حزب الله من الداخل بعد مقتل قياداته ومسارات الحرب مع إسرائيل
مقدمة:
تغيّرت تقديرات حزب الله على نحو متسارع فيما يتعلق بدوره ونفوذه داخل لبنان وخارجه بما يشمل علاقته مع إيران وفصائل المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى موقفه العام من الحرب مع إسرائيل، كل ذلك ظهر مع انطلاق طوفان الأقصى وبلغ ذروته بمقتل الأمين العام للحزب حسن نصر الله بعد أيام من اختراق أمني عميق قُتل فيه معظم قادته الأمنيين والعسكريين ضمن الصف الأول.
عمليًّا بدأت التغييرات في الحزب قبل طوفان الأقصى ، وكان المظهر الأهم من مظاهر تغيره النوعي قبوله باتفاقية كاريش التي حملت في مضمونها اعترافًا بإسرائيل، هذا عدا تورط الحزب في سوريا وخسارته لخيرة كوادره، الأمر الذي أصابه بخسارات متعددة وكبيرة، جعلته غير مستعد لدخول حرب شاملة مع إسرائيل.
الحزب من الداخل بعد مقتل حسن نصر الله:
بغض النظر عن نتائج الضربات الإسرائيلية على الضاحية والجنوب اللبناني، فإن هدفها الأساس إحداث صدمة ورعب واستعراض هائل للقوة، يأتي ذلك في سياق سعي إسرائيل إلى ترميم صورتها الأمنية التي انهارت بشكل كبير مع بدء معركة طوفان الأقصى.
وكان لهذه الضربات انعكاس كبير على البيئة الحاضنة لحزب الله حيث سادت حالة من انهيار المعنويات ضمن قيادات وعناصر حزب الله إلى حدّ كبير، وصلت إلى ترك 25٪ من القوة المقاتلة بالإضافة إلى بعض كوادر قيادات الجنوب مواقعها باتجاه بيروت وشمال لبنان وسوريا.
أما فيما يخص تسيير العمل العسكري فقد تم تكليف رضا عباس والملقب بـ”أبو علي”، ويُعرف بالاسم الحركي “أبو حسين”، ليقود العمل المركزي لعمليات حزب الله مرحليًّا، فيما تشهد الحالة التنظيمية للحزب شللاً عميقًا في مجال التنسيق والتواصل، شمل رأس الهرم بما فيهم المكتبين السياسي ممثلًا بهاشم صفي الدين وعبد الكريم عبيد، والعسكري ممثلًا برضا عباس، تسود كذلك حالة من اهتزاز الثقة داخل حزب الله، لذلك اعتمدت استخبارات الحزب مصادرة أي وسيلة اتصال سلكية أو لاسلكية من الكوادر الرابضة في المواقع المتقدمة، مقابل اعتماد أسلوب المراسلة البشرية المباشرة.
من ناحية القوة البشرية، ينشطُ في الوقت الحالي على خطوط العمليات 40 ألف عنصر من حزب الله، من أصل 75 ألف عنصر كان هناك تعويل على مشاركتهم في مواجهة العملية البرية لإسرائيل، هذا الاضطراب دفع حزب الله إلى تنفيذ انسحاب فعلي لمسافة 3 كم عن الحدود الجنوبية، أي ٦٠٪ من المسافة التي طالبت إسرائيل بانسحاب الحزب منها وصولاً إلى الليطاني.
هل يتجه الحزب للتصعيد؟ لن يتجه الحزب للتصعيد وسيبقى في مساره الدفاعي، والرد التكتيكي على الفعل الإسرائيلي تجاهه لسببين:
- انسحاب أو انقطاع قدرة التواصل مع عدد ملموس من الكوادر.
- عدم وجود تنسيق فعلي وجاد في تقديم إيران الدعم لحزب الله من الناحية اللوجستية والعسكرية.
