خمسة أسئلةٍ لفهم الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران
ترأس الرئيس الأمريكي دونالد ترمب اجتماعًا لمجلس الأمن الدولي نهاية أيلول/سبتمبر ٢٠١٨، تحدّد موضوع تلك الجلسة بمواجهة انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية، كان واضحًا أنّ الأهم بالنسبة لترمب وقتها وضع حد لطموحات إيران.
يرغب الرئيس الأمريكي بالضغط على إيران للقبول باتفاقٍ جديدٍ بدل الاتفاق النووي الذي عُقد عام ٢٠١٥، والذي انسحبت منه الولايات المتحدّة من جانبٍ واحد.
بحلول أيار/مايو ٢٠١٧، أعلن ترمب خروج الولايات المتحدّة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني والذي اعتبره متساهلًا جدًّا.
في نفس المجال، مارسَ الرئيس الأمريكي أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة ضغطًا على كوريا الشماليّة، وذلك قبل التفاوض مع بيونغ ينغ في الأشهر التالية. من هنا إذا أراد ترمب أن يجعل من طريقته خطّ سيرٍ له مع طهران، فليعلم أنّ الحالتين غير متطابقتين.
على هذا الأساس تقوم (لوفيغارو) بتقييم الأزمة بين الولايات المتحدّة الأمريكية وإيران.
ما هي مراحل الأزمة؟
يعود تاريخ برنامج إيران النووي إلى الخمسينات من القرن الماضي، وقتها كان نظام الشاه مؤيدًا للولايات المتحدّة، ولكن مع انطلاق “الثورة الإسلامية” عام ١٩٧٩أصبحت إيران “عدوةً” لأمريكا.
الجدير بالذكر أنّ البرنامج النووي الإيراني كان سريًّا، ثمّ ما لبث أن ظهر إلى العلن بعد الحرب العراقية الإيرانية (١٩٨٠-١٩٨٨).
حاولت طهران في كلّ مناسبةٍ أنْ تؤكد أنّ هذا البرنامج له أهدافٌ مدنيّة، لكن في بداية القرن الحادي والعشرين رأتْ القوى الغربية عكس ذلك.
حينذاك صوتت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وحلفاؤها بعقوباتٍ مشدّدة ضد نظام الملالي، أعقب ذلك تصعيدًا كبيرًا خاصّةً عام ٢٠٠٥، عندما أصبح المحافظ محمود أحمدي نجاد رئيسًا.
في تلك الفترة كانت تفاصيل البرنامج العسكري لإيران لا تزال غير واضحة المعالم، لكن مع ذلك كان الباحث في جامعة لوفان فينسنت إفلنج متيقنًا من مدى فعالية النووي الإيراني: “لقد كانت إيران قادرةً على إنتاج يورانيوم عالي الجودة بكمياتٍ صناعية”.
في عام ٢٠١٣ تمّ انتخاب “المعتدل” في طهران، الرئيس الحالي حسن روحاني، هذا التغيير بالطبع هو الذي أثار مفاوضاتٍ في إطارٍ وشكلٍ معيّن يسمى (٥+١)، أي يتكوّن من الخمسة دائمي العضويّة في مجلس الأمن (روسيا وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين) وألمانيا، بلغت هذه المفاوضات ذروتها في حزيران/يوليو ٢٠١٥ في اتفاقٍ تاريخي.
بموجب هذا الاتفاق تلتزم طهران ببنود تتعلق بالحدِّ من برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها، ولكن خلال حملة الانتخابات الأمريكية عام ٢٠١٦ شجب دونالد ترمب تلك البنود، ووعد الرئيسُ بالعودة الأمريكية عنه خال فوزه بالرئاسة.
وبالفعل، التزم المرشح الجمهوري بكلمته وأعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي في أيار/مايو ٢٠١٨.
ما الذي توبخ الولاياتُ المتحدة إيرانَ عليه؟
لتبرير هذا الخروج الأحادي من الاتفاقية يستدعي دونالد ترمب ثلاثة أسباب، الأول يتعلق بالاتفاقية النووية ذاتها، حيث يرى أنّ تأثير بعض هذه البنود محدود بالوقت الذي تطبق فيه فقط، أمّا ترمب فيريد بنودًا قطعيّةً ونهائية.
