان يتواجد الرئيس في الداخل، وكذلك عملية احتجاز وقتل واسعة في مسرح، وكذلك اطلاق رصاص وقتل في مطعم، وبعض العمليات الإرهابية الأخرى. لتخلّف بحصيلة غير نهائية (133) قتيل وحوالي (400) جريح منهم (100) في حالة خطرة، معظمهم سقط في عملية احتجاز الرهائن وقتلهم في المسرح.
في هذه الليلة سالت كثير من الدماء والدموع، وسوف يسيل أكثر من الحبر والكلمات لمحاولة فهم ما جرى، ولماذا جرى، وكيف جرى، ومن المستفيد وما هي انعكاسات هذه العمليات الإرهابية على مختلف الأصعدة.
- من المستفيد:
هناك عدة أطراف مستفيدة من هذه العمليات، وقد تبدو أنهام متباعدة ولكن يربط بين هذه الأطراف أنها استفادت بشكل قصدته أو لم تقصده مما حصل.
أولا، داعش وأخواتها: داعش وأشباهها من الحركات المتشددة والإرهابية التي تدعي أنها إسلامية لا ترى في الغرب إلا العدو في الدين، ولا ترى في الغرب ضمن منظومة تصوراتها إلا عدو يجب القضاء عليه، ولا إمكانية للتعايش معه بأي حال من الأحوال، وتحت أي ظرف من الظروف. إن داعش ومن خلال هذه العمليات التي اعترفت بتنفيذها، تحاول الضغط على الحركات الإسلامية التنويرية وغير المتشددة، وتحاول أن تلغيها من خلال ثنائية، أنها هي من يمثل الإسلام، وأن الطرف الآخر والعدو هو الغرب، وأن لا مكان للمسلمين إلا أن يكونوا مع داعش أو يكونوا أعداء لها وحتى كما تتصور أعداء للدين.
إن داعش ومن خلال هذه العمليات تفرض نفسها حتى الغرب أنها هي من يمثل الإسلام، وليس أحدا آخر. لطالما تصورت الحركات الإسلامية المتشددة أنها في حالة حرب دائمة مع الغرب، وان كل ما تقوم به هو حالة دفاع عن النفس أو بالأحرى دفاع عن الإسلام كما تتصور.
إن داعش وما تمثله من قيم منحرفة عن الإسلام تحاول اختطاف أكثر من مليار مسلم لتضعهم في خانة الإرهابيين أمام أنفسهم وأمام العالم، متناسين أن هناك هامشا واسعا للحوار الحضاري والسلام والتعايش والتعاون مع الجميع حول قضايا كثيرة تشغل الإنسانية وهي قاعدة واسعة من المصالح المشتركة بين المسلمين وغيرهم.
ثانيا، المتشددون في الغرب:
على الجانب الآخر من المتوسط هناك دواعش بطريقة أخرى، هناك أشخاص ومجموعات وأحزاب لا ترى في الشرق والعرب والمسلمين إلا مجموعات متخلفة لا تصلح أن يتم معاملتها ضمن منظومة الغرب من حقوق إنسان وديمقراطية وغيرها، بل أنهم أعداء وأعداء فقط وأعداء دائما. وأنهم إرهابيون محتملون في أحسن الأحوال. ولا يصلح أن يعيش هؤلاء المسلمون في الغرب، أو يتعاملوا بقيمه. لأن لا قدرة لهم ولا نية على التعايش مع المختلفين عنهم دينيا وحضاريا، وذلك يعود –كما يزعمون- إلى أن الدين ذاته يمنعهم من ذلك وتربيتهم والقيم التي نشأوا عليها، ولهذا نجد على سبيل المثال أن الجبهة اليمينية المتطرفة في فرنسا بقيادة لوبان استغلت وتلقفت هذه العمليات الإرهابية كما تلقفها الكثير من المتشددين في الغرب وهم يحاولون الآن وقف تدفق اللاجئين وبالذات السوريين منهم، بحجة أحد المهاجرين قد كان من بين منفذي العمليات الإرهابية في باريس، وأن فرنسا وأوروبا يجب أن يبقى أمنها أعلى من أي اعتبار آخر، وهذا يتطلب أيضا الحفاظ على مسيحتيها من خطر “أسلمة أوروبا” كما يعتقدون. وأن تزايد أعداد المسلمين في فرنسا وأوروبا يمس أمنها وحضارتها. وعليه فإن هؤلاء وأشباههم يحاولون على الدوام تصوير المسلمين، كل المسلمين بأطيافهم وتوجهاتهم بأنهم قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت.