ونتيجة لهذين السببين، صدر قرار من القيادة العسكرية في الحزب بصب كل الجهود على التصدي للهجوم البري، مع الابتعاد عن التصعيد حاليًّا بسلاح الصواريخ.
علاقة حزب الله مع حماس:
بعد انتقال محمد نزال وعلي بركة وأسامة حمدان من لبنان إلى قطر بطلب من حزب الله، لعجزه عن حمايتهم، تراجع مستوى التواصل الفعلي بين حماس والحزب، واقتصر التواصل مؤخرًا على شخص مقرب من علي بركة يقيم خارج لبنان مع النائب البرلماني التابع لحزب الله محمد رعد، وذلك بهدف التشاور حول طبيعة المواقف التي يمكن اتخاذها على الصعيد السياسي، حيث أخبر رعد مندوب بركة بأن الوضع صعب جدًّا، مؤكدًا أنه وبعد اختراق شبكة اتصالات حزب الله بات هناك ضغط مسيحي وسني مبطن ضد حاضنة الحزب التي نزحت إلى بيروت والشمال، ونتيجة هذا الضغط انشغل الجناح السياسي للحزب بمسألة التنسيق مع النظام السوري لفتح الحدود.
وفي السياق، أكد رعد أن النظام السوري يشدد التدقيق على الثبوتيات الشخصية اللبنانيين، بهدف إيقاف انتقال كوادر الحزب إلى سوريا، بعد أن انسحب قسم منها قبل مدة بإدارة مباشرة من ماهر الأسد.
في نهاية الاتصال، طالب رعد بإيصال رسالة إلى حماس بضرورة تحريك كوادرها داخل لبنان قدر الإمكان، واللافت أن الاتصال تم في 27 أيلول/ سبتمبر، بينما اغتيل قائد حماس في لبنان فتح شريف أبو الأمين عصر 30 أيلول/ سبتمبر.
علاقة الحزب بإيران بعد الاغتيال:
رغم تقاعس إيران عن تقديم الدعم الذي كان ينتظره حزب الله، توجد قناعة داخل مركزية الحزب سياسيًّا وعسكريًّا بمواصلة العلاقة مع طهران كونها علاقة عضوية لا يمكن إنهاؤها بمجرد قرار، بالمقابل يوجد داخل كوادر الصف الثاني وما يتلوه من صفوف أخرى حالة امتعاض وتململ كبير وواضح من الموقف الإيراني، حيث باتت تدعو علانية لمحاسبة إيران على تركها حزب الله في معركة مصيرية وقاسية.
حالة التململ ازدادت بعد سحب إيرا ن بعض أسلحتها من سوريا، بوساطة روسية، تحديدًا من منطقة منجم التبني والبوكمال والشولا وأطراف القلمون الغربي.
لكن الموقف الإيراني لا يعني التخلي عن حزب الله بصورة كلية كحليف رئيس لها في المنطقة، فإيران لم تتدخل يومًا لصالح حليف لها بشكل مباشر، لكن وجود اختلاف كبير في المصالح الإيرانية الخاصة حتَّم عليها التخلي المرحلي عن الحلفاء الذين ارتبطوا بها ضمن إطار عقائدي دموي.
وعليه ليس بمقدور الحزب الانفصال عن إيران في المنظور القريب والمتوسط ولو أرادت قياداته ذلك، وبالمقابل لن تتخلى إيران عن قواها التي أنشأتها كأدوات نفوذ واحتلال في الشرق الأوسط بشكل كامل، لكنها ستقبل بتقليص دورها ونفوذها محليًّا وجعلها أقرب للسياسة منها للعسكرة.
تحركات حزب الله في لبنان لإعادة ترتيب وضعه الداخلي:
صفقة الأسير:
عرض حزب الله صفقة على الشيخ أحمد الأسير في سجن رومية بالإفراج عنه وعودته إلى ما كان عليه سابقًا، مقابل تعاون الحزب معه ككيان سني، وحصل التواصل مع الأسير في آب/ أغسطس الماضي، بعرض قدّمه الحزب يشمل أولاً تبرئة الأسير من قضية بحنين، وثم قضية عبرا وتشكيل الخلايا النائمة في حال تمت الموافقة من الأسير الذي رفض العرض بِمجمله.