حول هذه النقطة يوضح فينسنت إفلنج: “إيران من الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولها الحق في الحصول على الطاقة النووية لأغراضٍ مدنية”.
ويتابع إفلنج أنّه في حالة إيران ينص اتفاق ٢٠١٥ على فرض قيودٍ على هذا الحق. من جهتها إيران ابتعلت هذا الثعبان إذ اعتبرت أنّها ستصبح بعد ذلك دولةً مثل أي دولةٍ أخرى؛ وهي فكرةٌ يرفضها ترمب بشكلٍ قاطع.
أما السبب الثاني فيتعلق بالصواريخ البالستية التي تمتلكها إيران، يريد ترمب التوصل إلى اتفاقٍ بحيث تكون طهران محدودةً كذلك في هذا المجال الاستراتيجي للغاية.
يتراوح مدى الصواريخ البالستية الإيرانية ٢٥٠٠ كم وفقًا لفنسنت إفلنج الذي يُشير إلى أنّ هذا البرنامج البالستي هو وسيلةٌ لإسقاط القوّة الإقليمية، وهو ما يعوض عن ضعف القوّة الجويّة الإيرانية ويسمح لها بالوصول إلى القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، في المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
يكشف السبب البالستي عن السبب الثالث للأزمة، حيث يريد دونالد ترمب “تغييراتٍ عميقةٍ في السلوك الإيراني التي تمارس دورًا “خبيثًا” في زعزعة استقرار الشرق الأوسط.
في هذا الموضوع يتحدّث فينسنت إفلنج عن معارضة الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ أساسي أن تصبح طهران قوّةً إقليمية، وهذا ما ترفضه إيران تمامًا: “إيران تنظر إلى نفسها أنّها وريث الإمبراطورية الفارسية في الوعي الجماعي الإيراني”.
هذه السياسة لطالما كانت لدى طهران حتى في عهد الشاه، لكنّ وقتها كانت حليفًا للولايات المتحدّة أي أنّها لم تكن تُزعجها.
ما هي استراتيجية دونالد ترمب؟
أكّد مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون أنّ الهدف النهائي ليس تغيير النظام في طهران، إنّما الهدف هو حجم هذا النظام، بولتون قبل تعيينه في منصبه هذا أيّد بقوّةٍ هذا الخيار.
تتّبع كوريا الشمالية اليوم النموذج الذي يريد ترمب تطبيقه على إيران، يقول الباحث في جامعة لوفان: “تريد واشنطن إخضاع الخصم تحت وطأة العقوبات ثمّ تطلق حملةً دبلوماسيّةً عامّة وكبرى بمفاوضاتٍ من شأنها أن تؤدي إلى لقاءٍ بين القادة.”
في عام ٢٠١٧ وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدّة كان ترمب قد تعهد لكيم جون أون، ثمّ التقى به أخيرًا في تموز/يونيو عام ٢٠١٨، مما دفعه للتفاوض حول نزع السلاح النووي دون أي ضماناتٍ حتّى اللحظة.
حسن روحاني من جهته استبعد لقاء ترمب وقال في نيويورك: “نموذج كوريا الشمالية لا يمكن أن يكون النموذج الصحيح لأنّنا لا يمكن أنْ نقوم بمثل هذه المقارنات”.
فنسنت إفلنج يدعم هذا الرأي: “هذا التشبيه فيه الكثير من الاختزال” ويُرجع ذلك إلى سببين بسيطين، الأول: أنّ كوريا الشمالية التي أجرت العديد من التجارب النووية هي بالفعل قوة ذرية.
والسبب الثاني: أنّه في الحالة الإيرانية يوجد اتفاقٌ صادقت عليه الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي، والدول الموقعة عليه لا ترغب في التوصل إلى اتفاقٍ جديد، خاصّةً أنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت مرارًا وتكرارًا أنّ إيران: “تحترم التزاماتها النووية”.