ثالثا، إسرائيل:
طالما زعمت إسرائيل وحاولت أن تروج نفسها في العالم والغرب بالذات على أساس أنها واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وسط بحر من التخلف والظلم والإرهاب العربي والمسلم. واستخدمت كل الوسائل لترويج هذه الصورة عن العرب والمسلمين، واستغلت كل حدث سلبي يصدر عن حوالي مليار ونصف مسلم، لتروج أفكارها من خلاله. وجاءت عمليات باريس الارهابية كهدية لها لتؤكد ما تزعم، ولتحاول التخفيف من الضغط عليها من جانب المنظمات الحقوقية والإنسانية في الغرب بالذات نتيجة قمعها للشعب الفلسطيني واحتلالها أرضه. هذه الأحداث تحتاجها إسرائيل بشدة لتؤكد للجميع وبالذات في الغرب، أن معركتهم واحدة ضد الإرهاب الإسلامي، وأنها هي والغرب في خندق واحد من أجل حماية أنفسهم من هذه الإرهاب وإن أي قمع وتجاوز على الحريات، بل حتى وسفك الدماء هو لازم لحماية نفسها من هؤلاء الإرهابيين. وأن حماية النفس والديمقراطية وسط هذا التخلف والإرهاب تحتاج أن يغض الجميع بصرهم عن “بعض التجاوزات اللازمة” لتبقى إسرائيل موجودة ومستقرة. بل أن إسرائيل تطرح نفسها للغرب أنها خندقه الأمامي في مواجهة هذا الشرق الإسلامي الذي لا يمكن أن يتقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعيش السلمي، بل أن الإسلام بذاته يعلن الحرب على الغرب لمجرد انه مختلف معه في الدين وطريقة العيش، إن إسرائيل تقول دون مواربة أنه لا يمكن التعايش والتحاور بسلام مع الإسلام، لأنه لا يوجد إسلام معتدل، ولا مسلمون معتدلون، وما هذا الاعتدال الذي يحاول أن يبديه البعض من المسلمين إلا قناعا للتشدد ولا يعول عليهم لقلتهم وعدم جديتهم في التعايش مع الآخر. وان الحرب مع الإسلام فرضت على الغرب وإسرائيل وانه لا خيار آخر لدى الغرب وحلفائه إلا أن يكسبها.
رابعا، النظام السوري:
بعد أن اتضح للجميع ترنح النظام السوري أمام المعارضة المسلحة جاءته هديتان الأولى كان يتوقعها البعض ويحسب حسابها وهي التدخل الروسي المسلح المباشر لمحاولة حماية نظام الأسد من السقوط بين لحظة وأخرى، أما الهدية الأخرى والتي قد تبدو للكثيرين الأثمن هي ما قامت به داعش في باريس، لطالما روج النظام السوري أنه يقاوم إرهابيين وليس فقط معارضة للنظام، ورغم أن الغرب لم يؤيد بشكل حقيقي وفعال المعارضة المسلحة السورية المعتدلة، إلا انه كان في مجمله ضد بقاء الأسد في السلطة ومع انتقال بطريقة ما لهذه السلطة إلى أطراف معتدلة، وبالذات كانت فرنسا لها موقف واضح بوجوب خروج الأسد من المعادلة السورية، وكانت تتفهم معارضة هذا النظام الوحشي القمعي في سعيهم لإسقاطه وإقامة نظام بديل يمثل كل السوريين. ورغم أن فرنسا والغرب عامة لم يعطوا لهذه المعارضة التسليح الكافي أو النوعي لإسقاط الأسد، إلا أن الأمر بعد الهجمات الإرهابية في باريس يبدو أنها تتجه أن تكون مختلفة بشكل جذري، حيث نجد أن هناك أصوات بدأت تميل في فرنسا وعامة الغرب إلى أن القتال وتصفية تنظيم داعش، هي الأولوية ولها الأسبقية على إخراج الأسد من السلطة، بل أن الأسد ذاته بدأ يطرح نفسه ونظامه على أنه الشريك لهم في قتال داعش والإرهاب. لقد خدمت هجمات باريس نظام الأسد كما لم يخدمه جيشه المتهالك، وانتشر الحديث في أوساط مؤيدي النظام السوري عن التراجع حتى عن قرارات جنيف (1) والتي لا تلبي الحد الأنى من مطالب شعب قدم أغلى التضحيات مقابل حريته. إن من نتائج أحداث باريس ربما تكريس صورة النظام السوري كمقاتل لداعش وخندق أمامي يقاتل الإرهاب والتطرف وربما ترجع للوراء قليلا أو كثيرا صورة النظام السوري كنظام قاتل وسفاح وقامع، ما دام هذا النظام سيؤمن للغرب قتال داعش قبل أن تصل إليهم، بل ربما أن الغرب ذاته سيأخذ بيد الأسك ليقاتلوا سوية داعش وبقية الإرهابيين متناسين أن نظام الأسد هو الذي أخرج كل هذا الإرهاب، وطالما بقي نظام الأسد، سيظل الإرهاب، بل ربما سيزيد.