المسؤولون عن العرض هم زيد ضاهر مسؤول قطاع صيدا في الحزب ومحمد معنية مسؤول الارتباط، بالتنسيق مع مسؤولين بالجماعة الإسلامية منهم بسام حمود.
تحركات الحزب في صيدا:
التواصل مع الأسير حصل بالتزامن مع تشكيل تنظيم سياسي جديد في صيدا يدعى “حركة النصر عمل” يقوده منشقون عن التيار الناصري ومدعومون من حزب الله، لذلك ينسق الحزب حاليًّا مع مسؤولين بالجماعة الإسلامية والتيار الجديد، لإضعاف نفوذ التيار الناصري وتيار المستقبل.
المسؤولون الذين تربطهم علاقة بحزب الله في صيدا:
-من التيار الجديد يتم التنسيق مع ملحم الحجيري، وهو نائب سني يتبع كتلة الوفاء للمقاومة، ومحمد البزري، عضو في الهيئة التأسيسية للتيار.
-من الجماعة الإسلامية محمود بديع قائد قوات الفجر، ومقداد قلاوون مسؤول الأمن في الجماعة، وعلي الحر عضو الأمانة السابقة في التنظيم الناصري، وعضو بالهيئة التأسيسية الحالية.
وازدادت تحركات حزب الله زخمًا مع خسارته جزءًا كبيرًا من قادته الأمنيين والعسكريين، لذلك وبعد أن بات يخشى على نفوذه في المناطق الجنوبية كصيدا والبقاع، بدأ يعمل على تشكيل تحالفات لاستقطاب معارضيه في المناطق السنية، وصولًا إلى تشكيل تجمعات سياسية في منطقة عرسال بالاعتماد على شخصيات موالية له بينهم النائب الحجيري.
خليفة نصر الله والمسار القادم:
كان من المفترض خلال الأيام القادمة إعلان رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين خليفة لنصر الله في أمانة الحزب بقرار إيراني بسبب قربه من طهران وخبرته بالملفات الداخلية والإقليمية التي يديرها الحزب، ولكن وبعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت اجتماعًا لصفي الدين وانقطاع التواصل معه تغيرت معطيات اختيار الأمين العام الذي سيخلف نصر الله، وبناء عليه تم اتخاذ قرار بترك المنصب شاغرًا في المرحلة القادمة وربط التعيين بتصاعد مسار الحرب من عدمه، ليدخل الحزب بما يشبه أزمة لبنان التي تعاني من فراغ رئاسي طويل الأمد.
إسرائيل ستصعد من عملياتها البرية: لدى قيادة حزب الله المركزية علم بنيّة إسرائيل تصعيد عملياتها البرية جنوب لبنان، وذلك بعد أن بدأت بتوغل محدود هدفه إجراء عمليات استطلاعية تمهد لهجوم موسع هدفه النهائي السيطرة على مناطق جنوب الليطاني قبل انتهاء الانتخابات الأمريكية.
خاتمة:
لم يعد لدى حزب الله القدرة على الاستمرار – في الوقت الحالي على الأقل – بوحدة الساحات وربط ملف غزة بلبنان، لذلك سيكون مجبرًا إلى قبول أقرب صيغة تتضمن هدنة ووقفًا لإطلاق النار خلال فترة زمنية ليست بالبعيدة، كما يعول حزب الله على تحركاته النشطة داخليًّا لتأسيس تحالفات جديدة تتيح له مستقبلاً إعادة ترتيب قدراته التي بدأت بالانهيار منذ انطلاق طوفان الأقصى، وازدادت انهيارًا بعد مقتل الأمين العام للحزب حسن نصر الله.
الجهة المنفّذة: برق للسياسات والاستشارات – مجموعة القارات الثلاث