ما الذي يمكن أنْ يفعله الموقعون الآخرون على الاتفاقية؟
منذ الانسحاب الأمريكي رفض الحلفاء الأوربيُّون الذين اصطفّوا خلف الرَّاية الأمريكية سياسة الأسنان والأظافر في كسر إيران، منتقدين التراجع الأحادي الجانب من قبل واشنطن.
لكن بعض المراقبين مقتنعين بالتساؤل إذا ما كانت الولايات المتحدة بدون الأوربيين ستنجح في فرض ضغوطٍ كافية لثني إيران.
العقوبات الأمريكية على طهران والتي أُعيد فرضها اعتبارًا من ٦ آب/أغسطس ٢٠١٨ ستؤدي بالفعل إلى إضعاف الاقتصادي الإيراني الذي يتهاوى أصلًا، وسوف يتم فرض عقوباتٍ جديدةٍ بما في ذلك مجال الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك وهو الأهم فيما يخصّ موقف الأوربيين، أنّ هذه العقوبات موجهّةٌ أيضًا إلى الشركات الأجنبية بما فيها الأوربية التي ستواصل التعامل مع إيران، وذلك فيما يُعرف (قانون خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية).
من أجل ذلك قام الاتحاد الأوربي بالفعل بتنشيط الآليات التي تمّ إنشاؤها في عام ١٩٩٦ للتحايل على العقوبات الأمريكية ضدّ كوبا.
ولكن على الرغم من هذا، ومنذ الإعلان عن الانسحاب الأمريكي فإنّ عددًا من المجموعات الأوربية الرئيسية قد انسحبت بالفعل من السوق الإيرانية، مثل شركة بيجو التي كانت موجودةً منذ عقودٍ في إيران.
لماذا تُعتبر الأزمة أزمةً إقليمية كبرى؟
حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية وإسرائيل، على عكس الأوربيين، فقد دفعوا واشنطن إلى التعامل بشكلٍ متشدّدٍ مع طهران المتطرفة، ذلك لأنّهم يرونها عدوًا إقليميًا.
“نحن أمام منطق المواجهة الممنهجة” يقول فنسنت إفلنج ناصحًا بعدم تجاهل احتمال تصعيدٍ حقيقي بصراعاتٍ كبيرة.
كحليفٍ لا يتزعزع لبشار الأسد، زادت إيران من وجودها العسكري في سورية، لذلك لن ينسحب الأمريكيون من هناك طالما الإيرانيون موجودون.
وفي لبنان تشعر إسرائيل بالقلق إزاء محاولات إيران تعزيز قوّة حليفها حزب الله. واليمن ليس أفضل حالًا، إذ تستمرّ إيران بدعم المتمردين الحوثيين الذين يقاتلون التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
وأخيرًا وفي نفس الموضوع تقود الرياض منذ تموز/يونيو عام ٢٠١٧ حصارًا على قطر بتهمة الاتصال مع إيران، لا سيما فيما بتعلق بالغاز.
يمكن أن يأتي الخطر أيضًا من طهران نفسها، لأنّ حسن روحاني كان يعتمد بشدّةٍ على اتفاقية عام ٢٠١٥ لتحقيق الرخاء الاقتصادي لبلاده، إذًا الوضع الداخلي الإيراني صعبٌ للغاية.
“ينبغي أن يتدهور الوضع أكثر في الفترة القادمة ليجد روحاني نفسه بين المطرقة (ترمب) والسندان (المحافظون الإيرانيون الذين يعادون التقارب مع الغرب)”.
يلخص فنسنت ذلك ويوضح أن الإيرانيين يحاولون القيام بجولةٍ إضافيةٍ بالسير خطوةً نحو الوراء على أمل ألا يتمّ إعادة انتخاب ترمب مرة أخرى، وفي الوقت نفسه يسعون إلى الحصول على توازناتٍ من روسيا والصين.
دفعت الأزمة الأخيرة خلال السنتين الأخيرتين إيران إلى توجيه “محورها” نحو الشرق كما فعلت بعض الدول الأخرى.
أليكسيس فيرتشاك لصحيفة (لوفيغارو) ٢٥ أيلول/سبتمبر ٢٠١٨
رابط المقال الأصلي من هنا
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات “
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019