خامسا، الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة العربية والإسلامية
كما تلقف نظام الأسد جائزته التي ستحميه من السقوط إلى حين من خلال ما جرى في باريس، لا تقل بقية الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة العربية بالاستفادة من هذه الأحداث أيضا، حيث أن ما جرى في باريس سيقلل من ضغط الغرب، وإن كان ليس كافيا لإحلال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإعطاء الحريات، هذا الضغط الذي يمارس عن طريق منظمات حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية والشفافية، إن ما جرى سوف يعطي هذه الأنظمة الضوء الأخضر لمزيد من التوحش والقمع والفساد بحجة مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، ولن تكون الديمقراطية مطلبا ملحا من قبل الغرب تجاه هذه الأنظمة، طالما أنها تحكم قبضتها وتوفر الأمن للغرب ولو إلى حين. ورغم أن استمرار الغرب بنهج هذا السلوك تجاه شعوب المنطقة هو ما خلق بيئة خصبة لهذه الاتجاهات الإسلامية المتطرفة نتيجة الشعور بانسداد الأفق، وأن لا إمكانية لقيام أنظمة ديمقراطية مكان تلك الأنظمة الاستبدادية، تلك الشعوب التي طالما كانت متأكدة من أن الغرب ليس جادا بمكافحة أو بالضغط الجدي على الأنظمة الدكتاتورية لتقوم بإحلال الديمقراطية، بل أن كل ما يهمها هو أمنها تحت مسمى عريض”الاسلاموفوبيا”، وإذا استمر هذا السلوك من الغرب ستزداد هذه الأنظمة وحشية في قمع شعوبها وستزداد المعارضة المتطرفة وحشية بالرد على الجميع.
- الانعكاسات:
أولا، على صورة الإسلام وعلى الجاليات المسلمة
إن أحداث باريس تكرّس النظرة التقليدية عن الإسلام في فرنسا والغرب وربما العالم عن الإسلام والمسلمين، بأنهم متخلفون وعنيفون لا يقبلون التعايش مع الآخر، ولا يريدون ولا يستطيعون الاندماج والتعايش بسلام خارج مجتمعاتهم الأصلية، وأن العنف جزء من طبيعتهم وعقيدتهم، كل ذلك سيضر بشكل كبير بالجاليات المسلمة في العالم وبالذات في الغرب، وبصورة الإسلام والمسلمين. إن العمليات الإرهابية في باريس قد أضرت بعشرات الملايين من الجالية المسلمة المقيمة في الغرب وبحوالي (6ملايين) في فرنسا تحديدا الذين يمثلوا حوالي (10%) من فرنسا، وسوف يرجع كابوس أحداث سبتمبر التي جرت في الولايات المتحدة والتي عاش من خلالها المسلمون في الولايات المتحدة والغرب أسوء أيامهم، حيث تعرضوا لأنواع من الإيذاء والتهميش والعزلة، ونوع من الاضطهاد، سواء من خلال ملبسهم أو مأكلهم أو عباداتهم تحت عنوان أن المسلمين عامة كلهم وبلا تمييز “إرهابيون”.
وكلما بذل المسلمون جهدهم بمحاولة إيصال روح الإسلام عبر صورة زاهية تأتي أعمال لفئة قليلة ولكنها عنيفة لتمزّق هذه الصورة، ولتترك كل المسلمين بلا استثناء أمام نظرة نمطية في العالم والغرب كلها اتهام لهم بالعنف والإرهاب، هذه الصورة السلبية التي من مصلحة البعض حتى داخل العالم الإسلامي وخارجه بتعميمها على جميع المسلمين، وإلقاء الضوء بشدة على كل أمر سلبي يصدر من المسلمين، بالذات في الغرب. رغم أن هذه الأحداث حصلت في باريس إلا أن كثيرا من رصاص هؤلاء الإرهابيين وشظايا قنابلهم، أصابت المسلمين في العالم كافة، والجاليات المسلمة في كل مكان بمقتل.
