خلافات الجبهة الشامية والحكومة المؤقتة إلى أين؟ معارضة مأزومة وحاضنة ساخطة على الجميع!
ملخص التطورات:
بناء على عدة مقترحات تلقاها الجانب التركي خلال المدة الماضية لتنظيم اجتماعات تنسيقية مباشرة مع ممثلي المعارضة السورية والفصائل ووجهاء المناطق، تم في الأسبوع الأول من الشهر الحالي تنظيم اجتماع في مطار ولاية غازي عنتاب، ضم ّ إلى جانب ممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات التركية، كلاً من الائتلاف الوطني السوري والحكومة المؤقتة وهيئة التفاوض ومجلس القبائل والعشائر، وقادة من الجيش الوطني السوري.
استمر الاجتماع أربع ساعات، وناقش مشكلات داخلية بين صفوف المعارضة وكذلك مشكلات مع الجانب التركي، لكن الاجتماع عكس بشكل رئيس استمرار الانقسام بين مكونات المعارضة السورية بشقيها العسكري والمدني.
ورغم أن الاجتماع كان مغلقًا، إلا أن بعض أطرافه قاموا بنقل خلافاتهم إلى الشارع الثوري مع إضافة الكثير من وجهات النظر الشخصية وتداعيات الخلافات السابقة، وهذا ما ساهم في عرقلة الوصول إلى النتيجة المرجوة.
عكس الاجتماع بيئة مأزومة لكافة الأطراف، ساهمت في تغذيتها الظروف الداخلية والخارجية، ثمّ حالة الجمود في الملف السوري على المستوى السياسي وعلى المستوى الإقليمي والدولي، إضافة إلى هامش الحركة المحدودة لكافة الأطراف السورية، وذلك نتيجة تصادم المشاريع الدولية الحالية في البيئة السورية، وعدم وجود حامل وطني جامع لتنظيم العمل السياسي والعسكري والخدمي بما يحسن من أدوات العمل في هذه البيئة المعقدة.
الأسباب الموضوعية لانزعاج الحاضنة الثورية من المعارضة:
- الفشل في إيجاد آلية تمثيل (من القاعدة إلى الأعلى) في المعارضة السياسية؛ ذلك لأن ظروف نشأة المعارضة والاعتراف الدولي بها في الخارج لا يزال يشكل حتى الآن العقدة الرئيسية في التمثيل، علمًا أن الكثير من ممثلي الثورة لا يزالون يخشون التضحية بمؤسسات المعارضة المعترف بها دوليًّا حتى لا تخسر الثورة ما تبقى لها من اعتراف لصالح النظام.
- الفشل في بناء علاقة مع الحليف التركي، فبعض الأطراف السورية المعارضة تُتّهم من الحاضنة بالتبعية للمشروع التركي وإهمال البعد الوطني، وبعضها يُتّهم بالعداء لتركيا وإهمال المصلحة المشتركة معها.
لذلك تتنازع الحاضنة حاليًّا ما بين هذين المشروعين، مع وجود قلة قليلة متعقّلة تنادي بتحالف ذو طابع خاصّ مع تركيا؛ بسبب عامل الجغرافيا والتحالفات، يقوم على المشتركات ولا يصل إلى مستوى التبعية للمشروع التركي بالكامل، لكن هذه القلة لا تزال أقل صوتًا من الطرفين الآخرين.
- الفشل في الانتقال من مستوى العمل الثوري العفوي إلى الحوكمة الإدارية والسياسية والاقتصادية، حيث لا تزال معظم المشاريع أقل من مستوى الحوكمة المطلوبة.
- الفشل في تأسيس مشروع وطني جامع يتجاوز المناطقية والفصائلية وفكر الجماعة والمجموعة، حيث لا يزال المشروع الجامع مطلب جماهيري دون اتي تنفيذ حتى الآن.
- الفشل في إيجاد نموذج مختلف عن نموذج النظام سواء في السياسة الداخلية (الأمنية والعسكرية والخدمية) أو في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية؛ إذ تشهد المرحلة تقليدًا للكثير من أخطاء ومشكلات النظام في تلك السياسات.
- الفشل في تحقيق مشروع البديل للنظام الذي تطالب الحاضنة بإسقاطه والتوجه نحو مشروع الشريك للنظام في الحل السياسي، حيث لا تزال الحاضنة ترفض هذا الخيار على الأقل في خطابها الشعبوي.