ثانيا، على اللاجئين وبالذات السوريين
لم يجد الكثير من اللاجئين وبالذات السوريين، وسيلة للخروج من سوريا التي حولها النظام هناك إلى جحيم جراء القتل والبراميل المتفجرة والقمع، لم يجدوا وسيلة لمحاولة الخلاص من هذا الكابوس إلا عبر كابوس آخر وهو ما يعرف بقوارب الموت التي يركبوها بأعداد أكبر مما تحتمل، راضين بفرصتهم الضئيلة بالنجاة، مقابل الوصول إلى بر يوفر الأمن والسلام وهو البر الأوروبي، وللحقيقة كانت أوروبا وتحديدا ألمانيا متفهمة مأساة هؤلاء اللاجئين وسهّلت عبورهم رغم الكثير من الأصوات المعارضة التي تنادي بوجوب بقاء أوروبا قارة مسيحية ومحاولة ان لا تزيد نسبة المسلمين فيها اكثر من الموجود. وجاءت أحداث باريس الإرهابية، لتعصف ربما بأحلام الكثير من هؤلاء اللاجئين بالوصول إلى أوروبا والإقامة فيها بسلام، وربما انطلق مناهضو استقبال اللاجئين بالذات المسلمين منهم، بحجة جديدة وهي أن أحد الإرهابيين في أحداث باريس كان لاجئا سوريا وصل إلى أوروبا قبل شهر من هذه العملية الإرهابية. إن هذه الأحداث الإرهابية قد جعلت الكثير من الأصوات المعارضة والمؤيدة تتعالى، كل يحاول شرح وجهة نظره، لكن المؤكد أن هذه الأحداث الإرهابية ستؤثر وربما بشكل جذري على تدفق هؤلاء اللاجئين إلى أوروبا وعلى إمكانية بقاء من وصل منهم. بل أن هناك أصوات تنادي بوجوب ترحيل من وصل منهم فور وقف إطلاق النار في سوريا، حتى وإن كانت البنى مهدمة، والقتل على الهوية، كل ذلك لا يهم طالما أنه يضمن للمنادين بترحيل اللاجئين أن تقل أعداد المسلمين في أوروبا وبالذات في فرنسا. وليس أبلغ من التأكيد على أن لهذه الأحداث صداها السلبي وربما المباشر على المهاجرين واللاجئين في أوروبا عموما، من قيام بعض المتطرفين في فرنسا بإحراق مخيم للاجئين السوريين يضم (6 آلاف) لاجئ سوري، بل وصل الأمر إلى قتل شخص تركي في فرنسا أيضا لمجرد أنه مسلم، كرد على هذه الأحداث. ويبدو أن فرنسا وعموم أوروبا ستتخذ كثيرا من الإجراءات تجاه الأشخاص المشتبه بهم من المسلمين بالتطرف، والمساجد التي يشتبه فيها بنشر ما يسمونه “خطاب الكراهية” ، و وجوب تقييد تدفق اللاجئين بحجة أن أمن أوروبا أولى من إنسانيتها. إن داعش وبما قامت به من أعمال إرهابية تعتبر بالنسبة للسوريين هي ذراع النظام الأخرى الضاربة خارج الحدود، حيث نجد أن النظام يقتل السوريين في الداخل السوري، وداعش تلاحق هؤلاء اللاجئين وتحاول القضاء على أحلامهم ببر امن.
ثالثا، القضية الفلسطينية
من الواضح أن القضية الفلسطينية ستواصل غرقها في بحر النسيان، طالما أن إسرائيل تقدم نفسها أنها حامية الغرب في الشرق المتوحش الإسلامي، وان العرب والمسلمين هم من يمارس الإرهاب في كل مكان، وسوف يزداد الغرب وإسرائيل قربا وتوافقا على أن الأمن لكل منهما اهم من الحرية للآخرين وبالذات الفلسطينيين لأن الإرهاب –حسب اعتقادهم-جزء من تكوينهم وقيمهم. إن إسرائيل رغم أنها كانت طوال عمرها مرتاحة أمام الضغوط اللينة التي تمارس عليها من قبل المنظمات الدولية من الأمم المتحدة إلى تلك المعنية بحقوق الإنسان ومراقبة التعذيب وغيرها، إلا أنها الآن تشعر براحة أكبر وتستطيع إطلاق يدها بالبطش والقتل في كل مكان، حتى دون كلمة استنكار ربما، وظالما تم اختزال المسمين بما يقوم به البعض منهم، وستظل القضية الفلسطينية بعيدة كل البعد عن أي حل يضمن الحد الأدنى من الحرية والكرامة للفلسطينيين على أرضهم.