الأسباب غير الموضوعية لانزعاج الحاضنة الثورية من المعارضة:
- تجاهل التغييرات المرتبطة بالواقع الدولي والإقليمي، والذي أدى إلى تغير المزاج تجاه الثورة السورية، ولكن الحاضنة الثورية لا تزال تنكر عمليًّا هذا التغيير ولا تتفاعل معه، على عكس النظام.
- الاستمرار في استعداء المشاريع الدولية الرافضة للمسار الثوري والتعامل معها كأعداء، بدل الاهتمام بتحقيق اختراق في هذه المشاريع لصالح الثورة.
- الاستمرار في تكرار النماذج الثورية التي فشلت سابقًا، مثل الاعتماد على التاريخ الثوري بدل الخبرة السياسية والاقتصادية والعسكرية في المشاريع التي تحتاج الخبرة لا التاريخ الثوري.
- الاستمرار في سياسة التخوين والتشكيك والحكم المسبق على الأسماء والشخصيات التي تتصدى للعمل السياسي، دون انتظار نتائج أعمالها.
أسباب انزعاج الحاضنة الثورية من تركيا:
- تهميش ممثلي الحاضنة الثورية في كل القرارات التركية الخاصة بالملف السوري، حيث تتحدث تركيا عن مصالح الشعب السوري وكأنها هي من تقرر هذه المصالح لا الشعب السوري، وهذا يسلب حق طبيعي من الحاضنة الثورية.
- تعطيل آليات تمكين الحكومة المؤقتة في الشمال السوري بحجة عدم استنساخ الولايات المتحدة نموذجًا مشابهًا في مناطق سيطرتها شرق الفرات، حيث تسعى تركيا حسب وجهة نظر هذه الحاضنة إلى بناء نظام حوكمة لا يصل لمستوى الدولة، وهذا يقصر صلاحيات الحكومة ومشاريعها.
- عدم التنسيق بين المؤسسات التركية في الملف السوري، حيث تتصادم بعض المؤسسات التركية في الملف السوري على حساب مطالب الشارع السوري ومصالحه.
- تدخل المنسق التركي في النشاطات الحكومية السورية ومنع الحكومة المؤقتة من ممارسة صلاحياتها في مناطق وجودها.
أسباب الخلافات بين الحكومة المؤقتة والفصائل العسكرية:
- الحكومة لم تنبثق من الفصائل المسلحة وإنما تشكلت في الخارج ثم دخلت لتمارس عملها في الداخل، والفصائل لم تستطع إفراز جسم مدني منها ليقوم بالعمل الحكومي.
وهذه النشأة جعلت حالة التلاؤم والتوافق التام بين الجسمين (العسكري-الحكومي) غير موجودة حتى الآن، حيث يتم التعامل وكأن كل طرف منها بحاجة الآخر وليس مكملاً له يلبي احتياجاته في قطاعه التخصصي.
ولذلك يبدو أن كلاً منهما لا يعرف بالضبط ما هي حقوقه وما هي واجباته وأين تنتهي حدوده، وهذا يدفع باتجاه أن يقوم كل طرف بإظهار سيطرته لا تعاونه.
- يسعى كل طرف منهما للضغط على الطرف الآخر بكل الأدوات المتوفرة لديه، وعلى رأسها محاولة كسب الموقف التركي لصالحه باعتباره بيضة القبّان لتحصيل مكاسب ولزيادة رصيده وإثبات شرعيته في الميدان.
ولذلك تسعى الفصائل لكسب التنفيذيين الأتراك الائتلاف، وتسعى الحكومة المؤقتة لكسب المسؤولين الأتراك في أنقرة، بينما تعمل هيئة المفاوضات مع كافة الأطراف التركية والسورية كطرف يحل الخلافات ويمنع التصادم الصفري ويسعى لاحتواء الموقف، وقد بات ذلك واضحًا في الأحداث الأخيرة.
- يسعى كل طرف منهما لتبرير فشله في تحقيق وعوده للحاضنة عبر إظهار الطرف الآخر كطرف معطل، رغم أن فشل الحكومة يعني فشل الفصائل وفشل الفصائل يعني فشل الحكومة؛ لأنهما جسم واحد تنفيذي.
أسباب الخلافات بين الائتلاف والحكومة المؤقتة:
- تتهم الحكومة المؤقتة الائتلاف بالتنصل من إخفاقه في توفير مظلة تمكين دولية للحكومة عبر إظهار الحكومة وكأنها الطرف المعطل لمشاريع الائتلاف.
حيث فشل الائتلاف كمنصة سياسية في توفير الاعتراف الدولي بوثائق الحكومة (الشهادات الجامعية وكذلك الوثائق الإدارية وشهادات المنشأ، وأيضًا الدخول إلى منظومة السويفت العالمية، وغيرها من الطلبات المتكررة لتفعيل الحكومة).
كما فشل الائتلاف في التمكين العام للحكومة سواء في المحافل الدولية أو في تركيا، إضافة الى دور الائتلاف في بعض النشاطات الموازية للحكومة مع الفصائل والمجالس المحلية، وهذا بحد ذاته يساهم في تداخل صلاحيات الائتلاف مع الحكومة المؤقتة.
- يتهم الائتلاف الحكومة الموقتة بتجاهل التراتبية السياسية والتواصل المباشر مع الدول وتركيا بدون تنسيق مع الائتلاف ولجانه، وكذلك التقييم الدوري من الائتلاف للحكومة المؤقتة استنادًا إلى غطائها التركي.
التوجهات المطلوبة لتجاوز المشكلات وانفجار الوضع:
- شهدت الاجتماعات التركية اللاحقة مع المعارضة السورية تأكيدًا تركيًّا على مخاطر المرحلة الحالية والقادمة، وضرورة تجاوز المعارضة السورية والفصائل خلافاتها حتى تكون جاهزة لأي مفاجآت دولية وإقليمية قادمة، وتم التأكيد على حلول وسط يتم عبرها تجنب التصعيد للمرحلة القادمة.
- محاولات التهدئة التي تمت خلال الفترة الحالية قد تساهم في تنفيس حالة غضب مؤقتة للشارع الثوري، لكنها لا تلغي أسباب الانفجار القادم للحاضنة.
لذلك لا بد من اتخاذ إجراءات عملية لتصحيح المسار من الجانب التركي ومن الائتلاف والحكومة المؤقتة والفصائل، ولن تنجح التهدئة الحالية في ذلك بل تحتاج إلى قيام الحكومة المؤقتة والجبهة الشامية وباقي الفصائل بإعادة بناء خطوات الثقة وطرح مبادرات متبادلة لإزالة الاحتقان الأخير وتصحيح الوضع.
- قيام تركيا بخطوات عملية لتمكين الحكومة المؤقتة، وحتى يتم تحقيق ذلك لا بد من إيجاد أرضية تعاون مشترك بين الحكومة وكافة الفصائل تنتقل من مستوى المجاملات إلى مستوى العمل المشترك واحترام الترابية؛ لأن تمكين الحكومة المؤقتة يخدم الفصائل أيضًا.
- الابتعاد عن لغة الهجوم في الاجتماعات المغلقة والمفتوحة وفي البيانات المرتبطة بالفصائل او الحكومة او الائتلاف، والتركيز على لغة بناءة تساهم في تعزيز التعاون.
- قيام الجبهة الشامية والحكومة المؤقتة بإصدار بيانات جديدة لتهدئة الشارع الثوري لا تعزيز حالة السخط في البيئة الحاضنة، والتعامل مع البيانات الإيجابية باعتبارها انتصارًا للحاضنة وممثليها لا تنازلات، وهذا يحسن من مستوى الإيجابية في تمكين الحكومة.
- استخدام الائتلاف المشكلات الحالية كواحدة من أدوات إصلاح المؤسسة السياسية وتمكين أدواتها (الحكومة والفصائل) والعمل على حالة رقابة منصفة للجميع.
- الدعوة إلى ميثاق إعلامي ذو مصداقية يبتعد عن تحريض او زيادة الانقسام داخل الشارع الثوري.
- الفصل الفعلي في النقد بين الشخصيات والدول التي لها ارتباطات بها، خاصة تلك التي ما زالت بوابة مهمة للدعم الفعلي لمناطق الشمال.
الجهة المنفّذة: برق للسياسات والاستشارات – مجموعة القارات الثلاث