رابعا، على المطالبات بالحرية والديمقراطية في العالم الإسلامي
كلما قام المتشددون الإسلاميون بعملية إرهابية هنا وهناك في العالم، سيستمر الغرب تحديدا بتكريس الصورة النمطية للمسلمين عن كونهم الإرهابيين المتخلفين الذين لا يجوز أن يمتلكوا حريتهم ولا يصلحوا لتكون دولهم دولاً ديمقراطية وأن ما يصلح لهم فقط هو القبضة الحديدية الفاسدة من الأنظمة الدكتاتورية التي تحكمهم، وأي مطالبة بالحرية والديمقراطية سوف يتم تجاهلها، ربما خوفا من وصول الإسلاميين إلى الحكم، حيث ان كثيرا من الجهات في الغرب تجعل الإسلاميين كلهم في سلة واحدة غثتهم وسمينهم دون تمحيص. وعليه يبدو أن طريق الشرق إلى الحرية والتنوير، مازال طويلا.
خامسا، على الاتحاد الأوروبي ومؤسساته
بدأت تتعالى في بعض الدول الأوروبية بالمطالبات بإعادة النظر ببعض الاتفاقيات الأوروبية، وبالذات المتعلقة منها بحرية التنقل، حيث تود بعض الدول التي تشعر أنها مهددة بالإرهاب بأن تشدد من شروط الدخول إليها وتضمن تمحيصا أكبر لكل من يود الدخول إلى أراضيها أو العبور من خلالها، وربما تؤدي هذه المطالبات وغيرها إلى إعادة النظر بجدوى الاتحاد الأوروبي كله، طالما انه لا يوفر الأمن التام لهذه الدول، على الرغم من أن مفهوم الأمن التام هو مفهوم خيالي لن تستطيع أي دولة أو أي مجموعة من الدول بشكل محكم.
سادسا، سطوع نجم اليمين الأوربي
من الواضح أن الحكومة الاشتراكية في فرنسا سوف تغادر الحكم إلى أمد ما، وسوف يتصدر الساحة السياسية في فرنسا، وربما في بلدان أوروبية أخرى اليمين سواء المتطرف منه المتمثل في فرنسا بالجبهة الوطنية بقيادة لوبان، أو باليمين التقليدي الذي يتزعمه الرئيس السابق ساركوزي من خلال حزبه الذي طالما مارس القبضة الحديدية على المسلمين خلال فترة رئاسته في فرنسا، أو أيام كان وزيرا للداخلية. إن هذا اليمين في فرنسا أو غيرها من البلدان الأوروبية يعد المواطنين بهجرة أقل، وتضييق وملاحقة للإرهابيين الذين يقصد منهم في الغالب المسلمين، كل المسلمين. على أساس أن الأمن أولا، وأن الأمن اهم من الحريات بالذات تلك التي للمسلمين على أراضي أوروبا. يبدو أن داعش قد أطلقت مارد اليمين في أوروبا بكل أطيافه.
سابعا، مزيدا من الشرخ داخل الاتجاهات الإسلامية
إن أحداث باريس الإرهابية، صبّت مزيدا من الزيت على النار داخل الأمة الإسلامية، حيث تتصارع الاتجاهات المتباينة بين معتدلة ومتطرفة. والمعتدلة من الحركات الإسلامية التي تحمل فكرا تنويريا وفكرا إنسانيا ينطلق من جوهر الإسلام الذي يحث المسلمين على التعايش مع الآخر والتعاون معه في مصلحة الإنسان. أما تلك الاتجاهات المتطرفة والتي تزعم أنها تنطلق أيضا من جوهر الإسلام في مقاتلة أعداء الدين ووجوب القضاء عليهم، إن هذا التضاد بين اتجاهين مختلفين داخل الحركات الإسلامية يزيد من الشرخ ومن صراع الهوية عند المسلمين، ولقد وجدنا عبر التاريخ الإسلامي الطويل، أن هذين الاتجاهين تصارعا طويلا من فينة إلى أخرى إلى حد الاقتتال، ولا يبدو في هذه الأوقات أن هناك أي هدنة تلوح في الأفق بينهما.
للتحميل من هنا
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016